في ذكرى توماس سانكارا، الثوري

الشباب و الطلبة17 أكتوبر، 2025

بقلم: غابرييل سانتوس، ودي ماسيو  Gabriel Santos, de Maceió

حلت يوم 15 اكتوبر الجاري الذكرى 38 لاغتيال توماس سانكارا، أحد وجوه الثورة الأفريقية، الذي خلف تجربة وجيزة في مناهضة الامبريالية و السعي الى بناء مجتمع متحرر، وجيزة لكنها من تراث مقهوري/ت العالم التي يتعين استلهام دروسها، بما هي من أدوات الكفاح العمالي والشعبي الأممي في مسيرة المقهورين/ن نحو تحررهم/ن.

تنويرا لقارئ-ة المناضل-ة، اليه/ها هذا النص المقتضب على أن نعود مستقبلا إلى تفصيل أوفى لمسار توماس سانكارا.  [المناضل-ة]  

“عندما ينتفض الشعب، ترتجف الإمبريالية”  – توماس سانكارا

لن تكون لثورتنا قيمة إلا إذا استطعنا، عند النظر إلى وراء وإلى حولنا وإلى أمام، أن نقول إن البوركينابيين أصبحوا، بفضلها، أكثر سعادة شيئا ما. لأنهم يحصلون على مياه شرب، وطعام كافٍ، وصحة ممتازة، وتعليم، ومساكن لائقة، ولباس أفضل، ولهم الحق في الترفيه، ويحظون بإمكانية التمتع بمزيد من الحرية والديمقراطية والكرامة. […] الثورة هي السعادة. بدون السعادة، لا يمكن التحدث عن النجاح“.  هكذا عرّف توماس سانكارا، رئيس بوركينا فاسو، معنى أهدافه والثورة التي كانت تجري في بوركينا فاسو، قبل ثلاثة عشر يوماً من انقلاب 15 أكتوبر 1987، حيث جرى اغتياله.

كان رجلاً مبتسماً، مسترخياً، مرحاً، صريحاً في كلامه، عاشقاً لأصوات القيثارة، ومتحمساً لشعبه. كان قائداً ثورياً يعتبر نفسه ببساطة واحدا من بين آخرين، متساوٍ مع الشعب، وأن الشعب شبيه له. اغتيل توماس سانكارا قبل 32 عامًا [كتب هذا المقال عام 2019.م]، في 15 أكتوبر 1987، في واغادوغو. كان عمره 37 عامًا فقط. في خضم صوت طلقات الكلاشينكوف، فقد رئيس بوركينا فاسو حياته، مع اثني عشر من رفاقه. كانت تلك بداية نهاية قصة ثورية قصيرة في إفريقيا.

ولد سانكارا في 21 ديسمبر 1949 في المستعمرة الفرنسية السابقة، التي كانت تسمى آنذاك فولتا العليا. اقترب، في أكاديمية كاديوغو العسكرية، في وسط البلد، من الحركات الثورية. عرَّفه أحد أساتذته، وهو عضو في الحزب الأفريقي للاستقلال (PAI)، على الماركسية، وكان ذلك أول اتصال لهذا الشاب العسكري بالنظرية التي سترشده في النضال من أجل الحرية الوطنية. ثم درس ضابطنا  الشاب في المدرسة العسكرية الأفريقية في أنستيرابي، مدغشقر، علم الاجتماع والاقتصاد والعلوم السياسية واللغة الفرنسية والعلوم الزراعية. ومع ذلك، كان أهم درس تلقّاه سانكارا في الجزيرة الكبيرة هو الثورة الشعبية التي أطاحت بنظام فيليبيرت تسيرانانا الاستعماري الجديد. وهكذا نمت فكرة الثورة الديمقراطية والشعبية في ذهن الضابط البوركينابي.

كرس نفسه، عند عودته إلى بلده، لتنظيم الجيل الشاب من الضباط المدربين في الخارج، واصطدم بهيكل عسكري مكون من مستعمرين سابقين. التقى توماس سانكارا، في أثناء تدريب عسكري في المغرب عام 1976، بليز كومباوري وتوطدت صداقتهما. شكلا معًا مجموعة من الضباط الذين أدوا دورًا رئيسيًا في تطور ثورة 1983.

لم تشهد فولتا العليا، منذ الاستقلال في عام 1960، استقرارًا سياسيًا دائمًا.  كانت الحكومات، سواء مدنية أو عسكرية، تسقط وتتعاقب وتُطاح. حتى 7 نوفمبر 1982، عندما أدى انقلاب جديد إلى وصول جان بابتيست ويدراوغو، وهو طبيب عسكري، إلى السلطة. بعد شهرين، استغل توماس سانكارا ميزان القوى المواتي للتيار التقدمي داخل الجيش، وأصبح رئيسًا للوزراء. بدأ تعلقه بالشعب، وموهبته في الخطابة وقاعدته داخل الجيش وحماسه الثوري يزعج البعض، فتم عزله من منصبه وسجنه. اندلعت ثورة شعبية، ما مهد الطريق أمام العسكريين التقدميين. وفي 4 أغسطس 1983، استولى كوماندوز بو، بقيادة بليز كومباوري، على واغادوغو، بدعم من المدنيين. أُطلق سراح توماس سانكارا وأصبح رئيسًا لفولتا العليا.

