الشعب يريد: ماذا ولماذا؟ — قراءة في كتاب جلبير الأشقر “الشعب يريد” بحث جذري في الانتفاضة العربية

الشعب يريد: ماذا ولماذا؟

نشر المقال لكاتبه، سمير مرقس، على شكل حلقات بموقع «الأهرام» المصرية: http://www.ahram.org.eg/.
يعيد موقع المناضل-ة نشرها تعميما للفائدة

وبعدها مباشرة، تجدون قراءة أخرى في كتاب د. جلبير الأشقر “الشعب يريد” بحث جذري في الانتفاضة العربية، بقلم ياسر  مرزوق

==========
الحلقة الأولى

بعيدا عن الانطباعات، و«حواديت» النميمة السياسية، ومحاولات التقليل من شأن ما جرى فى مصر أو توظيفه…،إلخ. نقدم للقارئ أحد أهم الكتب التى تناولت «حراكات» الشعوب العربية أو «انتفاضاتها» بحسب التعبير الذى اعتمده مؤلف الكتاب.
إنه كتاب «الشعب يريد»، لجلبير الأشقر الذى صدر مطلع 2013(400صفحة، وكان قد انتهى منه فى أكتوبر من عام 2012). وجلبير أشقر باحث لبناني، يعمل استاذا لدراسات التنمية والعلاقات الدولية فى معهد الدراسات الشرقية والإفريقية فى جامعة لندن. وتأتى أهمية هذا الكتاب فى أنه اجتهد على أن يجيب إجابة مركبة وعميقة على ما وصفه «الموجة الثورية التى اجتاحت الفضاء الناطق باللغة العربية». وبحسب التقسيم الذى اجتهدنا فى عرضه ـ فى مقالنا السابقـ حول الكتابات الغربية التى تناولت 25 يناير. يمكن القول إن هذا الكتاب يندرج تحت النوع الثانى من هذه الكتابات ألا وهو: «الكتابات البحثية»؛ ما جعله مرجعا مركبا يستدعى التوقف عنده وفهم جوهر ما جرى فى العمق…
أولا: فى المقدمة، على صغرها، يشرح ـ المؤلف ـ بدقة، دلالة الصرخة الجماهيرية التى انطلقت فى كل مكان: «الشعب يريد». فيصفها بأنها تعبير عن بدء «اقتحام الإرادة الشعبية للساحة السياسية العربية». إنه «انتقال إلى دائرة الفعل الذى يعبر عنه التأكيد الجمعى فى صيغة المضارع بأن الشعب يريد». وحول هذا الأمر اجتهد المؤلف فى ضوء التاريخ واللغة أن يوصف ما سبق فى كلمة واحدة. ومال إلى تعبير «انتفاضة» الأكثر حيادية.
ذلك لأنه لم تحدث بعد تحولات جذرية. لكن هذا لا يمنع أن «اقتحام الجماهير للساحة السياسية على نحو غير مسبوق الحجم فى التاريخ بالغ الطول لبلاد الأهرامات»، يعنى «أن هذه الانتفاضة قد أطلقت، بلا أدنى شك، دينامية ثورية لا يزال الوقت مبكرا جدا للحكم على مآلها». خاصة أن هناك ثورات مضادة وانقلابات قد استطاعت أن تحدث تحولات جذرية فى حياة المواطنين ـ بالسلب أو بالإيجاب ـ ما يجعلها أن تستحق لقب ثورة.
