من تاريخ كفاح كادحي ايفني- ايت باعمران:جيش التحرير المغربي [*]

استقلال المغرب وجيش التحرير

كان وصول المغرب إلى الاستقلال في مارس – أبريل 1956 ، والنداءات إلى الانتفاضة المعلنة من قبل قادة جيش التحرير بجنوب المغرب، هما ما حدا بالصحراويين للإنتفاض لأول مرة منذ التهدئة العسكرية سنة 1934. كان جيش التحرير حركة حرب أنصار قروية بدأت في تجنيد مقاتلين في جبال الريف والأطلس المتوسط خلال صيف 1955 بعد سنتين من تنحية محمد الخامس تعسفا من قبل الفرنسيين ونفيه إلى مدغشقر، بسبب تعاونه مع حزب الاستقلال.

كان جيش التحرير قد قام في أكتوبر 1955 بانتفاضة في الريف وبعض أقسام الأطلس المتوسط، وأسر عددا كبيرا من الجنود الفرنسيين. وقد كانت جبهة التحرير الجزائرية قد شرعت هي أيضا في كفاح مسلح سنة 1954؛ لذلك قررت الحكومة الفرنسية، من أجل تفادي حرب على جبهتين، أن تسعى إلى مساومة مع محمد الخامس الذي أعادته من مدغشقر يوم 31 أكتوبر وسمحت له، بعد محادثات في فرنسا، بعودة مظفرة إلى المغرب يوم 16 نونبر . لكن بدل إلقاء السلاح بعد هذا النصر الأول، شدد جيش التحرير ضغطه على فرنسا بينما تتواصل المفاوضات بين الحكومة الفرنسية والسلطان. جرى قتل القياد( جمع قايد) الذين لم يبدوا حماسة وطنية، وتم أسر العديد من الجنود الفرنسيين في وجدة . وسريعا ما تعززت حركة حرب العصابات قوة ووزنا، سيما بعد دمج عدد كبير من قدماء القوات المساعدة التابعين للقوات المسلحة الفرنسية، الكوم والمخازنية، الذين تخلى عنهم الجيش الفرنسي في فبراير 1956. كان جيش التحرير، لما أنهت فرنسا الحماية واعترفت باستقلال المغرب يوم 3 مارس، يسيطر على جزء كبير من الريف وجبال الأطلس وأقصى جنوب المغرب.

