جيل العولمة الرأسمالية والثورة التقنية والرقمية والنضال الميداني
ظلت الرأسمالية تسحق الكادحين جيلا بعد جيل، وستظل تستغل أدمغة وأعصاب وعضلات الجيل الحالي والأجيال القادمة للمزيد من الأرباح، وتوظف التطور العلمي والتقني لتوسيع الاستغلال الفظيع للطبقة العاملة، إن وضع الناس أصبح لا يطاق ولهذا يجب العمل على هزيمتها الكبرى، والانتصار عليها.
شباب جيل مناهضة العولمة الرأسمالية
الأغلبية الساحقة من الذين واللواتي دعوا إلى الاحتجاج على السياسات النيوليبرالية وخصخصة القطاعات الاجتماعية منها: التعليم والصحة، منذ أوائل 1990، وبالأخص المظاهرات التي نُظمت في مدينة سياتل التابعة لواشنطن بالولايات المتحدة الأمريكيةأواخر نوفمبر/ تشرين الثاني 1999 ضد قمة منظمة التجارة العالمية استخلصوا من ذلك أن المواجهة الحقيقية الميدانية تتطلب بناء أدوات النضال من الأسفل على أسس ديمقراطية تسمح للجميع بحرية التعبير عن الرأي.
فمدينة سياتل تقع بالشمال الغربي للبلد بعيدة جداً، ورغم ذلك التحقت أفواج عديدة من مختلف بلدان العالم إلى المكان في الوقت المحدد، وقام شباب الولايات المتحدة الأمريكية القادمين/ات من الولايات الأخرى البعيدة عن سياتل بدور كبير في إنجاح المظاهرات ضد الرأسماليين والشركات الكبرى متعددة الجنسيات.
استعملت الدولة كل الوسائل لتطويق المكان ووظفت كل الأجهزة القمعية من أجل منع التظاهر وإنجاح القمة، أما مناهضي العولمة الرأسمالية وسياسات الخصخصة وبيع قطاعي التعليم والصحة وغيرهما كثير، فمنذ الإعلان عن تنظيم القمة هناك نسقوا التواصل عبر الرسائل القصيرة للهاتف المحمول، وكانت من الوسائل المتوفرة وقتئذ.
وطيلة هذه السنوات ظلت الاحتجاجات ضد الظلم الاجتماعي والاستغلال والاستبداد ونمط الإنتاجالرأسمالي بكل مكان في العالم أحيانا تخفت لفترة، ومرارا تندلع مثل البركان الاجتماعي وتزعزع أركان الدول الرأسماليةوأنظمتها السياسية وترعب المحيط بها كله.
شباب يواجه تدعيات أزمة 2008 المالية العالمية، واندلاع السيرورة الثورية
تسببت الأزمة المالية العالمية سنتي 2007 و2008 لعدد من الكادحين في العالم بالمزيد من حياة البؤس، وهم الذين واللواتي دفعوا ثمنها لانقاد البنوك الخاصة من الإفلاس بإشراف الدول الرأسمالية؛ هذه الأزمة وارتداداتها،كانت تتصاعد بالموازية لتطور وسائل التواصل وجعلا أسباب الاحتجاج تتفاقم وأساليب التنسيق عبر وسائل التواصل الاجتماعي الصوتية والمرئية وإتاحة الفرص لعدد من الناس باستعمالها، مما سمح لتوظيفها في التنسيق عن بعد و تتشابك.
وفي أواخر 2010 وبداية 2011 تزلزلت منطقتنا بالموجة الأولى من السيرورة الثورية؛ ثم اندلعت لاحقا الموجة الثانية لتلك السيرورة عام 2019 بالجزائر، والسودان، والعراق، ولبنان، ولا تزال معاركها المدمرة مستمرة حتى اليوم.
جيل اخر وتستمر المعركة
إن روح ومكمن كل هذا النضال والاحتجاج هو الصراع الطبقي جيلا بعد جيل، فالنظام الرأسمالي يتطور صناعيا وماليا وتقنيا وعسكريا وسياسيا، ويحمل في أسسه تناقضاته وتتعقد أزماته وتتراكب؛ ورغم الأوصاف التي تطلق على مسار هذا التطور الرأسمالي وعلى الأجيال المتعاقبة تحت استغلاله فجوهر كل هذه المعارك القوي منها والضعيف، الناجح منها والفاشل هو الصراع بين من يملكون وسائل الإنتاج، الرأسماليون وبائعو قوة العمل، البروليتاريا.
وفي أوائل ديسمبر/ كانون الأول2019 اجتاح العالم وباء كورونا كوفيد- 19 وتسبب في تعميق أزمة الرأسمالية ودفع ثمنها الكادحون/ات وابان الحجر الصحي شهد استعمال التواصل عبر الانترنيت والعمل عن بعد والاعلام الالكتروني طفرة نوعية.
