جيل زد 212، جيل طي صفحة ماضي “العهد الجديد والانتقال الديمقراطي”

سياسة14 أكتوبر، 2025

بقلم: فادي فؤاد

الأقلية المسيطرة على الثروة والسلطة في المغرب مستمرة بحكمها. وتجدد واجهاتها عبر الأجيال. مستعملة بعض الأحزاب السياسية في التنافس على خدمتها. وبذلك خلقت صورة على المشهد يحميها من سخط الشعب، بينما ديمومة نظام الاستغلال والاستبداد الفاعل السياسي الحقيقي يخطط برامج  قهر الكادحين/ات بتعاون مع المؤسسات المالية الدولية الامبريالية. وتسهر على تنفيذها حكومات تلك الأحزاب المتتالية الخاضعة لسياسة النظام بكل تفان؛ وهكذا دواليك.

ففي 3 مارس/آذار 1996 أعلنت الدولة رسميا عن إصلاح الدستور، وطرحته للاستفتاء في 13 سبتمبر/ أيلول بالسنة نفسها؛ وأعلنت رسميا حصوله على نسبة %96.56 من الأصوات لفائدته. نشأ عن ذلك مجلسان: مجلس نواب ينتخب بالاقتراع العام المباشر، ومجلس مستشارين باقتراع غير مباشر.

وبعده انطلق التفاوض بين أحزاب الحركة الوطنية البرجوازية والقصر على آليات وأساليب تدبير مرحلة مهمة، والاتفاق على تفاصيلها. انتهت بإجراء انتخابات تشريعية في 14 نوفمبر/تشرين الثاني 1997. أفرزت نتائجها الخريطة التالية: حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية 53، وحزب الاستقلال 32، وحزب التقدم والاشتراكية 9، ومنظمة العمل الديمقراطي 4، من أصل 319 مقعدا.

وفي فبراير/ شباط 1998، عُيِّنَ الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي، عبد الرحمن اليوسفي، وزيرا أولا. وبدأت الاتفاقات لتشكيل حكومته الأولى في 14 مارس/آذار من السنة نفسها. وتكونت من الأحزاب التالية: حزب الاتحاد الاشتراكي، وحزب الاستقلال، المتحدرين من الحركة الوطنية البرجوازية، وحزب التقدم والاشتراكية، المتحدر من الحزب الشيوعي المغربي، إضافة إلى مكونات محسوبة على محيط القصر وحاشيته، مثل حزب التجمع الوطني للأحرار الذي أسسه أواخر سنة 1978 أحمد عصمان، صهر الملك الحسن الثاني، وكان رئيسَ الوزراء آنذاك،  وحزب الحركة الوطنية الشعبية الذي أسسه المحجوبي أحرضان أحد أعمدة نظام الاستغلال والاستبداد الأوفياء. ففي هذه الفترة تمت كل الترتيبات السياسية على خدمة الأقلية الرأسمالية المسيطرة على أغلبية الشعب المغربي، وعلى السلطة الفعلية. وهذا بعد أن كان الإفراج، قبل سنوات من ذلك، عن عدد من المعتقلين/ات السياسيين، وخلق مساحة ضيقة جداً للحريات العامة مهددة بالانغلاق.

أطلقت الدولة وخدامها القدماء والجدد حملات واسعة عبر قنوات ووسائل الإعلام، وفي كل أنحاء البلد، وفي مناطق عدة بالعالم لفائدة هذا الاتفاق المسمى بـ”التناوب التوافقي”. وفتح نقاش واسع حول بعض ملفات الجرائم السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ونهب المال العام، والتعذيب والاعتقال التعسفي والاغتيالات السياسية والسجون السرية… إلخ، لكن بدون محاكمات منفذيها والمسؤولين عليها. والتحق قسم من ضحايا سياسات الدولة بهذه الحملات لمصلحة النظام من مختلف التوجهات والتيارات السياسية، ومنهم ثوريون سابقون مرتدون، وروجوا الأوهام للطبقة العاملة وعموم الجماهير الكادحة، بأن عهدا جديدا قد حلَّ.

فقبل هذه الاتفاقات انتفضت عدة مدن وقرى أشهرها: فاس وطنجة وبني مكادة، في 14 ديسمبر/ كانون الأول 1990 على اثر إضراب دعت إليه نقابات: الكنفدرالية الديمقراطية للشغل، ذراع حزب الاتحاد الاشتراكي، والاتحاد العام للشغالين بالمغرب التابع لحزب الاستقلال بصفة وطيدة. واستجابت الجماهير الشعبية الكادحة لهذه الخطوة وفجرت انتفاضتها الساخطة على الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وتدخلت أجهزت الدولة مستعملة الذخيرة الحية ضد المحتجين/ات، وتباينت المعطيات حول عدد الشهداء والجرحى والمعتقلين/ات.

