قرار مجلس الأمن الدولي حول الصحراء الغربية، الإمبريالية تُجمع على إغلاق الملف

سياسة17 نوفمبر، 2025

 بقلم: حسن أبناي

نزلت الامبريالية الأمريكية بثقلها، وبتنسيق مع فرنسا والمملكة المتحدة، لتمرير قرار مجلس الأمن الدولي حول الصحراء الغربية الصادر في 31 اكتوبر 2025.

بعد تصريحات رسمية من إدارة دونالد ترامب تؤكد عزمها إنهاء “نزاع الصحراء الغربية” في إطار حكم ذاتي في ظل السيادة المغربية، عم الترقب والاضطراب عواصم البلدان المغاربية، وتكتفت حركة الديبلوماسيين-ات والعسكريين-ات الأمريكيين-ات في زيارات متتالية للمنطقة، وتوالت تصريحات كبار مسؤوليها التي شددت كلها على التأكيد أن الرئيس الأمريكي عازم على إغلاق نهائي لملف الصحراء الغربية بعد خمسين سنة من اندلاعه.

مضمون قرار مجلس الأمن وتبعاته القانونية والسياسية

إن قرار مجلس الأمن حول الصحراء المصادق عليه في 31 أكتوبر 2025 يمثل قطيعة صريحة مع ما سبقه. إنه قطيعة مع فترة غموض امتدت منذ 2007. فبعدما كان مجلس الأمن يتعمد استعمال مقولة حل سياسي تفاوضي مقبول من الطرفين، استبدلها بتبني صريح لحل في إطار السيادة المغربية على الصحراء الغربية.

إن جوهر قرار مجلس الأمن نجده في الفقرة الواضحة التي جاء فيها ما يلي: يدعو الأطراف إلى الانخراط في هذه المناقشات دون شروط مسبقة. واستنادًا إلى مقترح الحكم الذاتي المغربي بهدف التوصل إلى حل سياسي نهائي ومقبول من الطرفين يضمن حق تقرير المصير لشعب الصحراء الغربية، ويقر بأن الحكم الذاتي الحقيقي يمكن أن يمثل النتيجة الأكثر واقعية. ويشجع الأطراف على تقديم أفكار تدعم التوصل إلى حل نهائي مقبول من الطرفين.

فقد حدد القرار أفق الحل، وطالب الأطراف بالدخول في مفاوضات مباشرة دون شروط مسبقة. ورحب بكل المقترحات التي تندرج في حل الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية.

ليس لجبهة البوليساريو بعد المصادقة على القرار من خيار إلا الامتثال للقرار وبدء مفاوضات على أساس الحكم الذاتي في إطار السيادة المغربية، أو تنفيذ وعيدها برفض قبول أي قرار يتعارض مع ما سمته الشرعية الدولية وحق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره، وبالتالي تحمل تبعات ما يترتب عن ذلك من عقوبات تطال محتضنها النظام الجزائري الذي لن يقبل أن يضخم فاتورة الخسارة.

يمثل قرار مجلس الأمن مكسبا للشرعية القانونية دوليا للنظام المغربي، وهزيمة ديبلوماسية كبيرة للنظام الجزائري سيكون لها تبعات داخل أروقة الحكم، وهو نقطة النهاية للأطروحات التأسيسية لجبهة البوليساريو.

قرار مجلس الأمن يعبر عن إجماع القوى الامبريالية التي تتنافس في مناطق أخرى في العالم على إنهاء النزاع حول الصحراء الغربية. ظهر ذلك من امتناع الدول دائمة العضوية عن إشهار الفيتو ضد القرار. وأيضا موافقة واسعة للأعضاء غير الدائمين. لكن القرار لا يحوز على القوة القانونية فقط، بل ستتمخض عنه اجراءات عملية لوضعه موضع التنفيذ. فقد أعرب القرار عن تقديره للولايات المتحدة لاستضافة المفاوضات.

ويعلم الجميع أن الولايات المتحدة الامريكية هي حامل القلم ومحرر مسودة القرار، وهي من يقود التحول العاصف الحالي، وبالتالي فالقرار منحها دعما إضافيا لممارسة ضغط لا يقاوم وانهاء ملف قضية الصحراء الغربية في إطار السيادة المغربية..

