نضالات شغيلة الإدارة التربوية ضد الأوضاع الصعبة، مُعيقات النضال وسُبل الانتصار

بقلم: ع.م

يخُوض شغيلة التعليم العمومي، مسلك الإدارة، نضالات تُنم عن دينامية نوعية تعكس السخط العارم على تردي الأوضاع المادية والمهنية.

تعرف المراكز الجهوية للتربية والتكوين- مسلك الإدارة التربوية- حركية نضالية، توجت بمقاطعة امتحانات التصديق على مجزوءات الأسدوس الأول، مع أشكال احتجاجية متواصلة بمراكز التكوين. ويعتزم ضحايا المرسوم 02.18.294 المرتَّبين في الدرجة الثانية الذين تمت قهقرتهم في الدرجة، خوضهم اعتصام وطني بالرباط، بداية شهر مارس القادم، وتوالت بيانات فروع محلية وجهوية تدعو جمعيات المدراء والحراس العامون والنظار، للمبادرة باتخاذ اشكال نضالية ملموسة.

هذه الدينامية النضالية المستجدة هي نتيجة للتغيرات التي عرفتها شغيلة الإدارة التربوية مع إحداث المراكز الجهوية  للتكوين مقارنة بالعقود الفارطة وما رافقه من تدفق فئة شابة متحمسة لنفض غبار البؤس عنها.

تزامن ولوج هذه الفئة لتخصص الإدارة مع ما تعرفه الوظيفة العمومية من تعديات وتراجعات مسترسلة على كافة الأصعدة، ويعد الهجوم على شغيلة قطاع التعليم أبرزها، سعيا وراء تحميل الشغيلة كلفة انسحاب الدولة من تمويل هذه الخدمة، سواء عبر ضرب الاستقرار المهني بفرض التوظيف بالتعاقد أو ضرب نُظُم الترقية، والحركية الوطنية والتوجه نحو تكريس الحركية الجهوية، وضرب مكتسبات التقاعد وثقل المهام وتعددها مقابل نقص حاد في الأطر.

أوضاع مهنية تفتقد للكرامة

إذا كانت الهجمات السالفة الذكر عامة موجهة نحو كافة الشغيلة التعليمية، بل شغيلة الوظيفة العمومية عموما. نالت شغيلة الإدارة التربوية أيضا نصيبها من الهجمات، خاصة مع مراجعة الوزارة الوصية لمعايير تولي مهام إدارة للمؤسسات التعليمية (مدير، حارس عام) بالانتقال من معيار بالإسناد عبر إجراء المقابلة وفق معيار الأقدمية والنقطة الإدارية والسيرة المهنية، ولاحقا بإضافة شرط الحصول على  الإجازة وإعداد المشروع التربوي- دون  أي  تغيير في الوضعية المهنية (الأقدمية والدرجة والإطار) مع التمكين من تعويض جزافي والاحتفاظ بالإطار الأصلي- وانتهاءً بالتخرج من المراكز بعد اجتياز مباراة الولوج واستيفاء المجزوءات والنجاح في امتحان التخرج.

بدأ تطبيق الدولة لمخططها الحالي تحت شعار “تحديث الإدارة التربوية”، مع تخرج أول فوج بالمراكز سنة 2015، الذي يستهدف تكييف الإدارة التربوية مع مخططات الدولة في القطاع خاصة النزوع نحو رقمنة الإدارة لاستثمار المعلوميات بهدف الضبط والمركزة وتكثيف الاستغلال. هذه الرقمنة التي انضافت إلى مهام الإداريين مع الاحتفاظ بالإدارة الورقية دون زيادة في عدد الموظفين، ما أثقل كاهل شغيلة الإدارة بمهام متعددة وأشغال متكررة لا تنتهى، المقرون بقلة الاطر المكلفة بالإدارة

