نجاحٌ باهرٌ لاحتجاجات الخميس 21 دجنبر 2023:  ماذا لو اتحدت قيادات حراك التعليم؟وماذا لو عم الحراك سائر القطاعات؟

بعزيمة لا تلين، وبالإصرار الذي عوَّدنا عليه حراك التعليم العظيم، منذُ انطلاقه بداية أكتوبر 2023، حجّ آلاف نساء التعليم ورجاله إلى أماكن الاحتجاج بالأقاليم والجهات، وفي الآن ذاته تم تنفيذ مسيرة وطنية حاشدة بالرباط، بنحو تحقق فيه تكامل غير مقصود، كان يتطلب اتفاقا عليه وليس نوعا من “التنافس”  كان وراء تنوع دعوات الاحتجاج . وإن حجم حشود شغيلة التعليم التي احتجت اليوم عبر ربوع المغرب، إنما يدل على استمرار الزخم القوي المميز للحراك، وهو زخمٌ لم يشهده قطاع التعليم في تاريخه ولا أي قطاع آخر.

وقد عبر مُعظم الذين أبدوا ارتساماتهم، وهم عينة متنوعة من حيث المشاركة والانتماء لهيئات الحراك وكذا الانتشار الجغرافي، بتفاجئهم بحجم الإستجابة الواسع لنداء الاحتجاج، محليا ووطنيا.

وعاد الجميع بمعنويات عالية، عززتها جرعة الحماس المتأتي من الفعل الجماعي في الشوارع، رغم كل صنوف الضغط والتهديد، وحملة التشويه والتشنيع الكثيفة التي نظمتها أبواق الدولة، المتساوقة مع مراوغاتها، و”حواراتها”مع قيادات نقابية أصبحت فعليا فاقدة لأية شرعية، والهادفة فقط لإنهاك الحراك ونسفه…

أخفقت الدولة بكل إمكانياتها في تفكيك الحراك المتوطِّد بالإرادة الجماعية لمئات آلاف المقهورين والمقهورات بسياسة تحطيم المدرسة العمومية والتنكيل بشغيلتها، والمدعم بتضامن وتعاطف أسر التلميذات والتلاميذ وشغيلة باقي القطاعات وكادحات البلاد وكادحيه. ولم تكسب شيئا من مناوراتها، ومن تقطير تنازلات لجهات “نقابية” لم تطلبها ولم تكافح من أجلها.

ولا شك أن الإحجام، لحد الآن، عن تفعيل عصا القمع الملوَّح بها، ما هو إلا ارتداع ناتج عن استشعار قوة الحراك، وقوة التعاطف والتضامن معه. فأجهزة الرصد التي تحصي أنفاس المواطنين والمواطنات وجدت جسم شغيلة التعليم واحدا موحدا، يتطايرمن عينيه الشَّرر، يغلي غضبا وإصرارا على رد العدوان وانتزاع الحق، وقد حظي بشعبية قل نظيرها، فخشيت أن يجلب تحريك العصا نتائج عكسية إن هي تجرأت على شغيلة التعليم.وهؤلاء من جانبهم يقدرون حق قدره التعاطف الشعبي، وما يحظون به من ثقة واعتبار بفعل دورهم في تربية الأجيال، ما يعزز معنوياتهم بوجه القمع وكبرياء رفض الخضوع للتهديد والإذلال.

 

العبرة :الوحدة منافعها لا تحصى وتردع حتى القمع: الاتحاد قوة.

لقد اعتادت آلة القمع أن تشتت المحتجين- ات حتى قبل وصولهم- هن الى أماكن الاحتجاج، وأحيانا تسد المنافذ إليه، وتمنع التنقل من المدن، وتصدر القرارات والإخبارات بأن المسيرات والوقفات ممنوعة، إلخ.

ما الذي شلها يا ترى؟ إنه الحراك الموحَّد، إنها الإرادة الجماعية حين تتجسد في فعل كفاحي منظَّم.

لقد أبانت جماهير شغيلة التعليم أمس الخميس، بعد أكثر من شهرين من النضال، أنها بحاجة إلى قيادة موحَّدة وموحِّدة، لتفادي التباينات التي لا داعي موضوعي لها؛ وطالبت بذلك مرارا بكل الوسائل المتاحة، و رُفعت في الاحتجاجات ومن الجموع العامة شعارات “التوحيد التوحيد، هذا صوت القواعد”…

تقتضي المسؤولية التاريخية أمام هذه الجماهير، وأمام الشعب الكادح المتطلع بحماس وتعاطف إلى نصر شغيلة التعليم، أن تجتمع القيادات الثلاث للحراك وتتفاهم على خطة واحدة تعرضها على النقاش في الجموع العامة كي يصل الحراك برَّ الأمان منتصراً…

وإن لم تفلح القيادات الثلاث في التفاهم فعليها أن تعرض ما يمنع الاتفاق حول خطة موحدة لتحسم فيه جماهير الشغيلة في الجموع العامة بأماكن العمل. وإنها مسؤولية إفشال هذا الحراك العظيم هي ما سيقع على كاهل  تلك القيادات في حال تصرفها بما يخالف هذا المبدأ الديمقراطي.  الديموقراطية الحقة والشفافية في نقاش مشكلات الحراك واتخاذ القرارات وتنفيذها وتقييمها مُرْتكَزان أساسيان لاتحادٍ متين يرد التعديات اليوم وغدا وينتزع الحقوق…

لقد دل شغيلة التعليم مجمل الطبقة العاملة المغربية على طريق الظفر الفعلي بالحقوق، مُسفِّهين أضاليل “الشراكة الاجتماعية” و “المقاربة التشاركية”، أي جعل النقابة أداة تمرير الهجمات بيد الدولة. ولا شك أن سائر شغيلة البلد يتطلعون إلى حراك التعليم وكلهم أمل في أن يحقق أهدافه، لأنه يمهد سبيل تصاعد مطالب قطاعات الشغل التي تقاسي بفعل أوضاع عمل وحياة أسوأ من تلك الخاصة بالتعليم. إن تضافر النضالات وحفز بعضها للبعض لتصب في بوتقة إضراب عام، عمالي وشعبي،  هو أمَسُّ ما تحتاج الحركة العمالية المغربية لتتمكن أخيرا من صد ناجع للهجوم البرجوازي التي دمر مقومات حياة سواد الشعب الأعظم. فلتتكتل كل الجهود صوب هذا الهدف، فقد فتح حراك التعليم صفحة جديدة في تاريخ النضال بالمغرب.

بقلم: م.أ.ج  

 

شارك المقالة

اقرأ أيضا