أضواء على القرار الحكومي حول الأجور المخولة للخبراء والأعوان المتعاقدين

سياسة24 أغسطس، 2017

 

 

الملايين “لخبراء” الحكومة والهشاشة لأبناء الشعب الكادح

أضواء على القرار الحكومي حول الأجور المخولة

 للخبراء والأعوان المتعاقدين-

 

 يعد تمرير نظام التعاقد في الوظيفة العمومية أحد أبرز التعديات على مكاسب العمل الدائم والمستقر وعلى عالم الشغل بالقطاع العام بصفة عامة. فكما يعلم الجميع، تم في سنة 2011، عبر مراجعة جزئية للنظام الأساسي العام للوظيفة العمومية، فرض العمل بالعقدة (الفصل 6 مكرر) لأول مرة في تاريخ الوظيفة العمومية منذ تاريخ تأسيسها في 24 فبراير 1958. لا يخول هذا النوع من التعاقد أي ترسيم في أطر الوظيفة العمومية وأنظمتها. وقد تم تمرير هذا التراجع الخطير مع كامل الأسف دون أية مقاومة نقابية تذكر، ما عدا من قبل بعض الاتحادات النقابية المحلية، بل الأنكى من ذلك أن هذا الإصلاح المضاد لأحد أهم لحقوق الاجتماعية للأجراء تمت تزكيته من قبل ممثلي المنظمات النقابية في مجلس المستشارين وقتئذ.

ومما لا شك فيه أن فتح مجال العمل بالعقدة سيؤدي إلى تكريس هشاشة أوضاع العاملين بالمرافق العمومية، وينعكس سلبا على حقوقهم في ميدان الشغل وعلى استقرار حياتهم الاجتماعية، فضلا عن انعكاساته السلبية الخطيرة على وحدة الموظفين في النضال (مرسمين وأعوان بالعقدة). وسيضرب في المديين المتوسط والبعيد إمكانات تنظيم الموظفين نقابيا، وسيضعف النقابات العمالية في قطاعات الوظيفة العمومية، وسيزيد تعميق مشكل التقاعد، بالنظر إلى أن الأعوان المتعاقدين سيخضعون للنظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد RCAR وليس لنظام المعاشات المدنية الذي يسيره الصندوق المغربي للتقاعد.

وفي إطار تطبيقها لنظام التعاقد، أصدرت حكومة الواجهة صيف السنة الماضية (15 أغسطس 2016) المرسوم رقم 2.15.770 المتعلق بتحديد شروط وكيفيات التشغيل بموجب عقود بالإدارات العمومية، وذلك في إطارتفعيلها لمقتضيات الفصل 06 مكرر المشار إليها أعلاه. ومن بين مبررات فرض هذه الحكومة هذا التوجه الجديد في التشغيل العمومي أن الآليات الحالية لمنظومة التوظيف (أي الخدمة الدائمة والاستقرار في العمل) لا تساعد دائما على سد حاجات الإدارة ذات الطابع المؤقت في بعض المجالات.  وهذه حجة متهافتة ومردودة، إذ ليس المشكل في نظام التوظيف العمومي، بل في التوجهات النيوليبرالية لنظام التشغيل العمومي برمته. فهذا النظام يسعى إلى التخلص من عشرات آلاف الوظائف بمنحها لشركات المناولة أو عبر عقود عمل محددة المدة منتهكة على نحو صارخ حق الأجراء في الاستقرار المادي والمهني والاجتماعي والنفسي.

وبعدما كان مرتقبا صدور هذا المرسوم لتحديد شروط وكيفيات “إبرام عقود محددة المدة، لا ينتج عنها في أي حال من الأحوال حق الترسيم في أطر الدولة” حسب الفصل 06 مكرر من النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية، عملت الحكومة على تضمين المرسوم المذكور، الصادر صيف العام الماضي، مقتضيات تتحدث عن “التعاقد مع الخبراء” بدعوى استقطاب الكفاءات العليا والخبرات التي تحتاجها الإدارات العمومية، والتي تهجر إدارات الدولة بسبب شح الأجور وضعف التحفيزات والتعويضات مقارنة مع ما يمنحه القطاع الخاص.

