إما نصرة معركة إسقاط التعاقد وإما الكارثة المعممة

لاشك أن المعركة الكبيرة التي يخوضها الأساتذة المفروض عليهم التعاقد، بمعية تنسيقيات تعليمية عديدة، تشد أنظار كل أنصار النضال العمالي، والجميع يدرك أن المعركة بلغت لحظة مفصلية ستكون لها تبعات عظيمة على مستقبل ذلك النضال.
إن كسر شوكة المعركة الحالية سيؤدي لا محالة إلى تطبيق سريع وعميق لسياسة تقضي نهائيا على مكاسب تاريخية في الوظيفة العمومية، وسيسري عليها تباعا ما طبق على شغيلة القطاع الخاص باسم “رفع المردودية ومحاربة الهدر وتغيير معايير الكفاءة والتدوير الحر للموارد البشرية وفق حاجات المؤسسة وإعادة نظر في معايير الترقية وقاعدة احتساب الأجرة وتوحيد صناديق التقاعد بمعايير أكثر سوءا…”.
إن هزيمة المفروض عليهم التعاقد ستجعل الشغيلة الرسميين في مرمى القصف العنيف من كل جانب. ستكون هزيمة عظيمة وليس مجرد كبوة يمكن تحمل خسائرها في وقت وجيز.

طعم الدولة القاتل

سدت الدولة الباب في وجه القيادة النقابية برفضها المتكرر الاستجابة لجزء من مطالبها، ما أجبر تلك القيادة على تنسيق عملها في خطوات نضالية من فوق دون جهد لتعبئة حقيقية من أسفل، وبعدها انفرط عقده، وسار كل يقرر لخطوات على حدة أشد بؤسا.
لم تأبه الدولة، وهي العارفة بدرجة هوان قيادة النقابة، بل تعمدت تسفيهها واحتقارها لإفقاد النضال النقابي أي مصداقية محتملة في أعين الشغيلة.
بعد ثمان سنوات عجاف، وبعد دزينة من البيانات، الفاقدة للاعتبار مع كل قرب فاتح مايو، “التي تندد بلا مسؤولية الحكومة وخطر انفجار الوضع بسبب التعنت والتوسل العجيب بمأسسة الحوار الاجتماعي وانتهاء بدعوة قاعدتها للتعبئة لإنجاح القرارات القادمة” والتي لا تأتي. وبضغط مما يلوح إقليميا من إعصار ثوري عابر للحدود، دعت وزارة الداخلية إلى مفاوضات تقدمت فيها الدولة باقتراح زيادة لأجور الموظفين ما بين 400 و500 درهم للموظفين المدرجين في سلم الوظيفة الدنيا، على أن تطبق هذه الزيادة على 3 دفعات، ابتداء من شهر أيار/مايو المقبل وبداية السنة المقبلة. وزيادة التعويضات العائلية في حدود 100 درهم عن كل طفل من الأبناء الثلاثة الأوائل، ورفع الحد الأدنى للأجور بالنسبة للعاملين في القطاعين الصناعي والتجاري والخدماتي والزراعي بنسبة 10%، نصفها في يوليو 2019 والآخر في يوليو 2020.
القيادة النقابية متلهفة لتلقى رشوة الدولة، فقد عانت من احتقار طيلة سنوات، وتحملته بمسؤولية منقطعة النظير، وهي تدرك أيما إدراك درجة الضعف التي أوصلت إليه الحركة النقابية؛ والأهم أنها ترفض بشكل قاطع وبتمام وعيها إطلاق دينامية نضالية حقيقية من الأعماق لأنها حريصة على “استقرار الأوضاع” ولو مقابل تضحيتها بمصالح شغيلة المغرب.
ما يكبح القيادة النقابية ويفسر ترددها في الارتماء لتلقف رشوة الدولة تلك هو المعركة التاريخية التي يخوضها شغيلة التعليم الآن. إنهم يبحثون عن الطريقة والوقت الملائم ليهبوا جميعا لتوقيع اتفاق يفسح المجال لاستسلام اجتماعي مقابل مكاسب طفيفة سيتم استردادها أضعافا بعد وقت وجيز.
إن بيانات القيادة النقابية التي تعلن رفض مقترحات الدولة الأخيرة والمطالبة بتحسينها “بتنفيس الاحتقان الاجتماعي بإدماج المفروض عليهم التعاقد في الوظيفة العمومية وإطلاق سراح المعتقلين وتنفيذ التزامات محضر 26 أبريل 2011” مجرد مناورات لخداع القاعدة العمالية، وهم سائرون لا محالة إلى توجيه طعنة لظهر من يقاتل في الميدان.
تمارس قيادة المركزية النقابية ضغوطا على نقاباتها التعليمية، فيما الأخيرة تتعرض لضغط قاعدتها المباشرة المتأثرة بالسخونة النضالية في القطاع، ما يجعلها تتراقص كالواقف على الجمر. فتارة تساير النضالات القادمة من أسفل دون أن تحفزها كما يملي عليها واجبها كقيادة نضال، وتارة أخرى تهرول إلى جلسات في ديوان الوزير وتقبل دور شاهد زور في حفلات نصب فخاخ الإيقاع بتنسيقية المفروض عليهم التعاقد. ويلتمسون الأعذار لتبرير سلوكهم أحيانا باسم الشروط الخاصة للفروع والأقاليم وأحيانا أخرى بكون من يخوض المعمعة ليس كالناظر من بعيد.
إن دور المنظمة النقابية حفز النضال والتحذير مما يحضره العدو من مخاطر. أما عندما تندفع الشغيلة للقتال فهي مطالبة أيضا بأن تقود المعركة وان تنظم الصفوف وان تكون رفيق نضال يحظى بثقة المحاربين لا لاعبا على الحبلين والمثير لريبة المناضلين. هل بددت القيادة النقابية شكوك الجيل الشاب الذي يناضل اليوم؟ هل دللت بممارستها العملية الجارية خطأ حذره منها؟ هل أبانت أنها قيادة نضال فعلية ؟

