الفيضانات: الكارثة الحقيقية هي الرأسمالية

البيئة23 أكتوبر، 2019

 

  لا يستطيع الحكام بالمغرب إخفاء واقع كون الفيضانات أصبحت قاتلة. فقد شهد صيف 2019 هطول أمطار نتجت عنها سيول قوية جارفة، حصدت ضحايا أبرياء، فلقي 15 قتيلا حتفهم إثر انجراف التربة بفعل  فيضان جنوب مراكش أواخر يوليوز. وبإقليم خنيفرة توفيت طفلة قاصر وسيدة. وجرف نهر تيزرت نواحي تارودانت ملعبا شعبيا بُني وسط مجرى النهر وأودى بحياة 8 أشخاص. توفي بالراشيدية كذلك 12 شخصا لأن السيول جرفت حافلة، كما أظهر ذلك شريط جرى تدواله عبر وسائل التواصل الاجتماعي. من جهة، بث الإعلام العمومي لبضع لحظات أغلب الأحداث  ليخلي مسؤوليته، ومن جهة أخرى ليخلي مسؤولية الدولة فيما وقع. إن ما تخفيه وسائل الإعلام هو المسؤول عن وقوع  ضحايا أموات .

دولة منافقة

  كما جرت العادة، اقتصر الأمر على تحذير بُث عبر النشرات الإخبارية في الراديو والتلفاز. لكن لا تدخل استباقي ميداني لتفادي المخاطر التي يرجح أن تقع. تمتلك  الدولة  شبكات )للأرصاد الجوية وأخرى تهم الزلازل والإنذار بالسيول) وأجهزة من أجل المراقبة والإعلام )المركز الملكي للاستشعار البعدي الفضائي، نظام المراقبة الوبائية) تمكنها  من تحليل هذه المخاطر الطبيعية وتوفير المعلومات لتدخل استباقي ازاء المخاطر. لكن لا شيء من هذا حدث. فكانت النتيجة سقوط ضحايا وتأخر وصول الإسعاف والوقاية المدنية. لقد لام المجلس الأعلى للحسابات (تقرير أبريل 2016 حول الكوارث الطبيعية) قطاعات الدولة المسؤولة على تأخر التعاطي مع أحداث من هذا النوع .

بلغة غير لغة المجلس الناصحة والمنبهة للدولة: إن مسؤولية الدولة واضحة للعيان في عدم استعمال المعطيات ووضع سيناريوهات لمواجهة احتمالات الخطر وتجنب سقوط هؤلاء  الضحايا.

   لقد عدّد نفس التقرير أيضا (رغم محدودية نقده ورأيه الاستشاري) الثغرات والعيوب التي تحول دون تجنيب الفقراء مخاطر الكوارث وعلى رأسها الفيضانات: “تدني جودة المساكن والمباني العمومية وعدم احترام ضوابط السلامة في البناء؛ ضعف وهشاشة التجهيزات والبنيات التحتية؛ عدم التحكم في استعمال الأراضي الموجودة داخل المناطق المحفوفة بالمخاطر مثل السهول المعرضة للفيضانات ومجاري الوديان؛ الأضرار والتغييرات التي  تتعرض لها البيئة”. لا يتجرأ التقرير على الإفصاح عن حقيقة كون مقاولات البناء الرأسمالية اللاهثة وراء الربح السريع واستحواذ الأغنياء على أجود الأراضي هو ما يدفع الفلاحين الفقراء للسكن بالأودية  وجنباتها .

  تصدر التقارير الرسمية وتحصي الأضرار الناتجة عن الفيضانات وتقترح حلولَ وقائية تعتمد تقنيات، كتحويل الطرق من أجل الابتعاد عن مجاري المياه أو تعليتها في المناطق التي تشكل الفيضانات خطرا عليها، وبناء القناطر والجسور محل الأرصفة المهددة. لكن هيهات أن يقوم شيء على أرض الواقع، فأرواح الكادحين وفقراء الفلاحين آخر شيء تهتم به الدولة. هناك 390 موقعاً مهدداً بالفيضانات في المغرب، منها 50، تشكل تهديدا خطيرا. وقد رصدت دولة الأغنياء  قبل قرابة عقدين من الزمن 25 مليار درهم على مدى 15 سنة، لكن الحكومات المتعاقبة خصصت له (ما بين 2003 و2014) حوالي 7.1 مليار درهم، أي ما يعادل 28 في المائة من الميزانية المرصودة. فلسان حالهم يصرخ: أموال تُمنح الفقراء؟ هل جننتم؟ ستضيع هباءً.

مراسيم على الورق و صناديق مالية مهداة للبورجوازية

يتميز المغرب بوفرة النصوص الخاصة بتدبير الفيضانات كالقانون رقم 10.95 المتعلق بالماء، والقانون التنظيمي رقم 113.14 المتعلق بالجماعات والقانون رقم 12.90 المتعلق بالتعمير، اضافة إلى المرسوم رقم 2.78.157 الصادر سنة 1980 والدورية المشتركة لوزير الداخلية ووزير التعمير لسنة 2005.