التطورات الأخيرة التي انتهت بصدور قرار مجلس الأمن

يمثل قرار مجلس الأمن الأخير تتويجا متوقعا لمسار طويل من تقهقر الدعم العالمي لخيار استقلال الصحراء الغربية الذي تدافع عنه جبهة البوليساريو منذ تأسيسها. فقرار مجلس الأمن الصادر في 31 أكتوبر 2025 يترجم التغيير الجوهري في رؤية الأمم المتحدة لقضية الصحراء الغربية منذ أن تولتها في سنوات الستينيات الماضية، حين أدرجت في قائمة الأمم المتحدة للأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي عام 1963 حين أحالت إسبانيا معلومات بشأن الصحراء الإسبانية بموجب المادة 73 (ه) من ميثاق الأمم المتحدة. وهكذا، أدى مسار التغيرات المتراكمة طيلة السنوات الماضية الى اختلال ميزان قوى الصراع بين الأطراف المتدخلة مباشرة في الصراع.

نذكر هنا دون تفاصيل بعضا من تلك المتغيرات. وأعظمها التحول الاستراتيجي جراء انهيار المعسكر الشرقي بزعامة الاتحاد السوفياتي، وإضعاف منظمة عدم الانحياز، نتج عنه افتقاد البوليساريو حاضنة سخية للدعم العسكري والمالي والديبلوماسي، دعم لا يعوض، فدخلت مذاك في مسار انكماشي مقابل انتعاش متزايد للدول الداعمة لسيادة المغرب على الصحراء الغربية (1)

لو قمنا بجرد التغيرات خلال آخر خمس سنوات فقط، لظهر بوضوح تام أن النظام المغربي حسم المعركة لصالحه على جميع الأصعدة عسكريا، اقتصاديا. ديبلوماسيا وسياسيا.

لنشر لبعض التحولات التي أشرنا إليها أعلاه: السيطرة على الأرض: انتهى وقف إطلاق النار والاتفاق على مسلسل تطبيق مخطط الاستفتاء سنة 1991 بواقع سيطرة الجيش المغربي على 80 بالمائة من مساحة منطقة النزاع، وإخلاء 20 بالمائة المتبقية باعتبارها المنطقة العازلة الموجودة شرق الجدار العسكري (ظل النازحون – ات يدخلونها للرعي ولبعض الأنشطة التجارية العابرة للحدود وتنظيم تظاهرات سياسية أحيانا). قام الجيش المغربي في 2020 بعد أحداث معبر الكركرات في 13 نونبر 2020 بضم مساحات إضافية من تلك المنطقة العازلة وإنشاء جدار عسكري آخر. وفرض منعا على الدخول الكامل الأراضي العازلة سواء لمدنيين ولعسكريين، بمبرر صد الهجمات التي تشنها البوليساريو بعد إعلانها الحرب وإلغاء وقف إطلاق النار الموقع سنة 1991، بحجة تحرك الجيش المغربي لفتح معبر الكركرات الذي أغلقته البوليساريو. [2]

الامبريالية الأطلسية تدعم بوضوح السيادة المغربية على الصحراء الغربية

اعترف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بسيادة المغرب على الصحراء في ديسمبر 2020، وأصدر أمرا رئاسيا تنفيذيا، وقرر فتح قنصلية في مدينة الداخلة. لكن هزيمته وصعود إدارة بايدن وضعت القرار في الرف. ليعود بعد انتخابه في 2024 لحسم الملف بدفع من مصالح امبريالية أكيدة، وأيضا لغايات مجد شخصي، ليكون أول رئيس أمريكي يحقق أكبر عدد من اتفاقات سلام في مناطق النزاع عالميا تمهيدا ليتوج بجائزة نوبل التي نالها قبله باراك أوباما.

توالت مواقف الدول السائرة على هدى الامبريالية الأمريكية تباعا.

أعلن رئيس الوزراء الاسباني (مارس 2022)، في رسالة لملك المغرب أن اسبانيا تعترف رسميا بالمبادرة المغربية للحكم الذاتي كالأساس الأكثر جدية وواقعية ومصداقية لحل نزاع الصحراء، معتبرة إياها حلاً واقعيا للنزاع. اسبانيا المستعمر السابق لإقليم الصحراء الغربية تملك دراية تفصيلية بكامل تطوراته وتحوز على أرشيف هائل لا يتوفر عند غيرها، ويمثل اعترافها الأخير تحولا دراماتيكيا في ميزان القوى لصالح المغرب.

