الموظفون//ات العاملون//ات بالتعليم العالي: بين مطرقة الإصلاحات المضادة وسندان ظروف العمل المزرية

بقلم : مناضل نقابي

     ارتبطت صورة الجامعة بالمغرب بمكونين اثنان لها فقط، هيئة التدريس (الأساتذة//ات الباحثين//ات ) والطلبة//ات ، في ما يتم تغييب مكون ثالث يلعب دورا محوريا في العملية التعليمية والبحث العلمي، نظير الخدمات الحيوية التي يقدمها للأساتذة/ات وخاصة للطلبة//ات …..يتعلق الامر بالأطر الإدارية والتقنية، ويبلغ عددهم ن خلال الموسم الجامعي 2023_2024 7.500 موظف(ة)1، و  تشمل :

  • الموظفون/ات الاداريون/ات والمساعدون/ات الاداريون/ات

يقومون بالمهام الإدارية والتنظيمية بالمؤسسات الجامعية والإدارات المركزية مثل تنظيم عمليات التسجيل ومسك الملفات، اعداد المراسلات، انجاز الوثائق الإدارية …..

  • الموظفون/ات التقنيون/ات والمساعدون التقنيون/ات

يقومون بالمهام التقنية المساعدة للعملية التقنية والبحثية، مثل تشغيل وصيانة المعدات التقنية وتقديم الدعم الفني للمختبرات ……

  • الأطر العليا المختصة

تشمل هذه الفئة رؤساء الأقسام والمصالح، إضافة الى الخبراء والمستشارين في مجالات محددة مثل تكنولوجيا المعلوميات، الشؤون المالية، الشؤون القانونية…….

1 ظروف عمل مزرية وأعباء مضاعفة

تعاني جل مؤسسات التعليم العالي خصاصا حادا في عدد الموظفين/ات الإداريين/ات وال تقنيين/ات، فنتيجة الإحالة السنوية على التقاعد لأفواج  منهم ن تقدر بالمئات دون أن يتم تعويضهم ن  بتوظيفات جديدة، رغم  أن البطالة تقتل ببطء الشباب/ات الخرجين/ات من نفس الجامعات، ورغم التزايد المستمر لعدد الطلبة/ات المسجلين بالمؤسسات والأحياء الجامعية  بداية كل موسم جامعي، حيث أصبح يناهز المليون وثلاثمائة ألف (1.300.000)2، مما يضاعف من الأعباء الملقاة على عاتق الموظفين/ات الإداريين والتقنيين ،حيث أن معدل التأطير يصل الى أزيد من 200 طالب (ة) لكل موظف(ة) متجاوزا بكثير المعايير العالمية المعتمدة في هذا المجال ( من 30 الى 40)…

إضافة لذلك تؤدي هذه الشغيلة مهامها في ظروف غير ملائمة، وأغلبهم/ن عرضة لمخاطر تهدد صحتهم ن البدنية والنفسية، وذلك جراء:

  • غياب شبه كلي للتكوين المستمر والاطلاع على المستجدات التي تطرأ على الحياة الإدارية والقانونية
  • الاكتظاظ داخل المكاتب والنقص المهول في التجهيزات المكتبية المعلوميات من حواسيب وآلات الطباعة والنسخ…. مما يجعل الموظفين/ات يتناوبون عليها
  • التعرض المستمر لحوادث الشغل، خاصة بالنسبة لعمال/ات الصيانة نتيجة الصعق بالكهرباء وسوء استخدام بعض الآلات …. وكذلك استنشاق المواد الكيماوية وما ينتج عنها من أمراض مزمنة …. بالنسبة لعاملات النظافة ومحضري/ات المختبرات
  • الاعتداءات اللفظية، وحتى الجسدية أحيانا، من طرف بعض الطلبة/ات، الناتجة عن سوء الفهم للمهام المنوطة بالموظف(ة) وعدم مسؤوليته ها عن النقص أو غياب الخدمات، وما يفاقم توتر العلاقات بين الجانبين وتعميق الهوة أكثر، غياب الوعي والتأطير النقابيين لكل منهما.

2 تنويع الأوضاع المهنية للعاملين/ات بالتعليم العالي: تقسيم للصفوف وتعميم للهشاشة

     أمام قلة المناصب الإدارية والتقنية وتضاؤلها سنويا، و التوقيف النهائي للتوظيف في السلالم المخصصة لفئة المساعدين التقنيين وحتى الإداريين، وعلى غرار  باقي القطاعات و الإدارات العمومية، التي تعمل على تفكيك ما تبقى من طفيف مكاسب للشغيلة، تلجأ أغلب المؤسسات بالتعليم العالي لسد الخصاص، إلى شركات المناولة للقيام بمهام مثل الحراسة و النظافة و البستنة و الاطعام ….بل  يسند لعمال/ات هذه الشركات حتى بعض المهام الإدارية و المكتبية، ناهيك عن القيام بأعمال الصيانة واللوجستيك…، وهذا ما يولد تمييزا واضحا بين شغيلة تعمل في نفس المؤسسات و تقوم بنفس الوظائف، لكن بفرق في الوضعية النظامية و القانونية و تمييز بين مرسمين/ات، يشتغلون لساعات أقل،  يتقاضون أجورا وفق ما هو منصوص عليه في أسلاك الوظيفة العمومية، يستفيدون من العطل الأسبوعية و السنوية….. من جهة، وبين عمال/ات مؤقتون بعقود عمل محددة المدة، يشتغلون لساعات إضافية دون تعويض، يتقاضون أجورا أقل حتى من الحد الأدنى للأجور بالقطاع الخاص في أغلب الحالات، مع عطل أقل بكثير …. من جهة أخرى، كل هذا يولد نوع من الشعور بالدونية لدى الفئة الثانية (المناولة) ويعمل على تعميق الهوة وزيادة التنافس بين شغيلة تشترك في نفس المصير ….

