رسالة مفتوحة إلى حكومة الواجهة ردا على بلاغها حول المقاطعة

سياسة1 يونيو، 2018
  1. لم نتلق بلاغكم باستغراب من كان يعتقد أن الدولة جهاز يمثل الأمة، بل تلقيناه بيقين مقتنع بأن الحكومة ليست إلا لجنة تسيير أمور الرأسماليين اليومية.

قلتم في مستهل بلاغكم بأن الحكومة تابعت “باهتمام بالغ تطورات مقاطعة مادة الحليب”. لكن اهتمامكم البالغ هذا كان موجها لمصالح شركة سانطرال وفي نفس الوقت استبطانا لتهديداتها بالإضراب الاقتصادي الذي أعلنته جهارا في “إعلام عمومي” ممول من دافعي الضرائب.

سرد بلاغكم الإجراءات التي هددت الشركة باتخاذها (تخفيض كمية الحليب المجمع، تلويح بتقليص نسبة التشغيل)، هكذا تحولتم إلى بوق للشركة. وليس هذا غريبا فـ”الحكومة” في المجتمعات الرأسمالية ليست إلا فيلقا من بين فيالق متعددة في يد أرباب الشركات.

  1. تحججتم في بلاغكم بغيرتكم على مستقبل القطاع الفلاحي وعيش آلاف الفلاحين الصغار، وهذا ترداد لما جاء على لسان المدير العام للشركة.

مضت سنوات والفلاحون يتعرضون للابتزاز والاستغلال من طرف شركات الحليب الاحتكارية (وليست سانطرال إلا أكبرها)، ولم يسمع لكم بنت شفة أو تلميح حول وضع هؤلاء الفلاحين.

إنكم- على غرار الشركة التي تحكمون باسمها- تستخدمون الفلاحين الصغار دروعا بشرية أمام موجة المقاطعة العالية. الفلاح الصغير لا يصدق ادعاءاتكم، فقد فتحت حملة المقاطعة الحالية عينيه على عدوه الحقيقي. سيدرك الفلاح الصغير أن من يضر بمستواه المعيشي ومستقبله ليست حملة المقاطعة، وإنما شركة سانطرال ومثيلاتها.

نوجه إليكم سؤالا ندرك أنكم لا تملكون جوابه: لماذا لم نسمع لحدود الآن فلاحا صغيرا يشتكي من حملة المقاطعة؟ العكس هو الصحيح، فقد تخلص الفلاح الصغير (خاصة في المراكز الصغرى) من إذعان بيع حليبه إلى شركة وسيطة، ففتحت أمامه سوق واسعة مباشرة مع المستهلك، وأصبح يبيع حليبه بثمن أعلى، والمستهلك يقتني حليبا خالصا، نجحت العملية في المدن الصغرى، ويجب تنظيمها لتشمل المدن الكبرى. لكن، بدل تشجيع الأمر أطلق يد البلطجية على باعة الحليب الصغار وفي نفس الوقت سجلت حالات نزع سلعهم من طرف أجهزة الداخلية.

إنه تكتيك قديم تلجئون إليه، أمام صمود حملة المقاطعة. تكتيك “فرق تفز”، تريدون دق إسفين بين الفلاح الصغير والمستهلك/ المقاطع.

لماذا لا تترجمون غيرتكم على الفلاحين الصغار إلى مبادرات “حكومية” بدل الكلام المعسول؟ لماذا لا تدعمون الفلاح الصغير ماليا؟  لماذا لا تغطون هامش خسارته في انتظار إرغام الشركة على تخفيض الأثمان؟ لماذا لا تستعملون المالية العمومية (التي يذهب ثلثها سنويا لخدمة ديون لم يستفد منها الفلاح الصغير) لتمويل تعاونيات وأسواق شعبية لبيع منتوج الفلاح الصغير دون الاضطرار إلى الوقوع في شبكة الوسطاء مثل شركة سانطرال؟ لن ننتظر جوابكم. فنحن أدرى بشعاب سياساتكم التي تخدم رأس المال وليس العامل والفلاح الصغير والمستهلك.

  1. ورد في بلاغكم: “إن استمرار المقاطعة قد تكون له تأثيرات سلبية على الاستثمار الوطني والأجنبي وبالتالي على الاقتصاد الوطني”.

ونحن متفقون معكم شكلا ولكننا مناقضون لكم جوهرا. نعم المقاطعة- مثلها مثل الإضراب- يتضرر منها المستثمرون، لكن هذه هي غاية المقاطعة والإضراب. إذ كيف سنجبر رب العمل على الاستجابة للمطالب إن لم نمسكه من نقطة ضعفه الرئيسية: وقف تدفق الأرباح.

لأنكم لا تدركون الاستثمار الوطني إلا على شكل شركات كبرى (محلية أو أجنبية) يغيب عن بالكم الوجه الآخر لـ”لاقتصاد الوطني”.

هل يتضرر “الاقتصاد الوطني” حينما يقوم الفلاح ببيع حليبه مباشرة للمستهلك دون الحاجة إلى وسيط “الاستثمار الوطني والأجنبي”؟ الجواب هو النفي طبعا. ستؤدي سياسة عمومية لتنظيم القطاع، إلى التخلص من الوسيط، ويعني هذا التخلص من نفقات إضافية تقتطع من ربح الفلاح الصغير ومن دخل المستهلك، نفقات تذهب إلى جيب الوسيط. هكذا يستفيد “الاقتصاد الوطني”، حيث يرتفع الدخل الفعلي للفلاح الصغير، بينما ترتفع قدرة الأجور الاسمية الشرائية عند المستهلك. ألن يكفي هذا التحسن المستهلك والعامل والمنتج شر الالتجاء للقروض الصغرى؟ وهكذا سترتفع نسبة الادخار التي تعتبر شرطا رئيسيا لاستقرار السوق النقدية وإمكانية رفع نسبة الاستثمار.

