الهجرة السرية: الرأسمالية تقتل

الافتتاحية31 أغسطس، 2023

 

يضطر كادحون كثر إلى البحث عن وسيلة ما للهجرة، باعتبارها لجوءا اجتماعيا اضطراريا هروبا إلى الأمان من حروب، أو نزوحا بسبب تطرف التغيرات المناخية، أو بدفع من عجز مزمن عن تلبية حاجيات أساسية اقتصادية واجتماعية وسياسية. الهجرة السرية، هي إحدى الوسائل الأكثر انتشارا لهجرة ضحايا الظلم الاجتماعي والسياسي والبيئي، ضحايا الرأسمالية من العمال- ات والكادحين- ات المحرومين- ات من حق التنقل العابر للحدود والخاضعين لتشريعات قاسية بهدف ضبطهم- هن وتقنين حركيتهم- هن بما يخدم مصلحة الرأسمال حصرا. هم- هن فائض من القوة العاملة ترى فيه الرأسمالية خطرا شديدا يجب تطويقه.
الرأسمالية تتربح من الهجرة السرية
عكس الدعاية الشائعة تظل الهجرة السرية مصدر تربح الرأسماليين سواء في بلدان الجنوب، إنها مصدر هام للعملة الصعبة المتأتي من تحويلات مهجريها بالخارج ولدورها المتزايد في تنشيط الدورة الاقتصادية والدعم الاجتماعي والمادي الموجه لأسرهم- هن داخل بلد المنشأ. كما تستفيد المراكز الإمبريالية من تدفق يد عاملة رخيصة مستعدة للعمل بأجور متدنية وفي ظروف هشة، ما يضعف قدرة الطبقة العاملة في تلك البلدان لممارسة الضغط الجماعي حفاظا على مكتسابتها التاريخية، وهو ما يحفز تأثر أقسام من تلك الطبقة العاملة بدعاية اليمين المتطرف.
بلغ عدد المهاجرين الدوليين في عام 2020 حوالي 281 مليون، أما رقم التحويلات المالية على مستوى العالم في عام 2019 من قبل المهاجرين في الشتات فوصل إلى 717 مليار دولار. يمثل المهاجرون %3.6 من سكان العالم وعدد العمال منهم 164 مليون(1).
عدد مغاربة العالم المسجلين لدى شبكة قنصليات المغرب هو 5.1 ملايين شخص إلى غاية أبريل 2021 ما يمثل 15% من سكان المغرب، لكن بإضافة الأشخاص الذين يعيشون في الخارج غير المسجلين لدى القنصليات فإنه يمكن تقدير إجمالي مغاربة العالم بين 6 و6.5 ملايين شخص.
أفاد مكتب الصرف بأن تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج بلغت حوالي 55,3 مليار درهم، عند متم يونيو 2023، ما يدل على أهميتها كمصدر أساسي للعملة الصعبة.

مأساة مفتوحة وفواجع لا تنتهي
أعلنت منظمة الأمم المتحدة للهجرة أن الربع الأول من العام الحالي شهد أكبر حصيلة لضحايا الهجرة عبر المتوسط تُسجل بين يناير ومارس منذ 2017، موضحاً أن 441 مهاجراً لقوا حتفهم في رحلات العبور هذه. ومنذ 2014 مات أكثر من عشرين ألفا في البحر الأبيض المتوسط وهي أرقام أبعد ما تكون من الدقة لوجود ضحايا ظل مصيرها مجهولا(2).
بات الموت الجماعي في معابر الهجرة السرية سواء بالغرق في البحار، أو بالعطش والاختناق في الصحارى أو على الحدود أحداثا يومية تعج بها المنصات الإعلامية، وسرعان ما تُترك الضحايا لصمت القبور و تظل هوية أغلبها مجهولة ويطويها النسيان. هم مجرد ضحايا جدد من أصحاب الحظ العاثر، لن يثني مصيرهم المفجع أفواجا أخرى تعد العدة لشق نفس طريق الآلام للإفلات بجلدها من واقع قاس لا يمكن تحمله.
لن تفلح عسكرة الحدود ولا قوانين اضطهاد المهاجرين في كبح إصرار كادحي ومفقري الجنوب على تكرار المحاولة لاختراق جدران قلاع البلدان الواعدة بتحسين ظروف عيشهم، إنها من الثمار العكسية لنهب بلدانهم ودعم أنظمة ديكتاتورية فاسدة.
رغم التطور الكبير لقوى الانتاج وضخامة ما تحوزه البشرية من وفرة الانتاج المادي الكافي لضمان الأمن الغذائي الجماعي ولتلبية الحاجيات الأساسية للجميع، الا أن النظام الرأسمالي يبدد جزء هائلا من الثروات المنتجة أو يخضعها لمنطقه القائم على الربح الخاص، فيركز الثروة الهائلة بين يد أقلية ضئيلة ويحرم غالبية البشرية من أبسط مقومات العيش ويسلط عليهم أزمات مدمرة تضع بقاءهم المادي على المحك.
ليست الهجرة السرية إلا نتيجة لرأسمالية هائجة ترشح أزمات عنيفة وتخلف كوارث يؤدي ثمنها العمال- ات والشعوب الكادحة. ودون قطيعة جذرية وإعادة بناء المجتمع على أسس اشتراكية ديمقراطية وبروح أممية لن يؤدي الخراب الليبرالي إلا إلى مزيد من الاضطراب والهجرات القسرية وما يرافقها من مآس إنسانية.
– https://mena.iom.int/ar/byanat-wmward1 –

https://www.dw.com/ar – 2-/حصيلة-قياسية-لضحايا-المتوسط-في-الربع-الأول-من-2023/a-65295565

 

شارك المقالة

اقرأ أيضا