كتاب: عندما كان لسان يسمى فرناندو (حلقة 4)
حياة مناضل أممي مغربي في حرب الغوار السلفادورية، ووفاته: المدرسة الفلسطينية
بقلم: لوسيل دوما
ترجمة: م. إسماعيل
على امتداد سنوات 1980، توجه العديد من الشباب الثوريين/ت، من مختلف البلدان، إلى السلفادور لدعم نضال شعب هذا البلد ضد أوليغارشية شرسة مدعومة من الإمبريالية الأمريكية.
انضم العديد منهم/ن إلى صفوف جبهة فارابوندومارتي للتحرير الوطني (FMLN) في حربها الغوارية، بينما دعم آخرون السكان، لا سيما في مجالي الصحة والتعليم. كان هؤلاء الأمميون يأتون بشكل أساسي من أمريكا الجنوبية وأوروبا. ولكن ماذا كان يفعل بينهم لسان الدين بوخبزة، المعروف باسم فرناندو في منظمة حرب الغوار، والذي كان بالتأكيد الأفريقي الوحيد والعربي الوحيد في صفوف الجبهة؟ كيف قرر هذا الطبيب المغربي الشاب السفر إلى السلفادور والانضمام إلى صفوف مقاتلي حرب الغوار؟ ما هي الذكريات التي احتفظ بها رفاقه في النضال؟ في أي ظروف لقي حتفه؟
يحاول هذا الكتاب أن يجيب على هذه الأسئلة، وأن ينقذ من النسيان تجربة خاصة من تجارب النضال الأممي الثوري، خاضها مناضل مغربي لم يتردد في عبور المحيط الأطلسي ليضيف حصاته الصغيرة إلى التاريخ البطولي للشعب السلفادوري.
قضت المؤلفة، لوسيل دوماس، أكثر من 45 عامًا من حياتها في المغرب. شاركت في نشر العديد من المؤلفات الجماعية ونشرت العديد من المقالات حول حياة البلد الاقتصادية والاجتماعية.
المدرسة الفلسطينية
إنه الاختيار الذي صار إليه في النهاية لسان وثلاثة من رفاقه المقربين، بعد ساعات نقاش مديدة. شكل تضامُنه وتعاطفه تجاه نضال الشعب الفلسطيني، الذي كان شائعًا جدًا في أوساط الطلاب المغاربة بفضل تضامن حركة القاعديين عبر تنظيم ندوات وأمسيات وأسابيع تضامن بمناسبة الذكرى السنوية للأحداث البارزة في التاريخ الفلسطيني، العامل الواضح الذي دفعه وزملاؤه إلى البحث عن علاقات تتيح لهم الذهاب إلى الشرق الأوسط، حيث كانت تدور معركة شرسة ضد الصهيونية وتغلغلها المتزايد في الأراضي الفلسطينية. كانت تلك أحد بؤر النضال العالمي ضد الإمبريالية.
لنتذكر أن إسرائيل كانت تحتل جنوب لبنان منذ عام 1978، وضمت في عام 1980 الجزء الشرقي من القدس، وكان أنور السادات قد وقع للتو اتفاقيات كامب ديفيد بين إسرائيل ومصر، وهي أول معاهدة سلام بين إسرائيل ودولة عربية، بعد مفاوضات سرية ومعزولة. دفع السادات حياته ثمنًا لهذه الاتفاقية، إذ اغتيل في 6 أكتوبر 1981، في ذكرى اندلاع حرب أكتوبر الثامنة. وفي نهاية ذلك العام، ضمت إسرائيل مرتفعات الجولان السورية.
غادر لسان أولاً إلى باريس مع نذير، على الأرجح في أوائل عام 1982، فارغي الوفاض ودون أي صلات. عاشا هناك على السندويشات، متنقلين من اجتماع تضامن إلى آخر، ولم يجدا، كما كان متوقعًا، العلاقات التي كانا يبحثان عنها. في النهاية، تمكنا في أمستردام من مقابلة ممثلين للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، الحركة الأكثر يسارية في منظمة التحرير الفلسطينية. كان للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، ذات المذهب الماركسي اللينيني، معسكرات تدريب في عدة بلدان، بوجه خاص في سوريا ولبنان، من أواخر سنوات 1960 وحتى أوائل سنوات1980. لم تكن هذه المعسكرات تُدرب الفدائيين الفلسطينيين فحسب، بل دربت أيضاً الشباب من جميع أنحاء العالم الذين دعموا النضال الفلسطيني، جاء بعضهم إلى المعسكرات فقط ليعودوا لاحقًا للقتال في بلدانهم. مر العديد من المناضلين من مختلف دول أمريكا الجنوبية بهذه المعسكرات (1).