فالحركة الوطنية البرجوازية توظف بيروقراطية المركزيات النقابية باستعمال سلاح الإضراب العام المتحكم فيه بقوة ومحددة أهدافه باتفاقات”السلم الاجتماعي” و”الوحدة الوطنية” و”المسلسل الديمقراطي” بغاية الضغط على النظام من أجل توفير هامش ضيق لها بالمشاركة السياسية على الواجهة.

ففي هذه الفترة أعلن الملك الحسن الثاني أن المغرب معرض للسكتة القلبية، مستندا على تقرير البنك الدولي حول الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية. هذا بعد أن تم في مطلع التسعينات اتفاق بين المغرب وجبهة البوليساريو على “خطة التسوية” لإجراء استفتاء تحت مراقبة الأمم المتحدة حول قضية الصحراء الغربية، ووقف إطلاق النار في  6 سبتمبر/ أيلول 1991. إذن ساهمت عدة عوامل أساسية، بالإضافة إلى الحالة الصحية للحسن الثاني في مرحلة ما أطلق عليه”الانتقال الديمقراطي ” و”طي صفحة الماضي”.

في 23 يوليو/ تموز1999 توفي الملك الحسن الثاني، الذي حكم من سنة 1961 إلى منتصف 1999 بالحديد والنار، واستهدف معارضيه بالإعدامات والأحكام الطويلة والمعتقلات السرية والاجتثاث التام. وفي اليوم نفسه تمت بيعة ولي عهده محمد السادس ملكا جديدا. وانطلقت حملات منظمة لمصلحة الأقلية المسيطرة على الثروة والسلطة لفائدة العهد الجديد، وازداد الترويج لخطاب المرحلة بعد وفاة الحسن الثاني؛ ففي فترة انتقال الحكم إلى الملك الجديد كان التعليم والصحة في وضعية كارثية، أما الجهات والقرى والأحياء الشعبية المقصية عاشت الحرمان من ضروريات الحياة الكريمة، وعندما احتجت على ذلك تعرضت للقمع والتنكيل.

وفي أوائل سبتمبر/ أيلول 2000، انتهت مهام الحكومة التي أدارت انتقال الحكم إلى الملك محمد السادس؛ وفي الشهر والسنة ذاتهما شكل الوزير الأول اليوسفي حكومة ثانية من نفس الأحزاب، ودائما المناصب الأساسية في الدولة يتقلدها أشخاص يوصفون بأنهم غير منتميين، منها: الخارجية والداخلية والدفاع وشؤون الأوقاف الإسلامية، ومناصب كتاب الدولة في الخارجية والداخلية والعدل، فهذه المناصب مرتبطة بالقصر، ومحيطه الضيق، وهذا ما تم الاتفاق عليه، وخضعت له المعارضة التي قادتها الحركة الوطنية البرجوازية.

وهكذا وجد الشباب الذين ازدادوا في الفترة، التي شهدت كل تلك الحملات حول تلميع صورة المغرب بأنه بلد يتطور ويتقدم بكل المجالات، وجدوا أنفسهم وأنفسهن أمام واقع حقيقي، عاشوا بكل جوارحهم أيامه، وأن الخطاب شيء والواقع مختلف تماما عما روجت له الدولة.

العهد الجديد والخصخصة ونسف طموح وآمال الأجيال

لقد شب الجيل الذي وصف نفسه بـــ”جيل زد 212″ في ظروف طبقت فيها الدولة المغربية بواسطة حكومات الواجهة المتتالية سياسات وتعليمات المؤسسات المالية العالمية (صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية)، وكل من يدور في فلكها. وكانت أقسام من الشباب المغربي، ذكورا وإناثا، يجتهدون من أجل التحصيل المعرفي والعلمي الأكاديمي، وأقسام واسعة جداً لم تساعدها الأوضاع الاجتماعية والظروف المزرية لأسرها في سلك الدرب نفسه. هكذا كان سياق المرحلة جيل بلغ سن البحث والعمل، ودولة رأسمالية تسهر على خصخصة كل القطاعات الاجتماعية الحيوية والقطاعات الاقتصادية. فمنذ 1993 التي ازداد فيها هذا الجيل انطلقت سياسات بيع الشركات العامة المهمة. وشملت جل القطاعات: الصناعية الكبرى، والاتصالات السلكية واللاسلكية، والأراضي الزراعية الخصبة والجيدة. والمؤسسات الفندقية والمركبات السياحية والنقل، والمياه المعدنية، وخدمات الماء والكهرباء والنظافة والصرف الصحي والنقل البري والجوي والبحري… إلخ. مما ضغط على الطبقات الكادحة وأقسام من البرجوازية الصغرى، وأصبحت معيشة الأغلبية صعبة، وارتفعت الأسعار وجُمِّدت الأجور، وانتشرت البطالة، وتفاقمت هجرة الشباب الاضطرارية عبر القوارب صوب أوروبا.