ثانيا: عن تفسير ما جري، يشير المؤلف إلى «وجود أسباب أعمق من مجرد البعد السياسي». ومباشرة يقدم هذه الأسباب تحت عنوان كبير هو: «التنمية المعاقة». ويعتمد فى هذا المقام على أمرين: أولا: «التحليل الماركسي»، وثانيا: الاحصائيات المتنوعة أو التى يطلق عليها: «الوقائع». ينطلق المؤلف من مقولة ماركسية تقول: «عند مرحلة معينة من تطور أى مجتمع، تدخل قوى المجتمع الإنتاجية المادية فى تناقض مع علاقات الانتاج القائمة…وتتحول تلك العلاقات من أشكال تتطور القوى المنتجة من خلالها إلى قيود تعوق هذه القوي. وعندئذ تبدأ حقبة من الثورة الاجتماعية».بلغة أخرى هناك لحظة ما فى تاريخ المجتمعات يحدث أن تتعارض المصالح بين ما هو قائم وبين ما هو صاعد وبازغ. فإذا لم يستطع القديم أن يستوعب الجديد يبدأ التناقض والتناحر.وفى هذا المقام تحديدا يستعرض تجارب تاريخية أوروبية كلاسيكية، وحديثة كتلك التى جرت فى أوروبا الشرقية. ويخلص إلى انه أحيانا تكتمل الثورة ويحدث التحول الجذرى تاما. وأحيانا تحدث تغييرات فى المسارات أو التوجهات مع بقاء القديم مستمرا ولكن مع تيسير قدر من «البراح» أمام القوى البازغة. ولكن يبقى الصراع مفتوحا ولكن مقيدا وخاصة إذا ما كان الاقتصاد تابعا. وفى هذا المقام يستعين المؤلف بأدبيات حديثة فى تعميق اجتهاداته منها: أن التغيير قد يكون عملية :تحوير أو تصويب أو تقويم أو تعديل لما هو قائم من توجهات وسياسات اقتصادية دون المساس بالتوجه العام». ما يعنى تسكين الانتفاضة أو استيعابها ما يعوق التغيير الجذرى أو يؤخره،…إلخ.
وفى ملاحظة ذكية ولافتة يشير إلى نتائج كل من أزمتى الكساد الكبير والركود العام فى الثلاثينيات والسبعينيات على التوالي، حيث الأولى خرجت منها الحركة العمالية أقوي، بينما فى الثانية أضعف، وهذا يعود إلى موازين القوى الاجتماعية». ومدى وعيها التاريخى وإدراكها لمصالحها بدقة ومن هم خصومها وخبرتها السياسية وقدراتها التنظيمية،…،إلخ.
ذلك لأن العملية السياسية ليست معركة الجولة الواحدة…ويستشهد المؤلف بكثير من الاحصائيات ـ فى إطار مقارن مع مناطق جغرافية أخرى تؤكد كيف أن منطقتنا تشهد: «أزمة التنمية الأشد حدة».ويوجز نتيجة قراءة الأرقام المتنوعة فى ثلاث كلمات مفتاحية كما يلي: «الفقر، اللامساواة، اللا استقرار». ويأخذ المؤلف فى الاعتبار مؤشرين دالين عمليين لتأكيد أطروحته هما: نسبة البطالة (وبخاصة وسط الشباب)، ونسبة غير المشتركين بالنظم التأمينية المختلفة.
ثالثا: يخلص المؤلف مع نهاية الفصل الثالث إلى أن «تناقضات المجتمع القديم المستعصية الحل قد وضعت الثورة على جدول الأعمال منذ أمد بعيد. أما التقلبات الاقتصادية والديمجرافية المولدة للتوترات، والخارجة تماما، عن أى قدرة حكومية على الفعل، فقد خلقت حالة ثورية. فى مواجهة نظام كانت طبقته الحاكمة عاجزة عن الدفاع عنه، هبت الأغلبية الكاسحة من الأمة، بارتباك أو بوعي. وهكذا وصلنا إلى نقطة القطيعة، ولكن…