تصويب وِجْهة التسديد

بلغت المعركة نقطة مفصلية والضغط على أشده ينزل على القيادة النقابية سواء المركزيات لكن بشكل أكثر على النقابات في قطاع التعليم. الدولة بقوتها وجبروتها من جانب والمعركة المشتعلة من الجانب الآخر. قيادة المركزية ذاهبة لا محالة إلى اتفاق استسلام غير آبهة بمصير المعركة التاريخية الجارية، والنقابات القطاعية كالسكران لا يستقر على حال إلا رفض الصحو والذهاب في اتجاه “شغيلة واحدة معركة واحدة حتى تحقيق المطالب” قد تستمر حتى الى الموسم الدراسي القادم .
ثمة من المناضلين من يسقط في سعار نقد القيادة النقابية إلى درجة تماهيه مع الحملة المعادية للنقابة العمالية بالمجمل. يجب تحديد مكمن الخلل بدقة بتمييز القيادة عن أداة النضال: إن محاربة التنظيم النقابي من خطط الدولة المركزية انها تستعمل سياسة وسلوكات وامراض الحركة النقابية وخصوصا أدوار قيادتها الخائنة لإفقاد المصداقية للنقابة.
علينا فضح القيادة النقابية كلما تراجعت وعلينا كشفها كلما تواطئت، وعلينا حملها على القيام بدورها في الدفاع على مصالح قاعدتها ضد اعدائها. وعلينا التأكيد أن المنظمات النقابية بُنيت بتضحيات الشغيلة، وهي أدوات نضال، فيما ليست القيادة غير جهاز تنظيمي سطا على النقابة، وصادر حق أصحابها. وتحريرها لتعود لأداء مهمتها الاصلية كأداة نضال طبقي هو الغاية.
النقد حتي السليم منه أن لم يقترن بخطة نضال يظل مجرد رأي من بعيد. إن واجبنا نحن المناضلين النقابيين، سواء بأجهزة المنظمات او كأعضاء في القاعدة، مطابقة الفعل مع القول. ما يقتضيه منا الوضع هو خطوات عملية ملموسة تؤدي الى تحرك نقابي من الأسفل يعمم على الصعيد الوطني. تحرك من شأنه ممارسة ضغط أقوى على القيادة النقابية ويجعل اقدامها على خيانة المعركة التاريخية الجارية انتحار في واضحة النهار. يجب الدعوة إلى مبادرات نضال سواء كأفراد أو بأماكن العمل مع كل داعم للمعركة بغض النظر عن الانتماءات النقابية والسياسية، وكفروع نقابية وتنسيقات إقليمية. يجب إعلان وتنفيذ قرارات عملية وجهتها بناء ميزان قوى ضروري لانتصار المعركة الحالية .
سنكون قد اقترفنا خطأ جسيما إن جعلنا قيادة النقابة وتصرفاتها مشجبا نعلق عليه إحجامنا عن الفعل، أو اقتصر نقدنا على مجرد كيل الاتهامات للبيروقراطية دون تحريك ساكن. داك سلوك لا يقل خيانة عن سلوك القيادة النقابية.
وجهتنا إلى المبادرة العملية، فالوقت يتطلب العمل ومصير المعركة متوقف على قدرتنا على إقناع 75 بالمئة من شغيلة التعليم لتتحرك الآن وهنا دفاعا عن استقرارها المهني ودفاعا عن المدرسة العمومية.
لكن المعركة الحالية مرتبطة كذلك بمستقبل التلاميذ، وبالتالي بأسرهم. لا بد من تحرك الجمعيات والتنسيقيات ضد إجراءات الدولة التمييزية التي تكرس جهودها لاستكمال اعتباطي وعشوائي لدروس الأقسام الإشهادية، وإعطاء الأولية لحل الفراغ بالمراكز الحضرية مع ترك بقية التلاميذ وأبناء العالم القروي في الضياع. يجب تشجيع كل المبادرات النضالية المعبرة عن معارضة سياسة الدولة تلك.
الآفاق النضالية
بات من الضروري الآن الشروع بالتفكير في استراتيجية نضال ما بعد الموسم الدراسي الحالي. يجب أن نستعد لبلورة منظور متكامل بناءا على دروس السنة الحالية، وأن ننسق الجهود للسنة القادمة استنادا على ما ستبلغه المعركة في الموسم الدراسي الموشك على الانتهاء.
المعركة حرب أعصاب والزمن عامل حاسم وكل جيش دخل معركة خائر المعنويات هو منهزم لا محالة. يجب إدراك ان صعوبات حقيقة ستجتازها المعركة النضالية وضغوط عديدة ستنزل على كاهلها وستجند الدولة كل طاقتها وخبراتها لتقسيم صفوفها. لكن كل ذلك رهين بما تبديه حركة نضال الشغيلة من تماسك ووعي وإصرار على النصر .
لن تجدي خيانة الخونة، ولا تردد الخائفين، ولا قمع وخدع الأعداء، في هزم معركة تاريخية إن انخرطت فيها شغيلة التعليم بشكل جماعي وبقوة، بل ستنتصر لا محالة وهذا ما يجب أن يكون بوصلة يهتدي بها كل أنصار النضال العمالي.

بقلم، صامبا عزيز

شارك المقالة

اقرأ أيضا