العثماني: -لا أحد يملك تصورا- بلى؛ لأرباب العمل ودولتهم منظورهم، ولنا أيضا منظورنا

سياسة10 مايو، 2020

ازنزار

* أثار عدم إجابة سعد الدين العثماني على أسئلة المذيعة، وإعلانه: “لا أحد يملك تصورا”، موجة سخرية واسعة، تُظهر أهم نقاط “المعارضة الافتراضية” القائمة حاليا: سلبية وانتظار ما يتقدم به الأعلى (دولة، أحزاب، بيروقراطيات نقابية…). كما أظهرت نفاق قوى سياسية تدعي المعارضة، وتركز على تصيد أخطاء تعبيرية لرئيس حكومة الواجهة، رغم أنه لم يقل إلا ما تدبجه هذه الأحزاب في كل بلاغتها.
* لم يكذب العثماني، حين صرح بـ”انعدام تصور”. فالفوضى التي أحلتها العولمة الرأسمالية في الاقتصادي العالمي توالي الأزمات، جعلت من العبثي وضع خطة بعيدة أو متوسطة الأمد لمواجهة هذه التقلبات [خارج منظور إعادة بناء بمنظور معادِ للرأسمالية]. أصبحت خطة الرأسمال ومؤسساته هي: لا بديل إزاء العجز عن التحكم بالفوضى غير التكيف معها، وهذا ما عناه بالضبط العثماني حين قال: “هناك دراسات وهناك سيناريوهات نواكبها، وهذا يتحول كل يوم”.
* يعبر “انعدام التصور” عن حالة اللايقين الناتجة عن أزمة اقتصادية ومالية وبيئية مستديمة، مُحفَّزة بانتشار عالمي لوباء كوفيد- 19. وحتى تقارير مؤسسات الرأسمال العالمي (البنك العالمي وصندوق النقد الدولي…) تنشر توقعات سرعان ما يكذبها واقع الاقتصاد العالمي وتأثره بالأزمة التي فاقمها الوباء.
* لذلك كل ما يوجد، ليس في المغرب فقط بل في العالم بأسره، هو “دراسات، وتقارير، وسيناريوهات” يجري التحقق من لا واقعيتها في آخر المطاف. وهذا ليس نتاج الوباء، بل نتيجة تدمير القطاع العام وإطلاق يد القطاع الخاص والانتصار للأيديولوجية النيوليبرالية التي تحصر دور الدولة في ضمان مناخ الاستثمار والاستجابة لمتطلبات تطور القطاع الخاص. لذلك ليس عبثا أن قال العثماني في البرنامج: “كل قطاع بدأ يفكر مع مهنييه حول ما بعد الحجر الصحي، ودراسة سبل الإقلاع الاقتصادي في ذلك القطاع، وبعد ذلك ستجمع الحكومة تلك السناريوهات لصياغة تصور الإقلاع”.
* لم يصرح العثماني إلا بما دبجته “لجنة اليقظة الاقتصادية” في بلاغتها: “إن خطط الإنعاش القطاعية هذه، بمجرد بلورتها في صيغتها النهائية، فهي ستخضع لتقييم اللجنة في أفق توحيدها وضمان تناسقها في إطار خطة الإنعاش الشمولية والتي سيتم الإعلان عنها قبل نهاية حالة الطوارئ الصحية. [الاجتماع السادس للجنة اليقظة الاقتصادية : 29/04/2020]، وهي نفس اللجنة التي تُثَمِّنُ عمَلَها أغلبُ الأحزاب التي تهجمت على تصريح العثماني بافتقاده التصور.
* لكن افتقاد تصور، لا يعني أن البرجوازية ودولتها، تُبحر في عباب العولمة الرأسمالية وأزماتها وأوبئتها دون بوصلة. وهذه البوصلة هي الحرص على تحميل كلفة الأزمات (اقتصادية ومالية وبيئية) للمنتجين- ات (طبقة عاملة، وصغار الفلاحين- ات والحرفيين- ات). وهذا هو المنظور الذي لم يكشف عنه العثماني في البرنامج التلفزيوني بغاية التضليل، وتكريس فكرة أن لا بديل عن السياسات التي قَبِلَ تنفيذَها منذ تولى رئاسة حكومة الواجهة خلفا لبنكيران: ضمان استمرارية سياسة التقشف النيوليبرالية.
* يقوم منظور البرجوازية ودولتها للخروج من الأزمة على تحميل الشغيلةِ كُلفةَ الخروج من الأزمة: استئناف الإنتاج قبل الحصول على لقاح، الاستمرار في نفس السياسة الفلاحية المدمرة للبيئة والراهنة أمننا الغذائي بالخارج، الاقتراض، التقشف والتحكم في النفقات الاجتماعية، تشديد القبضة القمعية، المغامرة بإصابة ملايين التلاميذ- ات بالعدوى لتفادي التداعيات المالية لسنه بيضاء…
* منذ إعلان حالة الطوارئ الصحية، أعلن الحاكم الفعلي للبلاد إنشاء خلية أزمة بمثابة “حكومة تصريف أعمال فعلية” هي “لجنة اليقظة الاقتصادية”. وهي لجنة تنسيق عالي المستوى بين أرباب العمل ودولتهم كما يظهر من تركيبتها: “ثمانية أعضاء من الحكومة، وبنك المغرب، والمجموعة المهنية لأبناك المغرب، والاتحاد العام لمقاولات المغرب وفدرالية غرف التجارة والصناعة والخدمات وفدرالية غرف الصناعة التقليدية”. وهو ما أثار استياء البيروقراطيات النقابية، وتظلمها من عدم إشراك تمثيلية العمال وطالبت بذلك، بدل التوجه لحفز نضال الشغيلة بمنظور طبقي مستقل. ولكن البرجوازية ودولتها لا يريدان في اللجنة أي طرف قد ينقل إليها ضغوط القاعدة العمالية.
