قبل 30 سنة إضراب شغيلة سكك الحديد التاريخي: وجهة نظر

قبل ثلاثين سنة، يوم 27 أبريل 1995، انطلق اضراب شغيلة سكك الحديد ليستمر شهرا. كان آخر إضراب بهذا النفس الطويل شهده القطاع. فرض خلاله العمال وحدة النضال برغم أنف القيادات العليا لمختلف النقابات، الاتحاد المغربي للشغل والكونفدرالية الديمقراطية للشغل و الاتحاد العام للشغالين. مذاك دخل القطاع حقبة تراجع نضال عميق لا يزال قائما.

الجيل العمالي الذي خاض هذه المعركة غادر معظمه القطاع، بتسريح ضحايا الهشاشة، وبتقاعد قسم كبير. اليوم لا يبرز القطاع كقلعة نضال، ولا علم لشغيلة القطاعات العمالية الأخرى بما يجري به من استغلال و اساليب تفادي عمل نقابي مناضل.

حفظا لذاكرة الكفاح العمالي بهذا القطاع، ننشر أدناه تقييما اجماليا صدر بعد انتهاء الإضراب، نشر بجريدة النهج اليمقراطي تحت عنوان:  

 وجهة نظر حو ل إضراب السككيين الأخير

بقلم؛ يوسف بنعلي

تأتي أهمية إضراب السككيين الذي دام طيلة شهر مايو 1995 أولا من كونه شمل قطاعا حيويا في اقتصاد البلاد حيث تفوق مداخيله المليون درهم يوميا، ويشغل حوالي 14.263 مستخدما، فضلا على أنه ترتبط به بصورة مباشرة مجموعة من القطاعات الإستراتيجية كالميناء، الفوسفاتوالبترول والطاقة الحرارية والمعادن… إلخ. وثانيا لأنه خلق دينامية نضالية شاملة دفعت البيروقراطيات النقابية إلى الرضوخ لقرارات القاعدة بتصعيد النضال، وأبانعن مناورات ومراوغة هذه البيروقراطية، وكيف أن تنسيقها الفوقي يهدف في الأخير إلى تكسير وحدة العمال. وهذا الإصرار من طرف القاعدة في استمرار المعركة ضد إرادة البيروقراطية النقابية أفزع الحكومة، وجعلها تفضل خسارة 30 مليار سنتيم، في حين لا يتطلب الغلاف المالي للمطالب سوى 1.8 مليار سنتيم، كثمن لحرصها على أن لا تصبح هذه المعركة مثالا يقتدى به في القطاعات الأخرى،التي تعيش أزمة لا تقل حدتها عن أزمة المكتب الوطني للسكك الحديدية. وإضراب بمثل هذه الأهمية يطرح بصفة عامة على كل من يحمل لواء الدفاع عن مصالح الطبقة العاملة ضرورة تتبع صيرورته وتحليل نتائجه، لاستخلاص الدروس والمهمات التي تفرضها مثل هذه المعارك على المناضلين الجذريين.

أسباب الإضراب

إن أزمة المكتب الوطني للسكك الحديدية كمؤسسة تابعة للدولة ليست إلا نموذجا للأزمة الهيكلية التي تعيشها جل مؤسسات القطاع العام. فهذه الأخيرة تعاني كلها من ضخامة المديونية الناتجة عن الاختلاسات الفظيعة،وسوء التسيير، وأصبحت تشكل “عبئا” على ميزانية الدولة. وبالتالي كانت توصيات برنامج التقويم الهيكلي بجعل الدولة تفك ارتباطها تدريجيا بهذه المؤسسات في اتجاه إسنادها إلى القطاع الخاص (الشركة الوطنية للنقل CTM مثلا)، ونهج ما يسمى بسياسة التطهير، قوامها تقليص النفقات الاجتماعية عبر التسريحات الجماعية وتجميد الأجور وتقليص التعويضات.