================
الحلقة الثانية

قليلة هي الدراسات التي تعاطت مع حراك المواطنين الذي انطلق في‏25‏ يناير‏2011,‏ بعمق‏.‏ فالمسألة أعقد من أن تكون هبة طارئة أو مؤامرة مباشرة أو فوضي عابرة‏.‏
فالباحث المدقق للتفاصيل والوقائع التي جرت علي مدي سنوات الحراك سوف يجد زخما مركبا قد نتج بفعل ما جري. شكل هذا الزخم’ لوحة’ فنية تحليلية كبيرة وثرية ذات عناصر تفصيلية متداخلة ومتراكبة. وأي اختزال لها أو اقتطاع منها غير مقبول, لأن النتيجة ستكون غير دقيقة و منحازة وانطباعية وسطحية.
في هذا السياق, يأتي كتاب جلبير الأشقر:’الشعب يريد’, والذي بدأنا في تقديم أهم ما جاء به الأسبوع الماضي. فقدمنا الدلالة العلمية لفكرة’الشعب يريد’ والدوافع التي أدت إلي انتفاضته. وانطلق من هذه القاعدة يبني أطروحته التي تناولت العديد من العناصر منها: أولا: طبيعة الدولة ونظامها الاقتصادي. ثانيا: دور العناصر الإقليمية. ثالثا: القوي الفاعلة في العملية الثورية.
أولا: فيما يتعلق بالدولة ونظامها الاقتصادي;يشير المؤلف إلي أمرين هما: الأول: ريعية ووراثية الدولة. والثاني: محسوبية الطغمة الاقتصادية. فلقد تضافرا معا في اتجاه الدفع بالمواطنين إلي الانفجار…كيف؟ يقول المؤلف:’…إن جزءا هاما من عائدات الدولة في بلدان المنطقة ريعي’. ويدلل علي ذلك بقوله:’ ففي سنة2010, كان أكثر من60% من سكان المجموعة العربية يعيشون في دول مصدرة صافية للنفط(6 دول بالإضافة إلي دول مجلس التعاون الخليجي)…وإذا ما أخذنا في الحسبان تصدير الغاز, ترتفع هذه النسبة إلي85%. وإذا ما أضفنا المعادن أيضا, لوجدنا أن جميع سكان المنطقة تقريبا يعيشون في بلدان تحصل فيها الدولة علي نصيب هام, بهذا القدر أو ذاك, من إيراداتها من منتجات مستخرجة من باطن الأرض( وغير متجددة). إنه الريع’ المنجمي’ بحسب المؤلف. والمحصلة, أنه’ كلما اعتمد تمويل الدولة علي الريع, قل اعتمادها علي السوق الداخلية وقل اضطرارها إلي إخضاع أعمالها لمتطلبات هذه السوق’. في هذا السياق تنشأ رأسمالية ـ تجاوزا ـ مقربة من السلطة تختار بعناية أو ما يعرف:’برأسمالية المحاسيب’ بحسب محمود عبد الفضيل, أو ما عبرت عنه مبكرا’ شبكة الامتيازات المغلقة’, ومن ثم احتجزت غالبية العوائد عندها.
ثانيا: دور العناصر الإقليمية;يشير الكاتب إلي التحولات الكبيرة التي طرأت علي المنطقة علي مدي القرنين الأخيرين والتي أدت في النهاية إلي تغير قواعد اللعبة التاريخية منذ الاستعمار التقليدي. وذلك بمحاولة القوي الجديدة ـ وبالأساس ـ الولايات المتحدة الأمريكية ـ مع قوي أخري, أن تتفنن في إبقاء دول المنطقة في حالة تبعية بشتي الطرق. وتوظيف بعضها في دعم الحركات الاجتماعية الدينية الأكثر تشددا والتي مصالحها الاقتصادية لا تختلف كثيرا ـ وهنا المفارقة ـ عن المصالح الأمريكية. وخاصة أن القاعدة الاجتماعية لهذه الحركات تقوم علي’ البورجوازية الصغري عموما’ أو’ الريفية والهامشية خصوصا’ وهي محافظة وليست ثورية إلا أنه يمكن أن توظف ثوريا في لحظات ما قبل الانهيار. وهي بذلك’ تدافع عن مصالحها الراهنة, بل عن مصالحها المقبلة’.(يفصل كثيرا حول دور أمريكا وقطر والجزيرة والجماعة,…,إلخ, في هذا المقام من خلال تحليل اقتصادي/اجتماعي, وإقليمي/سياسي جدير بالدراسة والمعرفة).
ثالثا: القوة الفاعلة في العملية الثورية; ينطلق المؤلف من مقولة ماركسية ـ كما أوضحنا في مقالنا السابق ـ القائلة: بأن’ التناقض بين تطور القوي المنتجة وعلاقات الانتاج القائمة يولد الثورات’. ويذكر أن أطروحته عبر ما قدم من تحليل تؤكد علي وجود هذا التناقض, رغم علمه أن الشروط لم تكتمل بعد لحدوث الثورة بمعناها الكلاسيكي. إلا أن المنطقة العربية تضافرت فيها ظروف تاريخية بعينها وتيارات سياسية إقليمية خلقت هذه الحالة الثورية التي ستستمر متي بقيت الظروف المتضافرة والمتعددة. ويدلل علي ذلك أن الجماعة عندما حكمت لم تعمل علي إحداث تحولات جذرية في البني التي تم الانتفاض ضدها. بل علي العكس فلقد أبقوا علي ما هو قائم وخاصة في مجال البنية الاقتصادية كما هو. وبات الأمر لا يعدو أن يكون استبدال نوع من رأسمالية المحاسيب برأسمالية نيوليبرالية غير مقيدة تحددها نخبة وطنية بالاتفاق مع الحكومات الغربية والمؤسسات المالية الدولية. لذا أبقت سلطة الجماعة علي قانون تحصين المستثمرين من أية مساءلة قضائية جنائية أو إدارية علي جرائم الفساد ـ في السابق ـ ما يتيح لهم التفاوض علي تسويات ودية مع لجان حكومية. وفي هذا المقام يعدد المؤلف الكثير من الأمثلة ويفندها بالتحليل العميق. لذا تمت محاولات احتواء الانتفاضة بشتي الطرق.
وحول المستقبل يخلص المؤلف إلي أن الإنجاز الرئيسي للانتفاضة العربية ـ حتي تاريخ نشر الكتاب مطلع2013 ـ يتمثل في’ أن شعوب المنطقة قد تعلمت أن تريد. وهو ليس بالأمر الهين. تعلمت الشعوب أن تعبر عن إرادتها الديمقراطية بأكثر الطرق جذرية’…ونتابع…

