حزب العدالة والتنمية: خمس سنوات من تشديد سطوة نظام الاستغلال والاستبداد.

سياسة17 أكتوبر، 2016

وصل حزب العدالة والتنمية الذي يمثل الإسلام السياسي الرجعي إلى مجلس النواب في 25 نونبر 2011 بأغلبية 107 مقاعد من أصل 395 عبر انتخابات جرت قبل موعدها الذي كان محددا لها، أي اكتوبر 2012، وشكل حكومة يمينية لتطبيق سياسة الدولة الرأسمالية ضد مطالب وحقوق أغلبية الكادحين.

تشكلت الحكومة هذه أثناء المعارك والاحتجاجات الشعبية والجماهيرية الواسعة بالشوارع والساحات، التي اندلعت في خضم الثورات العربية في أواخر 2010 وبداية 2011، وشهدت البلاد موجات نضال متشابكة جديدة غير مسبوقة من اجل مطالب سياسية ديمقراطية، اجتماعية، اقتصادية وثقافية، تحت راية “حركة عشرين فبراير”.

من بين المطالب التي رفعت، دستور ديمقراطي شعبي، وإسقاط الحكومة وحل مجلسي النواب والمستشارين وإلغاء هذا الأخير، وتشكيل حكومة مؤقتة انتقالية، وإعلام حر ومستقل وفصل السلط التشريعية والقضائية والتنفيذية واعتبار اللغة الامازيغية لغة وطنية رسمية، والمساواة بين الذكور والإناث في كل الحقوق وإطلاق كل المعتقلين السياسيين ومحاكمة المجرمين والمسؤولين المتورطين في النهب والفساد…. الخ

وكانت المطالب الاجتماعية والاقتصادية على رأس الشعارات التي صدحت بها حناجر الجماهير، تخفيض أسعار المواد الغذائية الأساسية، توفير الماء والكهرباء بأثمان معقولة والرفع من الأجور وتشغيل كافة المعطلين وتوفير الخدمات الاجتماعية الأساسية كالصحة والتعليم وتجويد خدماتهما علاوة على المجانية، وتحقيق مطلب السكن الاجتماعي…الخ

بعد سقوط رأسي السلطة بكل من تونس ومصر، وانهيار النظام السياسي في ليبيا وإزاحة علي عبد الله  صالح باليمن واندلاع المعارك المسلحة بسوريا وتوسع الاعتصامات والاحتجاجات في عدة ميادين بعواصم بلدان عربية وغيرها، عرفت الدولة الرأسمالية ونظامها الاستبدادي كيف تناور سياسيا دفاعا على مصالح الطبقة البورجوازية الحاكمة، فجر  تعددا  من الانتهازيين إلى صفها بهذه المناورة كما تفعل دائماً أثناء العواصف، وتنازلت عن قسط ضئيل جداً من مساحة هيمنتها تحت ضغط كفاح الشوارع والميادين، وهي معارك النضال والكفاح الميداني التي فجرتها حركة عشرين فبراير وفقدنا فيها شهداء، وهي الحركة التي غادرتها جماعة العدل والإحسان الرجعية  بعد مشاركة اضطرارية…

ماذا فعل حزب العدالة والتنمية اليميني الرجعي بعد كل ذلك؟

لقد سار على درب خدمة مصالح أرباب العمل وكبار الرأسماليين المحليين والأجانب، مسنودا في ذلك من قبل مركزية نقابية ذيلية ومنظمات شبيبية وطلابية ونسائية كملحقات حزبية، وجيش من الإعلاميين الرجعيين التابعين له، فقد تم تمرير عدد من القوانين والتشريعات التي تخدم مصالح الرأسماليين الكبار والشركات الخاصة، ضداعلى كل تلك الحقوق والمطالب وبالأخص العمالية منها، التي رفعتها حركة 20 فبراير.

 ومن خلال مناورته وحكومته الرجعية استطاع نظام الاستبداد والاستغلال أن يستمر في مزيد من طحن العمال والكادحين بواسطة حكومة الواجهة برئاسة حزب العدالة والتنمية.

