قبل 30 سنة إضراب شغيلة سكك الحديد التاريخي: تناول أكاديمي

قبل ثلاثين سنة، يوم 27 أبريل 1995، انطلق اضراب شغيلة سكك الحديد ليستمر شهرا. كان آخر إضراب بهذا النفس الطويل شهده القطاع. فرض خلاله العمال وحدة النضال برغم أنف القيادات العليا لمختلف النقابات، الاتحاد المغربي للشغل و الكونفدرالية الديمقراطية للشغل و الاتحاد العام للشغالين. مذاك دخل القطاع حقبة تراجع نضال عميق لا يزال قائما.

الجيل العمالي الذي خاض هذه المعركة غادر معظمه القطاع، بتسريح ضحايا الهشاشة، وبتقاعد قسم كبير. اليوم لا يبرز القطاع كقلعة نضال، ولا علم لشغيلة القطاعات العمالية الأخرى بما يجري به من استغلال و أساليب تفادي عمل نقابي مناضل.

حفظا لذاكرة الكفاح العمالي بهذا القطاع، ننشر أدناه تناولا أكاديميا، فصلا من أطروحة دكتوراه، نستأذن  صاحبها ونشكره على هذا الاهتمام بنضال الطبقة العاملة:  

 

نزاع مستخدمي المكتب الوطني للسكك الحديدية(*)

إن الإضرابات الكبرى المندلعة داخل القطاع العام تثير مسؤولية مباشرة لجهاز الحكومة، وتمس الدواليب الأساسية لاشتغالها، إلا أن هناك قطاعات أخرى استراتيجية كقطاع السكك الحديدية الذي تميز بأهمية بارزة داخل النسيج الاقتصادي المغربي منذ مرحلة الحماية، لارتباطه الوثيق بتطور كافة القطاعات، و في هذا السياق عمدت الدولة إلى تأميمه و الإشراف عليه بكيفية مباشرة.

ويلاحَظ أن السككيين خاضوا حركات إضرابية أثناء محطات متعددة، فخلال شهر ماي لسنة 1983 وقع إضراب دام 19 يوما شُلت أثنائه حركة التنقل عبر القطارات.

إلا أنه خلال شهر ماي لسنة 1995 شهد قطاع السكك الحديدية بالمغرب أطول حركة إضرابية، بلغت شهرا كاملا، واتخذت شكل إضراب مفتوح بسبب التمديد المتوالي لفترات الإضراب من طرف المركزيات النقابية ك.د.ش وا.م.ش وا. ع. ش. م.

ففي البداية خاض السككيون وقفات احتجاجية متقطعة خلال شهر مارس وأبريل بحيث لجأوا إلى القيام بوقفات احتجاجية متقطعة قبل الدخول في إضراب لمدة شهر كامل. وتمثلت في التوقف عن العمل لمدة ساعة من 10 إلى 11 صباحا يوم الأربعاء 29 مارس 1995، ثم عرف يوم 27 أبريل 1995 إضرابا إنذاريا لمدة 24 ساعة. بسبب لجوء الإدارة العامة للمكتب الوطني للسكك الحديدية إلى اتخاذ تدابير تمس جوانبل يعتبرها السككيون حقوقا مكتسبة. وتهم أساسا توقيف منحة عيد الفطر وعيد الأضحى.[1]

وتدخل التدابير التي اتخذتها الإدارة العامة للمكتب الوطني للسكك الحديدية، في إطار رغبة الإصلاح وتجاوز الإختلالات المالية التي يتخبط فيها المكتب. فتم تعيين مديرجديد على رأس هذه المؤسسة. هذا الأخير صرح أن له كل الصلاحيات والحرية لاتخاذ كل الإجراءات الضرورية والمستعجلة لإصلاح القطاع. [2]

وترجع الأسباب المباشرة والصريحة لاندلاع الوقفات الاحتجاجية، ثم الدخول في إضراب لمدة شهر كامل إلى إصرار الإدارة العامة على عدم تسديد منحتي عيد الفطر وعيد الأضحى ومنحة السكن والتمدرس والنقل وبطاقات السير بالنسبة للأطر، ثم حرمان هذه الفئة من بطاقات التنقل المجانية والطرد لأسباب تعتبرها النقابات تافهة. فضلا عن التخلي عن التزامات الإدارة العامة للسكك الحديدية أثناء اجتماع اللجنة المركزية بتاريخ 13 أبريل 1995 وتعليق اجتماعها الذي كان مقررا بتاريخ 31 مارس1995. [3]