وضعت الدولة مخططات للإجهاز على حقوق الناس في التعليم والصحة لفائدة الأقلية من الرأسماليين مستهدفة المضمون والشكل وجعلتهما سلعا لمن يدفع. ومن ليس باستطاعته ذلك يموت بالعلل السهلة العلاج، والدراسة في ظروف تخريب التعليم العمومي؛ وحتى الخدمات في المؤسسات العمومية فُوضت  للخواص: الحراسة والنظافة وتدبير المطاعم… إلخ؛ فالدولة تركت المستشفيات العمومية للرأسماليين الكبار بشتى الأساليب؛ واتخذت سياسات نيوليبرالية اعتبرتها إستراتيجية شاملة، منها: الانفتاح وتحرير الاقتصاد، ووقعت عددا من اتفاقيات التبادل الحر مع الدول الكبرى الصناعية والعسكرية والرأسمالية والإمبريالية. ففي فبراير/شباط 1996 وقعت اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي. وفي منتصف يونيو/ تموز 2004 وقعتها مع الولايات المتحدة، وبذلك سلموا بلدنا للشركات الكبرى متعددة الجنسيات والدول الامبريالية مما أفقدنا سيادتنا السياسية والشعبية على كافة ثرواتنا.

استمرت سياسة الإجهاز على جل المكاسب التي انتزعت بالكفاح منذ السنوات الأولى للاستقلال الشكلي في 1956. لقد وجد هذا الجيل الذي شب في هذه الظروف بلده غارقا في دوامة الديون غير المشروعة، ويحتل دائما رتبا متقدمة للبلدان الأكثر مديونية في العالم لدى المؤسسات المالية أداة الامبريالية لإخضاع الشعوب، وبعدما تم نهب أموال الشعب من عدة مؤسسات وطنية في العهد الذي أرادت الأقلية طي صفحات جرائمه بتعاون مع الحركة الوطنية البرجوازية وقسم من الثوريين المرتدين بدون إعادتها، وبدون محاكمات اللصوص الذين اختلسوها وأصبحوا من كبار الرأسماليين في البلد. وظلت الدولة مستمرة بالاعتماد على المؤسسات المالية الدولية، وتطرح السندات من أجل الحصول على القروض الخارجية وهي جزء من قهر الشعب المغربي. وجد هذا الجيل نفسه في وضع بطالة، ومناصب الشغل شبه منعدمة وتفرض التعاقد، وتم فرض شرط ثلاثين سنة سقفا  لولوج مهنة التعليم.

جيل ممنوع من حرية  التعبير عن الرأي والتنظيم

بعد كل ما حصل للبلد من تخريب نتيجة السياسات النيوليبرالية التي نفذتها الدولة بالقوة، وحطمت آمال الشباب بالعيش في بلدهم/ هن بحرية وكرامة؛ طبقت عليهم سياسات الحرمان والمنع من التعبير عن الرأي بكل حرية، ومن تأسيس المنظمات والجمعيات لنشر آرائهم واقتناعاتهم/ هن  الفكرية. جيل وجد نفسه يتحرك في مساحة تضيق وتضيق إلى حالة الاختناق، ومحروم من القاعات والفضاءات العمومية، ومن المنح المالية الضرورية لتنظيم أنشطته حسب مايراه موافقا لتصوراته بكل ديمقراطية.

تهدف الأقلية الرأسمالية ونظام الاستغلال والاستبداد إلى جعل الشباب خاضعا لسياسات “السلم الاجتماعي” والوحدة الوطنية” والخضوع لنظام الحكم بالقوة، بدون أدنى تعبير عن آرائه وأفكاره. لكن فضاء وسائل التواصل الاجتماعي المتعددة التي أتاحتها الثورة الرقمية والتحولات الجوهرية في القرن الحادي والعشرين، وفرت مجالات واسعة لتبادل الآراء والأفكار محليا و وطنيا وعالميا. إذن الدولة خنقت الشباب، فوجد له فضاءً فسيحا وحرا وبلا قيود للتنفس من أجل الخوض في الحياة السياسية والفكرية.

لقد كشفت الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية والفنية والأدبية عن كل الأضاليل التي روج لها بصورة واسعة حول “الانتقال الديمقراطي” و”طي صفحة الماضي” و”العهد الجديد” و”التنمية البشرية المستدامة”.ولهذا لا يمكن أن تستفيد أغلبية الشعب المغربي من خيرات بلده إلا إذا نجح بهزم الرأسمالية ونظام الاستغلال والاستبداد، والقضاء على أصل كل المصائب. وهذه من مهام الطبقة العاملة المغربية، القوة المنتجة لكل الثروات التي ظلت لعقود تكدح وتكافح وتحقق بالكاد معيشتها؛ إن ضمان مستقبل هذا الجيل والأجيال القادمة، تكمن في بناء النقابات، وشتى صنوف منظمات النضال الشعبي بالمدن و القرى، والعمل صباحا مساء على وحدة البروليتاريا بكل القطاعات على أسس ديمقراطية تحترم كل الآراء والأفكار، إنها قضية مصيرية على عاتق الطلائع الهادفة لبناء حزب الطبقة العاملة الاشتراكي الثوري بالمغرب للتحقيق الانتصار على الرأسمالية وبناء نظام اشتراكي ينقذ الحياة من الهلاك.

شارك المقالة

اقرأ أيضا