دعا على الفور السكان إلى إنشاء لجان الدفاع عن الثورة. كانت تلك بداية تجربة ثورية قصيرة بقدر ما هي  شاعرية ومهمة في تاريخ أفريقيا. عملية غذتها رغبة عميقة في الاستقلال ومحاربة الإمبريالية. تم تغيير اسم البلد إلى بوركينا فاسو، التي تعني ”أرض الرجال النزهاء“.

رفض سانكارا النظر إلى أفريقيا على أنها ملحق للتاريخ الغربي. كان هدف نضاله هو تمكين القارة بأكملها من التحرر سياسيًا واقتصاديًا. كان شغوفًا بالسلام، وكان بيئيًا ومدافعًا عن قضية النساء قبل زمنها بوقت طويل. كان معاديًا للإمبريالية وماركسيًا في تكوينه. حققت سنوات حكمه الأربع نتائج مذهلة. فقد نجح في تحقيق الاكتفاء الغذائي لبلد في منطقة الساحل، من بين العديد من الإنجازات الأخرى.

تم، في مجالات التعليم والبيئة والزراعة وإصلاح الدولة والثقافة وحقوق المرأة والشباب، تنفيذ برامج وبرامج أخرى، مع نتائج ونتائج أخرى، مما أدى في كثير من الأحيان إلى خلافات حول الشكل والمضمون مع بعض قطاعات الحركة الثورية.

كان سانكارا عدوًا للديون الخارجية، التي أبقت البلدان الأفريقية في وضع مهين تجاه القوى الاستعمارية القديمة. وقد دعا، في خطاب تاريخي ألقاه أمام منظمة الوحدة الأفريقية  في أديس أبابا عام 1987، إلى عدم سداد الديون: ”إذا لم ندفع، فلن يموت الدائنون. وعلى العكس، إذا دفعنا، فسنموت نحن. لنكن على يقين من ذلك“.

أصبح رئيس بوركينا فاسو المتحدث باسم القارة الأفريقية بأكملها وجميع الشعوب التي كانت تكافح ضد الاضطهاد الاستعماري الجديد. كان يقول إن الوقت قد حان «للإنتاج في أفريقيا، والتصنيع في أفريقيا، والاستهلاك في أفريقيا.”

وبرغم أن السنوات الأربع القصيرة من الحكم الثوري لم تؤد إلى مصادرة ممتلكات البرجوازية في البلد بالكامل (كان سانكارا يقول إنها ستكون عملية مستمرة)، فقد غيرت حياة السكان. أدت مراكز الصحة الجديدة، ومئات المدارس، وحملة محو الأمية، إلى رفع معدل معرفة القراءة والكتابة في البلد من 13٪ إلى 67٪. كما أدت الإصلاحات الزراعية لدعم صغار المنتجين الريفيين إلى زيادة إنتاج القمح بأكثر من الضعف في ثلاث سنوات فقط. وتم تخفيض النفقات المتعلقة بالبيروقراطية الحكومية، مثل المزايا الممنوحة للرئيس ووزرائه، واستثمارها في الإنفاق العام. بلغت الزيادة في مجال التعليم، 26.5٪ للفرد الواحد، وفي مجال الصحة 42.3٪.

كان مصطلح ”الاكتفاء الذاتي“ أحد شعارات الحكومة. وكان سانكارا يقول إن الاعتماد على المساعدات الخارجية يعني الخضوع لهذه البلدان. كان يكرر بلا كلل ”نحن نعلم أننا لا نستطيع الاعتماد إلا على أنفسنا“؛ وهكذا تم تنفيذ العديد من الأشغال العامة، مثل شبكة سكك حديدية تربط جميع أنحاء البلد.

في بلد قاحل مثل بوركينا فاسو، كان الاكتفاء الذاتي، وفقًا لسانكارا نفسه، يعني ضرورة الاستدامة البيئية. وهكذا، تم حفر مئات الآبار الجديدة، وبناء الخزانات، وتدريب المزارعين على مكافحة تآكل التربة. كما زُرعت أكثر من عشرة ملايين شجرة لمكافحة التصحر في منطقة الساحل. وفي أبريل 1985، أطلق المجلس الوطني للإنقاذ ”ثلاث حملات“: ضد قطع الأشجار بشكل مفرط، وضد حرائق الغابات، وحملة توعية باستخدام الغاز. يقوم الفلاحون، في جميع أنحاء البلد، ببناء السدود وتقوم الحكومة بتنفيذ مشاريع مشتركة لبناء السدود والحواجز. يندد سانكارا بالدول الغربية، ولا سيما فرنسا، ويطالبها بتحمل مسؤوليتها عن بناء المنشآت الكبرى والفوضى البيئية التي تسببها في البلدان الأفريقية.