افترقت مجموعة الأصدقاء، وذهب كل منهم في تواريخ متباينة إلى معسكرات مختلفة. لم أفلح في العثور على من شارك لسان العيش في المخيمات الفلسطينية. لذا سأحاول هنا إعادة بناء بعض جوانب تجربة لسان مع المقاومة الفلسطينية استنادًا إلى المرويات التي سردها لأصدقائه عند عودته وتجربة رفاقه الذين غادروا في نفس الظروف ولكن ليس بالضرورة إلى نفس المناطق.
كان لسان أول من غادر، ولا أحد يتذكر التاريخ بالضبط، ولكن ذلك كان على الأرجح في مطلع عام 1982 أو منتصفه، على أي حال قبل بدء الهجوم الإسرائيلي، ”السلام في الجليل“، الذي شُن في يونيو 1982، ضد المخيمات الفلسطينية في لبنان وبلغ ذروته برحيل ياسر عرفات عن بيروت في غشت من نفس العام، والمذبحة التي وقعت في مخيمي صبرا وشاتيلا للاجئين في جزء بيروت الغربي، بتعاون القوات الإسرائيلية والميليشيات المسيحية التابعة لحزب الكتائب اللبناني. من المؤكد أنه عند وقوع مذبحة صبرا وشاتيلا في شتنبر 1982، كان قد مضت عدة أسابيع، وربما عدة أشهر، على عودة لسان من المنطقة.
وصل لسان أولاً إلى سوريا، إلى أحد معسكرات التدريب التابعة للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. وفقاً لزميله الآخر، نبيل، الذي سافر هو أيضاً بعد لسان بقليل، لم تدم هذه المرحلة طويلاً، ثلاثة أسابيع على الأكثر، وشمل التدريبُ التمرسَ على الكفاح المسلح والتكوين النظري في الماركسية اللينينية. في الوقت نفسه، نُظمت مناقشات عديدة لم تثر اهتمام نبيل. كان ثمة، بشكل عام، العديد من المناضلين القادمين من مختلف البلدان العربية، ولا سيما التونسية. وجد لسان نفسه في بيئة ثقافية ثورية أممية حقيقية. هل التقى هناك بمناضلين من أمريكا اللاتينية، جاءوا هم أيضاً لتلقي تدريبات في حرب الغوار؟ هذا ليس مستبعدًا، لأن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين كانت تستقبل في معسكراتها ثوارًا من جميع أنحاء العالم. لكن رفاقه، الذين غادروا بعده بفترة قصيرة، لم يلتقوا بهم.
ثم ذهب إلى لبنان، إلى الجنوب أو إلى البقاع، المنطقة الحدودية مع سوريا حيث كانت المقاومة الفلسطينية تقيم قواعد. وهناك واجه بالتأكيد القتال، حسب أساليب وتسليح كانت، وفقاً لما سيرويه لاحقاً لرفاقه السلفادوريين، أقرب إلى حرب تقليدية، باستخدام أسلحة ثقيلة، منها إلى حرب الغوار. لم يبق في المنطقة لفترة مديدة، من 3 إلى 6 أشهر، وفقاً لذكريات البعض.
واجه لسان أيضا مشكلات في التواصل، لأنه برغم إتقانه للهجة المغربية، قليلة الجدوى في الشرق الأوسط، كانت لغته العربية الفصحى ضعيفة جدا، ولم يكن يتحدث اللهجة السورية أو اللبنانية على الإطلاق، ما لم يُسَّهِل التواصل أو اندماجه بين المقاتلين الآخرين.