عمال جل القطاعات إن لم نقل كلها، عانوا الويلات والاعتداءات الظالمة من قبل الشركات الخاصة ومقاولات المناولة وتلك التي تعمل من باطن داخل قطاعات مهمة تم تفويض عملها وخدماتها للرأسماليين، عمال المناجم التابعة للشركة الوطنية للاستثمار[اونا سابقا] بمنطقة بوازار ظلوا يتعرضون لاستغلال بشع وهجمات على عملهم النقابي النضالي. عمال منجم الذهب (اقاغولدمينيغ)، عمال منجم النحاس قرب قرية ازربي نواحي تافراوت، عمال منجم كماسة نواحي مراكش وعمال مناجم” اغرماوسار” وسيدي احمد التي تشكل المركب المنجمي لجبل عوام، إقليم خنيفرة، هؤلاء العمال الذين اعتصموا تحت الأرض بعمق يفوق 500 مترا احتجاجا على ظلم شركة ” تويسيت” وفي كل المناجم يعمل الرأسماليون المسيطرون على القطاع على استزادة استغلال العمال وهضم حقوقهم القانونية والمادية عبر شركات المناولة، أو المقاولة من الباطن. كما أن عمال قطاع الصيد البحري  بشركة “اومينيوم المغربي للصيد” تعرضوا للاعتداء على يد الرأسماليين الكبار، وفي يوم 26 ماي 2012 وجد نحو 2200 عامل وعاملة أنفسهم أمام واقع سياسة النظام والطبقة الرأسمالية بعد سنين من الاستغلال والقهر، وفي الأخير كان مصيرهم هو الشارع  بعد أن أغلقت الشركة  أبوابها في وجه من كان وراء تنمية رأسمالها بعرقه ودمه منذ تأسيسها. نفس الشيء يقال عن “الشركة الوطنية للطرق السيارة” التي تستغل العمال عبر شركات المناولة،  قصد الإجهاز على حقوقهم وكثير من القهر، وعدم ترسيمهم  بالعمل في الشركة الأم. كادحو/ات معامل المنتوج البحري “القمرون” في طنجة وجدوا أنفسهم مطرودين… هكذا يتعامل الرأسماليون مع الطبقة العاملة المساهمة لتطوير رأس مال المعامل التي رمت إلى الشارع نحو 1500 عامل وعاملة. عمال النقل يتعرضون يوميا للاستغلال والظلم والطرد. سنأخذ على سبيل المثال بعض الشركات الرأسمالية الخاصة المرتبطة بالامبريالية والتي تفرض هيمنتها بالمدن الكبرى وتنهب المال العام. شركة ” مدينة سيتي” بالدار البيضاء و شركة ” الزا” بكل من مراكش وطنجة و اكادير، وشركة” ستاريو” بالرباط وشركة” سيتي باص” بفاس، شركات نهابة تراكم الأرباح وتستغل العمال وتطردهم وتشردهم. عمال النظافة وجمع النفايات الصلبة يعيشون وضعا كارثيا تحت سيطرة الشركات الخاصة الأجنبية في اغلب المدن ذات الكثافة السكانية الكبيرة. مثل ” سيطا البيضاء ” و” افيردا” بنفس المدينة.

gh

عمال القطاع الزراعي والفلاحي يعيشون تحت سطوة الرأسماليين وأرباب الضيعات الكبرى وضعا مأسويا. ساعات عمل شاق طويلة تحت أشعة الشمس، وبيوت البلاستيك ومبيدات سامة، وفوق كل هذا أجور زهيدة.

لقد تظاهر الناس ضد الشركات الرأسمالية التي فوضت لها الدولة  تدبير الماء والكهرباء والصرف الصحي واحتجوا رافضين سياسة مفروضة عليهم بالقوة، وكانوا قد فجروا بطنجة ومدن الشمال كفاحا بطوليا ضد شركة “امانديس” الأجنبية النهابة، وسارت على دربهما مدن أخرى من بينها  الدار البيضاء.

هذا غيض من فيض فقط، من ضحايا السياسة المتبعة بالبلد في فترة حكومة الواجهة لحزب العدالة والتنمية الرجعي.

إنها سياسة تكييف الاقتصاد المغربي مع الاقتصاد العالمي الامبريالي وربط بلدنا المغرب بالالتزامات والعقود والاتفاقيات لفائدة ومصلحة الرأسماليين الامبرياليين، والتي كانت نتائجها مأسوية على الطبقة العاملة والكادحين جميعا، وحسب صندوق الضمان الاجتماعي فقد تم فقدان 50000 منصب شغل مضمون بقطاع النسيج وحده سنة 2008. وفي سنة 2010-2011 بلغ الرقم حسب عدة تقديرات 24000و35000 ومع مطلع سنة 2011 أشارت مندوبية التخطيط إلى فقدان 100 ألف منصب شغل مضمون.

