ورزازات: حرمان وقمع، ومعاناة عمقتها الفيضانات الأخيرة

سياسة14 فبراير، 2015

لا يقيم برجوازيو المغرب منازلهم -وقصورهم- عشوائيا قرب الانهار، حيث غضب الطبيعة لايرحم. لايقيمونها كذلك على قمم الجبال حتى لاتنقطع بهم السبل عندما تنغلق الطرق بسبب الثلوج والفيضانات …وحدهم الفقراء يفعلون ذلك، ليس عن جهل، بل بسبب ضيق ذات اليد. فعندما غرقت منازل هؤلاء في الأوحال وسقط منهم الضحايا، لم يمنع ذلك وزراء الحكومة من إظهار انتشائهم بأنغام الموسيقى الشعبية تحت عدسات الكاميرا بأكبر فنادق مدينة مراكش السياحية خلال احتضان هذه الأخيرة لما سمي ملتقى دوليا لحقوق الانسان تزامنا مع الموجة الثانية من غضب الطبيعة اواخرنونبر2014 في وقت لم تجف فيه بعد دماء ضحايا أزهقت أرواحهم قبيل الملتقى المذكو بأيام قلائل. يظهر هذا التصرف عدم اكتراث دولة البرجوازيين بمآسي كادحي الشعب، رغم أن المنكوبين يعدون بالآلاف وموزعون على أغلب أقاليم الجنوب والجنوب الشرقي من البلاد التي، بالمناسبة، كان المستعمر يلقبها «المغرب غير النافع»كما نعلم. هذه الأقاليم وغيرها، ظلت لعقود، منذ الاستقلال الشكلي- كما قبله- عرضة لإقصاء وتهميش ممنهجين،عكس ما تدعيه أبواق الدعاية الرسمية.

أية منجزات تنموية ؟

إن صرحا من الأكاذيب حول المنجزات التنموية انهار عندما أتت فيضانات الجنوب و الجنوب الشرقي للمغرب في موجتها الأولى أيام 21، 22 و23 ثم الثانية أيام 28 و29نونبر 2014 لتحاصر عشرات الآلاف من السكان وتعزل قرى بأكملها عن العالم دون مواد غذائية أساسية، وتحصد أرواح ضحايا كان من المفترض –حسب دعاية الدولة- أن تكون تلك المنجزات في خدمتهم.
فمع كل موسم أمطار ينكشف الفقر الهائل في الإمكانيات المتاحة وهشاشة المنجزات وزيف كل الشعارات الرسمية حول التنمية، ليتضح في الأخير، أن دولة الأغنياء لا تخصص للمناطق المهمشة سوى الرديء من البنيات التحتية من طرق وقناطر وغيرها، وأن القسط الأوفر من البنيات التحتية الجيدة من نصيب الرأسمال الكبير وأصحاب المشاريع الضخمة.

إن الدولة تقترض أموالا ضخمة من المؤسسات المالية الدولية بمبرر الإسهام في خلق بنيات تحتية حديثة تواكب العصر وتساهم في الازدهار كما يدعون، قروض يتم استردادها من جيوب الملايين من البسطاء، لكن دون أن يلمس هؤلاء تغييرا يذكر في حياة البؤس والحرمان التي يعيشونها كل يوم، حرمان يكاد أن يكون السمة الأساسية لجنوبنا الشرقي.