كما بعث الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون برسالة للملك في يوليوز 2024 جاء فيها: ” أن حاضر ومستقبل الصحراء الغربية يندرجان في إطار السيادة المغربية”. فرنسا الدولة الاستعمارية للمغرب وموريتانيا، ورغم دعمها المعروف للمغرب عسكريا وديبلوماسيا في السابق، الا أن موقفها الأخير بعد تطورا جديدا ترجم بالإعلان عن خطوات دعم عملي اقوى لم يتأخر في ترجمته على الأرض. بتوقيع اتفاقات استثمار اقتصادي في الصحراء الغربية، وتنظيم زيارات ديبلوماسية رسمية، وتدشين مؤسسات فرنسية عمومية بالإضافة إلى دعم قوى وهجومي في مجلس الأمن الدولي وفي مؤسسات الاتحاد الاوربي.

وفي بيان مشترك، وقعه الأحد 01 يونيو 2024 بالرباط وزير الدولة البريطاني للشؤون الخارجية ديفيد لامي. ووزير الشؤون الخارجية ناصر بوريطة تعتبر فيه المملكة المتحدة مقترح الحكم الذاتي، المقدم من قبل المغرب في 2007 بمثابة الأساس الأكثر مصداقية وقابلية للتطبيق وبراغماتية من أجل تسوية دائمة للنزاع الإقليمي حول الصحراء الغربية. وستواصل العمل على الصعيد الثنائي، لاسيما في المجال الاقتصادي، وكذلك على الصعيدين الإقليمي والدولي، وفقا لهذا الموقف من أجل دعم تسوية النزاع. وبذلك تكون بريطانيا العضو الثالث دائم العضوية في مجلس الأمن الداعم دون لبس لسيادة المغرب على الصحراء الغربية.

انفتاح باب الاعتراف بالطرح المغربي على مصراعيه

لإدراك التحولات الخطيرة التي حدثت بعد عودة دونالد ترامب الثانية للرئاسة الأمريكية في دفع عدة بلدان للسير على خطاه والإعلان عن دعمها المخطط الحكم الذاتي خيارا أساسيا لحل النزاع حول الصحراء، نذكر جردا تسلسليا لسنة 2025:

كازخستان (فبراير) 2025 إستونيا، مالديفيا، كرواتيا، هنغاريا (أبريل (2025) كينيا (ماي 2025) غانا (يونيو 2025) باناما (يونيو 2025) بريطانيا (يونيو 2025) مقدونيا (يوليوز 2025) البرتغال (يوليوز 2025) البارغواي (شتنبر 2025 بلجيكا (أكتوبر (2025).

ويمكن القول إن انجرافا واسعا شمل بلدان وازنة اقتصاديا وسياسيا في قارة أفريقيا، وأوروبا وأمريكا تبنت لأول مرة دعما صريحا للموقف المغربي، ومنها من ظل لعقود داعما وفيا لجبهة البوليساريو. خصوصا غانا وكينيا داخل الاتحاد الافريقي.

انهيار المعسكر الداعم للبوليساريو [3]

أمام السيل الجارف للاعترافات الدولية بالحل الأممي في إطار الحكم الذاتي المغربي الصادر عن بلدان امبريالية رئيسية وبلدان أفريقية وازنة، ظل المعسكر الداعم للبوليساريو منحشرا في الزاوية. وفاقدا للمبادرة وضائعا وسط ضخامة وسرعة التحولات المتلاحقة ومنشغلا بتدبر قضاياه الخاصة.

يعاني النظام الجزائري. أهم داعم للبوليساريو على الاطلاق، من تبعات عدم استقرار مزمن جراء الزلزال الشعبي لسنة 2019. حراك هز أركانه وأدخله في دوامة تأكل عميق وعجز عن استعادة استقراراه.

ورغم تراجع الحراك الشعبي جراء القمع الواسع، واستغلال جائحة كورونا، غرق النظام الحاكم في حالة لا استقرار سياسي ومؤسساتي مزمن. أما تعمق الأزمة الاقتصادية، فينذر بانفجار اجتماعي عميق. يوجد النظام الجزائري في موقع ضعف شديد بسبب افتقاد للقدرة على وقف التحولات الجارية أمامه.