منذ 1983، سنة بداية برنامج التقويم الهيكلي. بدأت وضعية السككيين بالتدهور حيث جمدت أجورهم، ثم البدء في تقليص تعويضات النقل والسكن والصحة والتقاعد والمنح… إلخ. كما ازدادت ظروف العمل قسوة: 46 ساعة عمل في الأسبوع، زيادة الساعات الإضافية، استخدام يد عاملة موسمية، كثرة حوادث الشغل…

وتضررت من جراء هذا مختلف فئات المستخدمين، بما فيها المهندسون والأطر المتوسطة الذين تقلصت تعويضاتهم عن التنقل. كما رفضت الإدارة تسوية وضعيتهم وإدماجهم حسب كفا ءاتهم.

اقترنت هذه الهجمات المادية بأخرى معنوية، حيث رفضت الإدارة أي حوار مع النقابات، كما نالت من الحرية النقابية، وأرست جوا تسود فيه السلطوية والعقوبات التأديبية. وكان للإدارة الجديدة أن تسير على نهج سابقاتها، وتعجرفت أكثر في إجراءاتها لتحميل أعباء المديونية المتصاعدة للمستخدمين مما كان ينذر بنزاع ما. وكان التراجع على منحة العيد بمثابة النقطة التي أفاضت الكأس.

الملف المطلبي

بدأت المعركة يوم 27/04/1995، حينما دعت الكنفدرالية الديمقراطية للشغل، في بلاغ لها،إلى خوض إضراب لمدة 24 ساعة. وقد أعقبه بلاغ المكتب النقابي للجامعة الوطنية للسكك الحديدية (الاتحاد المغربي للشغل) يوم 29/04/1995 يدعو إلى خوض إضراب لمدة 48 ساعة. ساندته النقابة الوطنية للسككيين (كدش)، التي دعت في بلاغ لمكتبها الوطني يوم 02/05/1995إلى 96 ساعة إضراب تضامنت معها هذه المرة كل من الجامعة الديمقراطية للسككيين وجامعة عمال السكك الحديدية (الاتحاد العام للشغالين بالمغرب) . وقد تضمن هذا البلاغ المطالب التالية:

(1) صيانة المكتسبات التالية:تسديد منحتي العيد : الفطر والأضحى، تسديد منحة السكن للأعوان، تسديد الزيادة من منحة التمدرس، توفير وضمان النقل لجميع السككيين؛

(2) احترام الحريات النقابية؛

(3) التعجيل بإخراج البرامج السكنية لفائدة السككيين إلى حيز الوجود؛

(4) فتح حوار حقيقي حول المذكرة المطلبية التي تقدمت بها النقابة مؤخرا إلى الإدارة العامة والوزارة

الوصية.

جلي أن هذه اللائحة لا تستنفد كل مطالب السككيين، ولكن لابد من الإشارة إلى أن أسباب الإضراب تستند أساسا إلى الوضعية المادية، خاصة الأجور والمنح، أكثر مما إلى ظروف العمل. وهذا الأمر يفسر من جهة اللجوء إلى صيغة الإضراب المتواصل منذ البداية، وإصرار السككيين على تصعيد النضال، ومن جهة أخرى شمولية الإضراب حيث شاركت فيه كل فئات المستخدمين من أطر وتسيير وتنفيذ ولم يستثن منه إلا المديرون. وتمت البرهنة بشكل ملموس على قدرة العمال على جر فئات أكثر اتساعا وتباينا من غير المنظمين (المؤقتين) وذوي امتيازات، من أطر، ومهندسين عندما يخوضون نضالا حازما على مطالب واضحة. ثم إن القاعدة استطاعت أن تخلق میزان قوى وضعَ الإدارة في عزلة تامة كما زعزع جمود الأجهزة النقابية وانقسامها مما أدى إلى شل الحركة في قطاع السكك كله طيلة شهر بأكمله.