بعد تخلي فرنسا عن حمايتها، لم يبق لدى الحكومة الاسبانية، التي واجهت خلال الخمسينات تنامي الحركة الوطنية المغربية بحدة اقل بكثير مما فعلت السلطات الفرنسية، بديل آخر غير أن تحدو حدو فرنسا. شرع السلطان في مفاوضات مع فرانكو في مدريد، و يوم 7 أبريل 1956 اعترفت الحكومة الاسبانية بسيادة المغرب الكاملة والتزمت ” باحترام الوحدة الترابية للمملكة التي تضمنها الاتفاقات الدولية ” (1) . غير أن فرانكو كان مصمما على الحفاظ على ما بقي لاسبانيا من مستعمرات في أفريقيا ، بما في ذلك غرب أفريقيا الاسباني. وأسندت إدارتها لمكتب جديد ، la Direccion General de Plazas y Provincias Africanas التي عوضت la Direcciôn Gencral de Marruccos y Colonias الملغاة يوم 21 غشت (2) . لم يكن فرانكو آنذاك مستعدا، لا سياسيا ولا أيديولوجيا، لقبول إمكان تخلي اسبانيا عن ” مهمتها الاستعمارية” في أفريقيا، وكان فضلا عن ذلك بحاجة إلى قاعدة أخرى للفيف الأجنبي الذي سينسحب من شمال المغرب. لم تكن القوات الاسبانية المرابطة هناك تقل عن 175000 رجل منهم 65000 إسباني، ولم يكن الضباط راضين بنهاية الحماية. جرى إنزال وحدات عديدة في إفني وفي الصحراء أو في جزر كناريا. علاوة على أنه، رغم انعدام أي قيمة اقتصادية لافني، كان الجنرال فرانكو يعلم منذ سنوات عديدة أن باطن أرض الصحراء الغربية ينطوي على ثروات معدنية هامة. التقى فرانكو سنة 1950 خلال زيارة للعيون بعالم الجيولوجيا مانويل عاليا ميدينا، الذي اكتشف الفوسفاط في المنطقة سنة 1940 ؛ وفي سنة 1952 أحدثت Direcciôn General de Marruccos y Colonias مصلحة للمعادن ،Servicio Minero ، الذي أسند مهمات أخرى للتنقيب عن الفوسفاط إلى l’Adaro de Investigacioncs Mineras ،وهي هيئة مرتبطة ب المعهد الوطني للصناعةI.N.I(3). و أخيرا كانت الموارد السمكية للساحل الأطلسي الصحراوي ثمينة للغاية بالنسبة لجزر كاناريا. أعلن نظام فرانكو أن له حقوقا شرعية للبقاء في إيفني وفي الصحراء الغربية. قال إن إيفني سلمت ” إلى الأبد” بموجب معاهدة إسبانية- مغربية سنة 1860 ، وإن لإسبانيا سيادة مطلقة على الساقية الحمراء ووادي الذهب بموجب اتفاقات فرنسية – اسبانية لسنة 1904 و 1912 . لم يعترف الجنرال فرانكو بحقوق للمغرب سوى في جنوب المغرب الاسباني، الذي كان أدمج في منطقة الحماية الاسبانية بموجب اتفاقية سنة 1912 وانسحب في أبريل 1958 .

غير أن خبر نجاح الكفاح من أجل الاستقلال في المغرب وصل بسرعة إلى الصحراء. كان ُرحل الصحراء الغربية والمناطق المجاورة يترددون بكثرة على كولميم أو أسواق واد نون وباني الأخرى: هناك علموا أن مقاتلي حرب العصابات يسيطرون على جزء كبير من الريف المغربي . تكونت نواة لحرب العصابات في بداية الأمر جنوب المغرب سنة 1954 في تزنيت من طرف إبراهيم النمري (إبراهيم تزنيتي )، لكنها لم تصبح حركة جماهيرية حقيقية إلا سنة 1956. وأثناء ندوة عقدت في مدريد من طرف زعماء جيش التحرير في يناير 1956، أحدثت ثلاث مناطق عملياتية، في الريف وفي الأطلس المتوسط والأطلس الكبير وفي الجنوب حيث سلمت قيادته العامة لبنحمو المسفيوي، قائد سابق لحرب العصابات في الريف.

عندما قام المخازنية والكوم، غالبا بعد نهب مستودعات الأسلحة، بالانضمام إلى قوات جيش التحرير أصبح هذا سيدا على جزء كبير من جنوب سوس والأطلس الصغير والمناطق الواقعة جنوب تلك الجبال خلال ربيع 1956 ، مقيما المراكز الرئيسية لقيادته العامة في تزنيت و بويزكارن و كولميم. كان بعض الضباط الفرنسيين باقين في تلك المناطق بأماكن معزولة: أختطف إثنان منهم في يونيو وفي أكتوبر 1956 ولن يظهر لهما اثر أبدا (4).

