مسيرات دعم الاستبداد مقابل مسيرات مناهضته

سياسة12 مارس، 2016

بقلم، طه محمد فاضل

تتعامل الأقلية البورجوازية المتحكمة فعليا في كل شيء بالمغرب تجاه الأغلبية الساحقة من المغاربة على أنهم عبيد. إنها تطبق عليهم/هن سياساتها الاستغلالية بواسطة حكومات واجهة من أحزاب برجوازية، بإيديولوجيات مختلفة، ليبرالية ودينية، في خدمة الاستبداد والتعاون معه أصلا.

حلال عليهم …
تستغل هذه الأقلية الحاكمة دوما الكادحين/آت المغاربة وذويهم في معاركها. واستعملتهم/هن في ما لا يعد ولا يحصى من احتجاجات ومسيرات ووقفات أمام السفارات الأجنبية، لاستنكار قرارات ومواقف منظمات عالمية تتعارض مع سياساتها ومصالحها، فتجيشهم للدفاع عن سياسة الرسمية الحكام الفعليين للبلد، لتسويق خارجي ل»علاقة ولاء» عجيبة بين ضحية وجلاديها.
لهذا الغرض، تتصل سلطة المستبدين بالناس وتفتح المكاتب بالإدارات وتسجل الجميع بمن فيهم/هن الأطفال والمسنون، وحتى ذوو الحاجات الخاصة، وتحشرهم/هن في حافلات مع بعض الأكل والشرب والإقامة والنقود… كل ذلك من أموال الشعب الغارق في الفقر والجوع والقهر.
هذه الحفنة ودولتها الرأسمالية التابعة ونظامها السياسي المسيطر، والعدد الكبير من الأحزاب البورجوازية المؤيدة له، تنقل كل مرة الكادحين وذويهم من مناطق نائية بمسالك وممرات وعرة بين الجبال ومن الصحاري، إلى العاصمة الرباط ومدينة الدار البيضاء لإشراكهم في مسيراتها، تزودهم/هن في حالة استنفار بالرايات وصور الملك من كل الأحجام، بحماية كل السلطات الإدارية وغيرها، وبدعم متعدد الأشكال من قبل الشركات الرأسمالية الكبرى بالبلد. وتحظى هذه الأشكال الاحتجاجية الرسمية بتغطية مباشرة للإعلام الرسمي، المدفوعة فاتورته الباهظة من جيوب أغلبية الشعب الفقير، مع ارتسامات المشاركين/آت.
نجد في التاريخ القريب أمثلة كثيرة على هذه المحطات. منها بلاغ الخميس 26 نونبر 2010 السياسي المشترك عقب اجتماع بالرباط للأحزاب البرلمانية، دعا الشعب المغربي إلى المشاركة في مسيرة رسمية تنظم يوم 28 نونبر 2010 بالدار البيضاء، احتجاجا على مواقف الحزب الشعبي الاسباني من قضية الصحراء، حشدت لها دولة الرأسماليين الآلاف من كادحي المغرب.
هؤلاء المفقرين والعمال الذين تستعملهم الأقلية الحاكمة في مسيراتها، هم أنفسهم الذين تطحنهم هي نفسها يوميا وتلقي بهم إلى فظائع الفقر والحرمان ومتاهات المحاكم والسجون وجحيم البطالة والمخدرات والدعارة وقوارب الموت، وتتسبب لهم/هن في التشرد وانفصال أبنائهم وبناتهم عن الدراسة… وغيرها من المصائب. كل ذلك بتواطؤ سافر من الأحزاب البورجوازية والبيروقراطيات النقابية المتحالفة مع الرأسماليين، وأرباب العمل.
تنظم دولة البرجوازيين ما تشاء من المسيرات الضخمة، وفي المقابل تحاصر أبناء وبنات الشعب الكادح وكل المساندين لهم/هن وتمنعهم/هن من التنقل إلى الرباط وغيرها من المدن من أجل المشاركة في مسيرات شعبية وجماهيرية مشروعة هدفها الاحتجاج على الظلم، وتعتدي عليهم/هن أجهزتها القمعية. ولا تنبس جمهرة الإعلاميين المساندين لحشد الدولة الواسع للفقراء خلال مسيراتها الرسمية، بكلمة حينما يتعلق الأمر بمسيرات الاحتجاج على الظلم وقمع المظلومين والتنكيل بهم.
إثر مسيرة النظام وخدامه الأوفياء مساء الأحد 28 نونبر 2010 مباشرة، قال الكاتب العام للاتحاد المغربي للشغل ميلودي موخاريق: (..المسيرة شكلت فرصة لخروج الطبقة العاملة لمشاركة المغاربة استنكارهم/هن لموقف الحزب الشعبي الاسباني، وهي تعبير من المغاربة عن حسهم/هن الوطني) وقال إدريس لشكر عضو المكتب السياسي لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية والمنسق الوطني لهذه المسيرة(.. إنها مسيرة شارك فيها أطفال وشيوخ حضروا منذ يوم السبت 27 نونبر من مختلف مناطق المغرب…) وقال عنها الأمين العام لحزب العدالة والتنمية اليميني الرجعي عبد الإله بن كيران(..إن المسيرة انتفاضة ضد الظلم، وأن كل ما يمارس ضد المغرب يعتبر غير إنساني) كثيرون من أمثال هؤلاء تكلموا حول هذه المسيرة ولا يتسع المجال هنا لنقل أقوالهم كاملة.
