مكتب الأممية الرابعة: التضامن الأممي مع الطبقات الشعبية السورية ضروري أكثر من أي وقت مضى!

بيانات10 يونيو، 2018

 

 

تؤكد الأممية الرابعة تضامنها مع جميع مدنيي سوريا، رجالا ونساء، ضحايا القصف والمذابح والتعذيب والتجويع والترحيل، كما تعلن تضامنها مع القوى الديمقراطية والتقدمية التي تواصل الدفاع عن تطلعات انتفاضة بطولية. بعد سبع سنوات من بدء الانتفاضة الشعبية السورية، والتي جرى تحويلها تدريجيا إلى حرب مميتة ذات طابع دولي، صار الوضع في البلاد كارثيا على كل المستويات. 

على الأرجح فاق عدد الضحايا، قتلى ومختفين، نصف مليون، أكثر من 80٪ منهم قتلتهم قوات النظام المسلحة وحلفائه. وفر أكثر من 6 ملايين شخص خارج الحدود ونزح 7.6 مليون إلى مناطق البلد الداخلية، وذلك ضمن سكان يبلغ عددهم 22.5 مليون نسمة في سنة 2011. ويعيش أكثر من 80٪ من السكان تحت عتبة الفقر. وقدر البنك العالمي في يونيو 2017 أن حوالي ثلث كل المباني وما يقرب نصف كل المباني المدرسية والمستشفيات في سوريا قد تضررت أو دمرت. 

ضد نظام الأسد وحلفائه، أول مكونات الثورة المضادة!

تدين الأممية الرابعة مرة أخرى همجية نظام عائلة الأسد وحلفائها المستبد، همجية يتمثل رمزها في مطلع سنة 2018 في هجومهم على الغوطة الشرقية قرب دمشق. وتتواصل الهجمات العسكرية وعمليات القصف التي يشنها نظام الأسد ضد المدنيين، بما في ذلك استخدام الأسلحة الكيميائية، في مناطق مختلفة خارج سيطرة نظام بشار الأسد. ويبدو أن هذا الأخير ما فتئ، بدءا من 2015 لما كان في وضع ميؤوس منه، يتقوي ويوسع رقعة الأراضي التي يسترجعها اعتمادا على حلفائه الروس والإيرانيين، وكذا على حزب الله اللبناني. وها هو اليوم يسيطر على زهاء 60٪ من الأراضي وأكثر من 80٪ من السكان. 

في هذا السياق، تطرح الآن الدول صانعة هذا الوضع، بأجنداتها السياسية والاقتصادية المتباينة وحتى المتناقضة، لكن المساهمة سويا في قصف سوريا وتدميرها، مسألة إعادة الاعمار المقدرة تكاليفها حالياً بأكثر من 350 مليار دولار. ويرى الأسد وأقاربه ورجال الأعمال المرتبطون بنظامه، في إعادة الإعمار وسيلة لتوطيد السلطات المكتسبة وإعادة إرساء هيمنتهم السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية، مع القيام في الآن ذاته بترحيل قسري للسكان. كما ستعزز هذه العملية السياسات النيوليبرالية لنظام مثقل بالديون تعوزه مقدرة تمويل إعادة الاعمار بمفرده. 

ويقف حلفاء النظام السوري، روسيا وإيران بوجه خاص، بعد مشاركتهم في أبشع جرائم الحرب، وحتى الصين، في الخط الأمامي للاستفادة اقتصاديًا واستراتيجيًا من إعادة الإعمار. 

يفقد الجهاديون والقوى الأصولية الإسلامية مواقع لكن مع احتفاظ على مقدرة إضرار 

لقد خسر جهاديو الدولة الإسلامية – “داعش”- معظم  ما احتلوا من مدن ومراكز حضرية في سوريا والعراق. ولم يبق تحت سيطرة الدولة الإسلامية لحد الآن غير مناطق معزولة على حدود العراق وسوريا، فضلا عن بعض الجيوب في الأراضي السورية. كما فقدت منظمات جهادية وسلفية أخرى، معارضة أحياناً لنظام الأسد وقامعة للقوى الديمقراطية، بعض المواقع. 

