تألق المغاربة في كأس العالم بقطر: من أجل أن يكون الابتهاج الشعبي تعزيزا للثقة في المقدرات الذاتية على هزم الاستبداد والقهر الطبقي

الافتتاحية12 ديسمبر، 2022

حقق فريق كرة القدم المغربي إنجازا تاريخيا بتأهله إلى طور نصف نهائي كأس العالم بقطر، بعد جملة انتصارات على فرق أوروبية عريقة في اللعبة الأكثر شعبية عالميا. بات الفريق ممثلا لإفريقيا وآسيا، فالشعوب، سيرا على خطى سابقاتها في أمريكا الجنوبية، تعلق آمال كسر هيمنة كروية أوروبية بالدرجة الأولى على كأس العالم، والانتقام من تاريخ مديد من الإذلال السياسي ومن السيطرة الاقتصادية الممزوجة باحتقار ثقافي.

أجل هناك متعة رياضية، مرتبطة بهذا النمط من الرياضة، الممزوجة بفائض من المشاعر السياسية الباعثة لشعور القومية المقهورة ورغبة المسحوقين في تأكيد أنهم قادرون على الانتصار على الآخر الذي جرعهم دوما الهزيمة.

الوصول إلى نصف النهاية في حد ذاته إنجاز، لكن سقف الانتظارات بات الآن يتجاوز ما بدا أسابيع قليلة من باب المستحيل. الطموح بلوغ النهاية في سابقة في تاريخ كرة القدم.

بات حديث شباب الأحياء ورفاق أماكن العمل وأصدقاء الدراسة يتمحور حول كرة القدم وأخبار المنتخب المغربي وارتفاع الإقبال على أقمصة الفريق. وجرفت الموجة أقساما لا اهتمام سابق لها بكرة القدم، خصوصا النساء، يعكسها مشاركتهن الذكور في متابعة المباريات بالمقاهي الشعبية في كسر استثنائي لعزل محافظ عليه في مجتمع ثقافته ذكورية بقوة، وهذا بحد ذاته تحول اجتماعي مهم. لكن هذا بدوره محدود، فقبل أشهر قليلة بلغ المنتخب النسائي نهائيات كأس أمم إفريقيا، لكن دون إعارته نفس الاهتمام والفرح الجماهيري، فالنظرة السائدة ترجع تحقيق الإنجازات العظيمة إلى الذكور حصرا.

طبعا يعمل الحاكمون على تجيير الانتصار الرياضي لصالحهم، وعلينا أن نفضح محاولة قرصنة كل ما هو جميل وكل إنجاز لحسابهم. خصوصا أن السياق يعمل لحسابهم. فالأقوى والأكثر تنظيما ومبادرة هو الذي يملك إمكانية قطف ثمار أي انتصار شعبي، تماما كما حدث حينما سطت الملكية والحركة الوطنية البرجوازية، على ثمرة الحماس الوطني المناضل ضد الاستعمار واستولت على السلطة والمقدرات الاقتصادية للبلاد. وعلينا ألا ننسى أن السياق المؤسسي لهذا الانتصار، هو “الجامعة الملكية لكرة القدم”، مُحكمة الربط بالاستبداد، فمنذ إنشاء الجامعة ترأستها شخصيات مختلفة لها علاقة إما بالسياسة أو بوزارتي الداخلية أو الدفاع أو شخصيات رياضية عسكرية.

سيكون الأمر مختلفا حينما يتمكن اللاعبون- ات وجماهير المشجعين- ات، من السيطرة على آليات تنظيم الرياضة، ووضعها تحت رقابتهم- هن المباشرة. آنذاك سيكون الحديث عن نصر كروي شعبي كامل، أمرا ممكن الحدوث.

يتشكل المنتخب المغربي من دزينة من أبناء العمال المهاجرين إلى أوروبا وآخرين من أسر شعبية كادحة، وهم يلعبون بقتالية وروح تضحية لإسعاد الشعب المغربي. إنهم يكررون في تصريحاتهم أن ذاك حافزهم، يدركون غم شعبهم الرازح تحث أثقال قساوة العيش وبطش الاستبداد. إن لهذا الانتصار الكروي حدوداً، من الضروري الوعيُ بها، لأجل استثمار تقدمي لمشاعر النشوة والفرح، وقطع الطريق أمام استثمار رجعي/ شوفيني لها.

