بالموازاة مع -كورونا-، حرب أرباب العمل ودولتهم تشتد ضد الطبقة العاملة

سياسة18 مارس، 2020

بقلم، وائل المراكشي

توجد الطبقة العاملة في وجه الكارثة: نظام صحي معتل ومدمَّر بعقود من سياسات التقشف، حرمته من أبسط مقومات الوقاية والاستشفاء، تغطية صحية ضعيفة، ملايين العمال- ات خارج أي نظام للحماية الاجتماعية، أجور هزيلة لا تستطيع مواكبة ندرة مواد الاستهلاك الأساسية وتضخم أسعارها.
وبالموازاة مع تصاعد احتمالات الإصابة وعدم المساواة أمام الموت مقارنة بالبرجوازيين- ات، تتعرض الطبقة العاملة لحرب اجتماعية طاحنة، إذ يستغل أرباب العمل ما يُطلقون عليه “التداعيات الاقتصادية” للتخلص من اليد العاملة وإعادة هيكلة علاقات الشغل القائمة لتعميم كل أشكال العمل الهش والمرن، وكل ذلك بمساعدة الدولة ومستفيدين من مدونة شغل مفصلة على مقاس مصالحهم.
ففي سياق خدمات الدولة للطبقة التي تمثل مصالحها (أرباب العمل)، صادقت لجنة اليقظة الاقتصادية في اجتماعها الأول يوم 16 مارس 2020 بالرباط على قرارين يهمان القطاع الخاص لمواجهة تداعيات فيروس كورونا المستجد “كوفيد-19”. يهم القرار الأول الذي اعتمدته اللجنة تعليق دفع الاشتراكات الاجتماعية لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي.
سيعصف هذا القرار بقدرة الطبقة العاملة على الصمود في وجه الوباء، فالاشتراكات الاجتماعية لدى الضمان الاجتماعي، تتضمن التغطية الصحية، ما يطرح سؤال استرداد نفقات العلاج التي يُلزَم المريض على دفعها من جيبه، وهو ما يفرض بالتالي إلغاء الدفع المسبق بموازاة مع تعليق دفع الاشتراكات لدى الصندوق.
تستغل الشركات مناخ الصدمة الذي سببه امتداد الوباء إلى المغرب، لتنفيذ ما كان مقررا سابقا وجرى كبحه بالنضال العمالي، بإطلاق هجوم متسلل على شعب مشوش أصلا بوقع الكارثة وفجائيتها.
يطبق أرباب العمل نصيحة قديمة لجوزيف ستغليتز، خبير اقتصادي سابق في البنك الدولي أثناء الأزمة التي عصفت باقتصاديات جنوب شرق آسيا، مفادها: “ينبغي اقتناص الفرص لإطلاق موجة الانتقال بمقاربة هجومية قبل أن يتسنى للشعب أن يتنظم حماية لمصالحه”. [“عقيدة الصدمة، صعود رأسمالية الكوارث”، نعومي كلاين].
فبمرر التخفيف من خسائرها بسبب فيروس “كورونا”، أقدمت شركة الخطوط الملكية المغربية (لارام) على اتخاذ إجراءات تقشفية على مستوى العاملين والمستخدمين لديها. تضمنت هذه الإجراءات، منح عطلة بدون راتب بين شهر وستة أشهر قابلة للتمديد. في حين سيتمتع مدراء الشركة ومسيروها الكبار بأجور سمينة إن لم يكن بتعويضات خيالية مقابل “الخدمات العظيمة التي يسدونها لبقاء الشركة على قيد الحياة طيلة الأزمة”.
تعتمد الشركة خطة إرساء أمر واقع بمبرر ظروف استثنائية (عطل إجبارية بدون أجور)، ستستعملها مستقبلا في حالات أخرى: استغلال فرصة أي في تراجع عائدات الشركة أو انخفاض رحلاتها.
كما تضمنت إجراءات “لارام” “دفع مبالغ الاقتطاعات المرتبطة بالمساهمة في صندوق الضمان الاجتماعي والتقاعد على شكل تسبيق في حالة موافقة الراغبين في ذلك”، وهي طريقة ماكرة لضرب مبدأ التضامن الذي يقوم عليه الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي (التقاعد بالتوزيع)، وتمهيد الأرضية لاستبداله بالمبدأ الفردي، حيث يتحمل كل عامل مسؤولية ضمان تقاعده المستقبلي (التقاعد بالرسملة)، وهي إحدى “الإصلاحات الهيكلية” التي تسعى الدولة لتمريرها في مجال التقاعد.
تريد لارام تمرير هذا الإجراء تحت غطاء “في حالة موافقة الراغبين في ذلك”، إن الاقتطاعات لا يستفيد منها العاملون الحاليون بل تصرف منها معاشات المتقاعدين الحاليين، وهذا هو مبدأ تضامن الأجيال الذي قامت عليه أنظمة التقاعد والذي تريد الدولة مراجعته وتعويضه بالمبدأ الفردي. ودفع تلك الاقتطاعات على شكل تسبيق ستحرم الصندوق من جزء من المبالغ المخصصة لدفع رواتب التقاعد.