إلا أن المعركة انتهت باتفاق خادع تتحمل البيروقراطية النقابية مسؤوليته التاريخية بمناوراتها لنهج سياسة الوفاق الطبقي وسد الباب أمام إمكانيات إضراب فعال وتوسيع للنضال.

وحدة النقابات ضد من؟

لقد حاولت النقابات منذ البداية تأطير الإضراب وكبححماسة النضال لدى السككيين، والدفع بها نحو حلول بيروقراطية. وهكذا ليست الوحدة النقابية، التي تمت بنسبة كبيرة تحت ضغط القاعدة، سوى وحدة أجهزة تحت مراقبة القيادات البيروقراطية التي حرصت كل الحرص ألا تتجاوزها الحركة. فبعد أن تجلى لها صمود السككيين، وعزمهم على مواصلة النضال، كتفت من مشاوراتها لنهج خطة موحدة للتحكم في سير المعركة التي بدأت تتجاوز كل حساباتها.

يتضح هذا بجلاء في التوصيات التالية:

 (1 ) – عدم الدخول في إضراب لا محدود…

– الإعلان عن المعركة المقبلة بواسطة بلاغ مشترك من طرف النقابات الأربع؛

– الدعوة إلى مواصلة النضال بكل أشكاله المشروعة… لمدد متفق عليها مسبقا بين النقابات؛

– التشبت بالمكتسبات وتوحيد حد أدنى من المطالب المشتركة بين النقابات الآنفة الذكر؛

– العمل على تذكير الدوائر المسؤولة بمطالبنا بواسطة رسائل موقعة من طرف النقابات الأربعة (*).

(2) – يحذران (الوفدان) السككيين من عواقب الإضراب اللامحدود الذي أبانت كل التجارب السابقة عدم جدواه.

– يتشبتان بمكاسب ومطلب السككيين المشروعة ويدعوان إلى مواصلة النضال بصفة معقلنة… (**).

وهكذا في الوقت الذي أبانت فيه الإدارة عن تعنتها، وإصرارها على كسر الإضراب (التسخير، استعمال عناصر الجيش…) وعن رفضها لأي تنازل، استبعدت النقابات إمكانية الإضراب اللامحدود، داعية إلى الحوار الإجتماعي وإلى إتخاذ أشكال “مسؤولة” و”معقلنة” لمواصلة النضال، وفاوضت في الكواليس دون أية نتيجة، ووصلت بها الوقاحة إلى حد أنها دعت لاستئناف العمل (دعوة الكونفدرالية الديمقراطية للشغل في 95/05/12) والمعركة في أوجها.

فالوحدة النقابية كما أسلفنا وحدة بيروقراطية ضد حركة القاعدة، بدل أن تكون وحدة عمل لتدعيم النضال. لقد رفضت البيروقراطية النقابية أن تعتمد على كفاحالسككيين لتوسيع رقعة النضال لتشمل على الأقل قطاع النقل، إن لم نقل كل القطاعات الأخرى المرتبطة به لتدعيم ميزان القوى وتوطيد التضامن العمالي (***). ولم تسع الأجهزة النقابية في أية لحظة لتعزيز العمل النضالي، ولتعميم الإضراب وإنشاء صندوق للتضامن، وجعل هذه المعركة مناسبة للتنديد بالسياسة التقشفية للدولة. كما أنها رفضت كل الأشكال العنيفة والمباشرة (احتلال المحطات، اتخاذ إجراءات لمواجهة الجيش كاسر الإضراب، تظاهرات …) في وقت كانت فيه ممكنة نظرا لمعنويات السككيين المرتفعة وعجز الحكومة ثم موقف الإدارة المتصلب.

