الأبعاد الأربعة للأزمة الرأسمالية الراهنة

بلا حدود28 أبريل، 2020

يقول الخبير الاقتصادي سيدريك دوران وعالم الاجتماع رازميغ كيوشيان في مقال افتتاحي بصحيفة لوموند إن نقص الاستثمار في المستشفيات، وهشاشة العولمة، ودعم البنوك بدلاً من الأجور، وحرب الأسعار على النفط؛ ساهمت مجتمعة في اندلاع الأزمة الحالية.
إن سلسلة الأحداث التي دخلها العالم في أعقاب الوباء بسبب فيروس كورونا نتيجة لتشابك أربعة أبعاد للأزمة: صحية، واقتصادية، وطاقية ومالية. وهي تسلط الضوء على حدود الأسواق. بعد مرور عقد من الزمن على الأزمة المالية، يفتح الاضطراب الحالي نافذة فرص. لجعل مجتمعاتنا أكثر مرونة ولإعادة فتح مسار مشترك للتطور، يجب على السياسيين أن يتخذوا الخيارات الاقتصادية ذات الأولوية وأن يخضعوا لها القطاع المالي.
الأزمة الأولى صحية
السبب الرئيسي وراء تلويث الوباء للمجال الاقتصادي هو أن النظم الصحية تُدفع إلى نقطة الانهيار. والمشكلة الصحية الأكثر إثارة للقلق ليست شدة فتك الوباء بقدر ما تتمثل في عجز النظم الصحية عن استيعاب التدفق الهائل للمرضى وتوفير الرعاية اللازمة لهم.
بطبيعة الحال، فإن هذا الضعف كبير لأن تدابير التقشف كانت مهمة: نقص الاستثمار في المستشفيات يعوض الآن نقدا على شكل تدابير احتواء لا تهدف إلى الحد من انتشار الفيروس، بل مجرد إبطاءه من أجل الحد من الخسائر في الأرواح. قوة المجتمعات ترجع في المقام الأول إلى متانة خدماتها الاجتماعية، وهو ما لا يمكن للأسواق قصيرة الأجل ضمانه.
(المبيان في الأصل الفرنسي، الرابط أسفله)
عدد وحدات العناية المركزة لكل 000 100 نسمة (المصدر: منظمة الصحة العالمية)
والثانية اقتصادية
بجانب العرض، تؤثر القرارات المتخذة لإبطاء انتشار الفيروس على الإنتاج والتجارة. انخفضت الصادرات الصينية بنسبة 17% في يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط، وبدأ يظهر نفاد في الإمدادات، خاصة بالنسبة للأجهزة الإلكترونية وصناعة الأدوية. ويتوقع المحللون أن تزداد الصعوبات حدة في الأسابيع المقبلة خاصة بأوروبا مع التأثير المترتب عن الإجراءات التي تم تبنيها في إيطاليا والآن بفرنسا. وهنا، تظهر تكلفة التقسيم المفرط لسلسلة القيمة ما يفتح الطريق لعودة توطين الأنشطة الصناعية.
بالإضافة إلى صعوبات العرض، هناك تعقيدات أيضا تهم الطلب: فقطاعات عديدة مثل السياحة لا تغلق أبوابها فحسب، بل إن الموظفين الذين يعانون من خسائر في أجورهم بسبب البطالة أو الذين يرون وظائفهم معرضة للخطر يشهدون انهيار إنفاقهم. بالإضافة إلى ذلك، وفي مواجهة هذا المناخ غير المستقر، تؤجل الشركات نفقاتها الاستثمارية، بينما تلك الأضعف بينها معرضة لخطر الانهيار بسبب صعوبات السيولة. التدهور، والدخول في مرحلة ركود تهم معظم الاقتصادات القوية يبقى أمرا واردا للغاية. وفي هذا السياق، يجب أن تستجيب السياسة المالية بسرعة كبيرة لحماية العاملين وتفادي تفكك النسيج الاقتصادي الإنتاجي.
والثالثة طاقية
