الأساتذة الموظفون بعقود: جيلٌ جديد يدخل غمار النضال ضد تهشيش وضعية أجراء التعليم

بقلم فاتح رضوان

تسارعت خطوات الحاكمين في اتجاه تنزيل رؤيتهم الاستراتيجية لتفكيك قطاع التعليم بالمغرب، التي انطلقت أولى حلقاتها مع صدور الميثاق الوطني للتربية والتكوين وتواصلت طيلة عقدين، بخطى محسوبة، مستفيدة من ميزان قوى لصالح من يحكمون، عنوانه الابرز، ضعف الحركة النقابية بالمغرب، أو بالتحديد افتقاد نضال الاجراء لقيادة طبقية حازمة غير منساقة مع اوهام التوافق الطبقي.
بعد سنين من التردد والتجريب، أخرج الحاكمون ورقتهم المتعلقة بتنفيذ تصورهم الليبرالي لما يسمونه «تدبيرا للموارد البشرية» قائم على ركنين أساسيين : الجهوية والتعاقد. واللذان يعنيان في التحليل الاخير ضربا لكل مكاسب الشغيلة التعليمية التي راكمتها عبر عقود من النضال وتضحيات جسام.
تم استغلال فرصة توافر ميزان قوى ملائم لإنزال التعديات، قوامه غرق القيادات النقابية في وحل التعاون الطبقي، وهزيمتها المنكرة في صد أحد ابرز الهجومات على الموظفين ممثلا في تنزيل منظور الدولة/البنك العالمي لملف «إصلاح أنظمة التقاعد».
تعمل الدولة الآن على استغلال معطى جديد كليا في القطاع، إنه «الانتقال الجيلي» القائم في التعليم الان. فبجانب عمليات التشغيل غير المسبوقة بالقطاع، 55 ألف أجير جديد عبر التعاقد، والتي تهم أساسا الشباب، تشجع الدولة عمليات مغادرة القطاع عبر التقاعد النسبي، مما سيمكنها من العمل بعد سنين قليلة مع شغيلة لم تخبر دروب التنظيم النقابي وآلياته وأسئلته ومشاقه ورهاناته وحدوده.
بالنتيجة، تؤسس سياسة الدولة في القطاع لمعطيات جديدة كليا في مسيرة نضال الشغيلة التعليمية :
– تفكيك وحدة الشغيلة الوطنية عبراعتماد الجهوية، وعبر تعدد الأنظمة/الفئات: موظفو أكاديميات، رسميون ….
– تهشيش وضع الشغيلة بفعل مفاعيل التعاقد.
– حرمان الشغيلة من خبرات التنظيم النقابي بفصلهم عن العناصر الأكثر كفاحية المتواجدين ببعض النقابات وبعض الفروع النقابية.
يمثل «مشروع النظام الأساسي لموظفي الأكاديميات» الإطار القانوني الذي بموجبه سيتم تنزيل رؤية الحاكمين لشكل استغلال «عمال التربية» ، حيث يرسم بشكل نهائي التراجعات التي خططت لها الدولة في القطاع، والتي يمكن تلخيص جزء منها في :
– جعل الاكاديميات، كمؤسسات عمومية، هي المشغل في القطاع بدل الدولة، بمعنى أنه لا تسري على موظفيها أحكام النظام الأساسي لموظفي وزارة التربية الوطنية.
– ارتباطا مع النقطة الاولى، جعل الموظفين الحاليين، بجميع فئاتهم وأسلاكهم ومسؤولياتهم (أطر التدريس – المراقبة التربوية – التوجيه والتخطيط – الأطر المشتركة – هيئة التدبير التربوي والإداري…)، في وضعية إلحاق لدى الأكاديميات، ويتم تنقيطهم وترقيتهم وتأديبهم بناء على مقتضيات هذا النظام.
– الترسيم النهائي لإخراج الشغيلة التعليمية من الاستفادة من الصندوق المغربي للتقاعد، وإلحاقهم بالصندوق الجماعي لمنح رواتب التقاعد. وقد يهم ذلك حتى الموظفون الحاليون مادامت الصيغة التي أتى بها المشروع مفتوحة على هذا الاحتمال.
– الترسيم النهائي لجعل ساعات عمل الشغيلة غير مقيدة بسقف معين : حيث حددت المادة 21 ساعات التدريس الخاصة بكل سلك تعليمي وأضافت : « ويلزم المعنيون بالأمر، بالإضافة إلى ساعات العمل المشار إليها أعلاه، القيام بالمهام المرتبطة بالحياة المدرسية، ومختلف المهام التي يحددها مدير الأكاديمية».
– الضرب النهائي لمبدأ الاستقرار في أماكن العمل، حيث نص المشروع في المادة 35 على : « يمكن نقلهم من مقرات عملهم ضمن النفوذ الترابي للأكاديمية المنتمين إليها إما بناء على طلبهم أو بناء على ما تقتضيه المصلحة الإدارية.» بحيث ستصبح مسالة نقل الأساتذة ضمن تراب الاكاديمية ( بعضها بحجم تونس) مجرد إجراء إداري في يد مصالح تدبير الموارد البشرية.