كان على حكومة الملك محمد الخامس بالرباط إنتظار سنتين بعد نهاية الحماية كي تتمكن من السيطرة شيئا ما على الأحداث التي تجرى في تلك المناطق. رغم ذلك لم يرغب محمد الخامس في الترخيص للجيش الفرنسي، الذي لازال آلاف من جنوده بالمغرب، لإعادة إرساء النظام بالجنوب لأنه خشية منه إثارة غضب الوطنيين؛ وبمعنى ما، لم يكن مغتاظا إلا خلال سنة 1956 ، عندما ركز جيش التحرير عملياته في أقصى جنوب مملكته أي بعيدا عن مراكز البلد الكبرى الآهلة بالسكان. بيد أنه لم يكن ُينظر إلى قادة حرب العصابات بعين الرضا لا من طرف زعماء حزب الاستقلال، الذين لقوا صعوبات جمة في محاولة إخضاعهم لسلطة الحزب أو من طرف القصر، الذي اعتبر أولئك “غير النظاميين” خطرا كامنا على الملكية وسعى إلى دمجهم في الجيش النظامي الجديد، القوات المسلحة الملكية. كانت القوات المسلحة الملكية غداة تأسيسها سنة 1956 مكونة من الوحدات المغربية القديمة في الجيش الفرنسي والاسباني وحوالي ألفين من الضباط وضباط الصف الفرنسيين، وكان رئيس هيئة أركانها ولي العهد الأمير الحسن.

كان كل قائد من جيش التحرير، يتمكن في جعل أكثر من مائة مقاوم يلقون السلاح، ُيجازى بمنصب ضابط في صفوف الجيش النظامي. على هذا النحو التحق حوالي عشرة آلاف من قدماء جيش التحرير مع نهاية سنة 1956 بالقوات المسلحة الملكية ليصل بذلك عددها إلى ثلاثين ألف رجل (5). لكن كان ثمة آلاف من غير النظاميين الآخرين، لاسيما بالجنوب، رفضوا إلقاء السلاح والانضمام إلى القوات المسلحة الملكية. لا بل كان العديد من قادة النضال ضد المحتل مصابين بخيبة أمل بفعل مساومة محمد الخامس مع فرنسا بعد الاستقلال. “بدأ البعض يتساءل: هل فشلت ثورتنا بعد إعلان الاستقلال ؟” ، ذلك ما سجلته في غشت 1956 الهيئة العليا لجيش التحرير وحركة المقاومة بالمدن، أي المجلس الوطني للمقاومة.

“ليست الانتصارات التي حققناها لحد الآن انتصارات إلا بالقدر الذي نتج عنها تحرير السيادة المغربية في مجال الدبلوماسية والعدالة. و لم تتحقق التحولات المطلوبة في الوضع الداخلي، أكثر من ذلك لم يظهر أي تحول يستحق الذكر”(6). و بوجه خاص، كان قبول محمد الخامس لبقاء عدة آلاف من جنود فرنسا على تراب المغرب، بينما فرنسا تحارب جبهة التحرير الوطنية في الجزائر، قد أذهل كثيرين. في الواقع، كان نضال المغرب من أجل استقلاله يندرج، بنظر العديد من زعماء حرب العصابات، في نضال تحرر المنطقة المغاربية والعربية بوجه عام. وقد جرى في يونيو 1955 تشكيل لجنة تنسيق جيوش تحرير المنطقة المغاربية، وبعد استقلال المغرب، بدأت بعض مجموعات جيش التحرير المغربي تشارك في تزويد جبهة التحرير الوطني بالسلاح سريا.

الانتفاضات في إيفني وفي الصحراء

على نفس المنوال، كان رجال بنحمو المسفيوي بجنوب المغرب، يشجعون قبائل أيت بعمران في إفني والصحراويين على الكفاح من أجل حريتهم وقدموا لهم الدعم. وانضمت مجموعة من حوالي خمسة وعشرين صحراويا، منهم شاب ينتمي للركيبات اسمه عبا الشيخ، إلى جيش التحرير جنوب المغرب سنة 1956، وأرسل فيما بعد إلى الصحراء لتشجيع الرحل على الانتفاضة (7). كانت حجتهم أن النجاح في إرغام فرنسا وإسبانيا على منح الاستقلال للمغرب تأكيد لإمكان طردهما من الصحراء التي لم ُيخضعاها إلا قبل عشرين سنة. اقتنع العديد من الصحراويين بإمكان استعادة حرياتهم السابقة بالعودة إلى تقاليدهم القتالية، هكذا صممت العديد من الجماعات، خصوصا قبائل تيكنا والركيبات، على الاقتداء بجيش التحرير. بدؤوا بتكوين وحدات من رجال حرب الغوار مشكلة حصرا من الصحراويين الذين كانوا، رغم استعمال بعض الأسلحة المتطورة المسلمة من جيش التحرير، يقتدون في تكتيكهم بتقنيات الغزوات التي مارسوها قديما.