وبالتالي صرنا نتحدث عن نظامين للتعاقد، الأول يهم التعاقد النظامي الذي يقوم على تشغيل أعوان متعاقدين (حاصلين على شهادات البكالوريا او شهادة الدراسات الجامعية العامة او الإجازة او الماستر ويتوفرون على تجربة مهنية) لمدة محددة دون أن يؤدي ذلك، طبعا إلى ترسيمهم في أطر الدولة، للقيام بوظائف ذات طابع مؤقت أو عرضي، دون تحديد ما هي الوظائف التي يمكن اعتبارها ذات طابع مؤقت أو عرضي؟ هل النظافة مؤقتة وعرضية، وهل وظيفة أمن المؤسسات وموظفيها عرضية ومؤقتة؟ وهل القيام بأعمال إدارية من باب العمل المؤقت والعرضي؟ وهل السكرتارية وهل التدريس وهل التمريض هل كل هذه المهن عرضية ومؤقتة؟ حجج واهية ومبررات لا يقبلها العقل والخلاصة كلام في كلام، الغرض منه هو التنصل من التشغيل الدائم والمستمر لشباب هذا البلد والاستعاضة عنه بعقود عمل بئيسة ومجحفة وظالمة.

أما النوع الثاني فيهمّ التعاقد الوظيفي مع خبراء (شهادة ماستر وتجربة مهنية) وفق عقود لا تتعدى مدتها سنتين، قابلة للتجديد في حدود مدة إجمالية لا تتجاوز أربع (4) سنوات، ليتولوا الإشراف على المشاريع أو القيام بدراسات أو استشارات أو إنجاز مهام معينة، مع تحديد 4خبراء لكل قطاع وزاري كحد أقصى، على انه يمكن تجاوز هذا العدد بترخيص من طرف رئيس الحكومة.

وبعد سنة بالكمال والتمام على صدور مرسوم 09 أغسطس حول تحديد شروط التشغيل بموجب عقود، صدر يوم الاثنين 21 أغسطس 2017 قرار لرئيس الحكومة رقم 3.95.17 (04 أغسطس2017) بتحديد مقادير الأجور الجزافية الشهرية ومقادير التعويضات عن التنقل المخولة للخبراء والأعوان الذين يتم تشغيلهم بموجب عقود بالإدارات العمومية، وقد حدد القرار أجور “الخبراء” كما يلي:

  • بين 30 ألف درهم شهريا (ما بين 5 وأقل من 10 سنوات من التجربة المهنية)؛
  • 35 ألف درهم شهريا (ما بين 10 وأقل من 15 سنوات من التجربة المهنية)؛
  • 40 ألف درهم شهريا (ما بين 15 وأقل من 20 سنوات من التجربة المهنية)؛
  • 45 ألف درهم شهريا (ما بين 20 وأقل من 25 سنوات من التجربة المهنية)؛
  • 50 ألف درهم بالنسبة لمن يتوفر على 25 سنة من التجربة المهنية.

هذا فضلا عن تعويضات التنقل في الداخل (300 درهم عن اليوم الواحد) والخارج (1200 درهم عن اليوم الواحد).

طبعا هذا بالنسبة للخبراء الذين سيأتي بهم الوزراء لإنجاز “المهام المستحيلة” و”تحقيق المعجزات” في إدارات الدولة ودواليبها، أما الخبراء الحقيقيون فمصيرهم هو العزل من المهام والإقصاء لأن رصيدهم هو النزاهة والاستقامة والصدق في أداء المهام وفي التشبث بمقترحاتهم التقنية ضد مناورات المسؤولين وأساليبهم الملتوية في تمرير العديد من القرارات والمشاريع، أما أولئك المتطلعين في مغرب آخر، أعداء الاستبداد والفساد فإن خبرتهم لا تنفع في مثل هكذا تعويضات وأجور؟