رغم كثرة هذه النصوص، يموت الناس كل سنة. هناك أيضا الصناديق التي تهتم بتدبير آثار الفيضانات وتتمثل في الصندوق الخاص بإنعاش ودعم الوقاية المدنية وصندوق مكافحة آثار الكوارث الطبيعية (FLECN)  وصندوق “الآفات” الطبيعية. كما أحدث مؤخرا صندوق التضامن مع الوقائع الكارثية المحدث بالقانون رقم 110.14 والذي تلاه المرسوم رقم 2.18.785، الذي عين مديره العام يوم 4 يونيو 2019، لم يجتمع مجلسه الإداري إلا مرة فقط منتصف شتنبر؟

صندوق “الآفات” الطبيعية

   سنتطرق لأهم صندوق خاص بتدبير معضلة الفيضانات. لقد أحدثت الدولة “صندوق الآفات الطبيعية” بتاريخ 29 شتنبر 1993  تسيره وزارة الفلاحة. تتكون مالية الصندوق من مساهمة سنوية لصندوق التنمية الفلاحية قدرها 121 مليون درهم. تستعمل موارد الصندوق لتمويل مساهمة الدولة في التأمينات المُكتَتبة من قبل الفلاحين ضد المخاطر المناخية. حسب نفس المجلس، فإن موارده لم تستعمل لتمويل أضرار الآفات الطبيعية، فباستثناء حالة التأمين ضد المخاطر المناخية للحبوب والقطاني في المناطق البورية والتي تشمل أضرار الجفاف، فإن التأمينات المُكتتبة والمُموّلة من قبل الصندوق لا تغطي الفيضانات وأضرار السيول واجتياح الجراد والجفاف، وبالتالي لا يمكن تمويلها من هذا الصندوق. وكمثال، نورد هنا اتفاقية موقعة مع الفدرالية المهنية المغربية للسكر FIMASUCRE بمبلغ 31,72مليون درهم لمعالجة الأضرار التي لحقت قصب السكر جراء موجة الصقيع. توجه الدولة الأموال العمومية لتغطية خسائر البورجوازية الفلاحية. في حين تتراكم الديون على فقراء الفلاحين. لقد كشف احصاء لوزارة الداخلية- يهم المنشآت المحاذية لمجاري المياه- عن وجود 146631 بناية، بساكنة تمثل أكثر من 1,5 % من سكان المغرب. الدولة تفضل تقديم أموال الصندوق للبورجوازية بدل إنقاذ 1,5 % من الفقراء ودافعي الضرائب.

  وللإشارة ختاما، فقد أضاف التقرير أنه لا وجود لبيانات الصندوق السنوية التي تعطي التفاصيل حول عملياته منذ سنة 2012، لماذا يا ترى؟ إنه نهب ما بعده نهب.

من السبب في الفيضانات؟

   الدولة تتفادى الإشارة المباشرة للسبب الذي أودى بحياة الكثيرين: الطبقة البورجوازية والنظام الرأسمالي والتغيرات المناخية بفعل التلوث الهوائي والغازات السامة.

   إن الرأسمالية الباحثة عن الربح و المردودية عوض تلبية حاجات الإنسان، لم تعد قادرة على السيطرة على التكنولوجيا المتطورة التي من أجل السيطرة على الطبيعة أُخترعت. واقع الحال، إن الكوارث تقع وتصبح خطيرة لأسباب اجتماعية. إنها حين تمطر دون توقف ( أو لا تمطر) لأسابيع، فذاك شيء “عادي”، لكن أن ينتج عن ذلك فيضان (أو جفاف) إنها هنا واقعة اجتماعية. ليست فقط الحضارة البورجوازية مسؤولة مباشرة عن الكوارث بتعطشها لتحقيق الربح، بل أيضا لعدم قدرتها على حماية الضحايا حيث إن استباق الفيضان والتدخل من أجل تقليل الخسائر غير مربح بالنسبة للدولة البورجوازية.

 تتوالى التقارير المحذرة الصادرة عن خبراء البيئة، لكنها لا تجد أذانَ صاغية. بحيث إن الحكومات البورجوازية لا تغير من سياساتها. من الواضح جدا بأن الرأسماليين وسياسييهم لا يقتنعون، لا بالتقارير، ولا بالوقائع ولا بالأرقام. لا يمكن انتظار شيء من هذه النخبة للقيام بعمل بديل لإنقاذ الكوكب، لأن ما يهمها هو تحقيق الحد الأقصى من الأرباح الرأسمالية بغض النظر عن أي شيء، سواء تعلق الأمر بتوفير شروط عيش ملائمة لسكان الكوكب أو الحفاظ على توازناته البيئية.

إن الرأسمالية هي الكارثة الحقيقية التي يتوجب على العمال والعاملات وفقراء الفلاحين، الآن ومستقبلا، توحيد صفوفهم عالميا لتدبير تدخل منظم من أجل القضاء عليها نهائيا، لضمان حياة طويلة على هذا الكوكب لفائدة الأجيال القادمة.

بقلم، العاصي

شارك المقالة

اقرأ أيضا