إن سياق تراجع النمو العالمي هو ما أشعل فتيل حرب أسعار النفط بين روسيا والمملكة العربية السعودية أثناء اجتماع منظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبك الموسعة) في 6 آذار/مارس. ولكنه يكشف عن منطق ثالث للأزمة، وهو منطق مستقل إلى حد كبير.
في مواجهة الانخفاض المتسارع في حصة الهيدروكربونات من الطلب على الطاقة واحتمال حدوث تحول تدريجي نحو عالم أقل كثافة من الكربون، يجري حاليا سباق لتصفية احتياطيات النفط. مر عبر خوض معركة من أجل الحصول على حصص السوق، حيث يشترك الروس والسعوديون في مصلحة مشتركة: القضاء على منتجي النفط الصخري في الولايات المتحدة، الذين تجعلهم التكاليف المرتفعة والمستوى المرتفع من الديون معرضين للخطر إزاء انخفاض الأسعار.
على الرغم أن انخفاض الأسعار قد يؤدي إلى تحفيز الطلب على النفط في المدى القصير، فإن الأثر الطويل الأجل أكثر إيجابية بالنسبة للانتقال الإيكولوجي: من خلال انخفاض الاستثمار في قطاع الهيدروكربونات وقيمة الشركات في هذا القطاع، فإن الجزء القائم على الكربون من رأس المال سيضعف بشكل دائم.
والرابعة بالطبع مالية
على مدى عقد من الزمن، شهدنا ارتفاع المضاربة بدعم البنوك المركزية، دون نسيان حجم التدخل الهائل. على سبيل المثال، إن إطلاق عمليات إعادة شراء أسهم البنك المركزي الأوروبي في 1 نوفمبر 2019، قبل عودة الاضطرابات الكبيرة، كان يعني ضخ 20 مليار يورو كل شهر في الأسواق، أو أكثر وضوحا، ما يعادل 12.5 مليون راتب شهري بالحد الأدنى للأجر ودوام كامل. وهذا الكم الهائل من الإمكانيات في خدمة الاستقرار المالي غير معقول على الإطلاق. إن دعم القطاع المالي على الدوام لا يعزز سوى أوجه عدم المساواة ويعيق تغيير نمط التنمية الذي يشعر الجميع بالحاجة الملحة إليه.
في مواجهة الانهيار، يضغط المستثمرون والبنوك من أجل توفير تسهيلات جديدة. في حالة التوتر السياسي الواسع النطاق، لا يمكن تصور إعادة إنتاج نفس الخيارات التي اتخذت وقت الأزمة المالية الكبرى في عام 2008. وهذه المرة، أي شكل من أشكال الدعم العام للقطاع الخاص يجب أن يكون مقابله المصادرة: فقد حان الوقت لكي تُخضع الحكومة أداء النظام المالي لأهداف الاستدامة الإيكولوجية والاجتماعية. إن النواح كما تفعل الطبقات المهيمنة منذ الأزمة الأخيرة لصعود “الشعبوية” أمر عقيم. يجب أن يثبت للناس أن الديمقراطية تخدم مصالحهم أولا، قبل مصالح القطاع المالي. وهذا يعني تأميم البنوك لضمان استمرارية نظام الأداء.
وفي الوقت نفسه، يجب تنسيق إجراءات البنك المركزي تنسيقاً وثيقاً مع السياسة المالية للدولة، وهو ما يعني أمرين: من ناحية، دعم النفقات العمومية؛ ومن ناحية أخرى، وضع نظام الائتمان في خدمة الأولويات السياسية الشعبية في مجال الصحة والحماية الاجتماعية والتعليم وإعادة التوطين الصناعي والانتقال الإيكولوجي.
في الوقت الذي يعم فيه إخفاق تنسيق الأسواق، فإن إعادة السيطرة السياسية على الاتجاهات العريضة للتنمية الاقتصادية هو وحده القادر على أن يعيد لمجتمعاتنا الصمود والتضامن اللذان تفتقر إليهما اليوم بشدة.
سيدريك دوران رازميغ كيوشيان
المصدر: https://solidarites.ch/journal/365-2/les-quatre-logiques-de-la-crise-actuelle

شارك المقالة

اقرأ أيضا