أما بالنسبة للأسباب الخفية لهذا النزاع فترجعها جريدة العلم والمركزيات النقابية من جهة إلى تخبط قطاع السكك الحديدية في أزمة نتيجة تطبيق سياسة التقويم الهيكلي في هذا القطاع الإستراتيجي. فالدولة قلصت من الاعتمادات المالية التي كانت تخصصها سنويا للمكتب من 82 مليار سنتيم إلى 20 مليار سنتيم في السنة ابتداءا من سنة 1987. وبموازاة مع ذلك لم تتغير وتيرة استثمارات المكتب ومصاريف الصيانة. ومن جهة أخرى ترجع أسباب الأزمة إلى سوء ترتيب الإدارة العامة للأولويات واختيار مشاريع لا تحقق أية مردودية. إضافة لانعدام الشفافية وغياب تسيير عقلاني للموارد المادية والبشرية. ويؤكد هذا الوضع تقرير صادر عن :مكتب أمريكي للدراسات أندرسون” الذي تكلف باجراء بعض الفحوصات المالية، فورد ضمن هذا التقرير أن المكتب الوطني للسكك الحديدية عانى طويلا من سوء التسيير وسوء التدبير فترتب عن ذلك ضخامة مديونية القطاع. [4]

وفي هذا الإطار تساءلت بعض الصحف الوطنية عن سبب الاكتفاء بالاستغناء عن خدمات المدير السابق دون مساءلته أو محاسبته عن وضعية المكتب ونتائج تسيره سنيناطويلة للقطاع، كما تساءلت عن سبب انعدام مراقبة الحكومة للمكتب عن طريق المجلس الإداري الذي لم ينعقد لعدة سنوات. وبالتالي يتم التكتم على ملف عملية تدقيق الحسابات الذي أجري سنة 1994، ولم يتم إبلاغه للرأي العام. [5]

وبالرجوع إلى الوقفة الاحتجاجية ليوم 29 مارس 1995، فقد شملت المؤسسات والإدارة العامة للمكتب الوطني للسكك الحديدية بالرباط، ومكاتب تسليم التذاكر وإرسال البضائع المستعجلة. ورغم ذلك ظلت الإدارة متمسكة بعدم التراجع عن مواقفها ولجأت إلى اقتطاع نصف يوم من أجرة المستخدمين. كما التزمت الإدارة الوصية الصمت ولم تبد اهتماما بالمراسلات التي وجهتها النقابات للمسؤولين من أجل إثارة انتباههم لما يعرفه القطاع. [6]

وأمام رفض الحوار من طرف المدير العام للمكتب حول الأسباب المباشرة لاندلاع النزاع، أعلنت النقابة الوطنية للسككيين (ك.د.ش) إضرابا لمدة 24 ساعة بتاريخ 27 أبريل 1995، وانضمت إليها منظمة الاتحاد المغربي للشغل. فردت الإدارة المركزية لقطاع السكك الحديدية على قرار الإضراب بمنع السككيين من سحب شيكات الأجور، بهدف التأثير على إرادة العمال وتراجعهم عن تنفيذ الإضراب.

فترتب عن عدم أداء أجور الشغيلة، اعتصام احتجاجي داخل كافة المراكز وبالنسبة لمدينتي القنيطرة وتازة ومحطة الدار البيضاء، اعتصم السككيون فوق السكة الحديدية وابتداءا من الساعة الواحدة زوالا، بدأ تنفيذ شن إضراب وطني لمدة 24 ساعة فغادر السككيون كافة المؤسسات ومحطات التوقف، فألغى المكتب الوطني للسكك الحديدية الخطوط الرئيسية الطويلة، واكتفى بالحفاظ على الخط الرابط بين مدينتي الرباط والدار البيضاء عن طريق استخدام عناصر خارج إطار السككيين، بهدف الإيحاء بفشل الإضراب. [7]

ثم قررت المركزيات النقابية الثلاث (ك.د.شوا.م.ش وا. ع. ش.م) خوض إضراب وطني عام لمدة 48 ساعة، ابتداء من الساعة العاشرة صباحا من يوم الأربعاء 3 ماي ورغم محاولة إدارة المكتب الوطني للسكك الحديدية أثناء فترة الإضراب تحريك بعض القطارات. إلا أنه تم توقيف القطارات التي تربط الخطوط الطويلة، وتم توقيف النقلالتجاري بصفة تامة.

