“المسيرة الخضراء”: استكمال ترسيخ الاستبداد وتثبيت الاستعمار الجديد

سياسة6 نوفمبر، 2019

 

 

نشر يوم الجمعة 8 تشرين الثاني (نوفمبر) 2013

بقلم: أزنزار

“بعد المسيرة الخضراء قلت لابني: إذا عرفت كيف تسوس، فإنني منحتك قرنا من الهدوء”. تصريح أدلى به الحسن الثاني التالي لجان دانييل في 28 مارس 1986. (جيل بيرو، صديقنا الملك).

تحل الذكرى 37 لانطلاق المسيرة الخضراء، التي دبرها النظام للحلول محل الاستعمار الإسباني الذي كان بدوره يعاني تبعات رياح كنس الاستعمار وإزالته التي عصفت بالعالم بعد الحرب العالمية الثانية، وكان فرانكو يعيش آخر أيامه.

ففي مطلع عقد السبعينات وتحت رعاية الأمم المتحدة شرعت إسبانيا في سياق إنهاء استعمارها للصحراء الغربية. تقرر إجراء استفتاء لتقرير المصير… استبعد المغرب اللجوء إلى هذه الوسيلة ورفضها، بمبرر “أنها تطلب من المغاربة أن يحددوا جنسيتهم. والحال وفقا لمقولة شائعة لها منزلة القيمة الدستورية: “الجنسية المغربية لا تزول، ولا تكتسب””. (صديقنا الملك، جيل بريو).

عاد النظام في بداية الثمانينات لقبول الاستفتاء بعد أن حسم ميزان القوى لصالحه، قبله كمناورة استنزاف في وجه جبهة البوليساريو وأطلق عليه استفتاء تأكيديا، مع اللعب جيدا على ثغرات تحديد الهوية لإطالة أمد الصراع واستنزاف الخصم.

حقيقة وطنية النظام

إن دور الأيديولوجية القومية الشوفينية التي شحنت مشاعر الآلاف المتوجهين إلى الصحراء، هو التغطية عن المضطهد الحقيقي الذي تواطؤ مع الاستعمار الإسباني.

لم يكن النظام بعد إعلان “الاستقلال” مهتما باستعادة الصحراء من إسبانيا أكثر من اهتمامه بإرساء حكمه شمالا أمام “أحزاب الحركة وطنية” التي تسعى لتقاسم الحكم معه. وبعد ذلك استعمل “القضية” كأداة لحسم الصراع مع المعارضة ابتداء من أواسط السبعينات حيث دجن المعتدلة منها وقمع الجذرية.

بالنسبة لمقاومي جيش التحرير لم يكن بالإمكان تصور الاستقلال كاملا إلا بتحرير جميع الأراضي من الاحتلال الأجنبي. وقد فضل خمسة آلاف من هؤلاء المقاومين، بدلا من الانصهار في القوات المسلحة الملكية المشكلة حديثا، أن يتحولوا إلى الجنوب لمحاربة المحتل الإسباني، والصراع جنبا إلى جنب مع القبائل الموحدة الإرادة في رفع نير المحتل”..

تخلى النظام عن هؤلاء المقاومين، بل حاربهم، ففقد كان يرى أن توطيد سلطته الهشة عقب الاستقلال لها الأفضلية على تحرير الصحراء؛ واعتبر مجاهدي الجنوب متمردين يزدادون قوة ويجب كبح جماحهم، وهذا هو هدف الحملة الفرنسية- الإسبانية المسماة أوراغان- إكوفيون التي نفذت بتعاون تام مع القوات المسلحة الملكية المغربية. فبينما كانت القبائل الصحراوية تتشتت تحت وقع القنابل، كان جيش الجنوب يجرد من أسلحته، والقمع الإسباني في المنطقة يزداد ضراوة؛ كافأ فرانكو التعاون المغربي بالتخلي له عن منطقة طرفاية. هذه هي حقيقة استعادة طرفاية.

