تحية الى مؤتمر الكونفدرالية الديمقراطية للشغل السابع

سياسة29 نوفمبر، 2025

بقلم؛ مصطفى البحري

شد مناضلو /ت الطبقة العاملة، المنتدبون/ت من قاعدة الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، الرحال إلى بوزنيقة للمشاركة في مؤتمر النقابة الوطني السابع أيام 28 إلى 30 نوفمبر 2025. حدثٌ عمالي سيطبع سنتنا المشرفة على نهايتها، بالنظر لوزن الك.د.ش ضمن أدوات نضال طبقتنا، تنظيميا وبرصيدها النضالي المميز، حيث خاض شغيلة المغرب، طيلة عقود، العديد من معاركهم الكبرى تحت لواء هذه المنظمة، ولا تزال تمثل أداة المقاومة العمالية الأولى بقطاعات متنوعة.

وإذ يحرص مناضلو/ت الكد.د.ش الكفاحيون/ت على صون ما تمثله من مكسب لطبقتا، وتطويره، فأولا ببذل المزيد من الجهود لتوسيع التنظيم والرقي به نوعيا بما يرفع وعي القسم المنظم من الطبقة العاملة إلى مستوى النهوض بقيادة الطبقة برمتها لتحسين أوضاعها، لتأهيلها للسير نحو التحرر من الاستغلال والقهر الطبقي.

هدفنا جميعا صون المكسب الذي تمثله الك.د.ش بتعزيز التنظيم، هذا الذي تضرر كثيرا، وعجز عن مواكبة التطورات الكمية والنوعية الجارية في الجسم العمالي. عجز لا تعود أسبابه فقط إلى عوامل موضوعية، بمقدمتها نسبة البطالة العالية واستشراء الهشاشة، بما تمارسه الأولى من ضغط على العاملين يحدو بهم الى الاحجام عن قتالية قد تعصف بمكسب الشغل، وما تؤدي اليه الثانية من تعذر التنظيم بفعل سيف عدم تجديد عقود العمل المؤقت، فضلا عن القمع المسلط من عدونا الطبقي. لكنه عجز ناجم جزئيا أيضا عن سجل الهزائم التي منيت بها طبقتنا، هزائم تكللت بتمرير دولة رأس المال لقانون منع عملي للإضراب، والقائمة ممتدة بنحو لا يتسع المجال لسردها كاملة.  فتعثر النضالات، وانكسار بعضها التام، ونجاح الدولة في النيل من عدد من الحقوق العمالية إنما هي عوامل تثني الشغيلة عن الإقدام على الانضمام الى النقابة، يساعد في ذلك الأثر السلبي لظواهر مَرَضية تعاني منها منظماتنا العمالية، بلا استثناء يُذكر، ليس أقلها انتهاك الديمقراطية العمالية في تدبير المنظمات والنضالات على السواء، وتفجر دوري لفضائح فساد يتورط فيها مسؤولون نقابيون.

إن أسباب الضعف الذاتية، أي الخط النقابي السائد، الذي تطغى فيه حاليا أيديولوجية “الشراكة الاجتماعية” (التعاون الطبقي مع البرجوازية، بلغة عمالية)، إنما تتحمل مسؤوليتها التوجهات السياسية السائدة في الك.د.ش، وهي يسارية الهوى، متفاوتة العمق، تبلغ أحيانا مستوى يصعب وصفه باليسارية، لكنها لا تُرضي بجميع الأحوال قسما وازنا من قاعدة الك.د.ش، وبالتالي من قاعدة قوى اليسار المنتسب الى الاشتراكية، لكن عدم الرضا هذا لم يتبلور قط في وجهة نظر مبنية تطرح بديلا للخط النقابي الرسمي.

هذا الخط الرسمي الذي بات بعيدا عن مبادئ التأسيس. فالبيان التأسيسي، ومجمل لغة وثائق مؤتمر نوفمبر 1978، لا مكان فيها “للشراكة الاجتماعية” و”السلم الاجتماعي”، بل تخترقها لغة طبقية واضحة. طبعا كان سياق تاريخي مغاير تماما لحاضرنا (لم تدخل الحركة العمالية العالمية طور انهيارها بعد) يفسر كفاحية البدايات (النسبية) وقاموسها الطبقي، لكن عقودا من الهجوم الرأسمالي (النيولبرالي) المتصاعد إنما أكدت أن مناهضة الرأسمالية هي جوهر النضال العمالي، وأن الرأسمالية باتت اليوم تهدد وجود البشرية ذاته بتدميرها للبشر بالاستغلال والحروب وللبيئة أيضا.