ليس للنظام المغربي من فضل يدعيه، بل يؤكد هذا الانتصارُ حقيقة أن شعبنا يزخر بطاقات شابة بإمكانها اجتراح الانتصارات وتحقيق المعجزات ما ان تتوفر لها الظروف المواتية. لكن علينا الانتباه إلى أن دولة الطبقات السائدة دائما ما تسطو على النوابغ المنبعثة من أسفل الهرم الاجتماعي، وتستعملها لتأبيد وتزيين نظامها القائم على الاستغلال. ويعتبر استغلال انتصار المنتخب هذا من أجل تجديد أرضية الشعور الوطني الملتف حول النظام أكبر أوجه هذا الاستعمال.

القومية التي تشكل أرضية توحيد بين الطبقات السائدة والمسحوقة مرفوضة، عكس القومية الموحِّدة للكادحين والباعثة على الثقة الجماعية والحذرة والموجَّهة ضد استغلال المستغِلين والاستعمارِيين الجدد مفيد لتحرر الشعوب. مَرْكَزَ المنتخب المغربي مشاعر الانتماء المشترك مغاربيا وعربيا وأفريقيا وأظهر شعورا كامنا مناهضا للإمبريالية. إلا أنه بالموازاة مع ذلك، طفت إلى السطح مشاعر قومية رجعية وشوفينية، تجعل من هذا الانتصار ذروة مسيرة للنظام الذي يحتفظ في سجونه بعشرات المعتقلين السياسيين والصحفيين المستقلين، وأخرى تتصارع حول الهوية الثقافية للمنتخب… إلخ، وهو ما يجب الحذر منه ومحاربته، كي يتمكن الشعب من تحويل هذا الانتصار الكروي إلى منفذ نحو انتصارات سياسية أخرى.

تظل الملاعب ساحة تنافس ليس فقط بين المنتخبات، ولكن أيضا بين الجماهير والأنظمة السائدة. فقد سبق أن شهدت هذه الساحات تعبيرات مناهضة للنظام أثناء البطولة المحلية منها ترديد نشيد “في بلادي ظلموني”… وتشكل ظاهرة الألتراس التي تتعدى أحيانا كونها روابط تشجيع، لتكون تعبيرا عن آراء معارضة سياسيا، والتقاط الصورة الجماعية للفريق براية فلسطين في سياق تطبيع مع الصهاينة دال جدا.

يشكل تدفق الجماهير إلى الشوارع تعبيرا عن الفرح، سيفا ذا حدين. فالاستبداد يتخوف دائما من أي تجمع للجماهير المسحوقة، حتى وإن كان هو من يدفعها، أحيانا إلى ذلك. لا أحد يضمن ما يمكن أن ينبعث من كتلة جماهيرية شعبية كبيرة، لذلك لن يتوانى النظام عن إيقاف تلك النشوة بشكل سريع، ويعيد الجماهير إلى ما يعتبره هو والطبقة السائدة مكانَها الطبيعي: حظيرة الطاعة والخضوع للاستغلال.

سيضعف هذا الانتصار الكروي استبطان مشاعر الضعف والدونية التي حرص الاستبداد على زرعها في صفوف الشعب، وسيقوي شعور إمكان تحقيق أي نصر. لنعمل على ضمان التشابك بين هذه الظواهر التي تشهدها الملاعب وفيضها في الشوارع للتعبير عن مشاعر الفرح، مع المشاعر المهدورة لطموح التحرر السياسي والاقتصادي الذي يتنفس في مدرجات الملاعب لكي تحسمه متاريس الشارع وملايين الجماهير التي تقرر مصيرها.

ستستمر أفراح شعبنا/شعوبنا، بالانتصار الكروي، لكن لن يستمر طويلا المفعول التخديري الذي يعمل أعداؤه الظاهرون والمستترون لإدامته. فالشعب، وطبقته العاملة في قلبه، الذي يذوق طعم الانتصار مرة سيعمل عاجلا على اجتراح طريق لتحقيق انتصارات على من أوصلوه إلى الوضع الذي هو عليه. انتصارات لن تقف عند حدود يرسمها ضَيِّقُو الأفق، بل ستذهب بعيدا حتى إحراز لقب التحرر من نير الاستبداد والاستغلال.

المناضل-ة 

شارك المقالة

اقرأ أيضا