استهدفوا في المقام الأول المراكز الفرنسية الواقعة في الحمادة قرب تندوف. هاجمت مجموعة من مقاتلي حرب الغوار، انطلاقا من قاعدة واقعة بوادي درعة، مركزا حدوديا فرنسيا في أم العشار على بعد 145 كلم شمال تندوف في يونيو 1956، وبعد فترة وجيزة سحب الفرنسيون فرقة من تقنيي التنقيب عن البترول عاملة في حاسي سيدي المنير حوالي 120 كلم بعيدا في الشمال الشرقي . وفي يوليو وقعت قافلة فرنسية قادمة من بشار إلى تندوف في كمين في الحمادة غير بعيد عن تنفوشي، على بعد زهاء 290 كلم شمال تندوف. و استمرت المناوشات في تلك المنطقة سنة 1957 حيث يهاجم جيش التحرير باستمرار المراكز الفرنسية في أم العشار وفي حاسي سيدي المنير(8). غير أن حرب العصابات وسعت مجال نشاطها عندما هاجم 200 من مقاتليها يوم 15 فبراير 1957 دورية فرنسية في شمال موريتانيا، في أكمار أحد الآبار الواقعة على بعد 80 كلم شمال المركز الفرنسي ُفور ترانكي ( بئر أم غرين ). جرى قتل 3 ضباط و20 جنديا فرنسيا، بعد ذلك تجاوز المهاجمون الحدود وتوغلوا في الصحراء الأسبانية (9). أصيبت السلطات الفرنسية بالرعب. إذ أن حربا للعصابات في شمال موريتانيا تهدد مشاريع الشركة consortium العالمية لمناجم الحديد في موريتانيا ميفيرما Miferma التي تأسست سنة 1952 من طرف شركات فولاذ فرنسية وبريطانية وايطالية وألمانية غربية ومن طرف المكتب المنجمي لفرنسا ما وراء البحار، التابع للحكومة الفرنسية، وذلك بقصد إقامة صناعة منجمية قرب فور غورو (الزويرات) – حيث اكتشف معدن الحديد سنة 1935 – وإرساء بنية تحتية ضرورية مثل خط سكة حديد تبلغ حوالي 650 كلم مفضي إلى البحر ومنشآت مينائية في بور إتييان (نواديبو). يملك الفرنسيون زهاء 55 % من أسهم ميفيرما وتتطلع حكومة فرنسا، من أجل تمويل مشروع الزويرات، إلى الحصول على قرض مهم من البنك العالمي . والحال أن نيل قرض مماثل متعذر في حالة حرب عصابات(10). و من جهة أخرى لن يروق لفرنسا سياسيا، وقد باتت في حرب ضد جبهة التحرير في الجزائر، أن تواجه انتفاضة في الصحراء. كما كانت الهجمات تعرض للخطر سعي فرنسا إلى إقامة حكومة مستقلة في موريتانيا، طبقا لقانون- إطار حول أفريقيا الفرنسية، المصادق عليه في يونيو 1956 من أجل حماية المستعمرات الفرنسية في أفريقيا السوداء من الرياح الثورية الآتية من شمال الصحراء، والقاضي بتولي جامعي مرموق، المختار ولد دادا – عضو في قبيلة زوايا الترارزة ذات النفوذ والمنتمية لأولاد بيري – في مايو 1957 ، وظيفة نائب رئيس مجلس حكومة جديد برئاسة الحاكم (11).