بعدها حصلت أحداث عالمية كان لها وقع على النضال السياسي للجيل الشاب الحالي ففي 24 فبراير/شباط 2022 احتل النظام الروسي بلد أوكرانيا مما زاد في مشاكل النظام الرأسمالي والتنافس الإمبريالي ونتائجها الكارثية على الكادحين/ات، وفي 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 شنت المقاومة الفلسطينية هجوما على الاحتلال الصهيوني مما جعل هذا الأخير ينظم حرب إبادة بالنار والتجويع والحصار ضد الشعب الفلسطيني بقطاع غزة، وانطلقت حملات تضامن واسعة مع الفلسطينيين في العالم. إن هذه الأحداث عاشها جيلz(كما يسمون أنفسهم) ومنه شباب بلدنا المغرب، وقد كان لها تأثير عليهم، وبدون ريب تفاعل معها بكل جوارحه.
بناء جبهات واسعة إحدى أدوات المواجهة
لا أحد يصرح بأنه ضد بناء جبهات شعبية ديمقراطية للتصدي للاستبداد والاستغلال، أو يتحفظ عليها، وأقسام عديدة تدعوا إلى بناءها، لكن السؤال الذي يتطلب إجابة صريحة وفعلا ملموسا في الميدان هو كيف سيجري ذلك؟ ومع من؟ وما هي أدواتها المركزية؟
إن كل المعارك التي خيضت ضد العولمة الرأسمالية ونظام الاستغلال والاستبداد أظهرت ضعف منظمات النضال محليا وجهويا ووطنيا بسبب غياب الديمقراطية المؤسسة على النقاش والجدال الفكري والسياسي والإيديولوجي، والعمل على القواسم المشتركة من أجل البناء من الأسفل مع كافة ضحايا الرأسمالية المباشرين مما مهد الطريق للبيروقراطية النقابية للسيطرة على أدوات النضال الأساسية وتشبيكه ووحدته، وهذا ما أسهمَ في جعل أقسام من الشباب تتخذ مواقفا وحساسية من بعض المنظمات الأساسية للنضال العمالي والشعبي.
الجيل الذي ازداد في منتصف التسعينيات من القرن الماضي وقضى طفولته مع التطورات الرأسمالية وثقافة الاستهلاك وسياسات العولمة الرأسمالية والخصخصة وبيع القطاعات الحيوية والخدمات الاجتماعية للرأسماليين المحليين والأجانبوهي الفترة التي انتشرت فيها الوسائل التقنية والألعاب الالكترونية والحاسوب ثم الهواتف الذكية متعددة الخدمات وتوسيع الربط بشبكات الانترنت أطلق على أبناء وبنات هذه الفترة[جيل زد] و”زوميرس”، واستُعمل هذا الوصف من طرف عدة هيئات وشركات رسمية بالدول الصناعية الكبرى، والرأسمالية والإمبريالية، وبذلك وظفت الأموال وضاعفت الإنتاج ونوعته بقطاع التواصل، وفتحت المعاهد والمدارس وأنجزت مخططات وبرامجا ومهنا مرتبطة بهذه الفترة مستهدفة “جيل زد” باعتباره أبناء وبنات العصر الرقمي، وتطورت والمواقع الالكترونية وتقنيات الصورة والأشرطة القصيرة المتداولة بسرعة.
وإذا اتخذ قسم واسع من هذا الجيل مسافة بعيدة عن الانخراط في تأسيس الجمعيات الثقافية المحلية والوطنية وعن الحركة النقابية والنشاط من ضمنها، بالأخص الحركة الطلابية وبناء نقابتها، وعن الأحزاب السياسية المناضلة سواء الإصلاحية أو الجذرية حسب توجه أي مناضل ميداني، فهل يمكن بناء جبهات شعبية ديمقراطية لمواجهة الاستغلال والاستبداد مع هذا القسم من “جيل زد” الذي لا يميل صوب النضال السياسي المباشر الذي غايته هزم النظام الرأسمالي ودك دولته؟
إن من لا يساهم في بناء منظمات النضال الميداني الذي يتكون من الاحتجاج بالساحات والتظاهر والاعتصامات والإضرابات العامة لا يمكن أن يفلح في المواجهة مع نظام الاستغلال والاستبدادودولة الرأسماليين، لأن هذه الأخيرة جهاز منظم جداوعناصرها منضبطة ولها من الإمكانيات الكثير؛ لحيازتها المال والثروة والسلطة الفعلية.
وكل من لا تجذبه بصورة تلقائية أو واعية الجمعيات والنقابات والأحزابفإنه يخشى من الالتزام بالأرضيات الأدبية والسياسية والقوانين الأساسية والأنظمة الداخلية لأدوات النضال الأساسية في كل المعارك، ويهاب النقد والمحاسبة على كل خطوة أو فعل غير مسئول ولا يحترم مبادئ وقواعد النضال واعرافه.