– ربط التشغيل في الوظائف التعليمية، ليس بحاجيات المجتمع، بل فقط بقدرة ميزانية الاكاديمية على تحملها (المادة 9).
بهذا المشروع، المرتقب ان تصادق عليه مجالس الاكاديميات في بداية شتنبر القادم، «سيتم دمج الأساتذة المتعاقدون مع الأكاديمية والسارية عليهم مقتضيات المقرر المشترك بين الوزارة المكلفة بالتربية الوطنية ووزارة الاقتصاد والمالية كما وقع تغييره وتتميمه، كل حسب مهام التدريس الموكولة إليه.» بمعنى انه عما قريب لن نتحدث عن اساتذة متعاقدين، بل عن «موظفي اكاديمية» ولن نتحدث عن موظفي وزارة التربية الوطنية بل عن «موظفين ملحقين بالاكاديمية».
تستمر قيادات النقابات التعليمية في «الحوار» مع وزارة التربية الوطنية بشأن النظام الأساسي الجديد لموظفي الوزارة، في حين أن كل الرهانات الآن توجد في المنظومة الجديدة للتدبير، وعلى رأسها الأكاديميات. تشتكي القيادات النقابية من تهميشها عند عقد المجالس الإدارية للأكاديميات، وتطالب بإشراكها في نقاش مشروع النظام الاساسي الخاص بموظفي الاكاديميات، في حين ان المطلوب هو تعبئة الشغيلة للنضال لأجل رفض إلحاقها بالأكاديميات ولأجل إسقاط المشروع برمته، بما يعني توحيد نضال الأساتذة الرسميين والمتعاقدين. بدل ذلك، عرفت معظم النقابات التعليمية صراعات داخلية «طاحنة» بين صغار بيروقراطييها لأجل قيادة المكاتب الجهوية، صراعات لم تناقش قط المسائل النضالية والبرنامجية، بل فقط تدابير لتحقيق طموحات صغار البيروقراطيين المتطلعين للمزيد من حصد الامتيازات مع النظام الجهوي الجديد.
ناضل الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد لمدة سنة، في ظل ضبابية مصيرهم، وفي ظل استنكاف شبه تام للنقابات القائمة عن القيام بحملات تعبئة حقيقية تنور أفهام الموظفين بما ينتظرهم، واكتفت ببيانات دعم ومساندة وحضور رمزي في المسيرتين الوطنيتين اللتان دعت إليهما التنسيقية الوطنية للأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد، ماعدا حضور بعض الفروع المكافحة التي دأبت على مؤازرة كل معارك الشغيلة التعليمية.
كانت المسيرتان المنظمتان من طرف التنسيقية الوطنية للاساتذة الذين فرض عليهم التعاقد، يوم الاحد 06 ماي 2018 بالرباط ويوم 23 يونيو 2018 بمراكش مؤطرتين بشعار الإدماج في الوظيفة العمومية، وعرفتا مشاركة كبيرة من طرف الأساتذة المتعاقدين، وشكلتا محطتين مفيدتين في طريق التمرس على تسيير النضالات، يمكن البناء عليهما لإعداد محطات نضالية قادمة. لكن النقطة الاساسية التي ينبغي الانتباه إليها هي ضرورة خرط كل الشغيلة التعليمية في النضال ضد مشروع تفكيك القطاع عبر رفع المطالب المناسبة: عنوانها إسقاط مشروع النظام الاساسي لموظفي الاكاديميات، والنضال لأجل نظام اساسي لموظفي وزارة التربية الوطنية يشمل الجميع، مع مطالب مستعجلة :
– انخراط الجميع في الصندوق المغربي للتقاعد، والتراجع عن التخريب الذي طاله.
– تخفيض ساعات العمل.
– رفض المساس باستقرار الشغيلة التعليمية، عبر رفض صيغ إعادة الانتشار، كما تم التنصيص عليها في»مشروع النظام الأساسي لموظفي الاكاديميات».
وعلى أساس هذه المطالب، وغيرها، يجب أن تتم التعبئة الشاملة لمعارك وطنية موحدة مفروضة من قبل القاعدة في الفروع النقابية ومسيرة ذاتيا، وذات دينامية مفتوحة على تجديد الحركة النقابية بكنس كل المتسببين في إلحاق الهزائم بنضالات الشغيلة. ولن يتم ذلك إلا بانخراط كل المناضلين في مشروع إعادة بناء الحركة النقابية بالمغرب على أسس الكفاح والديموقراطية والاستقلال عن الدولة وعن ارباب رأسالمال وعن ممثليهم السياسيين بمختلف تسمياتهم. فلا أفق لمعارك فئوية ومشتتة أمام عدو موحد مصر على ضرب مكاسب الأجراء أينما كانوا في القطاع العام أو الخاص.

نشر المقال ضمن مواد العدد 71 من جريدة المناضل-ة يوليوز/غشت 2018

شارك المقالة

اقرأ أيضا