الذكرى الخمسون لثورة القرنفل في البرتغال

غير مصنف24 أبريل، 2024

بقلم، برايز فرنانديز

الذكرى الأربعون لثورة 25 أبريل على الأبواب وتشكل فرصة مناسبة لتسليط الضوء على جوانب معينة من “الثورة الأخيرة (حتى الآن) في أوروبا”. في ذلك اليوم، أنهت انتفاضة عسكرية ديكتاتورية يمين حكمت البرتغال لمدة 48 عامًا تحت اسم “الدولة الجديدة”. أطيح بحكومة مارسيلو كايتانوMarcello Caetano (المنفي إلى البرازيل، حيث توفي عام 1980 دون محاكمة)، وخليفة سالازار Salazar الخالد، من السلطة على أنغام الأغنية الشهيرة ” Grandola Vila Morena “. وهكذا بدأت الفترة المعروفة باسم “ثورة القرنفل”.
من المفيد وضع الثورة البرتغالية في السياق السياسي العالمي الذي تطورت فيه. كان العالم يشهد فوضى عارمة. زعزعت أزمة 1973 سيرورة التراكم الرأسمالي. وبلغت الثورات الكولونيالية ذروتها في سيرورة المطالبة بالاستقلال، حيث جرت تجربة نماذج أخرى من البناء السياسي والعلاقات بين الدول، دون تجنب المآسي وبالكثير من الأحلام المحبطة. في أوروبا، انعكست الموجة الطويلة من التحريض المناهض للنظام بدءاً من العام 1968 في التشكيك في التطور القائم وفي البحث عن طرق جديدة لفهم وبناء الديمقراطية.
أثرت كل هذه القضايا بشكل حاسم على الأحداث في البرتغال، حتى ولو أنه لا جري حصر التعبير عن التفاوت مركز- محيط في التنمية الاقتصادية وحسب، بل أيضا في الموقف السياسي الأولي. جرى في بلدان وسط أوروبا التشكيك في نموذج ديمقراطي معتمد على تكامل قطاعات واسعة من الطبقات التابعة دون القدرة على تلبية حاجات العمال العديدة والنساء والشباب. كان الرابط بين المقاومات وثيقا في دول الجنوب ( اليونان، دولة اسبانيا، البرتغال) من خلال النضال ضد الديكتاتوريات الممثلة لزمرة أقلية عسكرية، ودينية و أصحاب عمل لكنها مهيمنة على مجمل هيكل للدولة.
شهدت البرتغال خلال ستينيات وسبعينيات القرن الماضي سيرورة تطور اقتصادي قوية نسبيا وشبيهة بالحالة الاسبانية، رغم أنها أقل تفجرا. بالنسبة لقطاع من البرجوازية، كان من الضروري تسريع الربط الاقتصادي والسياسي بأوروبا؛ سيرورة تأهيل تربط البرتغال بالمنطقة الأوروبية، تتيح تحديث أشكال إدارة السلطة السياسية والبحث عن سبل لدمج الطبقات التابعة دون تغيير هيكل الملكية عبر إتاحة بعض الحريات والمساحات لتنظيم المعارضة. مع ذلك، تشبث قطاع آخر بآليات هيمنة الدولة الطائفية *، وبموقف ثابت يتميز باعتمادها الشديد على الأسواق الاستعمارية والخوف من أن يستوعبها رأس المال الأجنبي.