يمكن القول دون خشية الخطأ أن سانكارا كان سابقاً لعصره.

كان سانكارا أيضاً رائداً في مجال حقوق المرأة. كانت الواقع في البلد قاسياً على النساء. وفي ظل حكومته، تم تحديد سن أدنى للزواج والطلاق، وألغي دفع المهر. كما تم تنظيم حملات لمكافحة تعدد الزوجات وتشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية. كما تم تنظيم دورات لتعليم القراءة والكتابة للنساء ودورات حول التربية الجنسية والحمل، لا سيما في المناطق الريفية.

ومع ذلك، كما هو الحال في معظم التجارب الثورية في القرن العشرين، كانت الخلافات داخل الحركة قاسية. كان هناك داخل المجلس الوطني الثوري أنصار لستالين وماو وفيدل وأنوار خوجة، من بين آخرين. ومع ذلك، كان لدى أقدم رفيق لسانكارا وأحد قادة الثورة، بليز كومباوري، رؤية أكثر تحفظًا للعملية الثورية في البلد. كان يعتقد أن سانكارا يتسرع في إجراءاته المناهضة للإمبريالية، ويبتعد عن فرنسا وكوت ديفوار المجاورة، اللتين كان كومباوري يعتبرهما حليفي البلد الأساسيين. وبرغم انتقاداته السياسية لسانكارا، كان كومباوري يسعى أيضاً إلى تحقيق هدفه الشخصي المتمثل في أن يصبح زعيم الأمة ويستفيد من المزايا التي ينطوي عليها ذلك. لذلك تم تنظيم انقلاب، بمشاركة دول أفريقية مثل ليبيريا وكوت ديفوار، وتواطؤ الإمبريالية الفرنسية ومشاركة قطاعات معارضة من المجلس الوطني للثورة.

وهكذا، في 15 أكتوبر 1987، قُتل سانكارا و 12 من رفاقه بوحشية. تم تقطيع جثثهم ودفنها في مقابر سرية دون تحديد هويتهم. انتفضت الجماهير ضد اغتيال رئيسها، لكن كومباوري قمع الثورة بيد من حديد. كان ذلك لمحة عما سيكون عليه حكمه، أي دكتاتورية شرسة استمرت 27 عامًا، حتى عام 2014، عندما أطاحت الاحتجاجات الشعبية نظامه، واضطر إلى الفرار إلى كوت ديفوار. وفي السنوات الأولى، تم تدمير جميع إنجازات الحكومة الثورية، وأصبح البلد خاضعًا لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي.

اليوم، بعد 32 ( كتب المقال عام 2019-م) عامًا من اغتياله على يد أعداء الشعب والثورة،  ليس سانكارا مجرد شخصية من الماضي تحتل مكانًا في كتب التاريخ. إنه ثوري حي وحاضر، تماماً مثل أفكاره.

لقد ترك إرثاً من الأمل الكبير ومثالاً يحتذى به لأفريقيا وجميع شعوب ما يسمى بالعالم الثالث. إن هزيمة الإمبريالية والاستعمار هما وحدهما اللذان يمكن أن يضمنان حقوق الشعوب.

كان شعار الحكومة الثورية في بوركينا فاسو ”الوطن أو الموت، سننتصر“. هذه العبارة البسيطة تنطوي على جملة كاملة من الدروس. لم يكن هناك طريق ثالث بنظر سانكارا،. إما أن ننتصر ونحرر الوطن، أو أن تهزمنا الإمبريالية. بالنسبة لسانكارا وأيديولوجيته الأممية، لم يكن انتصار الوطن ممكناً إلا إذا انتفضت الأوطان الشقيقة أيضاً ضد الاستعمار الجديد، أي أن الانتصار النهائي لبوركينا فاسو لم يكن ممكناً إلا بانتصار البلدان الأفريقية الأخرى. للأسف، مات سانكارا دون أن يرى هذا الانتصار النهائي.

بين الوطن والموت، اختار الثاني، لأنه دافع عن الأول وكافح من أجله. ومع ذلك، بما أن التاريخ لا يتوقف عند هذا الحد، فإن حلم أفريقيا الحرة وذات السيادة لا يزال يراود ليالي الساحل والقارة بأكملها. اضطر قتلة سانكارا إلى الفرار من البلد بعد سنوات، وهم مكروهون من الشعب وسيُعاملون كمجرمين في كتب التاريخ. أما سانكارا، فيعود كل يوم في التوق إلى أفريقيا حرة وذات سيادة، وفي النضالات المناهضة للإمبريالية في جميع أنحاء العالم، وفي وجوه الحشود التي تنزل إلى الشوارع من أجل العدالة والمساواة وحب الشعب.

”الأهم هو أننا جعلنا الشعب يثق بنفسه، ويفهم أنه يمكنه أخيرًا أن يجلس ويكتب تطوره، ويكتب سعادته، ويقول ما يريد“.

المصدر:

https://esquerdaonline.com.br/2019/10/17/em-memoria-de-thomas-sankara-um-revolucionario/

شارك المقالة

اقرأ أيضا