هذا هو جوهر النهج الكلاسيكي للبيروقراطية النقابية الذي يخشى الجماهير، والذي أدى بحركة السككيين إلى أفق مسدود بعد صمود دام أربعة أسابيع. فبأمر من الملك اجتمع ما يسمى بالمجلس الإستشاري للحوار الإجتماعي الذي “حل” الوضعية لصالح الإدارة بمباركة القياداتالنقابية. ودعت الكونفدرالية الديمقراطية للشغل إلى استئناف العمل حتى قبل الإعلان الرسمي عن نتائج اجتماع المجلس (بلاغ 15)، أما البروتوكول الذي تمت مباركته فكان بمثابة مهزلة:

  • تحويل منحة العيد إلى منحة خاصة” تتعلق بالمردودية؛
  • صرف أجور أيام الإضراب كاملة على أساس تحمل العمال نصف المدة؛
  • استمرار الحوار في باقي نقط الملف المطلبي؛
  • “حث جميع العاملين بقطاع السكك للنهوض بالمؤسسة والعمل على تطويرها ضمانا للرفع من المردودية وخدمة للاقتصاد الوطني”.

لم يتضمن البروتوكول أية ضمانات للإبقاء على المنحة في السنوات المقبلة، أما تلك التي سيتم صرفها فستغطيها بتعويضات أيام الإضراب التي تُحمِّل العمال 50% من أعبائها. كما أنه لم يتطرق إلى أي من المطالب الأخرى، واكتفى بوعود مواصلة الحوار، ولم يشر إلى مشاركة ممثلي العمال لا في صندوق الأعمال الاجتماعية ولا في المجلس الإداري. وفي المقابل أوضحت الإدارة أن تلبية المطالب مقرونة بالنتائج المالية، وبتقليص المديونية. أليس من الوقاحة إذن أن تعلن النقابات أن هذه النتائج “إيجابية” وأنها “إنصاف للسككيين وإقرار لحقوقهم من طرف المجلس الإستشاري” (بلاغ الكونفدرالية الديمقراطية للشغل رقم (16). إن هذه النتائج ليست إلا خدعة للسككيين الذي أبانوا عن كفاحية عالية، كما أبانوا أن القدرات النضالية داخل الطبقة العاملة ما تزال كامنة ووحده نهوض هذه القدرات كفيل بإزاحة البيروقراطية النقابية الفاسدة.

بعض التساؤلات

(1) حول طبيعة المطالب:

من الأهمية بمكان أن يحدد المناضلون الجذريون بوضوح المطالب التي تشكل صلب نضال طبقي، في ظل وضعية محددة، والكفيلة بتوحيد العمال في معركة موحدة. لقد اتضح لدى السككيين أن مسألة الأجور (مباشرة وغير مباشرة) كانت المسألة المركزية، رغم أن مسألة تقليص ساعات العمل كانت أيضا حاضرة. ولا يستبعد أن تطرح في السنوات المقبلة مطالب ضد التسريحات وأخرى أكثر جذرية. يجب على المناضلين الجذريين أن يعلقوا أهمية على مثل هذه المسائل. فعمال جبل عوام لن يعيروا أدنى أهمية لأية مسألة أخرى مادام مطلبهم الأول والرئيسي الذي هو العودة إلى العمل أو التعويض معلقا. فالطبقة العاملة رغم وحدة مصالحها تبقى مجزئة وتختلفنضالاتها من قطاع إلى آخر. والحالة هذه كيف سيفلحالمناضلون الجذريون إذن في صياغة مطالب مشتركة ومركزية في آن واحد رغم تباين مواقع النضالات.

(2) حول آفاق النضال:

لقد أبانت معركة السككيين بأسلوبها أنه من الصعب بلوغ أهداف ما، وتحقيق مطالب مالم يتم خلق میزان قوى أكثر شمولية من التعبئة داخل هذا القطاع أو ذاك، فأمام الهجوم البرجوازي الكاسح، وحدها “حركة شاملة” تستطيع النيل من تصلب الباترونا ودولتها وإرغامهما على التنازل.