تناقضات
شهدنا على مستوى أدنى في حياة البلد، بالموازاة مع التنمية الاقتصادية، التعبئة الناشئة لعالم العمل وقطاعات الطلاب. جرى منذ نهاية الستينيات، تشكيل حركة عمالية جديدة من خلال التعبئة، مع تأسيس التكتل النقابي، نواة CGTP-IN (الاتحاد العام للعمال البرتغاليين – التكتل النقابي، النقابة الرئيسة في البلاد اليوم). وفي العام 1973، شارك أكثر من 100 ألف عامل في الإضرابات. وتضاعفت كل من الاحتلالات الجامعية ونضالات الطلاب في التعليم الثانوي. خلال سنوات مقاومة الدكتاتورية، كان الحزب الشيوعي البرتغالي هو المنظمة المهيمنة على مستوى الانغراس الشعبي، ورغم الصعود التدريجي ليسار راديكالي قدم موضوعات ووجهات نظر جديدة، دون أن يصل إلى قوة الحزب الشيوعي البرتغالي، فإنه أظهر قدرة على الحوار والانغراس في الحركات العمالية والطلابية.
لا يمكننا أن نتجاهل أيضًا أن مجمل الحياة الاجتماعية في البرتغال تميزت بنزاع مسلح شديد كان هدفه الحفاظ على المستعمرات الأفريقية (أنغولا وموزمبيق وغينيا والرأس الأخضر وساو تومي وبرينسيب)، وهو النزاع الذي تورط فيه 10% من السكان النشطين. حرب كان ضحاياها الطبقات الشعبية والدول المستعمرة، لكنها قوضت أيضًا الدور المهيمن للزمرة الحاكمة. لأن هذه الأخيرة أصرت على حل النزاع الاستعماري بالوسائل العسكرية، التي فاقت قدرات وموارد بلد مثل البرتغال وشكلت خيارا خارج الزمن في سياق كان فيه إنهاء الاستعمار سيرورة لا رجعة فيها على المستوى الدولي.
خلق هذا التوازن الهش بين القوى الاجتماعية المتعارضة إحساسًا بـ “نهاية العصر” في المجتمع البرتغالي. أصبحت الطبقة المهيمنة منذ بداية السبعينيات، عاجزة على الحكم كما كانت تفعل حتى ذلك الحين، وفي الوقت نفسه، لم تعد الطبقات الخاضعة تقبل أن تُحكم بنفس الطريقة. فتح تراكم التناقضات الداخلية الطريق أمام أزمة نظام لم تكن تحتاج إلا إلى شرارة الانفجار وتمهد الطريق لتدخل الجماهير الشعبية الفعال في السياسة الوطنية.