صدر كذلك بيان مشترك بين نقابات الاتحاد المغربي للشغل، والكنفدرالية الديمقراطية للشغل، والفدرالية الديمقراطية للشغل، والاتحاد العام للشغالين بالمغرب والاتحاد الوطني للشغل يوم 27 نونبر 2010 بعد اجتماع بمقر الكدش بالبيضاء، عبرت من خلاله هذه البيروقراطيات الخائنة عن تأجيل إضراب الاثنين 29 نونبر 2010 في كل المعامل والمصانع الإنتاجية والخدماتية التي يملكها الرأسماليون الاسبان بالمغرب، وقد دعت الشغيلة المغربية للانخراط الواسع في مسيرة 28 نونبر 2010 بالبيضاء. إنه التفاني في خدمة الاستبداد والذود عنه.
حرام على أبناء وبنات الشعب…
أما اليوم، فقد أجمع كل الأعداء الطبقيين على معاداة الأساتذة/آت المتدربين، فوزارة الداخلية تضرب حصارا خانقا على نضالاتهم وحركتهم الاحتجاجية، مصادرة حقهم في الاحتجاج.. ويمارس الإعلام العمومي والخاص التعتيم وينشر الشائعات حول معاركهم ومطالبهم وأحلامهم..
تناضل التنسيقية الوطنية للأساتذة المتدربين من اجل إسقاط مرسومين حكوميين، وسبق أن دعت إلى تنظيم مسيرة وطنية بالرباط يوم 24/01/2016 لإيصال صوت الضحايا، فأغلقت الحفنة الرأسمالية الحاكمة الطرقات أمام المشاركين/آت في المسيرة، ومنعتهم/هن من حرية التنقل إلى الرباط.
ما تخشاه الطبقة الرأسمالية اليوم سيتحقق فعلا غدا، لن تستطيع برغم كل جهدها قهر إرادة المغاربة احتلال الشوارع للنضال من اجل مطالبهم/هن المشروعة وضمنها تكوين الأساتذة/آت وتوظيفهم/هن واستعادة منحة التكوين كاملة، بل وزيادتها.
نضالات الأساتذة والأستاذات وكل الأشكال التعبيرية والاحتجاجية التي يخوضونها اليوم أمام الجميع، مرتبطة بقضايا الشعب المغربي أوثق ارتباط، ومنها قضية التعليم الذي يجب أن يكون مجانيا وجيدا وعموميا بالفعل، وإبقاء الوظيفة العمومية قائمة، والتشغيل والأجرة وفق السلم المتحرك للأجور والأسعار، والتقاعد المريح بدل الإنهاك المفرط لسن جد متأخر، ومعاشات ضامنة للحياة الكريمة والمحترمة.
إنها نضالات تدافع بقوة وببعد كفاحي وبمشاركة الجنسين معا عن مكتسبات طبقتنا العاملة المغربية المنتجة الحقيقية للثروات، مكتسبات انتزعت من الأقلية البورجوازية النهابة بكفاح مستميت طيلة عقود، والمهددة اليوم بضراوة السلطة الفعلية المستبدة، وحكومة الإسلام السياسي اليمينية الرجعية. حقوق انتزعها العمال والعاملات منذ نشأة البروليتاريا المغربية، تدوس عليها اليوم البورجوازية ودولتها الرأسمالية التابعة بمساندة من البيروقراطيات النقابية محليا وجهويا ووطنيا.
الشباب المتعلم يفتتح نضالات جديدة
لقد فشلت دولة النهابين في فصل نضال الأساتذة/آت المتدربين/آت عن الجماهير الشعبية. والآمال تتسع بكفاح هؤلاء الشباب والشابات اليوم وكفاح تلاميذ وتلميذات الثانويات سابقا، وكفاح طلاب وطالبات الطب بالأمس. ولن تستطيع قلة قليلة منع نضال الأغلبية واحتجاجها إلى الأبد، بخاصة مع توفر تكنولوجيا متطورة والإعلام الرقمي وشبكات التواصل الاجتماعي. علينا تعزيز انتصاراتنا الجزئية على الأعداء الطبقيين لتصبح كبيرة وتصون ما تبقى من المكتسبات وتوسعها. لذلك علينا استرجاع منظمات النضال من يد البيروقراطيات النقابية، وبناء منظمات كفاح ديمقراطية وقوية، وهي مهمة مطروحة على عاتق كل المنتسبين لقضية الطبقة العاملة وحلفائها الفعليين. إن طريق الكفاح واضح لا يخرج عنه إلا من أراد الانضمام إلى معسكر أعداء الكادحين.

شارك المقالة

اقرأ أيضا