وانكفأ الى إصدار مواقف ليست سوى ردود فعل تعبر عن حالة ضعفه الواضح. فاكتفى بإصدار بلاغات “أخدنا علما” وسحب للسفراء في عدة عواصم وإعادتهم لاحقا، وإرسال عاجل لوزير الخارجية عند ظهور مؤشرات تغيير دول لمواقفها لصالح دعم المغرب دون نجاح يذكر مع حملات إعلامية ضد دول ضررها أكبر من نفعها، كما تكرر ضد الإمارات العربية المتحدة أو فرنسا أو اسبانيا … الخ.

أما الداعم الثاني للبوليساريو، جنوب إفريقيا. فرغم بقائه وفيا لمواقفه الداعمة لكنه يدبر علاقة صعبة مع دونالد ترامب بدفاعه عن الأقلية البيضاء في جنوب أفريقيا بذريعة أنها مهددة لأسباب عنصرية.

لكن أيضا بسبب الأوضاع الداخلية وتفكك الأغلبية الحكومية وتصاعد الأزمة الاقتصادية. كل ذلك حد من قدرات جنوب أفريقيا واهتمامها بالقضايا الخارجية. باستثناء دورها المهم في الدفاع عن محاكمة إسرائيل أمام المحاكم الدولية أثناء حرب الإبادة على غزة.

في زيارة إلى الرباط في يوليوز (2025) صرح الرئيس السابق لجنوب إفريقيا جاكوب زوما وزعيم حزب أو مكونتو وي سيزوي (MK)) إن حزبه يعتبر أن مقترح الحكم الذاتي المغربي سيتيح حكامة محلية ملموسة من قبل ساكنة منطقة الصحراء، مع ضمان سيادة المغرب على الصحراء موقف جاكوب زوما يمثل اختراقا لبلد ظل حصنا منيعا داعما للبوليساريو.

باقي الدول الداعمة للبوليساريو معظمها ينتمي إلى منطقة جنوب أفريقيا مثل الموزمبيق وزيمبابوي. وناميبيا، وبوتسوانا، وهي دول ليس لها قدرة التأثير ولا تستطيع لعب الدور الهام للقوتين الإقليميتين الجزائر وجنوب أفريقيا.

المصالح ولا شيء غير المصالح تفسر التحولات الحالية [4]

تعتبر المنطقة المغاربية (كباقي العالم المستعمر) منطقة نفوذ ونهب إمبريالي، سواء أثناء الاستعمار المباشر أو عبر معاهدات ما بعد استقلالها الشكلي. بما يديم تبعيتها ويحفظ المصالح الامبريالية. ليست التجزئة الموروثة عن الاستعمار والتي يتم تغذيتها بسموم الشوفينية القطرية إلا تكتيكا لدق إسفين الفرقة بين شعوب المنطقة، ومنع تشكل وحدة ديمقراطية للشعوب المغاربية [5].

فاستعملت قضية الصحراء الغربية بدهاء امبريالي خسيس لنهب ثروات شعوب المنطقة عبر إبرام الصفقات المربحة باستغلال حمى التنافس بين النظامين الأساسيين بالمنطقة الجزائري الداعم الأول للبوليساريو والمغربي. جنت شركات صناعة الأسلحة والتقنيات الأمنية أموال طائلة، لو وُجهت لتنمية بلدان المنطقة لغيرت حالة وضعها الاقتصادية والاجتماعية. فالميزانية العسكرية للجيش المغربي سنة 2026 بلغت 15.7 مليار دولار. مقابل حوالي 27 مليار دولار للميزانية السنوية للجيش الجزائري. ميزانيات هائلة تبدد في صراع محموم يفيد الشركات الامبريالية الأطلسية وروسيا والصين.

لكن الخطير إمعان النظامين في تمكين الامبريالية من السيطرة على الثروات الإستراتيجية للبلدين من معادن وثروة سمكية واستنزاف المياه في فلاحة تصديرية، وأيضا القبول بتعاون أمني وعسكري من موقع التابع للإستراتيجية الامبريالية لنهب قارتنا أفريقيا. وفتح الأجواء وربما منح قواعد عسكرية معلنة أو سرية لقوات أجنبية والتطبيع مع الاحتلال الصهيوني (حالة النظام المغربي) تحت وهم ألا يتسع الأمر إلى غيره بالمنطقة.