بيد أن فقدان هذه المنظمات لأراضي شاسعة لا يعني نهايتها أو انتفاء مقدرتها على شن هجمات إرهابية. 

تؤكد الأممية الرابعة معارضتها لهذه المنظمات فائقة الطابع الرجعي التي تمثل جانباً آخر من الثورة المضادة. يجب ألا ننسى أبداً أن صعودها في وجه قوى الانتفاضة الديمقراطية يعود إلى مناورات النظام السوري الساعي إلى تبرير قمعه غير المحدود أمام أعين العالم بقدر ما يعود إلى تدخل ممولين ومستشارين من الدول الأخرى في المنطقة. ويجب إبراز ضرورة التصدي لمصادر تطورها المتمثلة في أنظمة المنطقة المستبدة التي تقمع كل أشكال المقاومة الديمقراطية والاجتماعية، وفي التدخلات الأجنبية الإقليمية والدولية، وفي السياسات النيوليبرالية التي تُفقر الطبقات الشعبية. 

الهجوم على حزب الاتحاد الديمقراطي وتهديد الأكراد

في يناير 2018، شن الجيش التركي، بمساعدة ميليشيات إسلامية ورجعية من المعارضة السورية المسلحة، هجومًا جويًا وبريًا واسعًا على محافظة عفرين شمال غرب سوريا حيث تقطن أغلبية كردية تحت سيطرة حزب الاتحاد الديمقراطي و”وحدات حماية الشعب”. هذه المنطقة تحتلها اليوم قوات الجيش التركي والميليشيات السورية التابعة لها التي تواصل انتهاك الحقوق الإنسانية وترحيل السكان قسرا. 

 تُبرز من جديد العملية العسكرية التركية ضد عفرين في سوريا، وإفشال حكومة العراق لنتيجة استفتاء الاستقلال الذي نظمته سلطات البارزاني في كردستان العراق في أكتوبر 2017، عدم استعداد القوى الدولية والإقليمية لرؤية الأكراد يحققون تطلعاتهم القومية أو استقلالهم الذاتي. وجلي أن دعم موسكو وواشنطن لـ “قوات حماية الشعب” في أوقات مختلفة، وكذا دعم هذه الأخيرة لحملة روسيا الجوية والعسكرية إلى جانب نظام الأسد، التي شنت في متم شتنبر 2015 حول حلب، لم يمنعا هجوم أنقرة العسكري ضد عفرين. إن الرئيس التركي أردوغان يسعى بتهوره الديكتاتوري إلى سحق الشعب الكردي على غرار أي طموح ديمقراطي في بلده. 

تؤكد الأممية الرابعة حق الشعب الكردي في تقرير مصيره، حق قد يتخذ أشكالا متباينة في مختلف بلدان المنطقة (مثل الاستقلال أو الفيدرالية أو الاعتراف بالشعب الكردي كيانا ذا حقوق متساوية داخل دولة). إننا نحيي الالتزام البطولي للقوى القائدة لهذا النضال ضد القوى الظلامية، مع أننا نعبر عن انتقادات قوية الى هذا الحد أو ذاك لقياداتها، خاصة في العراق إزاء زعامة آل البارزاني، وحتى في سوريا بصدد تكتيكات حزب الاتحاد الديمقراطي – متابعين في الآن ذاته ببالغ الاهتمام تجاربه التحررية في منطقة روج آفا. على أية حال، ثمة ضرورة أوسع تضامن مع الشعب الكردي ضد القمع الضاري الذي يتعرض له في تركيا وسوريا والعراق وإيران، والذي تقوم الدول الأوروبية باستكماله عمليا. 

التضامن الأممي مع الشعب السوري بكل مكوناته!