هذا ما دفع ، أياما بعد هجوم اكمار، إلى تنظيم ندوة عسكرية في تندوف. حضرها الجنرال إيلي Ely رئيس هيئة أركان القوات الفرنسية وكدا الجنرال غابرييل بوركوند Gabriel Bourgund ، قائد القوات الفرنسية في غرب أفريقيا الفرنسي، والجنرال روني كونييه René Cogny ، قائد القوات الفرنسية الباقية بالمغرب، وعسكريين آخرين من مراتب عليا في غرب أفريقيا الفرنسي وفي الجزائر. أعلن كاتب الدولة للقوات المسلحة يوم 26 فبراير 1957 أن “الندوة العسكرية التي انعقدت في تندوف أتاحت اتخاذ إجراءات أمنية اتجاه عصابات ما يسمى بجيش التحرير المغربي التي تعبر الصحراء الاسبانية وواد الذهب وتلجأ إليها بعد إغارتها على التراب الفرنسي(12)”. و ساد لدى الفرنسيين انطباع العودة إلى غزوات عهد ما قبل 1934 ، حيث كان المتمردون المناهضون للوجود الفرنسي يلجؤون إلى التراب الاسباني. هكذا أذن غاستون دوفير Gaston Defferre ، وزير أراضي ما وراء البحار في حكومة غي موليه Guy Mollet ، للمفوض الأعلى في غرب أفريقيا الفرنسي، غاستون كوزان Gaston Cusin ، للقيام بمطاردة ضارية للمتمردين على التراب الاسباني. ” دلت أحداث موريتانيا الأخيرة من جهة ان المتمردين استفادوا من تسهيلات في التراب الاسباني للتحرك والتجمع وإقامة قواعد التموين والانطلاق، ومن جهة أخرى أنه تعذر علينا القضاء نهائيا على تلك العصابات لعدم تمكننا من مواصلة عملنا خلف الحدود .

قررت إذن أن أرخص لكم، في حالة هجوم جديد للمتمردين، بملاحقتهم وتدميرهم بكل الوسائل دون مراعاة تلك الحدود” (13) . وقد كان الجنرال روخو Rojo ، قائد القوات الاسبانية في الصحراء الغربية، قد وافق ضمنيا على هكذا ملاحقات ؛ وأكدت ذلك السلطات الاسبانية في لقاء مع الضباط الفرنسيين في فور إيتيان(نواديبو) يوم 25 فبراير . وبعد يومين أعلن كوزان في دكار :” مدتنا السلطات الاسبانية في وادي الذهب بكامل عونها أثناء أحداث موريتانيا الأخيرة ، لكن في حدود ما كان بوسعها من وسائل عسكرية كانت محدودة جدا (14)”.

استبعدت الحكومة المغربية، من جهتها، كل مسؤولية لها عن هجمات جيش التحرير. صرح أحمد بلافريج ، وزير الشؤون الخارجية يوم 8 مارس في دكار، عاصمة غرب أفريقيا الفرنسي ، بعد لقائه بغاستون كوزان، ان ” الأحداث” سببتها “عناصر قلنا أنها غير متحكم بها ومن الصعب التحكم بها” (15).