وكل من يتصدر واجهات النضال والحراك الشعبي ويعد الأحزاب السياسية بأنها محلات [دكاكين]، ويدفع ثمن النضال غاليا جداً، وبعد ذلك يعقد أماله على مؤسسات الاستغلال والاستبداد فإنه يكون بذلكضل فعلا المسلك نحو بناء جبهات النضال من أجل تحقيق الديمقراطية والكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية والتعليم والصحة الجيدين والمجانيين.
مؤخرا في 27 و28 سبتمبر/أيلول 2025 تحرك جيل العولمة الرأسمالية والثورة الرقمية ببلدنا وهو الجيل ذاته الذي عرف عدة ميول واتجاهات منها:أقسام منه انخرطت بحركات الإسلام السياسي بشتى اتجاهاتها، وأقسام حلمها هو الهجرة نحو المراكز الرأسمالية والامبريالية مكان طحن الكادحين/ات تحت الديمقراطية البرجوازية، وأقسام مهووسة بمنافسات لعب كرة القدم ومتابعتها بالملاعب أو عبر الشاشات تتلاعب بها المكاتب المسيرة للأندية، وقسم يمارس العنف الشديد ضد الآخرين ومنهم أفراد أسرهم، وقسم مدمن على تناول جل أصناف المخدرات، إذن جيل زد لا يمكن الحكم عليه بكثلة واحدة متجانسة وتصنيفه كله بجيل يسعى للإصلاح وتحقيق الديمقراطية الفعلية والدفاع عن التعليم والصحة والدفاع بشدة عن المال العام ومحاكمة ناهبيه “الفساد” كما يصفونه بل قسم منه حس بضرورة النضال الميداني، وهذا أمر مهم إذا استطاع جذب الأقسام الأخرى إلى صفوفه، وهذا هو المبتغى.
النضال الميداني يكشف عن حدة الصراع الطبقي
إن النزول إلى الساحات العامة من أجل التعبير عن الغضب ضد السياسات المتبعة من طرف الدولة بالوقفات والمسيرات الشعبية السلمية، بترديد الشعارات المعبرة عن ذلك، لا يمكن أن يمر بدون تعرض للمنع والقمع من طرف الأجهزة التنفيذية للدولة الرأسمالية التي تمثل الطبقة الحاكمة وميزانيتها من أموال الشعب؛ وهي تأسست لأجل قمع المعارضين/ ات والساخطين/ات على سياسات الظلم والقهر، وهذا من الدروس التي سيستخلصها القسم المناضل من جيل زد بالمغرب، بأن الدولة تكمم الأفواه وتعتقل وتمنع الاحتجاج السلمي ضد سياستها.
وقد سبق ترويج نعث “ثورة الشباب” بعد اندلاعها عام 2011 وأنها بدون قيادة وليس لها أيديولوجية، ولما سيطرت تنظيمات الإسلام السياسي على مشهدها وحاولت إجهاض سيرورتها، وتم اغتيال زعماء وطنيين وتصفيتهم السياسية بعد ذلك ظهرت الإيديولوجية والتنظيمات.
إن النضال السياسي والفكري والإيديولوجي مسألة ضرورية أساسية وتعد ركيزة لتوحيدالغضب على سياسات الظلم الاجتماعي في كل المجالات ولن تسمح به إلا الفضاءات الديمقراطية، ومهام بناء الجمعيات والمنظمات والنقابات والأحزاب.
الحساسية من الأحزاب وقبول ثوابت نظام الاستغلال والاستبداد
كل من يعبر عن موقفه من الأحزاب السياسية والالتزام بسياسة ” السلم الاجتماعي”و”الوحدة الوطنية” ومن طبيعة النظام السياسي يكون بذلك اتخذ موقفا سياسيا جوهريا في النضال؛ ولهذا فأي حراك شعبي أو شبابي أو نسائي ميداني هو حراك سياسي، والنضال السياسي المباشر مع الكادحين والعمل من أجل بناء أدواتهم وحزبهم هو أرقى مستوى من النضال، وأفضل مشوار نضالي هو الذي يشجع ويقود إلى العمل والنشاط السياسي بكل ثقة في النفس وصمود وصبر طويل؛ والسياسة علم وفن،جديرة بالاهتمام مثل كل العلوم التي حققتها الإنسانية إلى الآن، يجب التزام الحذر واليقظة من أيديولوجية التخويف والترهيب من النضال السياسي؛ وهو غاية الدول الرأسمالية لتأبيد أنظمة الاستغلال والاستبداد؛ إن دك النظام الرأسمالي وبناء على أنقاضه نظاما اجتماعيا اشتراكيا لإنقاذ البشرية والحياة على الأرض من الهلاك مسالة ضرورية وآنية.
فادي فؤاد– 30 سبتمبر 2025
اقرأ أيضا