هيئة أركان حرب حكومية لاستكمال حرب أرباب العمل ضد الطبقة العاملة والكادحين-ات

سياسة8 أكتوبر، 2021

بقلم: أزنزار

صرح عزيز أخنوش ليلة تنصيبه رئيسا لحكومة الواجهة أن برنامجهُ الحكومي هو “البرنامج الاستراتيجي لجلالة الملك”، وهذا البرنامج الاستراتيجي هو عينه ما أعدته اللجنة التي عينها الملك، (وأسند رئاستها لوزير داخلية سابق هو شكيب بنموسى) من أجل بلورة “نموذج تنموي جديد”.

ليس تصريح أخنوش ذاته إلا تصريفا لتوصيات/ أوامر هذه اللجنة الملكية التي نصت في تقريرها العام على وجوب أن “يتطابق برنامج الحكومة المنبثقة عن الأغلبية البرلمانية وتطبيقه العملي مع التوجيهات الملكية”. ولن تجد فقرة أبلغ من هذه تعبيرا عن حقيقة حاكم البلد الفعلي، ودور كل التمثيلية السياسية المسماة انتخابات ودولة المؤسسات.

مضمون “البرنامج الحكومي/ النموذج النيوليبرالي الجديد”

أصدرت هذه اللجنة تقريرها العام في أبريل 2021، وتبين أن صفة “الجديد” لا تتعدى تجميع الهجمات السابقة ومجمل السياسات النيوليبرالية التي جرى تطبيق إجراءاتها الصدمية منذ 1983، وتكثيف إجراءاتها الهيكلية منذ 1993- 1999 حتى الآن. وقد عبر مقتطف من خطاب العرش 29 يوليو 2019، ورد في ديباجة تقرير اللجنة عن هذه الاستمرارية: “إن الأمر لا يتعلق بإجراء قطيعة مع الماضي، وإنما نهدف لإضافة لبنة جديدة في مسارنا التنموي، في ظل الاستمرارية”.

تركز الانتقاد الرئيس “للنموذج التنموي” السابق على الشكل لا المضمون، وكان هذا الشكل يتمحور على “عدم التقائية وانسجامية السياسات القطاعية” وافتقادها للمنظور الاستراتيجي… والسياسات القطاعية هنا مفهوم ملطَّف للهجمات على مكاسب الشعب الكادح وحقوقه وتثمير مكاسب الرأسماليين المحليين والأجانب.

يمكن اختصار هذا النموذج في محاوره الكبرى: تفكيك ما تبقى من الوظيفة العمومية، أي الشغل القار وتعويضه بأشكال متعددة من الشغل الهش والمرن، وتكييف مدونة الشغل مع مطالب أرباب العمل، و”إصلاح الإدارة العمومية”، وتثبيت مكاسب الجهوية المتقدمة كمدخل للتنمية بمنظورها النيوليبرالي، وتسليع شامل لكل أوجه الأنشطة البشرية، وإدخالها في دورة رأس المال الاقتصادية، وتكييف منظومة التعليم مع متطلبات القطاعات الاقتصادية الجديدة والاستثمار الأجنبي خاصة (ما يُطلق عليه “موارد بشرية”)، وتحميل الشغيلة والكادحين- ات كلفة هذا الطور من التنمية الرأسمالية (المديونية، تحرير الأسعار)، وتعميق اندماج البلد في الاقتصاد الرأسمالي المعولم (تحرير سعر الدرهم، المقايسة بالنسبة لأسعار الموارد المستوردة، أشكال متعددة من خوصصة الملك العام (إدراج في البورصة، تحويل مؤسسات عمومية إلى شركات مساهمة، تدبير مفوض…)، إلى آخر ترسانة حسم الحرب. [انظر مذكرة عامة حول تقرير “اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي”من أجل مغرب آخر ممكن، واقتصاد يقطع مع النموذج الرأسمالي النيوليبرالي“، بموقع أطاك المغرب].