ورزازات اقليم منكوب

بهذا الاقليم، حيث حوصر آلاف القرويين داخل قراهم، سواء بالسفوح الجبلية للأطلس الكبيرأو المناطق القريبة منها أي الواقعة في مهب ريحها :(جماعات: تلوات، تيديلي، امينولاون، تندوت، إزناكن، وسلسات، سكورة، ادلسان، اغرم نوكدال، أيت زينب…) عاش السكان مآسي حقيقية بعد أن هاجمتهم المياه الغزيرة ودمرت أكثر من 1000 من منازلهم الطينية(اقليميا)، ما تسبب في وفاة 03 نساء (بكل من جماعات: تلوات،امينولاون وإدلسان)، واضطراربعض الأسر إلى تقاسم ما توفر من دقيق فيما بينها تفاديا للجوع، واضطرار أخرى إلى السكن بالمساجد بعد انهيارالمنازل،أوالبقاء في العراء (أو حتى الغطاء الزائف)وهو وضع لايزال مستمرا الى اليوم بالنسبة لعدد من العائلات في مناطق إشباكن وامينولاون وتديلي وتلوات وغيرها من القرى المعزولة بجبال الأطلس الكبير(لاحنين لارحيم)، رغم حلول فصل الشتاء وانخفاض درجات الحرارة الى حدودها الدنيا بهذه المناطق الجبلية، نساء حوامل تزامن موعد وضعهن مع النكبة وانقطاع الطرق (يتحدثون عن تدخل طائرات الهيليكوبترلكنه تدخل نادرجدا ومرفوق غالبا بالتصوير قصد إحداث بهرجة إعلامية لاغير) ، وأطفال لم يتمكنوا من الالتحاق بمدارسهم، هذا علاوة على انجراف مآت الهكتارات من الأراضي الفلاحية بأشجارها ومحاصيلها(أكثر من 6000 شجرة من مختلف الأنواع بقرية سكورة التي توجد في منحدر قرب سفوح جبال الأطلس الكبيرحيث المياه الجارفة الآتية من الجبال وتدميرعشرات السواقي والخطارات ومجموعة من الطرق والمسالك والقناطر) وسقوط أعمدة الكهرباء(1050منزل دون كهرباء اقليميا) وتدمير شبكة توزيع المياه….واستمرار عزلة كثيرمن الدواويرعن العالم دون أغذية وحاجيات أساسية كغاز البوطان.. وخسائر بملايير السنتيمات…

أجهزة الدولة : حضرت لقمع المنكوبين لا لمساعدتهم

ظلت أجهزة الدولة غائبة عن هذه الكارثة في البداية، لكنها حضرت بكل قوتها (قواد المخزن وقواتهم المساعدة ودرك الملك) لتقمع مسيرة احتجاجية بطولية لسكان قرية تيديلي الجبلية التي شاركت بها النساء والأطفال والشيوخ ليتم ايقافها بالترهيب والتخويف والوعود الكاذبة عند مشارف الطريق الرئيسية الرابطة بين ورزازات ومراكش قرب أكويم، بعد أن قطعت مسافة 30 كلم (وسط الأوحال وويلات البرد والجوع والفقر، ثم إرغامها على العودة من حيث أتت في نفس الظروف البالغة السوء والحاطة من كرامة الانسان)، و حضرت السلطة كذلك لترهيب سكان جماعة امينولاون الجبلية ومنعهم بالتخويف والوعود الكاذبة من القيام بمسيرة احتجاجية الى عمالة ورزازات حيث تم استقدام العشرات من سيارات قوات القمع التي بقيت متخفية عن الأنظار بمركز سكورة ، كما حضرت السلطة لترهيب سكان دواوير بجماعة غسات ومنعهم من تنظيم مسيرة احتجاجية الى العمالة مقابل الوعود الكاذبة، وحضرت السلطة كذلك لمنع سكان جماعة تلوات الجبلية (دواوير أونيلا…)عن طريق التخويف والوعود الكاذبة من القيام بدورهم بمسيرة مماثلة. أما ما وزعه مسؤولو عمالة ورزازات من مساعدات على الضحايا، فلايغني ولايسمن من جوع، ناهيك عن كونها مساعدات لاتخلو من هزل: توزيع فرشاة الأسنان على من فقدوا منازلهم الطينية ببعض القرى الجبلية..الخ.

شوارع وقناطر جديدة على المحك

بهذا الاقليم، لا يقتصر الأمر على العالم القروي، ففي قلب مدينة ورزازات، حيث الشوارع ذات التبليط والتزفيت «العصريين» التي ما فتئ أعضاء المجلس البلدي يتفاخرون بها كل حين، انكشف بنيانها المغشوش عندما انهار تزفيتها (قبالة مقهى أفولكي) خلال الفيضانات الأخيرة واتضح أنها لم تبن سوى على أتربة هشة سرعان ما انهارت لتحدث حفرا عميقة (حدث نفس الشيء سابقا قبالة مسجد حي القدس)، شوارع أصبحت محفوفة بالمخاطر، رغم أن الملايير من أموال الشعب صرفت لبنائها، ناهيك عن «فيضان» قنوات الصرف الصحي داخل المنازل(حي وادي الذهب)؟؟ أما بجماعة ترميكت التي يسيرها حزب»العدالة والتنمية» قرب ورزازات، فلا وجود لبنية تحتية، فجداول المياه العادمة وسط الأزقة وبمحاذاة منازل الفقراء، تزكم الأنوف، حيث لاقنوات للصرف الصحي.