وفي 1972 نظم بعض الشبان الصحراويين تظاهرات ضد الاحتلال الإسباني فقمعتها شرطة النظام بقوة، وأمام هذا الواقع وتخلي “المعارضة” المغربية عن الصحراويين، تأسست الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب في 10 ماي 1973 وفي العشرين منه أطلق الشهيد الوالي السيد أول رصاصة في الكفاح المسلح ضد الاحتلال الإسباني.

أمام هذا الواقع وخوفا من أن تتجاوزه الأحداث وسعيا إلى حسم صراع سياسي شرس بين كل من المغرب وإسبانيا وموريتانيا والجزائر، عشية انكباب الأمم المتحدة علي الحسم في الخيار المستقبلي لاقليم الصحراء الغربية بعد الانسحاب الاسباني، دعا الحسن الثاني- الذي تخلى سابقا عن كفاح الصحراويين ضد الاحتلال الإسباني بل وقمعهم- إلى مسيرة خضراء “لاستكمال الوحدة الترابية”.

استكمال احتلال الأرض

“إلحاق” الصحراء، ليس إلا الوجه الآخر لحرمان آلاف الفلاحين الفقراء المغاربة من أراضيهم التي استرجعوها بالكفاح من الاستعمار الفرنسي، ومنحت للأعيان المتعاونين سابقا مع الاستعمار بعد العفو عنهم (في أبريل 1963) ولكبار الملاكين والرأسماليين. بلغت مساحة الملكية الاستعمارية الإجمالية غداة الاستقلال، ما يفوق مليون هكتار، استرجعت منها الدولة بموجب قانون 2 مارس 1973 مساحة (365،188 هكتار) المتبقية من أراضي الأجانب الخاصة ليصبح المجموع الذي استرجعته هو 657.188 هكتار. وبالمقابل انتقلت مساحة الخواص المغاربة من هذا القطاع إلى (362،812 هكتار). فوتت كلها لكبار الملاكين والبرجوازية الزراعية التي سهر النظام على رعايتها بسياسة السدود (التي قضمت حصتها من أراضي الفقراء).

اندثر أكثر من نصف مليون مزارع يستغلون اقل من 1 هكتار، وهاجروا إلى ضواحي المدن الكبرى ليتحولوا إلى بروليتاريا يستغلها محدثو النعمة من المتعاونين السابقين مع الاستعمار أو الحاليين مع الاستعمار الجديد.

بعد أن حرموا من أراضيهم- التي كانت فرنسا تطلق عليها جنة أوروبا- وتشريدهم في المدن الكبرى ودول أوروبا الغربية، ولتوجيه اهتمامهم شحنهم النظام في شاحنات بالآلاف نحو الصحراء لاستكمال تثبيت حكمه وتوسيع سيطرة البرجوازية المغربية على أرض الصحراء وثرواتها، مستغلا حماس المغاربة وشعورهم الوطني المرتبط باسترجاع ما يسمونه “المناطق المسلوبة”.

ثروات الصحراء.. لا وطنية مزعومة

ما كان رهان النظام ليس استكمال وحدة ترابية، بل وضع اليد على ثروات كانت دول الجوار (موريتانيا والجزائر) تسعى لربحها وضمانها لبرجوازيتها الخاصة.

266 ألف كلم مربع من الأراضي، وثروات فوسفاطية من أجود الأنواع عالميا (%10 من الاحتياطي العالمي)، إضافة إلى ثروات معدنية أخرى وثروات بحرية… هي التي كانت تحرك أطماع النظام وبرجوازيته وملاكه الكبار، بينما جيشت مشاعر الكادحين والفلاحين الفقراء المنتزعة أراضيهم بدواعي “وطنية” وإدعاءات استكمال التحرير.