شخَّص التقرير أحد عوائق التنمية في السابق في “تقلبات العمل الحكومي” المتمثلة في  “تحالفات ظرفية لا تستند إلى رؤية وأهداف مشتركة، تتولد عنها توترات متكررة واحتقانات تباطؤ داخل الأغلبية الحكومية”. يورد التقرير هذه السمات وكأنها نابعة من ذاتها وليس كونها نتاج الاستبداد الذي ينفرد بسلطة القرار ويستعمل الأحزابَ أدوات والمؤسسات واجهات، ويقضي على أي إمكانية لبروز قوة سياسية حتى بحدود دنيا جدا من الاستقلالية وإن كانت تلك القوة تُعلن على الملأ أنها “هبة من السماء للملكية”، كما حدث مع حزب العدالة والتنمية، ومع الاتحاد الاشتراكي من قبله.

هيئة الأركان الجديدة: استكمالُ ما بدأه سلفُها

اضطرت الملكية سنة 2011 إلى الاستعانة بإسلاميي حزب العدالة والتنمية لتجاوز العاصفة الثورية الإقليمية بسلام، ومنذ تعيين حكومة بنكيران تواتر تبرمه، ومعه مثقفو الحزب، من عرقلة محيط  الملك “للحكومة” التي يترأسها الحزب. وهذه صيغة لتفادي اتهام الملك مباشرة. إن غاية إضعاف حكومة الحزب والوقوف في وجه استفادته من الموقع الحكومي لتقوية قاعدته الاجتماعية وتأثيره السياسي هو ما يفسر “تقلبات العمل الحكومي” التي تحدث عنها تقرير اللجنة. انتهى الشوط الأول من تركيع حزب العدالة والتنمية مع إقصاء بنكيران سنة 2016 (ما أُطلق عليه “البلوكاج الحكومي” وكان فيه لأخنوش دور رئيس)، أما الشوط الثاني فكانت الهزيمة الساحقة التي ألحقها النظام بالحزب في انتخابات 2021.

وبعد أن صفا الجو للملكية مع فوز الأحزاب التي كانت تُعدها منذ مدة لتحجيم حزب العدالة والتنمية (الأصالة والمعاصرة والتجمع الوطني للأحرار)، بات بوسعها تطبيق الجزء الآخر من توصيات لجنة النموذج التنموي المرتبطة بـ”الحكومة”: ويتطلب انسجام العمل بين الوزارات تغيير الثقافة السياسية الحالية بما يتلاءم مع تأويل بناء ومسؤول لمفهوم الأغلبية الحكومية التي يجب أن يراعى فيها قبل كل شيء تحقيق الانسجام في البرامج السياسية والانتخابية، وتماسك التحالفات ووحدة ومصداقية القيادة”.

لم يكن برنامج العدالة والتنمية يختلف عن برامج أحزاب “الأغلبية الحكومية الحالية”، وهو واقع سبق ووصفه “تقرير الخمسينيةّ لسنة 2005 بقول: “كانت القوى السياسية المتواجد قد دعمت الخيار الحاسم للرأسمالية”. ولكن كون حزب العدالة والتنمية يعبر عن موجة إسلامية من عمق المجتمع، تجعله خاضعا لضغوط قاعدته الانتخابية وأكثر حساسية تجاه ما يعتمل في المجتمع، وأشد حرصا على استقلالية قراره الحزبي. وهذا ما يتناقض والطور الجديد من الهجوم. تريد الملكية أحزابا منصاعة كليا، وهذه هي خلفية الهزيمة الساحقة التي انزلتها الملكيةُ بحزب العدالة والتنمية في انتخابات 2021.

تشكلت “الأغلبية الحكومية” الجديدة من أحزاب أرباب عمل بعضها صنيع مباشر من طرف الملكية (التجمع الوطني لأحرار والأصالة والمعاصرة) وحزب يتحدَّر من الحركة الوطنية البرجوازية وشديد التمسك بالملكية (حزب الاستقلال). وهي أحزاب صالحة لتكوين ما أسماه تقرير “لجنة النموذج التنموي الجديد”: “حكومة ذات هيكلة واضحة وفعالة قادرة على التفاعل الإيجابي مع السلط والمؤسسات الدستورية الأخرى… والتنسيق في تدخلاتها مع الشركاء الآخرين والقوى الحية للبلاد، طبقا للرؤية الاستراتيجية لرئيس الدولة”.