بعد إحساس النظام الجزائري بقوة التحولات الجارفة لصالح دعم خيار الحكم الذاتي لجأ إلى أسوء خيار وفي أسوء سياق. اعتقد النظام الجزائري أن بإمكانه وقف الاندفاع الامبريالي لتسوية نزاع الصحراء الصالح المغرب بإغراء الإمبرياليات بصفقات اقتصادية وتمكينها من الثروات الكبيرة للشعب الجزائري وهذا تقدير خاطئ ويدمر آخر ما تبقى من مكاسب الثورة التحررية الجزائرية.

فتغير مواقف القوى الامبريالية لا يمكن فهمه إلا بإدراجه في إطار الإستراتيجية الشاملة للسيطرة على القارة الأفريقية، وسعيها قطع الطريق على باقي المنافسين كالصين أساسا وروسيا. فالنظام المغربي راكم لعقود علاقات تعاون راسخة من موقع التابع للإستراتيجية الامبريالية، عززها بانخراطه في مسلسل التطبيع الأخير ومواقفه الداعمة لخنق إيران، وضرب أدرعها في منطقة الشرق الأوسط، وزاد من نفوذه المقبول في بلدان غرب أفريقيا، نظرا لاستقراره السياسي بعد الزلزال الشعبي لسنة 2011، ولأهمية موقعه الاستراتيجي كحلقة وصل بحري وبري عالمية.

هذا وضع يفسر ما يحظى به النظام المغربي حاليا من دعم قوي لا يمكن تغييره بين عشية وضحاها. وبالتالي ليس سلوك النظام الجزائري إلا منح هدايا مجانية للإمبريالية التي ستأخذ الثروة ولن تغير موقفها أبدا.

رغم عمق علاقته الإستراتيجية بالإمبريالية الأطلسية عزز النظام المغربي في الآن نفسه علاقات اقتصادية متصاعدة مع الصين وروسيا، فارتفعت المبادلات التجارية والاستثمارات الصناعية الصينية بالمغرب بشكل لافت. كما نالت روسيا صفقات مجزية سواء كمورد كبير للمحروقات في عز العقوبات الأمريكية، بالإضافة إلى القمح، واستغلال الثروات البحرية لسواحل الصحراء الغربية نفسها. وبالمقابل تدهورت علاقة روسيا مع الجزائر خصوصا حول الوضع في ليبيا، وفي دول الساحل والصحراء حيث تتعارض المصالح الجزائرية والروسية بشكل واضح.

ماذا بعد قرار مجلس الأمن الأخير

إن الأهمية التي يوليها النظام المغربي لقرار مجلس الأمن الأخير تتمثل في نسفه لإرث ثقيل من قرارات الأمم المتحدة التي ظلت تدرج قضية الصحراء الغربية في إطار الأقاليم التي لا تتمتع بالاستقلال الذاتي. وما تبعه من اعتبار استفتاء تقرير المصير آلية أممية لتسوية القضية.

يسمح القرار الأخير للنظام المغربي بالتخلص من سيف القانون الدولي المشكك في قانونية واقع سيطرته على الأرض، بل يغلق كل الأبواب أمام البوليساريو وحلفائه، باستثناء باب التفاوض على أساس الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية. إن المستتبعات المباشرة لقرار مجلس الأمن ستكون سياسية أساسا، بحيث سينتقل الضغط إلى النظام الجزائري الذي سيكون أمام معضلة تدبير مستقبل آلاف النازحين في مخيمات تندوف ومأزق ضيق الخيارات الديبلوماسية والعسكرية الصعيد والسياسية المتاحة له على الدولي، خصوصا أن النظام المغربي سينتقل التفعيل تجميد / طرد البوليساريو من عضوية الاتحاد الإفريقي. أما في الميدان فسينهي الجيش المغربي على الأرجح المنطقة العازلة، ويمدد جداره إلى الحدود الصفر مع الجزائر غربا وموريتانيا جنوبا.

قرار مجلس الأمن ليس إلا جزءا من الإستراتيجية الامبريالية لإنهاء قضية الصحراء الغربية، فالجزء الآخر تصنيف أمريكي للجناح العسكري للبوليساريو تنظيما إرهابيا وفرض للعقوبات عليه وعلى من يموله ويحضنه، مما يضع النظام الجزائري أمام فوهة الضغوط الرهيبة للإمبريالية. وإجباره على تفكيك البوليساريو وتحويل قضية النازحين إلى مجرد قضية إنسانية صرفة.