هذه الثروات المستغلة منها والكامنة هي التي كانت رهان المسيرة الخضراء، الثروات التي أسالت ولا زالت تسيل لعاب البرجوازية المغربية والإمبريالية، هي التي كانت دافع “وطنية” الاستبداد والسادة الرأسماليين، في حين كانت وطنية الكادحين وطنية صادقة ظنا منهم أنهم يحاربون لاسترجاع الصحراء من الاستعمار الإسباني. إن وطنية السادة تقيم بالذهب والعملة الصعبة، بينما وطنية الكادحين بالتضحيات والدماء وأهوال الحروب.

إن الجماهير التي تم شحنها في الشاحنات مكدسة، لازالوا يظنون أن اسبانيا تركت الثروات ولم تعد تستفيد من حبة رمل، لكن العكس هو الصحيح.

مدت دولة الملكية التي أرستها ترتيبات ما بعد نزع الاستعمار الفرنسي يدها إلى هذه الرقعة في البداية بشعارات سلمية المسيرة وبعد ذلك تكلفت الحرب، باستئناف ما بدأته المسيرة؛ أي كنس مغاوير مصفى الوالي السيد التي تحولت إلى حرب مدمرة دامت قرابة عقدين.

استعمار إسباني مترهل

في مدريد كان نظام فرانكو مشرفا على نهايته مع اقتراب وفاة العجوز فرانكو، ولم يرد رئيس الدولة بالوكالة خوان كارلوس في سياق انتقال سياسي سلس للسلطة، أن يبدأ الصفحة الأولى من ملكه ملطخة بالدم. فقد الثورة البرتغالية 1974، التي حفزها إصرار ديكتاتورية الجنرال كايتانو بالبرتغال آنذاك بالدفاع عن إمبراطورية استعمارية ضد حروب التحرر في موزمبيق وانغولا بوجه خاص، لا زالت ماثلة للعيان.

قامت مباحثات انتهت بسرعة إلى اتفاق مدريد الذي ينص على تقسيم الصحراء الغربية بين موريتانيا والمغرب. وافق الكورتس (المجلس التشريعي الإسباني) على اتفاقية 18 نوفمبر 1975 قبل يومين من وفاة فرانكو.

لم تتعرض الاتفاقية للبوليساريو، كما أن محكمة لاهاي لم تهتم بها، واستبعدت من المناقشات القانونية والمفاوضات الدبلوماسية؛ ولم يعد أمامها إلا أن تثبت وجودها في الميدان بقوة السلاح.

إجماع وطني

استغل الحسن الثاني المسيرة الخضراء لتحقيق إجماع وطني حول حكمه في ظرفية عرف فيها عرشه هزات كادت تسقطه؛ انقلابين عسكريين وحراك طلابي بتوجه ماركسي لينيني يدعو لإسقاط الملكية وإقامة جمهورية المجالس الشعبية انتهاء بكفاح مسلح شنه الجناح الثوري داخل الاتحاد الوطني للقوات الشعبية بداية السبعينات.

استغل النظام الحدث لتمتين “الجبهة الداخلية” وتصفية حساباته مع أعدائه الداخليين، من سياسيين حيث طوع الجناح المعتدل داخل الاتحاد الوطني للقوات الشعبية الذي أسس الاتحاد الاشتراكي ونزع آخر ذرة شيوعية عن حزب علي يعته الذي أسس التقدم والاشتراكية، بينما اجتث اليسار الجذري وأباده في السجون والمنافي وتحت التعذيب.

الجيش الذي كان بدوره مشتلا لمن يطمح في إسقاط الحكم، وجه اهتمامه نحو الصحراء يصارع الطبيعة وحرب عصابات مدمرة، حولته إلى مرتع للفساد والاغتناء بالنسبة لكبار الجنرالات.