عاد خائب الأمل، مثل أصدقائه، من تجربته إلى جانب المقاتلين الفلسطينيين، قلقًا من آفاق المقاومة الفلسطينية غير الباعثة على التفاؤل، ومحبطًا من الأجواء التي وجدها هناك، من التسلط والانقسامات والتسويات… لكن ذلك لم يغير اقتناعاته بشأن عدالة نضال الشعب الفلسطيني وتضامنه النشط معه، حتى مع المقاتلين السلفادوريين، كما سنرى لاحقاً. ووفقاً لصديقه نذير، الذي خاض التجربة نفسها، عاد أيضاً سعيداً جداً بما تعلمه على الصعيدين السياسي والعسكري. عاد الجميع فخورين جدًا بقتالهم إلى جانب الفدائيين، المقاتلين الفلسطينيين. حتى أنهم يحكون أن مسافة نشأت بعد عودتهم بينهم وبين أصدقائهم الآخرين، بين أولئك الذين قاتلوا وأولئك الذين بقوا في البلد.
لم تكن تجربة لسان استثناءً في ذلك الوقت. يروي عبد الإله المنصوري أن أبو علي، أحد قادة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في لبنان، أكد له أن مئات المقاتلين العرب والأمميين انضموا إليهم في تلك السنوات. قرر العديد من الشباب المغاربة تقديم تضامن فعال وملموس مع نضال الشعب الفلسطيني. يتذكر التاريخ الشقيقتين برادلي، نادية وغيثة، اللتين اعتقلتا في أبريل 1971 في مطار اللد، بالقرب من تل أبيب، بينما كانتا تعدان لشن هجمات في إسرائيل لحساب الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين. لقي شاب آخر من تطوان حتفه في نوفمبر 1974 في عملية حرب غوار ضد جيش الاحتلال الصهيوني. يؤكد أ. المنصوري أنه كان يعيش بالقرب من منزل عائلة بوخبزة وأن وفاته أحدثت صدى كبيرًا في تطوان وباقي أنحاء المغرب (2).
بينما عاد رفاقه، الذين أصيبوا بخيبة أمل وتراجع حماسهم بسبب تجربتهم مع الفدائيين الفلسطينيين، إلى دراستهم التي كانوا تخلوا عنها للانضمام إلى الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، لم يكن لسان ينوي التخلي عن مشروعه وسعى إلى مواصلة تدريبه وخبرته في حرب الغوار، مع المساهمة في النضال ضد الإمبريالية. لكنه توجه هذه المرة إلى أمريكا الوسطى، لا سيما السلفادور، التي كانت في ذلك الوقت في طليعة النضال من أجل تحرير الشعوب على الصعيد الدولي. لم تكن حرب الغوار التي تخوضها جبهة فارابوندو مارتي Farabundo Marti في بداياتها، كما كان الحال عندما انضم لسان إلى معسكرات الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، بل كانت قد أثبتت منذ ثلاث سنوات قدرتها على تنظيم نضال الشعب السلفادوري ضد دكتاتورية الأوليغارشية المدعومة بقوة من الحكومات الأمريكية الشمالية. كان ذلك هو مركز النضال العالمي ضد الإمبريالية في ذلك الوقت.
أوضحت لوسيا، المعروفة باسم لاتشابارا la Xaparra ، المناضلة الأممية الإسبانية والطبيبة أيضاً، التقت بلسان في صفوف المقاتلين في السلفادور (3)، “لقد جاء ليتعلم من شعب يناضل ضد الإمبريالية، وذهب إلى السلفادور لأن النضال كان يدور هناك آنذاك.”
إنه المكان الذي أراد لسان أن يكون فيه، في مشروع أصبح شخصيا أكثر بسبب الظروف، حيث لم يتبعه أصدقاؤه في مغامرته الجديدة في أمريكا الوسطى.
عندما وصل لسان إلى السلفادور، كان يحظى بصفتين مهمتين للغاية في نظر جبهة فارابوندو مارتي للتحرير الوطني :كان طبيبًاوكان قد خاض القتال.
إحالات
- انظر في هذا الصدد الفيلم الوثائقي القصير الذي أخرجه دومينيك بوديس Dominique Baudis في عام 1975، معسكر تدريب الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في سوريا،
https://www.ina.fr/video/CAA7501200001. إنها الوثيقة الوحيدة التي تمكنت من الوصول إليها بشأن هذا الجانب.
2- المصدر السابق.
3 – مقابلة مع تشابارا، بامبلونا، la Chaparra, Pampelune شتنبر 2017.
اقرأ أيضا


