توحيد نضالات الشغيلة التعليمية رسميون ومفروض عليهم التعاقد: وسيلة فضلى لتعديل ميزان قوى مختل

 

كان من ثمار نضالات الشغيلة التعليمية للموسم الدراسي 2018/2019 تلبية جزء من مطالب بعض الفئات، خصوصا  التسوية الجزئية لملفي ضحايا النظامين والزنزانة 9، وعرضا لتسوية ملف الأساتذة حاملي الشهادات. تمثل هاته الفئات شريحة مهمة من الشغيلة، وظل دور بعضها في حفز وإدامة التحركات الميدانية أساسيا طيلة سنوات.

المكاسب ثمرة النضال وليست نتيجة لفضائل الحوار الاجتماعي

لكن السياق النضالي الذي أتت فيه الاستجابة الجزئية لمطالب تلك الفئات، امتاز اساسا بتحرك قسم كبير من شغيلة التعليم الجدد، الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد، الذين فرضوا عبر نضالاتهم تعديلا طفيفا في ميزان القوى، سمح أولا بتعضيد نضالات الفئات الاخرى، وثانيا بتحسين تموقعهم الوظيفي في السلك التعليمي في اتجاه القطع مع كل الممارسات الحاطة من قيمتهم والمستغلة لوضعهم الهش، كما فرضوا تحسينات شكلية على النظام الاساسي للاكاديميات، دون أن يتم تحقيق المطلب الأهم والجوهري المتمثل في إسقاط التعاقد.

لقد هدفت الدولة من استجابتها الجزئية لبعض الفئات إلى عزل معركة  النضال ضد التعاقد. فهذا الاخير بالنسبة لها هجوم رئيسي ينبغي أن يمرفي كل الاحوال، بما فيه تقديم تنازلات جزئية لباقي أقسام الشغيلة، خاصة إذا كانت الاستجابة لبعض مطالبها لا يشكل مشكلا أمام إمكانية تعطيل مرور الهجوم النوعي المسمى تعاقدا. كما هدفت بتلك الاستجابة الجزئية تفادي إيقاظ جسم الشغيلة بالكامل ضد الهجوم ومستتبعاته، ذلك الاستيقاظ الذي بدأت بوادره منذ إضراب 03 يناير 2019 الوحدوي.

تتم الآن ترقية أعداد مهمة من الشغيلة التعليمية تطبيقا لبروتوكول 25 أبريل 2019، تلك الأعداد التي هضمت حقوقها في ترقية مستحقة  لسنوات طوال، وتعمل الآلية النقابية المعروفة على جعل انظار الشغيلة التعليمية الرسميين مشدودة إلى هاته التسويات، وسط جو عام يقدمها على أنها منتوج للحوار الاجتماعي ودلالة على حذق المفاوضين من ممثلي الشغيلة في لجان الحوار تلك. يراد من تقديم هاته المكاسب بهذه الطريقة إطفاء دينامية النضال والتضامن، غير المتحكم فيهما من فوق، التي اطلت برأسها في الموسم الماضي بحفز من نضال المفروض عليهم التعاقد. إن المسؤول عن حالة الاطفاء هو قيادات النقابات التي لا تبرز ما تحقق كثمرة للنضال، بل كفضيلة من فضائل الحوار، لتستدل بها على صواب تبنيها استراتيجية الشراكة الاجتماعية مع دولة وارباب عمل لهم برنامج معادي كليا لمصالح الاجراء ومكاسبهم. والغرض من ذلك الآن تحييد جزء هام من الشغيلة ” المرسمة” عن كل نضال حاليا، لكي يتم الاستفراد بالأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد ودفع نضالاتهم نحو الهزيمة. وفسح المجال واسعا لقيام انتخابات مهنية في جو اجتماعي “عادي” يفضي لإدامة الوضع الاجتماعي الحالي، وضع الشراكة الاستراتيجية بين الدولة والقيادات النقابية في تمرير منظور الباطرونا للعلاقات الشغلية بالمغرب.

الهجوم حاد ومتعدد الجبهات سيفرغ كل مكسب من محتواه

تدرك الشغيلة بحس طبقي سليم، أن إجراءات الدولة لن تتوقف في الحدود الحالية، وتتعاطى مع كل مكسب بمنطق أنه سيحصن من تأثير القادم من تراجعات. لكن مشروع الدولة مدمر لعلة وجود الوظيفة العمومية ولقانون الشغل ذاته.