عينت مدريد في يونيو حاكما عاما جديدا لإدارة غرب أفريقيا الاسباني. وصل الجنرال ماريانو غوميز زامالوا Mariano Gômez Zamalloa إلى إيفني لتولي مهامه بالضبط لحظة تفجر العنف في تلك الحبيسة (الأرض المحصورة) التي كانت حتى تلك اللحظة هادئة. و اغتال الوطنيون يوم 16 يونيو جنديين مغربيبن عاملين بالجيش الاسباني. وردت السلطات الاستعمارية بإغلاق مقر حزب الاستقلال بالمدينة وأوقفت العديد من المناضلين ونفتهم إلى جزر كاناريا . عندها بدأت الإضرابات ومقاطعة الإدارة الاسبانية، ويبدو أن العديد من المتظاهرين الوطنيين قتلوا(16 ). كانت ثمة أسباب عديدة تدعو غوميز زامالوا إلى التخوف. فقد تكون أحداث إيفني مقدمة لهجوم من جيش التحرير الذي لم يسبق، لحد الآن،ان ضرب الاسبان لكنه اكتفى بعبور التراب الاسباني في الصحراء للإغارة على الفرنسيين في موريتانيا. وكان يعلم أن ليس لديه ما يكفي من مقاتلين وعتاد ليدافع، في حال هجوم من جانب المتمردين، عن أصغر المراكز الأمامية في إيفني أو الصحراء الغربية. كان غوميز زامالوا جاهزا تماما، في تلك الظروف، للتعاون العسكري مع الفرنسيين. التقى يوم 12 يوليو، فور تعينه، الجنرال بوركوند في فيلا سيسنيروس(الداخلة)، وأذن للقوات الفرنسية بالتقدم مسافة 80 كلم داخل التراب الاسباني بغية ملاحقة مقاتلي جيش التحرير، وقبل قيام الطيران الفرنسي بجولات استطلاع على مسافة 100 كلم داخل الحدود الاسبانية. لكن لسوء حظ الجنرال بوركوند، لم يحصل غوميز زامالوا على تعزيزات واضطر للتخلي عن كل المراكز الإسبانية الواقعة داخل الصحراء الغربية تقريبا، بما فيها السمارة، من أجل الدفاع عن المنشآت الساحلية وفيلا سيسنيروس والعيون وطرفاية (17).

آنذاك، كان الجنرال بوركوند يفكر مليا في خطة هجوم مضاد فرنسي إسباني ستسمى أوراغون (الإعصار). وعندما التقى مجددا غوميز زامالوا في داكار يوم 20 شتنبر، قبل هذا الأخير الفكرة كليا. لا ينقصهما سوى نيل موافقة حكومتي باريس ومدريد. بعد شهرين سيدرك الجنرال فرانكو ما كان جيش التحرير يمثل من تهديد فعلي لما اجتاح مئات من مقاتليه يوم 23 نونبر مدينة إيفني وهاجموا في الآن ذاته سبعة من المراكز الحدودية. وسقط بعضها توا بيد المتمردين، فوجب استقدام تعزيزات من جزر كاناريا. أرسل الطيران الاسباني طائرات Messerschmitts المستعملة في الحرب العالمية الثانية للقيام بعمليات قصف، وهاجمت حسب ولي العهد الحسن أهدافا في إقليم اكادير وإيفني ، بينما وصل أسطول صغير من أربعة سفن حربية إسبانية إلى جزر كاناريا ثم اخترق المياه الإقليمية المغربية على بعد كلمترين من سواحل أكادير يوم 7 دجنبر. واستعادت القوات الاسبانية في نفس الأسبوع المراكز الرئيسية التي سيطر عليها مقاتلو جيش التحرير في نونبر(18). لكن فجأة أمرت الحكومة الإسبانية بالتراجع. وأعلنت يوم 11 ديسمبر أنه ” تم الجلاء عن كل المراكز المعزولة التي تشرف عليها حاميات صغيرة في أراضي إيفني لإتاحة قيام القوات الاسبانية بعمل منسق ضد عصابات المهاجمين التي لازالت في الحبيسة وضد التي قد تلتحق لتعزيزها. وقد تمكنت القوات الإسبانية في 48 ساعة الأخيرة من إتمام إرساء الآلية الجديدة التي ستمكنها من بسط سيطرتها على الأراضي “. وأضافت الحكومة أن 62 من الجنود الاسبان لقوا مصرعهم هناك(19). وكان الجنود الإسبان بمنطقة إيفني (7000 إلى 8000 ) متحصنين في رقعة صغيرة ممتدة على زهاء عشرين كلم فقط بعيدا عن العاصمة سيدي إيفني . ظلت القوات الاسبانية، طيلة حوالي إثنى عشر سنة، متربصة في تلك الحبيسة الصغيرة التافهة الذي لا يتعدى سكانها، المعتمدين كليا على التموين القادم من جزر كاناريا، 24 الف نسمة. ولم يكن ثمة أبدا أي سعي إلى استعادة الأراضي المتخلى عنها في ديسمبر 1957 .