اتحدت جميع القوى المضادة للثورة، على الرغم من تنافسها، لدحر الثورة السورية:

        تلك التي تدعم نظام بشار الأسد (روسيا وإيران وميليشياتهم) والمتورطة في جرائم حرب جسيمة

        الإمبرياليتان الأمريكية والأوروبية المكتفيتان بإعلان مبادئ حول الديمقراطية، مع رفض السماح للمكونات الديمقراطية للانتفاضة بالدفاع عن نفسها، وقصف السكان المدنيين باسم مكافحة الإرهاب

        النظام التركي الذي استخدم الثورة السورية ليظهر كزعيم “لشعوب الإسلام” والذي تحول إلى محتل لقسم من شمال سوريا، وقصف المدن لمحاربة المنظمات الكردية

        دول الخليج التي تدعم ماليا كل الحركات والميليشيات فائقة الرجعية طالما تخدم أهدافها

        وأخيراً، إسرائيل التي تقوم، إذ تسمح لنفسها بعمليات قصف موجهة في سوريا بقصد إضعاف الأسد ومنع توسع إيران وحزب الله عسكريا، بتعزيزهم عمليا على الصعيد السياسي.

في هذا السياق، تدعو الأممية الرابعة إلى:

        وقف كل الهجمات العسكرية – ما يعني استخدام كافة وسائل الضغط لتحصين المناطق الأخيرة المنفلتة من النظام والتي لجأ إليها مئات آلاف المدنيين النازحين رجالا ونساء 

        مواصلة إدانة كل التدخلات العسكرية الأجنبية المتعارضة مع تطلعات التغيير الديمقراطي في سوريا، سواء في شكل دعم للنظام (روسيا أو إيران أو حزب الله) أو بادعاء مقترفيها أنهم “أصدقاء الشعب السوري” (المملكة العربية السعودية وقطر وتركيا والولايات المتحدة، وما إلى ذلك). ليس لدى الطبقات الشعبية السورية المناضلة من أجل الحرية والكرامة دولة صديقة في كفاحها… رغم أن بوسعها السعي إلى الاستفادة من تنافس الإمبرياليات لدفع مصالحها الخاصة قدما مع الحفاظ على استقلال سياسي.

        إعادة تأكيد معارضتنا لنظام الأسد، ورفض إضفاء شرعية جديدة عليه دوليا، وعدم نسيان جرائم الحرب، وعشرات آلاف السجينات والسجناء السياسيين الذين ما زالوا يتعرضون للتعذيب في سجون النظام، والمختفين، واللاجئين، والمهجرين داخل البلد، إلخ. إن أي إطلاق لأيدي الأسد وجرائمه سيعني اليوم مزيدًا من التخلي عن الشعب السوري وانتفاضته البطولية، وسيزيد حتمًا شعور إفلات كل الدول المستبدة من العقاب، ما يسمح لها بدورها بسحق شعوبها إذا ثارت. كما يجب معاقبة كل المتورطين في انتهاكات الحقوق الإنسانية ضد المدنيين على جرائمهم. 

منذ الآن فصاعدا، يجب استخدام ذاكرة السيرورة الثورية السورية وتجاربها السياسية لإعادة بناء المقاومات، وسيكون فيها لعديد من النشطاء في المنفى دور. ومن مسؤولية حركة التضامن الدولي المساعدة في تطوير هكذا شبكات. يجب التذكير بالأهداف الأصلية للانتفاضة الشعبية السورية من أجل الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والمساواة، وضد كل أشكال العنصرية والطائفية الدينية. 

ومن الملح، من هذا المنظور، تعزيز كافة الجهود المبذولة التي ترمي عبر العالم إلى إعادة إرساء تضامن أممي حقيقي وتقدمي، وتدين كل القوى الإمبريالية الدولية والإقليمية بدون استثناء. ويجب علينا، في الوقت نفسه، معارضة السياسات النيوليبرالية والأمنية، والسياسات العنصرية والمعادية للإسلام، ولا سيما السياسات الإجرامية لإغلاق حدود الدول الأوروبية التي حولت البحر الأبيض المتوسط ​​إلى مقبرة واسعة للأشخاص الفارين من الحروب والديكتاتوريات والبؤس. وللاجئين السوريين حق أن يُستقبلوا في ظروف لائقة في البلدان التي يختارون. 

إن التضامن الأممي مع الطبقات الشعبية السورية ضروري أكثر من أي وقت مضى! 

اعتمد هذا البيان بالإجماع من قبل مكتب الأممية الرابعة في 3 يونيو 2018.

 

شارك المقالة

اقرأ أيضا