كل هذه السخاء من أجل أن يقوم الخبراء بإنجاز مشاريع أو دراسات أو تقديم استشارات أو خبرات أو القيام بمهام محددة يتعذر القيام بها من قبل الإدارة بإمكاناتها الذاتية (المادة 2 من مرسوم 9 أغسطس 2016)، وكأن الإدارات العمومية لا تتوفر على الخبرات القادرة على النهوض بهذه المهام، وسينتظر كل قطاع قدوم 4 خبراء من الأحرار او الحركة الشعبية او غيرهما من الأحزاب الطيعة والمروضة ليقوم بمهامه؟ وهذا غير صحيح حيث نقرأ في النظام الأساسي الخاص بهيئة المتصرفين المشتركة بين الوزارات على أن مهام المتصرفات والمتصرفين تتمثل في تصور وتنفيذ وتقييم السياسات العمومية، وتنشيط وتأطير وتنسيق مصالح الإدارة المعنية وتطوير قدراتها التدبيرية، وكذا إعداد البرامج والمخططات التنموية القطاعية، ورغم ذلك فإن أجورهم تتراوح بين 4.755 درهم ولا تتجاوز 13.248 درهم ولو بعد 40 سنة من التجربة المهنية.

كما نقرأ في النظام الأساسي الخاص بهيئة المهندسين والمهندسين المعماريين المشتركة بين الوزارات أن من بين مهام هذه الفئة إعداد وإنجاز المشاريع التقنية والتنموية المعهود بها إليهم، والقيام بالأعمال الداخلة في اختصاصاتهم وتنظيمها ومراقبة وتتبع إنجازها وتقييمها، فضلا عن القيام بالبحث العلمي وتطويره، وعلى الرغم من أهمية العمل الذي يقوم به المهندس فأجرته تتراوح بين 8600 درهم و19.000 درهم.

إن هدف تقديم هذه الأمثلة هو كشف الخلفيات الحقيقية لهذا القرار الجديد للحكومة الذي يمنح السخاء باليمنى لأبناء المحظوظين ولمريدي الأحزاب المهيمنة على المشهد الرسمي، والهشاشة والتقشف باليسرى لأبناء الفئات الكادحة.

وإذا كان هذا هو حال أجور “خبراء الحكومة” كما تضمنها القرار الحكومي الأخير، فإن أجور الأعوان المتعاقدين الذي سيشتغلون لمدة أقصاها سنتين قابل للتجديد مرة واحدة (ربما تجدد أو لا) ويجدون أنفسهم مرة أخرى في مواجهة جحيم البطالة، فإن أجورهم وفق المادة الثالثة من نفس القرار فهي كالتالي:

  • بين 3350 درهم و3461 درهم بالنسبة لحاملي شهادة البكالوريامع اشتراط خبرة مهنية تتراوح بين أقل من 10 سنوات أو 10 سنوات فما فوق؛
  • بين 4004 و4510 درهم بالنسبة لحاملي شهادة (DEUG) أو ما يعادلها، مع اشتراط خبرة مهنية تتراوح بين أقل من 3 سنوات أو 10 سنوات فما فوق؛
  • بين 4932 و6230 درهم بالنسبة لحاملي شهادة الإجازة أو ما يعادلها، مع اشتراط خبرة مهنية تتراوح بين أقل من 3 سنوات أو 10 سنوات فما فوق؛
  • بين 7669 و11117 درهم بالنسبة لحاملي شهادة الماستر أو دبلوم مهندس، مع اشتراط خبرة مهنية تتراوح بين أقل من 3 سنوات أو 10 سنوات فما فوق.

لكن دعونا نمتحن ما إذا كان الهدف الحقيقي من وراء إصدار هذا القرار الجديد هو سعي الحكومة للبحث عن الخبرة والتجربة المهنية بتخصيصها كل هذه الملايين من كتلة الأجور لاستقطاب الخبراء، وهي التي ما فتئت تشتكي من ارتفاعها ومن كلفتها الباهظة على المالية العمومية؟

كما يعلم الجميع فقد سبق للدولة في عهد حكومة إدريس جطو أن اعتمدت نظاما للمغادرة الطوعــية، في الفترة مابين فاتح يناير إلى 30 يونيو 2005، خضوعا لأحد أهم توصيات البنك العالمي المتعلقة بخفض كتلة الأجور، التي ظل يعتبرها، ولا يزال، مرتفعة جدا مقابل الناتج الداخلي الخام. وتمثل هذه العملية أكبر حملة تسريح جماعي في تاريخ الوظيفة العمومية بالمغرب. حيث مست حوالي 39 ألف موظف من ضمنهم زهاء 27 ألف لديهم 25 إلى 35 سنة خبرة. وقد وصل مبلغ تعويضات العملية 11 مليار و160 مليون درهم. وأدت إلى تحقيق ربح إجمالي قدرته وزارة الاقتصاد والمالية في ذلك الوقت ب 15 مليار درهم، وتقلصت، على إثر ذلك، أعداد الموظفين المدنيين بنسبة 7,59%، وانخفضت كتلة الأجور بنسبة 8,5 %، إذ أصبحت في سنة 2006 لا تمثل سوى 12 % من الناتج الداخلي الخام، بعد أن كانت في حدود 13,6 % في سنة 2005.