وفي القطاع السياحي أبلغت عشرات الوحدات الفندقية “عمالها الموسميين بقرار الاستغناء عن خدماتهم بسبب إلغاء حجوزات عدد من السياح الأجانب، وبالتالي تراجع مداخيلها”. [هسبريس 12 مارس 2020].
ويسري الأمر على عشرات الآلاف من فرص الشغل التي سيجري تدميرها في قطاعات غير منظورة، ولا تبلغ عنها صحافة السوق أو إعلام الدولة: إنها حرب اجتماعية طاحنة تجري في العتمة، دون امتلاك الطبقة العاملة مقومات الصمود أمام هذه الهجمة.
التداعيات الاقتصادية لكورونا أكيدة، والتقارير الدولية تتحدث عن هبوط في الاقتصاد العالمي. لكن ليس على العمال تحمل كلفتها (تسريحات، وقف مؤقت، تقليص الأجور…)، على الدولة أن تضمن دخلا لضحايا الأزمة (سواء أكانوا مسرحين- ات أو منقوصة أجورهم- هن)، وعلى رأس الإجراءات: إحداث صندوق خاص للتعويض عن البطالة الاضطرارية يُموًّل بضريبة على الثروة والمداخيل المرتفعة، وليس عبر صدقات كما يجري حاليا. على أن يجري الاحتفاظ بهذا الصندوق وطريقة تمويله بشكل دائم، وليس اعتباره إجراءً استثنائيا مرتبطة بكورونا.
دولة أرباب العمل حريصة على أرباح الشركات، وليس على أرواح العمال- ات ومعيشهم- هن اليومي، ولن تفرض ضرائب تصاعدية على البرجوازية والشركات لضمان أجور لمن سيفقد عمله بفعل التداعيات الاقتصادية للوباء.
يسعى أرباب العمل ودولتهم لاستغلال حالة الفزع التي سببها امتداد كورونا إلى المغرب، لفرض هجماتهما على شكل إجراءات استثنائية، ستتخذ طابع الديمومة فيما بعد. وهذا ما يفرض علينا حالة استنفار قصوى ويقظة عالية لمنع تمرير إجراءات ستحول حياتنا إلى جحيم بعد زوال الوباء.
تقع المهمة على الطبقة العاملة ذاتها، لكي تنظم نفسها في الوحدات الإنتاجية والسياحية والخدماتية والتجارية، وتفرض رقابة على قرارات أصحاب الشركات، وترفض كل قرار تسريح دون أجور مؤداة.
الحركة النقابية معلولة بثقافة التعاون الطبقي التي رسختها قيادات موالية للنظام أو لأحزاب برجوازية، فبدل النضال من أجل تحميل أرباب العمل ودولتهم كلفة الأزمة، طالب بيان المركزيات النقابية المغربية الأكثر تمثيلية الحكومة باقتطاع ثلاثة أيام من الأجر الشهري الصافي لعموم الموظفين والأجراء بالمغرب. لهذا يقع على عاتق النوى المكافحة داخل النقابات حفز استعداد الشغيلة لمواجهة هذه التعديات وتلك القادمة.
علينا التعويل على كل أشكال التضامن الطبقي العمالي والشعبي الممكنة وفعل ذلك جماعيا، دون انتظار حسنات من يستغلنا. على منظمات نضالنا الطبقي تحمل مسؤوليتها، بعقد اجتماعات تراعي الظرف من أجل تسطير بدائل ومواجهة الاستهتار بحياة من تحملوا تضحيات الماضي والحاضر ويطلب- منهم دون أدنى توفير للشروط الضرورية- بَدْلَ التضحيات لتخطي هذه الأزمة.
محاور نضالنا في وجه الحرب الاجتماعية التي يشنها أرباب العمل ودولتهم على الطبقة العاملة:
• تقليص جذري لساعات العمل دون تخفيض الأجور، كي يتسنى للعمال- ات وقت الاهتمام بالصحة والسلامة الجسدية.
• وضع مصالح طبية خاصة رهن إشارة الوحدات الإنتاجية الكبرى، لمراقبة صحة العاملين والعاملات، ونفس الشيء لمرافق الخدمات العمومية حيث التركزات الكبيرة: المدارس، والجامعات…
• معاقبة أي رب عمل يقوم بتسريح عماله دون أجر، وضمان تلقي الشغيلة في جميع القطاعات حدا أدنى من الأجر يضمن لهم التزود بالمواد الأساسية.
• أداء كامل الاجر للأشخاص الذين يضطرون للتوقف عن العمل من أجل العناية بأبنائهم، بعد إغلاق المدارس، أو للعناية بالعجزة أو من في فترة نقاهة بعد المرض.
حياتنا أقدس من أرباح البرجوازية.

شارك المقالة

اقرأ أيضا