خلال تلك الفترة، كان جيش التحرير قد بدأ هجماته في الصحراء الغربية. وصل مقاتلون منه يوم 29 نونبر إلى منارة رأس بوجدور غير المحروسة عمليا وقبضوا على الجنود الإسبان السبعة الموجودين بها و خربوا المنارة وعطلوها عدة أيام . وأعلن وزير الحرب في مدريد يوم 3 ديسمبر أن مقاتلي جيش التحرير هاجموا قافلة إسبانية في أربعاء مستي قرب العيون(20). وجرت مواجهة أخرى على بعد 20 كلم من العيون يوم 22 دجنبر. و هاجم جيش التحرير يوم 3 يناير 1958 مواقع إسبانية في العركوب مقابل فيلا سيسنيروس (الداخلة)، من الجانب الآخر من خليج واد الذهب(21).

[*] العنوان الأصلي للنص هو “جيش التحرير” وهو الفصل 7 من كتاب ” الصحراء الغربية، أصول ورهانات حرب في الصحراء” للكاتب توني هودجز

بقلم: طوني هودجز

تعريب جريدة المناضل-ة

——————
احالات

1- ذكره رشيد الأزرق ، النزاع الترابي بين المغرب واسبانيا(دار الكتاب،الدار البيضاء،1974) ص 427.

2 – Attilio Gaudio, Le dossier du Sahara occidental (Nouvelles Editions latines, Paris, 1978), p.

3- Alejandro Murillo Goni, « Desarollo de la provincia del Sahara », Africa, vol. XVII, n° 227, novembre 1960, p. 9

4 – Georges Chaffard, Les carnets secrets de la décolonisation (Calmann-Lévy, Paris 2 vois., 1965 et 1967), vol. 11, p. 87-130

5 – John Waterbury, Le commandeur des croyants (Presses Universitaires de France, Paris, 1975). p. 236.

6 – – نفس المرجع ص 236 .

7- El pueblo sahaui en lucha : documentas del Frente Popular pan la Liberaci6n de Sagia ci Hama y Rio de Oro (Front Polisario, 1975), p. 10.

8 – Frank E. Trout, Morocco’s Saharan Frontiers (Droz, Geneva, 1969), p. 420-423.

9 – Chroniques Etrgngères : Espagne (La Documentation Française, Paris), n° 18 1, 31 mats 1957, p. 19.

10 – Pierre Bonte, « Multinational Compagnies and National Development : Miferma and Mauritania », Review of Ariican Political Economy, n° 2, janvier-avril 1975, p. 94 ; Chaffard, op. ait., Vol. 1, p. 257-258.

11 – نفس المرجع ص256-257

12 – Cité dans Chroniques Etrangère : Espagne, n° 181, 31 mars 1957, p. 19-20. Cf. aussi Chaffard, op. vit., vol. 1, p. 261

13 – Cité dam ibid., p. 260.

14 – Cité dans Chroniques Etrangères : Espagne, n° 181, 31 man 1957, p. 20

15 – Cité dans Chaffard, op. cit., vol. 1, p. 264.

16 – Chroniques Etrangères: Espagne, n’ 186, 31 août 1957, p.

17 – Chaffard, op. cit. vol. I, p. 267-268

18 – Chroniques EtrangèresM Espgne, n°190, 31 December 1957, p. 4-13.

19 – – نفس المرجع ، ص 8 .

20 – – نفس المرجع ص 7-8 .

21 – Chroniques Etrangères : Espagne, n’ 191, 31 janvier 1958, p. 11-17

شارك المقالة

اقرأ أيضا