rilaf

=============

قراءة في كتاب د. جلبير الأشقر “الشعب يريد” بحث جذري في الانتفاضة العربية

بعيداً عن التفسيرات التبسيطية للانتفاضات التي عمّت المنطقة العربية منذ بدء الثورة التونسية في ديسمبر/ كانون الأول 2010، يسبُر هذا الكتاب غور الأحداث ويكشف أعمق جذورها الاقتصادية والاجتماعية. وفيما يرى الكاتب في الأحداث العربية سيرورة ثورية طويلة الأمد، يقدّم تحليلاً ملموساً للقوى الاجتماعية المنخرطة في تلك السيرورة، ويقيّم ما آلت إليه الانتفاضات ويقدّر آفاقها. كما يسلّط الضوء على دور الحركات التي تستغلّ الدين لأغراض سياسية وعلى دور رعاتها الخليجيين المرتهنين بالحماية الأميركية. والبحثُ جذريّ بمعنيي الكلمة: في طريقة تناوله الأحداث، وفي نظرته إلى التغيير الاجتماعي والسياسي المطلوب لتخطّي الأزمة المزمنة في الواقع العربي المحتضر.
يرى الباحث اللبناني وأستاذ «دراسات التنمية والعلاقات الدولية»، د. جلبير الأشقر في كتابه الصادر حديثاً عن دار الساقي، أن للأحداث العربية الراهنة سيرورة ثورية طويلة الأمد، ليقدم عنها تحليلاً ملموساً للقوى الاجتماعية المنخرطة في تلك السيرورة، ويُقيّم ما آلت إليه الانتفاضات في كلّ من تونس ومصر واليمن والبحرين وسوريا، ويقدر آفاقها، ويشرح دور واشنطن في الأزمة الراهنة ومساعيها لاحتواء الانتفاضة العربية.
وقد ذكر “عمر الشافعي”، مترجم الكتاب عن الإنجليزية أن الكاتب يقدم قراءة ماركسية للانتفاضات العربية انطلاقاً من مقدمة “نقد الاقتصاد السياسي” مستعيناً بما خلص إليه ماركس وهو أنه عند مرحلة معينة يحدث تناقض بين قوى المجتمع الإنتاجية وعلاقات الإنتاج القائمة التي غالباً ما تتحول لقوى مدمرة ومن هنا تبدأ حقبة من الثورة الاجتماعية.
وأضاف أن الكتاب يتركز حول ثلاث نقاط هي: “التنمية المعاقة، السمات الخاصة بنمط الإنتاج الرأسمالي في المنطقة، السيرورة الثورية طويلة الأمد”، موضحا أن الأشقر يستفيض في شرح العلاقة بين التنمية المعاقة والسمات الخاصة بالنظام الرأسمالي في دول الانتفاضات العربية. حيث يؤكد أن الشكل المشوهة لعلاقات الإنتاج الرأسمالية في المنطقة العربية يعيق عملية التنمية ويجعل القوة المنتجة تتطور بطريقة لا إنسانية بل تتحول لقوى مدمرة مما يؤدي لتفاقم بؤس الشعوب والقوى الكادحة ومن هنا تحدث الانفجارات الثورية.
وفي حديثه عن المشاكل الاقتصادية لدول الربيع العربي، قال الأشقر: “هناك حالة مميزة للدول التي قامت بها الانتفاضات الثورية، وهذه الحالة تتمثل في معدلات التنمية المنخفضة جدا، وهذا الانخفاض مرتبط ارتباطًا وثيقًا بانخفاض معدلات الاستثمار، وكل هذا مرتبط بالسياسات الانفتاحية التي بدأها نظام السادات في مصر، وهي سياسات مبنية على المنطق النيوليبرالي الذي يعتبر أن القطاع الخاص هو محور النشاط الاقتصادي الرئيسي، ونتيجة لذلك أصبحت هذه الدول “دول ريعية”، انخفضت بها معدلات الاستثمار العام لأن طبيعة الأنظمة القائمة والرأسمالية القائمة متنافية مع مقتضيات التنمية”.