بناء على التوجهات التي رسمها ميثاق التربية والتكوين والمرسوم 2.02.376 المحدد لمهام الإدارة التربوية يتأكد الدور المفروض على هذه الفئة و المتمثل أساسا في الإشراف على تنفيذ سياسة “استقلالية المؤسسات التعليمية” وتفعيل إجراءات التملص التدريجي والممنهج للدولة من تمويل التعليم العمومي ومواصلة خوصصة القطاع من داخل المؤسسات التعليمي. ومن غاياته المركزية المس بالبعد التربوى  الصرف للمدرسة العمومية وربطها بعربة السوق وإضفاء ثقافة تدبير المقاولة بالعمل بمشروع المؤسسة، ودفع رؤساء المؤسسات لاستجداء التمويل تحت يافطة البحث عن الشركاء، والتوظيف بالتعاقد “الأساتذة والملحقين”، ما يجعل رؤساء المؤسسات صمامي الصدمات للدولة في مواجهة  التحركات النضالية لهذه الفئة، وتكريس التدبير المفوض لبعض الخدمات كالحراسة والنظافة والمطعمة والنقل من قبل شركات خاصة… ناهيك عن الخصاص الحاد في جميع الفئات خاصة التقنيين المساعدين والأطر، ومختلف الأعوان من السلالم الدنيا التي أوقفت الدولة تشغيلها نهائيا.

كل هذا يدفع العديد من “رؤساء” المؤسسات التعليمية خاصة بالابتدائي للقيام بمهام اضافية، كبواب  وكاتب وتقني ومحاسب ومدير واخصائي اجتماعي ونفسي وعامل نظافة… دون الحديث عن ساعات العمل التي تتجاوز 38 ساعة في الأسبوع لتمتد للعمل في أوقات الراحة والعطل، دون تعويض عن الساعات الإضافية والعمل بالمداومة في العطل السنوية “شهر غشت”، والتهديد المستمر بالإعفاء من المهام والذي يتدلى كسيف ديمقليس على رقاب الإداريين من قبل المدراء الإقليميين ومديري الأكاديميات خاصة منهم “إداريي الإسناد”.

ليست هذه المشاكل غير “غيض من فيض” مما تعانيه شغيلة الإدارة التربوية، ما يجعها فريسة سهلة أمام الأمراض المزمنة والفتاكة، كالسكري وأمراض القلب والضغط الدموي وضعف البصر والسمع والأمراض النفسية وغيرها من الأمراض المهنية المزمنة.

تنوع الفئات مصدر ضعف أم قوة:

تتشكل الادارة التربوية من فئات متعددة حسب السلك وطرق تولي الإدارة، والتي تشوش على وحدة مطالبهم وتنظيمهم واستعدادهم النضالي:

فئة الإسناد: التي تولت مهام الإدارة التربوية في جميع الأسلاك (حراس عامون ونظار ومديرين) حيث يجري انتقاءهم عبر المقابلة انطلاقا من معيار الأقدمية في الشغل والنقطة الإدارية، وفيما بعد معيار شهادة الإجازة والمشروع الشخصي… والتي تم العمل بها إلى حدود 2015. هذه العملية تُسند عبرها المهام الإدارية للموظف دون تغيير في الوضعية الإدارية مع الاحتفاظ بجميع الحقوق المكتسبة وبتعويض جزافي يختلف حسب المهام.

كما تعاني هذه الفئة من فئوية تعود لطبيعة سلكها (الابتدائي، الاعدادي، التأهيلي) والتي تختلف وضعيتها الادارية ومسار ترقيتها باختلاف طرق ولوجها للوظيفة العمومية. والتي تنعكس على أدوات تنظيمها واستعدادها النضالي وطبيعة المطالب…

المنتسبين للمسلك: الخريجون منذ أول فوج 2015 والذين ولجوا المراكز وفق شروط متعددة منها شهادة الاجازة، أربع سنوات كاملة في الدرجة الثانية واجتياز مباراة الدخول وامتحان التخرج مع سنة من التكوين النظري والميداني.