ماذا تبقى من حق تقرير مصير الشعب الصحراوي في الاستقلال؟

هدف البوليساريو المعلن منذ تأسيسها في ظل الاحتلال الاسباني هو تحرير الساقية الحمراء وواد الذهب، واستمرت على الهدف نفسه بعد توقيع مدريد الثلاثية الاسبانية المغربية الموريتانية لسنة 1975. شنت البوليساريو بدعم قوي من دول عديدة حرب عصابات ضد الجيش المغربي. وهاجمت العاصمة الموريتانية وضريت القطار الناقل لصادراتها من الحديد وأجبرتها على التخلي عن مطامحها في ضم منطقة واد الذهب. لكن التحولات العالمية والإقليمية اللاحقة أدت إلى انهيار ميزان القوى لصالح النظام المغربي، وتبخرت من جرائه مكاسب البوليساريو الواحد تلو الآخر. ولم يتبق إلا ماضي بطولات لا يغني عن واقع الأزمة العميقة شيئا. فرض هزيمة خيار الاستقلال يتحقق بإلحاق هزيمة عسكرية وديبلوماسية ماحقة تجبره على الاستسلام. لكن واقع الأمر أن الانتصار العسكري والديبلوماسي والاقتصادي يحصده النظام المغربي، واقع منح له أفضلية لفرض خياراته المعززة بدعم امبريالي استثنائي.

لم يعد الاستقلال وبناء دولة مستقلة في المنطقة المغاربية خيارا ممكنا بقوة التحولات الجارية.

أما حق تقرير مصير الصحراويين-ات فاقتصر منذ 2007 على اتفاق سياسي بين أطراف النزاع يستمد شرعيته باستفتاء على نتائجه، أما الآن وبعد القرار الأخير المجلس الأمن فأصبح تفاوضا على أساس الحكم الذاتي في إطار السيادة المغربية.

الموقف الديمقراطي من التطورات الراهنة

إن مهام مناهضي الامبريالية والمدافعين عن التحرر في ظل التطورات الجارية هو النضال لأجل وحدة ديمقراطية للشعوب المغاربية وصيانة استقلالها التام عن التبعية للامبراليات، وإقامة سوق مشتركة موحد ومواطنة مغاربية في إطار احترام تام للحريات الديمقراطية السياسية والقومية المتعددة وتلبية كاملة للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

وبناء اقتصاد متطور قائم على الملكية العامة للثروات الوطنية والمؤسسات المالية الكبرى، وقطاع صناعي يكون رافعة للقطع مع القسمة الدولية للعمل. وإدماج البعد البيئي في حماية المجال الواسع والمتعدد.

أبانت الأنظمة الحاكمة حاليا أن وجودها يتعارض مع تلك الأهداف باعتبارها أنظمة استبداد وفساد وتبعية بغض النظر عن تنوع خصائصها واختلاف الأوضاع في كل بلد. إنها أهداف لن تتحقق إلا بنضالات عمالية وشعبية قدمت عنها الثورة التونسية أواخر 2010

والحراك الشعبي 2019 صورة أولية، حينها ستجد كل القضايا القومية واللغوية والعرقية حلها النهائي في بديل ديمقراطي جذري وحدوي يشمل المنطقة المغاربية بأسرها.

لكن لا يمكن طمس تطورات الواقع الملموس وأسئلته المؤرقة بتبني شعارات صائبة نظريا. لكنها منفصلة عن الوضع الآني.

لقد سبق لنا التنبيه منذ سنوات إلى سير الأحداث نحو ما بلغته الآن. ودعونا الجزء الأكثر معاناة من المعنيين-ات المباشرين-ات إلى ضرورة الدعوة إلى مؤتمر ديمقراطي واسع للصحراويين – ات. يستعرض تشخيصا حقيقيا للوضع ويخلص إلى خيارات مستقبلية بما يتماشى والوضع الراهن. عكس ذلك أجلت قيادة البوليساريو مؤتمرها العام وفوتت فرصة بلورة تكتيك جماعي يستوعب الوضع الحالي الصعب.

لا بديل عن مؤتمر عاجل ديمقراطي واسع يفضي لقرارات جماعية، وإلا فخطر تفكك يلوح في الأفق. الوقت ينفذ لكن المسؤولية تقتضي المحاولة.

شارك المقالة

اقرأ أيضا