الشعب يتحمل التكلفة

بعد أن حرم من أراضيه من فرصة عيش كريم، حمل النظام جماهير الشعب تكلفة مسيرة استكمال سيطرته على أرض الصحراء وتثبيت حكمه. ما كلفته المسيرات من ملايين الدراهم تم جمع جزء كبير منها من جيوب الكادحين المغاربة عن طريق اكتتاب وطني. تحولت ثمار المسيرة إلى جيوب الأعيان الموالين للنظام بالصحراء، ورفاقهم الرأسماليين الذين هبوا نحو الصحراء للاستثمار، بينما اكتفى آلاف الكادحين المكدسين في الشاحنات بميدالية وبطاقة المسيرة ورجعوا إلى امتهان البؤس في المدن الكبرى وقراهم الجبلية.

عنصرية وعنصرية مضادة

بعد أن استكمل النظام سيطرته على الصحراء، مد يده إلى أقدم سياسة إمبراطورية في التاريخ؛ فرق تسد. استعمل الشعور الوطني لدى المغاربة لتحريفه نحو عدو وهمي يريد النيل من “وحدته الترابية”، وماهى معه كل صحراوي يناضل ضد الاستبداد ويكافح من أجل حق تقرير المصير.

وفي حربه ضد البروليساريو، سلح النظام سكان بعض المناطق الصحراوية بكاملها، وزرع نعرة القبلية ضد وطنية الشهيد مصطفى الوالي السيد.

من جانبهم، ومن أجل ضمان ولاء جماهير الصحراء قام الأعيان بتطوير نظرة عنصرية مستمدة من قرون ما قبل الرأسمالية، وتعتبر كل قادم من الشمال مستوطنا يزاحمهم في المناصب يجب محاربته، ترسخت هذه النظرة مع انعدام التربية السياسية وتعمق جبهة البوليساريو في دهليز العمل الدولي وترك الجماهير دون موجه سياسي.

كلما وصل نضال الصحراويين إلى نقطة حساسة إلا وتقوم مواجهات دموية بين الصحراويين والقادمين من الداخل (انتفاضة 1999، كديم إزيك..)، يستغلها النظام لتشويه نضال الصحراويين، والأعيان لإثبات جدواهم في أعين نظام لم يستطع رغم القمع والامتيازات ضمان ولاء سكان الصحراء.

لا غنى عن الكفاح الموحد

بعد أن نجح النظام في دمج غالبية قيادات جيش التحرير في قواته المسلحة، فضل “إبراهيم التزنيتي” المعروف بالنمري مع 5 آلاف من رفاقه في جيش التحرير بالجنوب، التوجه إلى الصحراء ليناضلوا إلى جانب قبائل الصحراء ضد الاحتلال الإسباني، ونالوا إلى جانبهم نصيبههم من القنبلة الإسبانية والفرنسية والمغربية في عملية “إكوفيون/ أوراغون”.

وبعد أن تخلى العرش ومعارضته “المعتدلة” عن ضحايا هذه القنبلة، جاء التضامن الفعلي الوحيد “من المقاومين القدامى. نظم الفقيه البصري ترتيبات لاستقبال مئتي طفل من أبناء مجاهدي القبائل الذين أجلوا عن الصحراء الغربية بعد حملة إكوفيون/ أوراغون؛ حيث هيئت روضة دار التوزاني لإيوائهم والعناية بهم في الدار البيضاء. كان بينهم فتى طويل القامة اسمه مصطفى الوالي. من كان يفكر أن دار التوزاني ستغدو مستنبت قادة جبهة البروليساريو المستقبليين”. (جيل بيرو، صديقنا الملك).

هذه الروح الوحدوية والتضامنية هي التي يجب أن توجه نضالا الكادحين والعمال المغاربة والصحراويين معا، من أجل تقرير المصير السياسي والاقتصادي للشعبين، والخلاص من الديكتاتورية ومن الاضطهاد السياسي والاستغلال الاقتصادي.

ليس للعمال وطن… يا عمال العالم اتحدوا

==========

للإطلاع على المزيد من التفاصيل حول الموضوع، راجعوا مقال https://www.almounadila.info/archives/2930 ” المسيرة الخضراء: السياق… المستفيد والضحية؟”.

شارك المقالة

اقرأ أيضا