تخرجت ثلاثة أفواج قبل صدور القانون المنظم للوضعية الإدارية لهؤلاء سواء من حيث  طبيعة إطارهم ومهامهم… وقد انتظروا بعد معارك نضالية سواء من داخل المراكز أو على المستوى الوطني إلى حدود 2018 ليصدر مرسوم منظم لوضعيتهم،  من خلال تصنيفهم كأطر متصرفين تربويين، وفتح أفق الترقية إلى الدرجة الممتازة خاصة للخريجين القادمين من السلك الاعدادي والابتدائي والملحقين مع القهقرة في سنوات الاقدمية بالدرجة إلى سنتين جزافيتين في الدرجة الاصلية لديهم قبل ولوجهم للمراكز خاصة المرتبين في الدرجة الثانية، والقادمين من السلك الثانوي التأهيلي.

المتدربون بالمراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين – مسلك الادارة التربوية: الذين ولجوا المراكز بعد تغييرات في شروط الالتحاق بالتكوين مست سنوات الأقدمية في الدرجة؛ ست سنوات في الدرجة الثانية وسنتين كمدة في التكوين، مع وعد بتغييرات جديدة تمكن تصنيف المتخرجين بالدرجة الأولى مع منحهم شهادة التخرج. لكن رفض الوزارة إصدار مرسوم يستجيب لمطالب شغيلة الإدارة، دفع المتدربين للتحرك النضالي حتى لا يلقوا مصير الخريجين السابقين ضحايا المرسوم 294.

إن تعدد فئات الإدارة التربوية سيف ذو حدين؛ من جهة قد يشكل عائقا أمام أي تنظيم موحد وفعل نضالي مشترك بل يهددها خطر التشظي والبلقنة وما يتمخض عنه من لامبالاة تجاه الخطوات النضالية وتناسل تنظيمات صغيرة من “تنسيقيات” و”جمعيات”، كل منها يحارب من زاوية مصلحته الخاصة ومطاردة واهمة للسبق للفوز بتسوية وضعيته الخاصة حتى لا تعقدها مطالب الآخرين ما يجعله فريسة سائغة. أو فزاعة سهلة التفكك وفاقدة للضغط الكافي على الوزارة واجبارها على الرضوخ لتلبية مطالب هذه الفئات جمعاء. لكن هناك حد آخر إيجابي لهذا التنوع والتعدد يتمثل في القوة الميدانية التي يشكلها اتحاد وانصهار هذه الفئات في تنظيم ديمقراطي موحد، لتشكيل لحمة واحدة بملف مطلبي وطني موحد وخطوات نضالية موحدة وهو الوحيد في نظرنا الكفيل بإرجاع الكرامة لشغيلة الإدارة التربوية وتلبية مطالبها المشروعة وتجاوز وضع السخرة التي تعاني منه من كثرة المهام وكثافتها وساعات عمل تمتد لتشمل ساعات راحتهم الاسبوعية وعطلهم.

إن ملفا مطلبيا موحدا يشمل المطالب الجوهرية لمجموع الفئات وانتخاب لجان محلية وتنسيق وطني لخوض معركة مشتركة يمثل اللبنة الأولى نحو الهدف المنشود في التنظيم الديمقراطي الموحد والفعل النضالي المقرر من طرف القاعدة.