كما يرى أن شروط الحالة الثورية كما حددها لينين تجمعت بشكل جلي وبدرجات متفاوتة في أغلب البلدان العربية، فقد اشتد بؤس الطبقات المضطهدة أكثر من المألوف، وبات مستحيلاً على الطبقات الســــائدة الاحتفاظ بسيادتها من دون أي تغيير، وتعاظم نشاط الجماهير إلى حد القيام بنشاط تاريخي مستقل، حيث اندلع الغضب الشــــعبي في البلدان العربية على غرار انتفاضات الجوع التي شهدتها مصر والمغرب وتونس والأردن والجزائر. أما الأمر الذي كان بالإمكان توقعه، بل كان توقعه شائعاً وعاماً منذ سبعينات القرن الماضي، هو أن الحركة الأصولية ستكون أولى القوى المستفيدة من انفجار اجتماعي في المنطقة. ولا بد كذلك من تأكيد دور التكنولوجيات الجديدة للمعلومات والاتصالات في الانتفاضات العربية، حيث جرى استخدام مجمل وسائل الإعلام الاجتماعية (فايسبوك ويوتيوب وتويتر) في إقامة الصلات والاتصالات والتنسيق وبث المعلومات، لا سيما أن النسبة المئوية لمستخدمي الإنترنت عام 2010 بلغت: 27. 2 في الأردن، 55 في البحرين، 36. 8 في تونس، 30. 2 في مصر، 49 في المغرب، و20. 7 في سورية.
أما عن وصول الإسلاميين إلى الحكم في مصر وتونس يقول كاتبنا وصل تجّار “أفيون الشعوب” إلى السلطة. ولا شكّ أن ذلك سيتسبّب بواقع الحال بالحدّ من التأثير المخدّر لوعودهم، خاصّة وأنّهم، خلافاً لنظرائهم الإيرانيين، لا يستفيدون من أرباحٍ نفطيّة كبيرة تسمح لهم بشراء مؤازرة أو خضوع قسمٍ كبيرٍ من السكّان. منذ أكثر من ربع قرن.
“أن التطرّف الإسلامي حركة مؤقّتة، انتقالية، لكنّه قد يدوم لثلاثين أو خمسين سنة، لست أدري. وهو سيظلّ يشكّل، حيث لا يكون في السلطة، مثالاً أعلى، طالما سيبقى هذا الشعور العميق بالكبت وعدم الرضى، الذي يدفع بالناس إلى التطرّف. والأمر يتطلّب تجربة طويلة من السيطرة الدينية للنفور منها: ففي أوروبا، اتّخذ الأمر وقتاً لا بأس به! وفي غضون ذلك، ستبقى المرحلة خاضعة لفترة طويلة لسيطرة المتطرّفين الإسلاميين. وفي حال واجه نظامٌ إسلامي متشدّد معيّن إخفاقات جليّة للغاية، بما فيها على مستوى الخطاب الوطنيّ، وأفضى إلى نظام استبدادي واضح، قد يحمل ذلك الكثير من الناس للتوجّه نحو حلٍّ بديل يدين تلك الشوائب. لكن الأمر يتطلّب حلاًّ ذو مصداقيّة، مثيراً للحماسة ومحفِّزاً، ولن يكون ذلك بالأمر السهل”.
وعن علاقة الإخوان بالولايات المتحدة الأمريكية ولو بالواسطة، يذكرنا الأشقر بأن حركة الإخوان المسلمين منذ نشأتها في العشرينيات، وهي على علاقة بالمملكة العربية السعودية، فالسعودية هي التي احتضنتهم في العهد الناصري، حيث كانت تستخدمهم بمعاونة الأمريكان لمحاربة الناصرية والتقدمية والشيوعية. انتهت هذه العلاقة في التسعينيات عندما رفض الإخوان دعم التدخل الأمريكي في السعودية والعراق، وهنا قطعت السعودية التمويل والمساعدة، وعندما جاء الأمير الجديد إلى السلطة في قطر “اشترى الإخوان”، وكان ليوسف القرضاوي دور محوري في ذلك، بل كان حلقة الوصل بين الإخوان وأمير قطر. أما عن تأثير قطر على ثورات الربيع العربي، فواضح جدا أن هذا التأثير يأتي من خلال أداتين هما “قناة الجزيرة والإخوان”، ومن خلالهما لعبت إمارة قطر دورًا أكبر من حجمها بكثير، واستغلت هذا الدور في خدمة السياسة الأمريكية، التي بنت أكبر قاعدة عسكرية لها في قطر.
