كوبا: بيان المكتب التنفيذي للأممية الرابعة إزاء التعبئات الشعبية في كوبا والتعديات الامبريالية

بلا حدود, بيانات23 يوليو، 2021

شهدنا، يوم 11 يوليو/تموز الأخير، تعبئاتٍ ناتجةً عن أوجه النقص التي تعاني منها كوبا مذ وضَعَها ترامب على قائمة البلدان الإرهابية، ما أوقف إرسالَ الأموال من الولايات المتحدة الأمريكية إلى الجزيرة؛ وهو الواقع المتفاقم من جراء الجائحة التي نالت بشدة بالغة من مداخيل السياحة. يجري هذا في جزيرة مرغمةٍ على استيراد قسم كبير مما تستهلكُ من مواد، بلا أي دعم دولي. (كما كان للمصاعب الجمة التي تواجهها فنزويلا أثرٌ سلبي على كوبا)، ما يعيد إلى الأذهان، من بعض النواحي، أسوأ لحظات “الحقبة الخاصة”. ويعرقلُ هذا الحصار أيضا إنتاجَ اللقاح ضد كوفيد-19 للكوبيين/ات، رغم مساعدة كوبا لبلدان أخرى في أثناء الجائحة.

وفضلا عن هذا، ثمة حالة العسر العميق في الجزيرة: التمايز الاجتماعي المتعاظم بقوة خلال السنوات الثلاثين الأخيرة، التي سعت الحكومة أثناءها إلى جذب الاستثمارات الأجنبية، وطورت قطاع السياحة، وسمحت بارتفاع ما للمبادرات الفردية المستعملة يدا عاملة مأجورة.  وفي وضع ندرة المواد، عمَّق تفاوتُ التوفر على الدولار الأمريكي التفاوتات، هذه التي ظلت مع ذلك أضعفَ من نظيرها في البلدان التي أعادت الرأسمالية، مثل الصين، وفيتنام والكتلة الشرقية السابقة. لم يتطور في كوبا قطاع رأسمالي محلي واسع مسموح له باستغلال العمل المأجور. وطبعا، يشهد القطاع الرأسمالي المحلي نموا مُطَّردا، لكن ليس بالقدر الذي في البلدان المنوه بها  آنفا. وقد أبانت تعديلات الدستور في العام 2019 بجلاء وجود عراقيل قانونية  بوجه تطور حر للقطاع الرأسمالي، لاسيما تحديد عدد الأجراء المسموح للقطاع الخاص المحلي بتشغيلهم.

وثمة، فضلا عن العواقب المقلقة لتنامي التفاوتات وانحصار تزايد الإنتاج الوطني لإرضاء حاجات السكان، تطور قطاعات دينية بروتستانتية ضاغطة على الحكومة للحد من الاعتراف التام بحقوق مجتمع الميم LGBTQI+.، مثلا.

وتجدر الإشارة كذلك إلى نشاط أجيال جديدة، بالغة الارتباط بالشبكات الاجتماعية، تطور ضمنها جيلٌ جديدٌ من الفنانين، لا تشعر بتاتا أنها معنية بإرث الثورة.  ويخبو في الآن ذاته قسم هام من الجيل الذي شارك مباشرة في السيرورة  الثورية في الربع الثالث من القرن الماضي.

انفجر هذا المزيجُ في سياقِ ضيقِ هامشِ المناورةِ لدى الحكومة لتخفيف الخصاص في الأمد القصير، كما تواجه مقاومات كثيرة للشروع في عملية إضفاء ديمقراطية على اتخاذ القرار، بنحو يجعلها جذابة للأجيال الجديدة (كانت العملية التأسيسية في 2018-2019 محاولة في هذا الاتجاه، لكن جلي أنها غير كافية).

وبتشجيعها لأساليب بيروقراطية، لا تقوم الحكومة بأي مجهود لإنماء مشاركة العمال والعاملات، لاسيما لتطوير الرقابة العمالية في المنشآت ورقابة المواطنين في المجتمع. هذا ما يفسر القمع وتعبئة قطاعات ظلت وفية للحكومة بغية  وقف الاحتجاجات ومحاولة  تحصيل بعض الدخل السياحي في فصل الصيف، ما من شأنه  أن يتيح هامش مناورة لمحاربة بعض مظاهر زوال التعاطف الشعبي. وإن خطاب الرئيس ميغل دياز كانيل، يوم الأحد 11 يوليو/ تموز، بعد موجة الاحتجاج  في زهاء 12 مدينة بالبلد، من شرقه إلى غربه، ليس جوابا ملائما على الوضع.  رغم اعتراف دياز كانيل  بصدق قلق متظاهرين كُثـر بفعل مصاعب الحياة، لم يقم بأي نقد ذاتي لتدبيره للوضع، واقتصر على تأكيد دسائس القطاع المضاد للثورة المؤيد بجلاء لتدخل الولايات المتحدة الأمريكية، وهو طبعا ما يستوجب الشجب.  وإن دعوة الحكومة الى تعبئة الثوريين في الشوارع ردا على الأخطار المضادة للثورة إنما من شأنه أن يسبب مواجهات وقمعأ مشتداً وممتداً.