تعدد تنظيمي وفعالية مفقودة

على غرار ما تتصف به الساحة النضالية بقطاع التعليم من تعدد نقابي وجمعيات وتنسيقيات، ينسحب هذا الأمر على شغيلة الإدارة التربوية. فهناك قسم منظم بالنقابات إما عبر تأسيس نقابات خاصة بالإدارة التربوية تجمع كل الفئات كما هو الحال من داخل UMT  وFNE، أو في شكل سكرتاريات كما هو الحال مع كدش أو في إطار تنسيقيات كما هو الحال مع تنسيقية ضحايا المرسوم 294 المرتبين في الدرجة الثانية والذين أعلنوا عن الدخول في معركة مفتوحة أمام الموارد البشرية بالرباط وتنسيقية المتدربين بالمراكز الجهوية. ثم هناك فئة المنظمين في جمعيات مثل جمعية مديري الابتدائي وجمعية الحراس العامون والنظار وجمعية مديري الإعدادي ومديري الثانوي التأهيلي والهيئة الوطنية لأطر الإدارة التربوية التي تنظم بعض خريجي المراكز.

مشروع المطالب الأساسية كأرضية مشتركة للفعل النضالي:

  • إخراج المرسومين (المرسوم الخاص بالخريجين والمرسوم الخاص بالإسناد) اللذين ينصفان هذه الفئات سواء من حيث الإطار والدرجة والمهام والتعويض وساعات العمل والتراجع عن المرسوم 02.18.294 الذي خلف ضحايا في صفوف الخريجين.
  • ترقية جميع ضحايا المرسوم 02.18.294 المرتبين في الدرجة الثانية باحتساب سنة التخرج وبأثر رجعي إداري ومالي.
  • استفادة الخريجين من شهادة التخرج من المسلك.
  • تغيير الإطار لفئة الاسناد وتصنيفها كمتصرف تربوي دون قيد أو شرط ودون مساس بحقوقهم المكتسبة من أقدمية وترقية.
  • تحديد ساعات العمل في 36 ساعة مع التعويض عن الساعات الإضافية خاصة في بعض المناسبات كالإعداد للامتحانات وتنظيمها…
  • التعويض المالي للحراسة العامة والنظار… عن الامتحانات المحلية والجهوية والوطنية.
  • إسقاط المداومة في شهر غشت باعتباره الشهر الوحيد الذي يستفيد منه الإداريون كعطلة سنوية.
  • تمويل المؤسسات العمومية وتزويدها بالوسائل التربوية والديداكتيكية والتدبيرية قبيل انطلاق الموسم الدراسي.
  • توظيف الأطر الكافية بالمؤسسات التعليمية من حراس عامون ونظار وملحقين تربويين وإداريين ومساعدين تقنيين وعمال حراسة ونظافة…
  • توفير اخصائيين نفسيين واجتماعيين بالمؤسسات التعليمية.
  • الزيادة في التعويض عن المهام الإدارية وحصرها في البنيات التربوية للمؤسسات.
  • توفير السكن الوظيفي لجميع الأطر الإدارية بمؤسسات الاشتغال أو التعويض المادي عنه وفق السومة الكرائية بمنطقة الاشتغال إسوة بموظفي بعض أجهزة الدولة.
  • إحداث إطار مفتشي الإدارة التربوية يفتح في وجه المتصرفين التربويين.
  • فتح الأبواب أمام المتصرفين التربويين للتكليف بعملية التدريس والتأطير بالمراكز الجهوية.
  • تسهيل الحركية بين الأسلاك.
  • تنظيم حركة انتقالية وطنية سنوية لشغيلة الإدارة التربوية إسوة بباقي شغيلة القطاع.
  • إسقاط مخطط التشغيل بالعقدة الذي أصبح يشمل مجمل شغيلة القطاع.

ان الدينامية النضالية الحالية فرصة سانحة لفرض تحسينات تلبى مطالب شغيلة الإدارة التربوية. لكن تحقيق ذلك رهين بمدى قدرتها على توحيد نضالاتها على أرضية مطلبية مشتركة لمختلف فئاتها والتنسيق مع فئات أخرى تواجه نفس الوزارة التي تدبر الخطط لتشتيت الصفوف وبث الوعود الكاذبة وتغدية التسريبات المخادعة هي كلمة واحدة نريد النصر فلنوحد قوتنا.

ع.م

شارك المقالة

اقرأ أيضا