فمسألة الإضراب العام ترتكز على الإضرابات القطاعية، كان من الممكن مثلاء الارتكاز على نضال السككيين لتوسيع رقعته ليشمل قطاع النقل بمجمله، وخلق دينامية يتم من خلالها التنديد بسياسة الطبقات السائدة التقشفية، والعمل على إنضاج فكرة رد فعل شامل يكون في مستوى الهجمات التي شنتها منذ بداية الثمانينات.

(3) مسألة التنظيم الذاتي:

إن ضعف الحس بأهمية التنظيم الذاتي (نقول غيابه) لدى السككيين، شأنهم شأن رفاقهم في مختلف القطاعات الأخرى المناضلة، شكل إحدى نقط الضعف الرئيسية لحركتهم. إن غياب معارضة نقابية حازمة (يسار نقابي)، وانعدام التقاليد الديمقراطية داخل النقابات، نتج عنهما اقتناع جماهير العمال بأن هذه الأخيرة لم تعد تعتبر أداة نضالهم الخاصة. إن العلاقات البيروقراطية المفعمة بالزبونية والذيلية جعلت من هذه النقابات أجهزة يسعى العمال إلى استعمالها إبان معاركهم، لنيل مطالبهم ولكن بتفويض الصلاحيات لها.

إن هذا التفويض قد ترسخ بصورة كبيرة في الأوساط العمالية، مما يجعل الحذر المشروع لدى العمال يؤدي إلى رفض صيغة تمثيليتهم هذه، والتفكير بهياكل واسعة وأكثر ديمقراطية (لجان الإضراب). وإذا كانت القاعدة قد استطاعت عبر ذلك إجبار القيادة على مواصلة الإضراب، فإنها لم تستطع أن تمنع هذه القيادة من استعادة زمام المبادرة ونهج سياسة الوفاق الطبقي. إن هذا يسترعي ويلح على ضرورة العمل من أجل بناء معارضة نقابية نهجها الصراع الطبقي وأساسها الديمقراطية العمالية.

ما موقع النقابيين الجذريين؟

(1) لو كان المناضلون الجذريون متواجدين بشكل وازن داخل المعركة، لكان دورهم هو الدفع إلى تصعيد الإضراب بجعله لا محدودا (كما كانت تطمح القواعد إلى ذلك)، واتخاذ أشكال نضالية مباشرة، وتوطيد وحدة الصف العمالي من صلب المعركة ولأجلها من القمة إلى القاعدة ومن القاعدة إلى القمة. لكن إضافة إلى وسائل العمل الراديكالي والتنظيم الديمقراطي كان نهجهم الطبقي سيتجسد أكثر في :

– سياسة تسعى إلى توسيع النضال وتعميمه؛

– في التنديد ليس بانعدام “حس المسؤولية لدى الحكومة أو بصمت إدارة السكك الحديدية”، ولكن بالخلفية الطبقية لسياسة التقشف والخوصصة، وبالمسؤولين الحقيقين عن العجز المالي؛

– في نقد داخل وخارج أوساط السككيين للمفاوضات الفوقية التي لم تصادق عليها القاعدة، وكذا سياسة “الحوار الإجتماعي”. كما أنه من الضروري، وهذه مسألة مبدئية، أن ينددوا بالمشاركة في المجلس الإستشاري المزعوم وبالبروتكول.

انطلاقا من هذا النهج سيكون من الممكن تجميع العناصر الأكثر كفاحية، منخرطين في النقابات كانوا أو غير منخرطين على خط الصراع الطبقي، مما سيمكن خطنا الراديكالي من التميز.

لابد من تكييف كل هذه الأمور من واقع تطور المعركة ومعنويات القاعدة، كما أنه سيكون من الضروري العمل من أجل خلق ميزان قوي يسمح بالتدخل المباشر داخل النقابات وخارجها. وبصورة عامة في صلب مثل هذه المعارك فقط يمكن للمناضلين الراديكاليين أن يتوسعوا كما وكيفا كلما تمكنوا من ترجمة طموحات العمال إلى مطالب واقتراحات عملية وملموسة.