التنظيم الذاتي
في 25 أبريل من العام 1974، شرع قطاع كبير من الجيش البرتغالي في الإطاحة بالحكومة الدكتاتورية لمارسيلو كايتانو. فتح هؤلاء الضباط، المنظمون في MFA (حركة القوات المسلحة)، أزمة في جهاز الدولة لكنهم أطلقوا كل الطاقة والرغبة في الحرية الكامنة في الشعب البرتغالي. أصبح الوضع معقدًا من خلال فتح ما سمي بـ “العملية الثورية الجارية” حيث تصارعت الطبقات والتيارات السياسية والمفاهيم المختلفة للمجتمع لتحويل مشروعها الخاص إلى مشروع للمجتمع أجمع.
امتدت هذه البلبلة وهذه المصالح المتعارضة إلى حركة القوات المسلحة، المنقسمة بين قطاعات تنادي بالاستمرارية وهي مرتبطة بالجنرال سبينولا Spinola (أول رئيس للحكومة بعد سقوط النظام) وآخرين، أكثر ارتباطًا بالحركات الشعبية واليسار، الساعين إلى تنظيم انتقال إلى الاشتراكية – مثل الشهير Otelo Saraiva de Carvalho . على الرغم من أهمية حركة القوات المسلحة، فدورها كان مشروطًا بعلاقتها بالجماهير الثورية، ولكن أيضًا بضغوط البرجوازية. ولإعطاء مثال مهم، فإن 400 فقط من أصل 4000 ضابط في الجيش البرتغالي في ذلك الوقت، كانوا ينتمون بشكل عضوي إلى حركة القوات المسلحة. كانت المؤسسة العسكرية هي الطليعة التي بدأت الثورة البرتغالية، ولكنها استجابت دون أدنى شك لحركة تغيير أكثر عمقا كانت تجتاح كافة المجتمع.
إن العنصر الأكثر إثارة الذي انطلق يوم 25 أبريل هو بلا شك عملية التنظيم الذاتي الشعبي اللاحقة، والتي رواها بشكل رائع راكيل فاريلا Raquel Varela في كتابه “تاريخ الشعب في الثورة البرتغالية”. ظهرت اللجان العمالية ونظمت نفسها بشكل مستقل، شملت مختلف القطاعات الإنتاجية وشكلت نفسها في فضاء وحدوي يجمع العمال بغض النظر عن مختلف الاتجاهات السياسية وقامت بتجارب الإدارة الذاتية ضد الملكية الخاصة. جرى تأميم البنوك من قبل العمال أنفسهم، ولم يكن أمام الحكومة من خيار سوى معاقبة هذا الإجراء. لم يكن الجنود في مأمن من عملية التعزيز الجماعي هذه وشكلوا هيئاتهم الخاصة ، وهي (SUV) Soldats unis vaincront ، وتصدروا بالزي الرسمي العديد من المظاهرات الشعبية.
وهكذا قدمت الطبقات الدنيا مشروعها البديل للبلاد كحركة حقيقية. في حين اتهمت الطبقة الحاكمة الحركة الشعبية بزرع الفوضى الاقتصادية (ذهبت صحيفة التايمز إلى حد القول بأن الرأسمالية ماتت إلى الأبد في البرتغال) بعناوين ساخرة مثل “البرتغال لا تنتج سوى البرتغاليين”. وهو الأمر الذي رد عليه الشارع بجدية بأن “أعظم ثروة للشعب هي سكانه”.
لا شك أن تلك الأيام كانت أيام سعادة شعبية. فقد كتب أنذاك الكاتب غابرييل غارسيا ماركيز، الذي توفي مؤخراً، أن في لشبونة “الجميع يتحدثون ولا أحد ينام. هناك اجتماعات حتى وقت متأخر من الليل والمكاتب مضاءة حتى الفجر. إذا حققت هذه الثورة أي شيء، فستكون زيادة فاتورة الكهرباء
التطبيع
حققت الثورة بالتأكيد أكثر من ذلك بكثير (حقوق اجتماعية وحريات ديمقراطية وتعزيز قطاع عام يضمن حد أدنى في أجور العمال)، ولكنها بلا شك كانت أقل مما ادعت تحقيقه. قاد الحزب الاشتراكي عملية إعادة بناء الاستقرار الرأسمالي، في حين فشل الحزب الشيوعي، دون إضفاء الشرعية على النظام اللاحق، في اتخاذ أي خيار واضح لصالح أشكال السلطة التي تقودها القطاعات الشعبية. وفي عام 1975، وصف في جريدته” Avante” في عام 1975 بـ “الأوهام المثالية” كل ما “يقود قطاعات معينة إلى أن ترى في أشكال التنظيم الشعبي أجهزة سلطة الدولة في المستقبل.
قدم أقصى اليسار والقطاعات الأكثر تجذرا في الحركة الشعبية عرضًا أخيرًا للقوة بترشيح أوتلو ساريفا دي كارفالهو Otelo Saraiva de Carvalho في الانتخابات الرئاسية عام 1976، حيث حصل على 16% من الأصوات. لكنهم فشلوا في إضفاء الطابع المؤسسي على أجنة السلطة الشعبية التي انبثقت من أسفل. انتزعت الثورة البرتغالية تحسينات هامة للطبقات الشعبية، دون أن تتمكن من وضع حد لهيمنة المصرفيين وأرباب العمل. في كتابه الأخير ” البرجوازيون Os burgueses “، رسم فرانسيسكو لوتشا Francisco Louça صورة تاريخية لأغنى العائلات في البرتغال اليوم: لا تزال هذه العائلات كما كانت قبل الثورة. لكن ليس كل شيء يدعو إلى التشاؤم. فثِقل ذكرى 25 أبريل وثورة القرنفل الرمزي، هائل. يكفي التجول في لشبونة لرؤية مدى تجذر هذا الحدث في الوعي الوطني من خلال الملصقات التذكارية في المحلات التجارية الصغيرة والعديد من الإشادات المؤسسية وحضور شهر أبريل في كل المشهد السياسي. إن النساء والطلاب والعمال الذين يناضلون ضد الترويكا والتقشف في البرتغال وأوروبا اليوم لديهم ما يحتفلون به في 25 أبريل، ليس حنينًا إلى الماضي، ولكن للتطلع إلى المستقبل.
(+) المقال الأصلي بعنوان ” الذكرى الأربعون من ثورة القرنفل في البرتغال “.
• المفهوم يحمل معنى الدفاع عن مصلحة طائفية ضيقة.
المصدر:

الترجمة إلى الفرنسية : أتولفو ريرا، ترجمة جريدة المناضل-ة

شارك المقالة

اقرأ أيضا