يفتح مشروع إصلاح الوظيفة العمومية هاته الاخيرة على التهشيش الكامل، حيث سيتم اعتماد وتعميم ما يسمى ” التوظيف الجهوي” ، أي تعميم ما يشبه التعاقد في التعليم على باقي القطاعات، ومن نتائجه الفورية العمل على دمج اجيال من الموظفين في إطار الوظيفة العمومية  بشكل ما في منظومة التوظيف الجهوي. بشكل سيسمح بإعادة نظر كلية في منظومة الترقي وضرب كل المكاسب السابقة تحت ذريعة ربط الترقية بالمردودية.

كما يفتح تعمد إيصال الصندوق المغربي للتقاعد لحالة الإفلاس، عبر وقف التوظيف العمومي ودمج “الموظفين الجهويين” (وعلى راسهم الاساتذة الذين فرض عليهم التعاقد) في الصندوق الجماعي لمنح رواتب التقاعد، الباب واسعا امام وقف خدمات CMR والمزيد من قضم المكاسب التي يوفرها. لن يبقى الإصلاح على الثلاثي المشؤوم ( زيادة المساهمات + زيادة سن المعاش + نقص قيمة المعاش) بل سيتعداه لتعديات جديدة ستسمى إصلاحا جديدا لصناديق التعاقد لإنقاذها من سكتة قلبية لم تأتها من السماء.

كل هذا فضلا عن توجه الحاكمين نحو تقييد حق الإضراب عبر تقنينه، وتشريع التدخل في شؤون العمال الداخلية، عبر قانون النقابات، لكي لا تسمح مستقبلا بقيام أي عمل نقابي بعيد عن تحكمها ورقابتها.

ستفرغ هاته التراجعات القادمة، إن سمحنا بمرورها، كل المكاسب الجزئية المحققة من كل مضمون. مما يفرض النظر إلى قادم النضالات بمنظور آخر : منظور وحدوي وكفاحي، أي منظور متعارض مع منطق الشراكة الاجتماعية السائد.

معركة إسقاط التعاقد والتوظيف الجهوي كانت وستبقى معركة كل الشغيلة

أعلنت التنسيقية الوطنية للأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد إضرابا ليومين، بما يشكل استئنافا لمعركة مديدة، لكن وسط سياق عرف بعض التغير. تقع على التنسيقية مسؤولية إبطال تكتيك الدولة، وإيقاظ باقي أقسام الشغيلة على ما ينتظرها من أهوال إن مر التعاقد، وانتشالها من الأوهام التي تبثها فيها عديد من الجهات المعادية للشغيلة.

إن بناء وحدة نضال الشغيلة التعليمية يمر عبر خلق نقاط ارتكاز ملموسة لتلك الوحدة. وتعتبر إجراءات الدولة المعلنة المستهدفة للاستقرار الوظيفي ومكاسب الترقية ومكاسب التقاعد والحريات النقابية نقاطا هامة للتلاقي النضالي بين التنسيقية وباقي شغيلة التعليم، بل وكل شغيلة الوظيفة العمومية.

بهذا المعنى فمعركة إسقاط التعاقد هي معركة كل الشغيلة.

يمثل التوجه لمختلف فئات الشغيلة برسائل وتوضيحات حول ارتباط مشاكلها ومستقبلها بمعركة إسقاط التعاقد أحد الآليات التي من خلالها يمكن بناء نقاط التلاقي. كما وجب العمل مع كل تمثيلية دالة لنضالات الشغيلة، سواء نقابات او تنسيقيات، وفق اشكال متعددة: بيانات مشتركة، أشكال ميدانية موحدة، ندوات وحملات تستهدف الشغيلة وعموم المواطنين، وموائد دراسية لاستشراف الآفاق والبناء عليها، وكل إلية ممكنة تخدم مهمة بناء وحدة نضال الشغيلة ضد الأخطار المحدقة، وتزيد من إمكانية تعديل ميزان القوى في اتجاه فرض التراجع عن التعاقد وباقي الإجراءات التدميرية للوظيفة العمومية.

بقلم، فاتح رضوان  

شارك المقالة

اقرأ أيضا