(2) هل التواجد غير الوازن داخل المعركة سيشكل عجزا وشللا للمناضلين الراديكاليين؟

– سيكون من الممكن مثلا جمع تبرعات كل منافي مكان عمله، في حيه لإنشاء صندوق للتضامن مع الإضراب؛

– سيكون كذلك من الممكن استدعاء السككيين بمبادرة من النقابات التي نتواجد فيها ومن الجمعيات (حقوقية، نسائية، شبيبة…) وفي الكلية بالنسبة للطلبة وذلك للتعريف بمعركتهم والتحسيس بها؛

-وتبقى مجموعة من المبادرات الأخرى ممكنة (يجب التفكير والإبداع) وهي ذات أهمية مادامت تتضمن حسالتضامن مع الطبقة العاملة وتنميه، ومادامت ستسمح لنا إذا ما كانت عملية وملموسة بنسج علاقات جديدة.

كل هذا ليس كافيا ويبقى في مستوى “نقابي” بالمعنى الواسع.

إن مثل هذه المعركة المركزية، والطويلة الأمد، تفرض على المناضلين الراديكاليين الظهور كوجهة نظر، كما تفرض عليهم البحث عن وسائل التدخل السياسي في القطاع المضرب، والعمل على ربط المطالب الأولية للعمال بالوضعية السياسية العامة على الأقل بالنسبة للعمال الأكثر كفاحية. والتأكيد على ضرورة حركة عمالية مستقلة خدمة للنضال نقابيا كان أم أساسيا.

-عدم الاكتفاء بالإتكال على الرغبة الحسنة للجرائد الحزبية لتنوب عنا في نشر مقالاتنا وآرائنا بل لابد من جريدة مستقلة.

– أشكال تنظيمية تسهل عملية إمداد المناضلين النشيطين بوسائل التدخل في المعركة ولو بحدود الطاقة المتوفرة حاليا وتقوم بإنجاز : الكراريس، المقالات الدراسات في حينها وضمان توزيعها.

إذا قام المناضلون النقابيون الراديكاليون بمثل هذا العمل فلابد أن حركة المناضلين الراديكاليين ستتمكن من نسج علاقات، وتربح طاقات جديدة إثر كل معركة. وبصورة عامة لا يمكن أن نفكر بتراكم قوانا الخاصة بمعزل عن التدخل الجماعي والمنظم في النضالات، وبدون البحث عن وسائل التأثير على العمال عندما يدخلون في أية معركة وتقريبهم من وجهة نظرنا. بالطبع ليس كل شيء ممكنا ولكن إذا ما طرحنا المسألة بطريقة ملموسة فيما يخص النضالات المقبلة سيكون ذلك بداية خطوة إلى الأمام.

————-

هوامش

* من توصيات البلاغ الصادر عن الجمع العام الموحد للنقابات الأربعة بولاية الرباط – سلا يوم 1995.05.13.

**من توصيات البلاغ المشترك الصادر عن كدش والجامعة الديمقراطية في اجتماع البيضاء يوم 1995.05.14.

*** البروقراطية النقابية تعي جيدا أهمية هذا كله لكنها تخشاه، وتذكر به دائما الحكومة وفاء لنهجها التوافقي: “… نثير الانتباه إلى أن الكونفدرالية الديمقراطية للشغل لن تظل بمنأى عن الإلتجاء إلى كل أشكال وصيغ التضامن مع جماهير العمال المضربين -والمعتصمين في العديد من القطاعات. إننا نأمل أن تتدخلوا على وجه السرعة لتسوية وضعية السككيين وغيرهم من عمال باقي القطاعات…”[من رسالة نوبير الأموي إلى كل من الوزير الأول ووزير التشغيل ووزير النقل حول إضراب السككين. جريدة أنوال 16 مايو 1995].

شارك المقالة

اقرأ أيضا