إنها إذن هيئة أركان لتنفيذ الأطوار النهائية من هجوم جرى بدؤهُ منذ بداية الثمانينيات (مع برامج التقويم الهيكلي)، واستؤنِف في نهاية التسعينيات مع ما سمِّي “استراتيجيات محاربة الفقر”، وكلها برامج تلتقي مع مصالح الرأسمال المحلي الكبير مع مصالح الرأسمال العالمي وشركاته متعددة الجنسيات، ومع استراتيجيات مؤسسات الرأسمال العالمي (صندوق النقد الدولي، البنك الدولي، منظمة التجارة العالمية).

وردَ في مقال سابق نُشر بموقع المناضل- ة تحت عنوان “الحكومة حكومة أرباب عمل برئاسة رجل أعمال: لا معارضة حقيقية لها غير الحركة النقابية”، أن “الفريق الحكومي الناتج عن انتخابات 8 سبتمبر 2021، والذي سيقوم بتنفيذ سياسة الدولة مكوَّن من أحزاب كلها برجوازية، أي أحزاب رجال أعمال وأموال ويرأسها أحد كبارهم”. وتتمة ذلك المنطقية أن معارضة هذه الحكومة مطروحة بالدرجة الأولى على تنظيمات نضال الشغيلة والكادحين- ات المستهدفين- ات بهذا الهجوم. وعلى رأس هذه التنظيمات الحركة النقابية بتعاون مع التنسيقيات الأخرى لفئات الشغيلة وحركة النضال ضد البطالة بتضافر مع موجات النضال الشعبي التي تتفجر في العالم القروي من أجل الخدمات العمومية والتجهيزات.

لأجل بناء ميزان قوى طبقي لمواجهة العدوان الطبقي

يظل العائق الأكبر هو حال منظمات النضال العمالي والشعبي البئيس بشكل لا سابق له: تفكيك الحراكات الشعبية ذات البعد المحلي (إفني، الريف، جرادة…) وإنهاك طلائع الشغيلة الصامدة في النضال بالاقتطاعات، وتقاعس القيادات النقابية عن نصرة فعلية للمعارك المشتتة بالقطاع الخاص، وضمور تنظيمات شبيبة وحتى انقراضها: حركات المعطلين والحركة الطلابية.

تدرك الدولة والبرجوازية أنهما أمام فرصة سانحة لفرض أشد السياسات الطبقية عنفا. الإقرار بواقع الحال خطوة ضرورية لتحديد المهام الجسيمة التي تنتظر قوى النضال العمالي والشعبي.

علينا الانطلاق من الواقع الحالي للنضال العمالي والشعبي وتطويره. ولن يتحقق هذا خارج التعاون النضالي الصادق بين الحركة النقابية وكل تنظيمات النضال الشعبي بناءً على برنامج مطالب تضمن للطبقة العاملة والكادحين- ات حياة لائقة وحريات عامة. التشغيل والاستقرار في العمل، وظروف عمل صحية، وأجور قادرة على مواجهة غلاء المعيشة، وسلم متحرك للأجور و الأسعار، وضمان اجتماعي للجميع، وتعليم وصحة جيدين ومجانيين للجميع، وحقوق المرأة العاملة كاملة، وحق تأسيس النقابة بدون قيد ولا شرط، وحق الإضراب غير المنقوص، وحرية التعبير، والحرية السياسية، فبدون حريات لا يمكن بناء منظمات النضال، وبدون هذه المنظمات لا يمكن حماية الحقوق والمكاسب و لا تحقيق مزيد منها.

وتظل المعضلة الرئيسية في غياب قوة سياسية يسارية عمالية تقدمية. فأغلب يسار المغرب- باستعارة تعبير نعوم تشومسكي- “يسارٌ أدار ظهره للصراع الطبقي”، في الوقت الذي تشتدت فيه الحرب الطبقية البرجوازية ضد الشغيلة ومفقري القرى والمدن. وستبقى مهمة تجميع طلائع النضال العمالي والشعبي ومدها بمنظور طبقي عمالي اشتراكي بيئي، من أجل بناء تلك القوة السياسية أُمَّ مهام أي منتسِب- ة إلى مشروع الطبقة العاملة التحرري.

شارك المقالة

اقرأ أيضا