كشف فيضان الوادي بدوره فضيحة القنطرة الجديدة التي كلفت 37مليون درهم؟؟ المقامة على الطريق الرابطة بين مركز المدينة وجماعة ترميكت – طريق زاكورة. فقد مرت المياه لا من تحت القنطرة الجديدة فحسب، بل من جوانبها كذلك وتركتها وسط الوادي (شبه جزيرة). فما معنى قنطرة قصيرة مقابل وادي ضخم؟ سؤال يجب أن يجيب عنه المتورطون المباشرون في هذه المسخرة.
إنها المهزلة، فمياه الفيضانات جرفت كذلك جزءا من قنطرة أخرى جديدة بدورها قرب تاليوين- طريق ورزازات أكادير- كلف انجازها 18 مليون درهم؟؟ هذا علاوة على انهيار القنطرة المقامة على الطريق الرئيسية بين ورزازات ومراكش، التي ظلت مقطوعة طيلة أسابيع.
.ياللعار: شوارع وقناطر جديدة كل الجدة تسقط في أول امتحان، وانجازها كلف الملايير .. بئس المآل، بئس التسيير المبني على النهب والفساد، فلا داعي لمطابقة بناء المنشآت لدفاتر التحملات مادام تسليمها للوزارة المعنية يتم دون مشاكل، أي دون حسيب أو رقيب نزيه وحقيقي.

من يتحمل المسؤولية؟

إن المتورطين المحليين في نهب المال العام وفي البناء المغشوش والبنيات التحتية المغشوشة كالقناطر والطرق ومجاري الوادي الحار… التي كشفت الفيضانات حقيقتها ليسوا وحدهم من يجب أن يمثل أمام محكمة الشعب. إن دولة الأغنياء بأكملها تتحمل مسؤولية الأرواح التي أزهقت، فالكثير من الضحايا الذين جرفتهم المياه ماتوا بسبب غياب القناطرعلى الوديان كي يتمكن المواطنون من العبور بسلام، وليس بسبب غضب الطبيعة أو بسبب قدرلامرد له كما يدعي البعض، و سكان المناطق الجبلية الذين ظلوا محاصرين لأسابيع بدون مواد غذائية وانهارت منازلهم الطينية وبقوا في العراء تحت لسعات البرد القارس، تعرضوا لكل هذه المعاناة بسبب غياب الطرق المعبدة، أي في المحصلة، بسبب السياسات الطبقية للدولة من اقصاء وإهمال ظلت القرى المهمشة عرضة له طيلة عقود من الزمن ولاتزال، ناهيك عن بطالة الشباب وحرمانهم من المنح الجامعية ومعاناة المراة والطفل أمام تردي خدمات الصحة والتعليم…وأمام الطرد شبه الجماعي لاكثر من 330 عاملا وعاملة من عملهم بهذا الاقليم، خاصة عمال الفنادق، وقمع حركتهم النقابية ومتابعة مناضلي نقابتهم- كدش- أمام المحاكم وسجنهم عدة مرات، وعسكرة المدينة ومنع كل احتجاج سلمي يلجأ اليه المضطهدون للدفاع عن لقمة عيشهم…

بخلاصة
أمام هذه المآسي، ليس لمواطني اقليم ورزازات من خيارلصون حقوقهم وكرامتهم، سوى النهوض للاحتجاج على واقع البؤس الحرمان والعزلة، وخوض نضال حقيقي كفيل بفرض مطالب الساكنة وعلى رأسها إقامة بنيات تحتية غير مغشوشة في مجالات التعليم والصحة وغيرها وتشغيل المعطلين وتوفير مايلزم من الخدمات العمومية الضرورية، بما يحفظ للمواطن كامل كرامته، ويحميه من التقلبات المناخية وغضب الطبيعة.

شارك المقالة

اقرأ أيضا