وعن فشل المعارضة المصرية في الوقوف في وجه الإخوان الذين فشلوا في إدارة الدولة في مصر يقول: أنه لا خروج من المعمعة الثورية في مصر، دون الوصول إلى حلول جذرية للقضايا الاقتصادية والاجتماعية، ورأى أيضاً أن هناك نقصًا استراتيجيًا لدى الحركة التقدمية المصرية قام على عدم تشخيص المشكلة الرئيسية التي يراها “اجتماعية”.
أما عن الثورة السورية ودوافعها الاقتصادية، فيشير الأشقر إلى تحالف رأس المال مع السلطة الأمنية منها خاصةً، فقد استطاع رؤساء الأجهزة العسكرية والأمنية الإثراء إثراء فاحشاً وحققوا ثروات طائلة كشركاء إلزاميين لبورجوازية السوق، وذهب الجزء الأكبر من الإثراء إلى العشيرة العائلية لآل الأسد وشركائهم، ما يبيّن كيف أن الأسرة الحاكمة أصبحت تضم أغنى رجال البلد، إلا وهو رامي مخلوف ابن شقيق زوجة حافظ الأسد، وتقدر ثروته الشخصية بستة بلايين دولار. في المقابل استشرى الفقر والبطالة في الأرياف، وأصبح 30 في المئة من السكان تحت خط الفقر، في ظل تراجع معدل النمو الإجمالي، الأمر الذي يفسر تطور الانتفاضة السورية من المحيط الريفي نحو المراكز المدينية، ومن أحزمة الفقر المحيطة بهذه المدن نحو وسطها، وخلص المؤلف، من خلال تحليله طبيعة النظام في سورية، إلى أن هذا النظام يستحيل إسقاطه بغير حرب أهلية، وأن دخول المتطرفين في صفوف الثورة لا يجوز أن يشوه حقيقتها بوصفها حالة أصيلة لشعب يحمل السلاح.
يتساءل المؤلف أخيراً إذا كان الربيع العربي سيفضي إلى دكتاتوريات شمولية إسلامية تثير الندم على النظم الساقطة ليستنتج أنه بينما تسبب زلزال الانتفاضة العربية بالتأكيد في حدوث ” تسونامي إسلامي”، وهو الأمر الذي كان يمكن توقعه، فإن التسونامي كان بالإجمال محدود الحجم والنطاق، فالتسونامي ظاهرة عابرة، وهو نادراً ما يبتلع اليابسة بشكل دائم. ومن الممكن جداً، مع مرور الوقت، أن نكتشف أن “التسونامي الإسلامي”، كان نقطة الذروة في بزوغ الأصولية الإسلامية منذ سبعينات القرن العشرين، وكذلك نقطة انطلاق دورة سياسية جديدة في المنطقة العربية.
وعُرف الدكتور الأشقر بأطروحاته الجريئة المثيرة للجدل، والخارجة عن المألوف. فهو يطرق دائماً مواضيع يعتبرها بعض من نشأ وفق الذهنية العربية السائدة، بأنها من المحرمات السياسية أو الفكرية التي لا ينبغي التشكيك بمسلماتها.
والأشقر أستاذ دراسات التنمية والعلاقات الدولية في معهد الدراسات الشرقية والأفريقية في جامعة لندن، ورئيس مركز الدراسات الفلسطينية في المعهد. صدر له عن دار الساقي: الشرق الملتهب، وحرب الـ 33 يوماً، والسلطان الخطير بالاشتراك مع نعوم تشومسكي، والعرب والمحرقة النازية.

شارك المقالة

اقرأ أيضا