* مُعضلة المعارضة التي تركز على خرجات رئيس حكومة الواجهة، هي افتقادها بدورها لمنظور، إما لعجز (أغلبية الانتقادات الرائجة في الفايسبوك)، أو لاتفاق مع العثماني على منظور البرجوازية للخروج من الأزمة.
* لكن، هناك منظور طبقي آخر مناقض تماما لما تريد البرجوازية ودولتها فرضه. منظور يأخذ بالاعتبار مصالح الشغيلة وصغار المنتجين- ات بالقرى والمدن. لا نقترح هذا التصور، على الدولة على شكل مقترحات أو ملف مطلبي، بل على حركات النضال (نقابات، تنسيقيات، تنظيمات اليسار، جمعيات حقوقية ونسوية، حركات عاطلين- ات…)- للكفاح من أجله، تصور يرفض تحميل الشغيلة كلفة الخروج من الأزمة، ويسعى لتحميلها للمسبب فيها (البرجوازية محلية وعالمية):
+ إلغاء كل الاتفاقيات التي تجعل إنتاج الشغيلة وصغار المنتجين- ات يتسرب إلى الخارج: مديونية، نقل أرباح الاستثمارات الأجنبية، تعويم الدرهم.
+ تشريك القطاع البنكي ووضعه تحت رقابة عمالية وشعبية من أجل الإسهام في تنمية البلد وكسر تبعيته للسوق الرأسمالية العالمية.
+ تجريم تهريب الأموال واستعادة المهرب، ومنع تصدير الأرباح إلى الخارج، ووقف الخوصصة وتشريك القطاعات التي جرت خوصصتها ، وتأمين خدمة عمومية تضامنية ممولة بضرائب تصاعدية على الثروة والمداخيل.
+ وقف الإنتاج في القطاعات غير الضرورية، وتحويل الاستثمارات نحو الحاجات الحيوية للعيش: مواد غذائية، مواد طبية وشبه طبية، مواد نظافة، ملابس…
+ فرض رقابة عمالية على أرباب العمل: شروط العمل، استئناف الانتاج أو وقفه، التسريحات، الأجور… مع العمل على تطوير هذه الرقابة إلى سلطة عمالية مضادة داخل الوحدات الإنتاجية تمنع أرباب العمل من تحميل العمال كلفة الأزمة وتطوير المبادهة العمالية في اتجاه السيطرة على الإنتاج ككل.
+ احتکار التجارة الخارجية واستيراد المواد الضرورية فقط، والإشراف على التجارة الداخلية، لضمان تزود الجميع بالمواد الضرورية، خارج علاقات السوق (قانون العرض والطلب، القدرة على الأداء)، وتنظيم الأسواق في الأحياء لتفادي الازدحام المُفاقم للعدوى، والحرص على ضمان الوقاية.
+ تشريک وسائل النقل والتقليص الجذري لوسائل النقل الخاصة وتعويضها بالنقل العمومي (مع توفير شروط الوقاية)، وذلک من أجل تخفيض جذري لاستهلاک المحروقات وضمان بيئة حضرية سليمة.
+ تحويل قطاع العقار إلى قطاع عمومي، هدفه توفير السکن للشعب، وليس لمراکمة الأرباح.
+ إلغاء النفقات غير الضرورية (وقف تسديد الديون، صفقات التسلح..)، وتخفيض جذري لرواتب السمينة لکبار الموظفين ومدراء المؤسسات العمومية، وتوجيهها نحو القطاع الصحي والبحث العلمي.
+ إلغاء کل القوانين المکبلة للحريات (مدونة النشر والصحافة، قانون تأسيس الأحزاب والجمعيات) ومشاريع القوانين القمعية (مشروعي قانون الإضراب وتأسيس النقابات، مشروع قانون 22.20)، وإطلاق سراح کل معتقلي الرأي والنضال العمالي والشعبي..
* إنه بديل طبقي مناهض للرأسمالية ندافع عنه نحن الاشتراكيون- ات الثوريون- ات، ليس بمنظور قُطْرِي بل نضعه في إطار مغاربي بدايةً وأممي في آخر المطاف. منظور نتوجه به إلى الطبقة العاملة ومفقري- ات المدن والقرى، ونسعى لتطبيقه من خلال حفز النضال العمالي والشعبي:
+ حفز التنظيم الذاتي داخل المصانع (لجان عمالية) ولجان أحياء شعبية وتنظيمات عاطلين- ات ونساء… والحرص على تنسيق عملها محليا لينتج عنه تنظيم على المستوى الوطني يمركز تدخل الشغيلة وصغارا لمنتجين- ات يكون بمثابة سلطة مضادة لأرباب العمل ودولتهم.
+ إرساء حكومة عمالية وشعبية تستعيض عن جهاز القمع البرجوازي القائم (شرطة ودرك…) بجهاز شعبي تحت إشراف ورقابة مؤسسات منتخبة، تكون مهمتها استباب الأمن ومراقبة المرور وتنظيم الأسواق وضمان التزود بالمواد الأساسية.
* تستفيد البرجوازية من انحطاط الوعي العمالي وتشوهه بأيديولوجيات طبقات أخرى، كما أن تنظيمات الشغيلة كلها توجد تحت هيمنة قوى سياسية برجوازية (رجعية وتقدمية) أو أخرى متأثرة بهذه الأيديولوجية. لا مخرج من الأزمة الدائمة دون بناء المعبر السياسي المستقل للطبقة العاملة: حزب العمال الاشتراكي الثوري.

شارك المقالة

اقرأ أيضا