المالية العمومية ضعيفة علاوة على محدودية مواردها، والمتوفر منها يتعرض للنهب والاختلاس، والممكن استخلاصه يترك للرأسماليين الكبار. إنها حقيقة الانجازات الحكومية لحزب العدالة والتنمية التي يحاول أعضاء الحزب ومناصروه ابرازها من خلال دفاعهم المستميت عنها، وهو في المحصلة دفاع عن سياسة نظام الاستبداد والاستغلال والطبقة الرأسمالية الحاكمة فعليا عن طريق جهاز الدولة البورجوازي.   لقد عمل هذا الحزب كل ما في وسعه لكي يبدو الأصلح والأفيد من سابقيه والأفضل للرأسماليين الكبار ونظامهم الاستبدادي دون الآخرين، وقد ظل يردد بأنه جاء لحماية مصالحهم ضد موجات الغضب والسخط والاحتجاج الصادر عن ضحايا سياساته. وحسب أقوال هذا الحزب الأشد رجعية، فلولاه لكان مصير المغرب مثل تونس ومصر وبلدان أخرى هزتها الثورات الشعبية. وفعلا لقد فعل حزب العدالة والتنمية وحكومته كل شيء لمصلحة دولة الرأسماليين، ووقفوا بشكل صارم ضد حقوق ومصالح الكادحين بلا حياء ولا خجل ولا رحمة ولا شفقة.لقد كانوا قفازا في يد نظام الاستبداد والاستغلال والقهر لدك الحقوق وسحق العمال والعاملات، وبيع ما تبقى من ثروات البلد للرأسماليين الأجانب والمحليين.

veoliamarocnew_880430515

من الواجب علينا  التصدي والوقوف بوجه سياسة الرأسماليين ودولتهم  وحكوماتهم المختلفة اليمينية الرجعية منها وكذلك الليبرالية بدون خداع إيديولوجي باسم الحداثة  وغيرها، ومطلوب منا جميعا نحن مناهضي سياسة الإجهاز على القطاع العمومي والمواد الأساسية  للحياة  والخدمات الاجتماعية  والحق في الصحة والتعليم والشغل والتوظيف، نحن المناضلين لحماية ما تبقى من مكتسبات، أن نساهم بكل ما استطعنا إليه سبيلا في بناء منظمات النضال العمالي من جمعيات وهيئات وتنسيقيات وحركات شعبية جماهيرية من ضحايا سياسة العدو الطبقي محليا وجهويا ووطنيا على أسس ديمقراطية حقيقية قادرة فعلا على خوض المعارك المصيرية ضد أعداء الطبقة العاملة، وطرد الاستعمار الجديد وتقرير مصيرنا بأنفسنا واسترداد سيادتنا المستباحة كبلد شبه مستعمر.

تحرر الكادحين من صنع الكادحين أنفسهم.

لقد خاض العمال معارك ضارية وبطولية منذ 2011 إلى يومنا هذا، ونجحوا في تنظيم إضرابات عن العمل طويلة ونظموا وقفات ومسيرات بالعاصمة الرباط وكسبوا خبرة نضال عمالي ضد أرباب العمل وعرفوا أن الدولة ومؤسساتها ومنها برلمان الواجهة تقف بجانب الرأسماليين ضد مطالب العمال المشروعة وعرفوا أن منظمات النضال العمالي مصابة بأعطاب كثيرة من أحد أسبابها الكبرى سيطرة البيروقراطية النقابية على أجهزتها الوطنية والجهوية والمحلية ودفاعها عن سياسة السلم الاجتماعي ومصالح الرأسماليين.

الطبقة العاملة في حاجة ملحة لتحقيق استقلالها السياسي عن كل البرجوازيين من دعاة السلم الاجتماعي وكل خدام الاستبداد. إنها في أمس الحاجة إلى حزبها العمالي الاشتراكي الثوري لكيلا يتبدد كل مرة كفاحها ضد الرأسماليين ودولتهم الظالمة التي باعت البلد، ومن اجل توحيد صفوفها وبناء قوتها الجبارة القادرة على قلب كل الموازين. بدون ذلك سيبقى العمال والعاملات، الكادحون والكادحات عرضة دائما للاعتداءات والطرد والاعتقال وهضم الحقوق والتشرد والضياع، وسيتعرض ما تبقى من مؤسسات عمومية وطنية للبيع امام أعينهم/هن بعد أن كانوا اكبر المساهمين في بناء صرحها وتنمية رأسمالها بدمهم وعرق جبينهم .

قوتنا في وحدتنا.. وبناء أدوات النضال الجماهيرية على أسس ديمقراطية ضمان نصرنا المؤكد.

13 سبتمبر 2016

طه محمد فاضل

شارك المقالة

اقرأ أيضا