هل تعتبرون هذا تضررا للاقتصاد الوطني؟ نعم، أكيد تعتبرونه كذلك. فالاقتصاد الوطني من منظور الأيدولوجية النيوليبرالية- التي تؤمنون بها إيمانكم بالقضاء والقدر- هو حق الشركات الكبرى (خاصة متعددة الجنسيات) في نزع ملكيات المالك الصغير واستغلال العامل وابتزاز المستهلك.

فلتتجرأ حكومتكم على إصدار بلاغ تهدد فيه شركة سانطرال بتأميمها، وسترون كيف سيرضخ هذا العملاق العالمي. لكننا لا ننتظر منكم هذا الأجراء. ماذا؟ تأميم؟ هل نحن في “دولة شيوعية”؟ لا، ليس بعد.

لا يمكن لحكومتكم أن تقوم بهذا الإجراء، فهي مؤمنة بشعار “خوصصة الأرباح وتشريك الخسارة”. قد تتدخلون لإنقاذ شركات أو أبناك على حافة الإفلاس، ومنحها بعد هيكلتها هدية للرأسمال الخاص، لكنكم لن تتدخلوا لإنقاذ آلاف الفلاحين والعمال.

لقد مللنا تكراركم أسطوانة تهديد النضال “للاقتصاد الوطني”. ليس هناك من أضر بـ”الاقتصاد الوطني” أكثر من سياسات اقتصادية تبارت كل حكومات الواجهة على تنفيذها بحماس. ألا تضر سياسة الخوصصة بالاقتصاد الوطني؟ ألا تستنزف المديونية الخارجية المالية العمومية؟ ألم يقم الاستثمار الأجنبي بترحيل الثروة القومية على شكل أرباح إلى حساباته في الخارج؟ ألا يضر الإعفاء الضريبي- بمبرر تشجيع الاستثمار- بالمالية العمومية وبالتالي بهذا “الاقتصاد الوطني” المفترى عليه”.

لقد مضى ذاك الزمن الذي كانت فيه هذه المبررات تؤثر على الاستعداد النضالي للجماهير. انتظروا القادم، فسيكون أكثر تجذرا.

  1. أنهيتم بلاغكم بالتأكيد على أن الحكومة حريصة (جميلة جدا كلمة “حريصة”) على القيام بمبادرات تهدف إلى:

– تحسين القدرة الشرائية للمواطنين.

– حزمها مراقبة السوق وجودة المنتوجات، والتصدي للمضاربين والمحتكرين.

لقد تأكدنا من “حرصكم” على تحسين قدرة المواطنين الشرائية، الدليل على ذلك هو عروضكم في “الحوار الاجتماعي”، ورفض مطالب النقابات حول رفع الأجور.

ولأننا مقتنعون بأن الإجراءات التي ستقومون بها ستؤدي إلى عكس ما صرحتم به، فإننا نقترح عليكم الإجراءات التالية:

– إرغام أرباب العمل على رفع الحد الدنى للأجور وتوحيده في القطاعين الفلاحي والصناعي.

– إلغاء التوظيف بالتعاقد في قطاع الوظيفة العمومية، كونه ضرب في صميم القدرة الشرائية لهذه الشريحة من الشغيلة.

– التراجع عن إصلاح نظام التقاعد، فمعاش التقاعد ليس إلا أجرا متأخرا يناله الأجير بعد عجزه عن العمل، والإصلاح الذي تدافعون عنه يقلص هذا المعاش وبالتالي يذهب في الاتجاه المعاكس لوعدكم المعسول.

– إلغاء تحرير صرف سعر الدرهم، الذي ينحو باتجاه رفع الأسعار برفع نسب التضخم والتي تقلص من القدرة الشرائية للأجور الاسمية.

هذه بعض من المقترحات. لكننا متأكدون أنكم ستتذرعون بعجزكم عن الاستجابة لها، بسبب… وهل ستعدمون مبررات لرفضكم.

إننا متأكدون أن استمرار حملة المقاطعة وتجذر النضال العمالي والشعبي، هو الكفيل بتحقيق هذه المطالب، لذلك لا تنتظروا من الشعب الكادح الاستجابة “لأمنية” “تقدير الموقف والعمل على تفادي المزيد من الضرر للفلاحين والقطاع الفلاحي، والاستثمار الوطني عموما”.

تذكرنا دعوتكم هذه بدعوة رئيسكم سعد العثماني سكان الريف بقبول الهدنة وإعطاء الفرصة للحكومة قصد تدارس الرد على مطالبه. وبعد تدارس حكومتكم لهذه المطالب جاءت الاستجابة على شكل: قمع واعتقال وتعذيب.

لا يلدغ الشعب المناضل من الجحر مرتين. نحن متأكدون من طبيعة “المبادرات” التي ستتخذونها لمواجهة المقاطعة، ونحن على يقين أنكم ستكونون “حريصين” على تنفيذها وبـ”حزم”.

ليستمر الشعب الكادح في مواجهة الشركات وحكومة واجهتها

النصر قاب قوسين أو أدنى… فلننظم صفوفنا ولنستعد لجولة أخرى من المواجهة.

بقلم، أزنزار

شارك المقالة

اقرأ أيضا