لا يمكن عزل الاحتجاجات في كوبا عما يجري في بلدان أُخَر بأمريكا اللاتينية، حيث أدى غلاء معيشة فاقمته الجائحة والتدابير الليبرالية المفرطة، مع وجود دوافع متمايزة، إلى انفجارات اجتماعية مثل كولومبيا مؤخرا، أو الإكوادور والشيلي في 2019.  لا ريب أن الجائحة أججت كل التناقضات الاجتماعية على صعيد دولي وفي أمريكا اللاتينية بوجه خاص، مؤدية إلى إقصاء اجتماعي متنام وتزايد التفاوتات. و ليست كوبا  قادرة هي أيضا، رغم نموذجية خدماتها الصحية من أوجه عدة، على الإفلات من العواقب الاقتصادية والاجتماعية الأشد سلبية للازمة العالمية وللجائحة. غير أن المقاومة الاجتماعية بأمريكا اللاتينية، المتنامية هي أيضا، إذ تتصدى لخطط الامبريالية الاقتصادية والسياسية في المنطقة، تسير لصالح فك عزلة كوبا وصون استقلالها السياسي.

وللأسف، لا يقدم  قسم هام من اليسار على أي تحليل للوضع الكوبي نقدي، وكذا لنظامها السياسي المتأكِّل  وليأس الأجيال الفتية.  لا بل نشهد في العديد من البلدان تراصا غير نقدي للصفوف، حيث يجري اعتبار كل شيء مؤامرة امبريالية، وعدم الاعتراف بمشروعية التعبئة الشعبية وعزوها حصرا إلى “عملاء الامبريالية”. جلي أن الامبريالية تسعى إلى تأويل دلالة الاحتجاجات الاجتماعية لخدمة مصالحها في مختلف النزاعات الاجتماعية في عالم متزايد التشنج، وبالأحرى في بلد مثال عن مقاومة سيادية في المنطقة برمتها… وجلي أن تقوم بذلك أكثر فأكثر بواسطة حملات كثيفة في الشبكات الاجتماعية، تروم بها توجيه الاستياء الاجتماعي  من خارج، لدفعه صوب انهيار الحكومة الكوبية. لكن ادعاء أن كل شيء نتاج تدخل قوى عظمى موقف بعيد جدا عن الواقع المعقد والمتناقض.  وفضلا عن ذلك، يتجاهل هذا الجواب مشاركة قطاعات شعبية في النزاعات الاجتماعية، كأن كل شيء لعبة شطرنج لا يُدعى إليها الشعب قط ، بل يعتبر نوعا من القاصر العاجز عن وعي مصالحه والدفاع عنها.

ورغم تعقد الوضع وتناقضه، ندافع نحن في الأممية الرابعة، المساندين للثورة الكوبية منذ البداية، عن بعض الأفكار الأساسية:

° أولا، نشجب الحصار غير المشروع واللاّانساني الذي يتعرض له شعب كوبا، ونطالب بإنهائه فورا. وندعو إلى التعبئة التضامنية من أجل معالجة وضع خصاص المواد الأساسية الذي تعاني منه الجزيرة  ولمواجهة الحصار الأمريكي.

° نطالب إدارة بايدن بسحب كوبا من قائمتها  للبلدان التي تستضيف الإرهاب وتشجعه، الأمر الذي لا غنى عنه لأسباب جلية لتخفيف وضع البلد الاقتصادي. ونرفض تهديدات التدخل التي يريد بايدن بها تملق اليمين الكوبي المتطرف بالمنفى وأشد قطاعات الجمهوريين رجعية.

° نشجب الحملة الإعلامية الدولية التي تزعم زيفا  أن الشعب الكوبي برمته منتفض ضد الحكومة، و أن هذه ترد بعنف شديد، فيما  نرى نفس وسائل الإعلام تغض الطرف عن أشكال قمع الشعب الأشد عنفا في بلدان مثل فرنسا بوجه حركة السترات الصفر في 2018-2019، وفي الولايات المتحدة الأمريكية  بوجه مظاهرات حركة حياة السود مهمة في 2020، أو في كولومبيا في 2021، مثلا لا حصرا ضمن قائمة طويلة.

° نطالب الحكومة الكوبية باحترام حق الاحتجاج الديمقراطي، وتطور حركات اجتماعية مستقلة، والتعددية السياسية والنقاش الديمقراطي، بما هو وسيلة وحيدة كي لا تكف الثورة عن كونها مثالا بنظر شعوب أمريكا اللاتينية و العالم.

° المطالبة بالحقيقة حول ظروف الاعتقال والقمع بقصد إنهاء الاستعمال المتعسف للقوة ومحاكمة المسؤولين عن التجاوزات.

° نطالب بالحرية الفورية للأشخاص المعتقلين في مظاهرات 11 يوليو/تموز، بشرط ألا يكون قاموا بأعمال تهدد حياة الغير.

° ندافع  عن كوبا ذات سيادة ومستقلة، قائمة على مشاركة ديمقراطية-شعبية حقيقية للعمال والعاملات في تقرير مصير الجزيرة. من أجل كوبا  اشتراكية وديمقراطية.

21 يوليو/تموز 2021-07-23

المكتب التنفيذي للأممية الرابعة.

 

شارك المقالة

اقرأ أيضا