هكذا يتضح أن نفس الدولة التي سرحت 27 ألف موظف يتوفرون على خبرة عقود من الزمن، هي الآن تبحث عن الخبرة والكفاءة؟

وبعد أن أفرغت الدولة المرافق العمومية من خبرات وكفاءات نادرة، ها هي ذي تلجأ إلى تقديم وصفتها الجديدة: المزيد من الهشاشة للشباب المعطل عن العمل على صعيد التشغيل والأجور، والملايين لأحباب الوزراء وكوادر أحزابهم ولأبناء الأعيان والعائلات المحظوظة المتحكمة في مصير هذا البلد.

إن هذا القرار وحده يكشف أن البلد تنخره تناقضات طبقية صارخة، فمن ناحية هناك العمال وباقي الفئات الشعبية التي تخاطبها الدولة بالقمع والصرامة والتقشف وتدعي شح الموارد وضعف الإمكانات المادية لتلبية مطالبها، وأبناء هذه الطبقة مصيرهم الضياع والتشرد والعمل الهش محدد المدة في معظم الأحيان. هذا إذ لم يكن مصيرهم السجن والاختطاف والتعذيب إن هم تجرؤوا على رفض الاستبداد وسياساته الظالمة مثلما هي حال لنشطاء الانتفاضة الريفية، ومن ناحية أخرى طبقة أرباب العمل وأبناؤهم المحظوظون الذين سيجدون في هذا القرار الحكومي ملاذا جديدا لمراكمة الملايين باسم الخبرة المفترى عليها وانعدام الكفاءة.

إن ما ينبغي أن يدركه مناضلات ومناضلو الطبقة العاملة (أنظر محمد بوطيب “قراءة في حصيلة تفكيك الوظيفة العمومية بالمغرب” المنشور بجريدة النهج الديمقراطي عدد 1-15 يوليوز 2017.) هو أن الهشاشة حرب سياسية واجتماعية ضد عالم الشغل، ليس لتحقيق مردودية اقتصادية فحسب بالنسبة للبرجوازية (مضاعفة أرباحها، والتنصل من تكاليف الضمان الاجتماعي والعمل القار والأجر الاجتماعي…) بل لتقويض المقاومة العمالية وإضعاف كل أشكال النضال النقابي والاجتماعي ضد الهجمات الرأسمالية.

إن هذه المخاطر الاستراتيجية الجدية المحدقة بالطبقة العاملة، تضع قوى اليسار المناضل والحركة النقابية والاجتماعية والشبابية أمام امتحان عسير، امتحان الوحدة والنضال الجماعي على أرضية برنامج مشترك ومطالب موحدة، واتخاذ ما يكفي من مبادرات نضالية وحدوية لتنظيم المقاومة العمالية وربطها بنضال الشباب لأجل الحق في الشغل القار والدائم.

الوحدة في النضال بين كل ضحايا السياسات النيوليبرالية على أرضية مطالب واضحة وملموسة هو الخيار الوحيد للتصدي للهجوم على عالم الشغل ولإسقاط قرارات ومراسيم البرجوازية الجائرة.

إن هذا القرار الأخير بقدر ما يفرض الهشاشة على المعطلين حاملي الشهادات ويعلن حربا اجتماعية وسياسية واضحة على عالم الشغل بالقطاع العام، فهو، بالمقابل، يوسع وعاء الريع المخصص لأحزاب الدولة…ولذا ينبغي مقاومته وإسقاطه.

العمل المؤقت ليس مهنة…تسقط الهشاشة وتسقط معها الامتيازات الممنوحة لخدام الاستبداد والبيروقراطية الإدارية.

بقلم م. ب

الأربعاء 23 غشت 2017

شارك المقالة

اقرأ أيضا