3 تغييب شبه كلي للأطر الإدارية والتقنية في كل برامج (الإصلاح) التي عرفتها منظومة التعليم العالي

    بدءا بظهير 25 فبراير 1975 المتعلق بتنظيم الجامعات، مرورا بالقانون المنظم للتعليم العالي الصادر سنة 2000، والقانون الاطار 54-17 …..وصولا إلى مشروع قانون التعليم العالي الذي يهيئ حاليا، كل هذه البرامج أهملت الأطر الإدارية والتقنية، وركزت مراسمها التطبيقية على  هندسة المسالك البيداغوجية و تكييف التكوين لتلبية حاجيات المقاولات من اليد العاملة المؤهلة…… و لم تولي لهذه الفئة العاملة بالتعليم العالي الأهمية التي تستحق في النهوض بأوضاعها المهنية و الاجتماعية، عبر تحسين شروط عملها و التحفيز المهني، لجذب الكفاءات الشابة التي تبقى عرضة للاستغلال بمقاولات القطاع الخاص، أو تفضل الهجرة الى خارج الوطن بحثا عن فرص عمل في شروط أفضل…..، كما لم تعمل هذه البرامج على تطوير المسارات المهنية لهذه الأطر، مكرسة بذلك تلك النظرة التي تعتبرهم ن مكون مساعد وفقط داخل المنظومة….

يتم حاليا التحضير لقانون أساسي خاص بموظفي/ات التعليم العالي، وهو يندرج ضمن سلسلة القوانين الأساسية التي  تم تمريرها، و الخاصة بشغيلة قطاعات أخرى مثل الصحة و التعليم المدرسي( الابتدائي و الثانوي)، ولن تخرج بنود هذا القانون الخاص المزمع سنه، على تكريس مسار التراجعات وضرب المكتسبات، التي تستهدف شغيلة الوظيفة العمومية واستقرارها الوظيفي، عبر ادخال  معايير القطاع الخاص والمقاولة،  و اعتمادها في التوظيف والترقي والأجور(العمل بالأهداف، حصيلة الاعمال المنجزة…..)، كما سيتم  قبل ذلك حذف التوظيف المركزي و جعله من اختصاص الوحدات الإدارية اللاممركزة (الجامعات ومؤسسات التعليم العالي).

4 لا منقذ غير التنظيم والنضال

أمام  قلة عدد الموظفين/ات الإداريين و التقنيين بالتعليم العالي، مقارنة بالقطاعات الأخرى، واستشراء وباء الفئوية في صفوفهم/ن، وقلة المنخرطين/ات بالنقابات وتشتت صفوف المنخرطين/ات على قلتهم ن (يوجد بالقطاع ست (6) تنظيمات نقابية ( الكدش، الاتحاد العام للشغالين بالمغرب، الفدش، ا م ش، الجامعة الوطنية للتعليم – التوجه الديموقراطي، و الاتحاد الوطني للشغل، وتبقى الكدش الأكثر حضورا، عددا وتنظيما ) إضافة الى الانتماء للهيئات الفئوية (الاتحاد الوطني للمهندسين،/اتحاد المتصرفين، هيئة التقنيين..)، فإن نضالات شغيلة القطاع تبقى محدودة وتناوش بين الفينة و الأخرى في عزلة تامة، وهو ما يسهل من مأمورية وأد معاركها في المهد، و  الزحف على مكاسبها ….

لا مناص والحالة هذه، من رص الصفوف وهجر ثقافة التفوق على أساس الفئة أو الإطار …. أو على أساس الانتماء لهذه المركزية أو تلك، فالقادم أسوء ودكاك الهدم لن يستثني فئة أو إطار أو منتم ة لنقابة دون أخرى….

   الوحدة وتحديد المطالب وتدقيقها، الدود عنها بكفاحية وديموقراطية في تسير المعارك، كل ذلك هو وحده الكفيل بتحسين أوضاع الشغيلة المهنية والاجتماعية، تحصين مكتسباتها من الوظيفة العمومية، ولم انتزاع مكاسب أخرى من زيادة أجور وتحسين الدخل…، ولعل الإضراب الأخير ليومي 17 و 18 يونيو الجاري مع تنظيم وقفة احتجاجية أمام مقر وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار بالرباط، الذي دعت له النقابة الوطنية لموظفي/ات التعليم العالي و الأحياء الجامعية – كدش، وشاركت فيه النقابة الوطنية للعاملين بالتعليم العالي، المنضوية تحت لواء الجامعة الوطنية للتعليم- التوجه الديموقراطي، وكذا الجامعة الوطنية لقطاع التعليم العالي، المنضوية تحت لواء الاتحاد الوطني للشغل، يمثل أولى الخطوات في مسيرة الوحدة النضالية والميدانية المنشودة، لذا وجب الحفاظ على  هذا النفس الوحدوي بين هاته النقابات وتعميقه …ولها في حراك التعليم العظيم في بداية موسم 2023_2024، دروس ودلالات غنية وجب استلهامها.

لن يكلفنا النضال أكثر مما يكلفنا الصمت.

21-06-2025

  • التعليم العالي في أرقام (2023_2024) صادر عن وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار.
  • تصريح للوزير ع اللطيف الميراوي، بمجلس المستشارين يوم الثلاثاء 17 أكتوبر 2023.
شارك المقالة

اقرأ أيضا