 إن المعنى الصادق الوحيد للوفاء لمبادي التأسيس، المتخذ شعارا لمؤتمرنا الجاري، إنما يتمثل في نفض خرافات الشراكة الاجتماعية – (جعل الحوار الاجتماعي ودمج النقابة في مؤسسات الدولة بديلا عن النضال الطبقي الوحدوي)، و في اعتماد منطق التعارض الجوهري بين مصلحة طبقتنا ومصلحة البرجوازية ودولتها، ومن ثمة التركيز على بناء النقابة بناء ديمقراطيا وتوسيع تنظيمها واشعاعها، وتفعيل الرؤية الوحدوية بالسعي للتعاون وتوحيد العمل مع كل منظمات الطبقة العاملة المناضلة.

 وإذ يسجل كل ملاحظ النبرة النقدية للرأسمالية في طورها الراهن التي طبعت وثائق تحضير المؤتمر السابع، فالواجب ألا يكون ذلكم النقد المستجد مجرد كلام أدبيات مناسباتي، أي وجوب ان يُدفع النقد إلى مداه النهائي بتعميق التوجه المناهض للرأسمالية في رؤية النقابة وممارستها، والتقدم نحو استجلاء بديل برنامجي للرأسمالي يستلهم دروس تجارب الكفاح العمالي النقابية والسياسية، محليا وعالميا، وما بلغت الرأسمالية من همجية مدمرة للبشر وبيئته.

كما أن مواصلة النضال من أجل الديمقراطية، الشطر الآخر من شعار المؤتمر، يتطلب تقييما نقديا لعقود “النضال الديمقراطي” الذي سايرته نقابتنا، خلف القوى المعارضة (بعضها برجوازي صريح، حزب الاستقلال …) من التأسيس حتى مطلع سنوات 2000. لماذا انتهينا بعد عقود “النضال الديمقراطي” إلى استبداد موطد، وتبعية للإمبريالية وحتى للصهيونية، لم يسبقهما نظير. جلي ان موضوع النضال من أجل الديمقراطية (مسألة سياسية بامتياز) متصل بمعضلة الأداة السياسية للطبقة العاملة، الأمر الذي يتطلب تناولا أشمل من حدث مؤتمر نقابي. لكن مهما يكن من أمر، هل تعتبر أحزاب اليسار التي ينتمي إليه كادر الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، وقسم من قواعدها، هل تعتبر نفسها أحزابا للطبقة العاملة؟ إن نعم، فهل هي تجسد فعلا المثال المفترض؟ وإن لا، فهل هي تنكر الحاجة الملحة إلى حزب خاص بالطبقة العاملة؟ أسئلة تعترض أي سير بنضال الطبقة العاملة بالمغرب نحو تحقيق أهدافه الجوهرية، أهداف التحرر من الاستغلال والقهر الطبقي.

في الأفق غيوم سود، حرية الإضراب مصادرة، والدكاك البرجوازي يستهدف ما تبقى من مكاسب التقاعد وقانون الشغل، وسياسة تحويل الخدمات العامة وكل شيء إلى سلعة مدرة لأرباح الرأسماليين تسير بسرعة مهولة، والاداة النقابية ذاتها يجري الإعداد القانوني لتدجينها أداة بيد الدولة البرجوازية … وبالمقابل ثمة بصائص نور تخترق تلك الغيوم: فئات شغيلة فتية تلتحق بركب الكفاح برغم (او بسبب) الهشاشة (شغيلة الحراسة وعمال غلوفو للتوصيل …) و كادحو القرى وكادحاته يسيرون محتجين/ت الى مراكز الأقاليم (أزيلال، خنيفرة…)، ومع هذا وذاك انتفاضة جيل زد التي لن يزيدها القمع الجاري سوى صلابة ونضجا سياسيا.

هذا التفكير النقدي نريده تعبيرا صادقا عن تمني النجاح لمؤتمر الكونفدرالية الديمقراطية للشغل السابع… فتحية للمؤتمرات والمؤتمرين، مفعمة بتشاؤم العقل وتفاؤل الإرادة، وإلى الامام صوب تعزيز كفاحية النقابة وديمقراطيتها.

شارك المقالة

اقرأ أيضا