وأُجريت أثناء الإضراب الممتد لمدة 48 ساعة يومي 3 و4 ماي، محاولتان لفض النزاع، إلا أنهما باءتا بالفشل. بالنسبة للمحاولة الأولى تمت إثر اجتماع في اليوم الثاني من الإضراب وضم كلا من وزير النقل والإدارة العامة للمكتب الوطني للسكك ومنظمة الإتحاد المغربي للشغل، فوقع المشاركون برتوكول اتفاق. إلا أن ممثل المنظمة لم يتمكن من إقرار هذا الاتفاق من قبل القاعدة التي ظلت تتشبث بمواصلة الإضراب لكونه لا يلبيمطالبها.

وبخصوص المحاولة الثانية فتمت إثر لقاء لوفد عن النقابة الوطنية للسككيين (ك.د.ش) مع وزير النقل وبحضور المدير العام للمكتب، ولم يسفر هذا اللقاء عن أي اتفاق.

وذكرت جريدة “L’opinion” بأن المركزيات النقابية لجأت إلى الإعلان من جديد على إضراب لمدة 96 ساعة ابتداء من يوم الاثنين 8 ماي 1995 إلى يوم الجمعة 12 ماي 1995. فحاولت الإدارة العامة للمكتب المناورة لإفشال هذا الإضراب، عن طريق استقبال كل نقابة على حدة. إلا أن السككيين دخلوا في حركة تنسيقية بينهم لتنفيذإضرابهم. [8]

وتعرض السككيون أثناء مواصلتهم للإضراب الوطني العام لمدة 96 ساعة إلى ضغوطات تمثلت في استدعاء مناديب العمال وأعضاء المكاتب المحلية النقابية إلى معظم العمالات، ومطالبة رؤساء المحطات بتوقيع التزام للحضور إلى العمل أيام الإضراب. إلا أنهم رفضوا هذا الإجراء الرامي إلى تكسير الحركة الإضرابية وحتى الأشخاص الذينوقعوا ورقة التسخير (Requisition) تحت التهديد والإكراه فقد شاركوا في تنفيذ الإضراب.[9]

فتم خلال اليوم الأول من الإضراب، معاينة حالة شبه شلل تام في محطات القطار في مدينتي الرباط والدار البيضاء وفي العديد من المدن، باستثناء عدد قليل من القطارات التي تم تحريكها عن طريق تشغيل عسكريين وبعض السككيين المتقاعدين.

وفي هذا السياق وجهت النقابة الوطنية للسككيين (ك.د.ش) نداء للمسافرين تعتذر لهم فيه على قرار الإضراب. وتخبرهم أن القطارات التي تشغلها الإدارة أيام الإضراب تفتقر إلى الشروط الأمنية، لكون سياقتها تتم بواسطة غرباء عن القطاع. [10]

وصادف الإضراب الممتد لمدة 96 ساعة عطلة عيد الأضحى. فأصدرت المديرية العامة للسكك الحديدية تصريحا نشرته وكالة المغرب العربي للأنباء، يشير إلى أن أسباب الإضراب تنحصر في المطالبة بتحويل تعويض منح بمناسبة عيد الفطر وعيد الأضحى. والذين تم اقتطاعهما من الأجرة على مدى 10 أشهر، إلى علاوة غير قابلة للتسديد. وأشار التصريح كذلك أن محاولة منع الإضراب، تدخل في إطار الحرص على مصالحالمواطنين الذين سيستعملون القطار أثناء عطلة عيد الأضحى. [11]

وردَّت جريدة العلم على هذا التصريح، بأن منحة العيدين حق مكتسب وأن ترشيد النفقات يقتضي أن ينصب على نفقات أخرى للمكتب، والاهتمام بمصير تدقيق الحسابات الذي أنجزه مكتب دراسات أجنبي. [12]

وعقب تنفيذ الإضراب، نشرت جريدة الاتحاد الاشتراكي معلومات تفيد اعتقال ثمانية سككيين رفضوا الخضوع لأوامر التسخير، وإحالتهم على النيابة العامة، فوجه المكتب التنفيذي للكنفدرالية الديمقراطية للشغل برقيات احتجاج إلى كل من الوزير الأول و وزير العدل ووزير الداخلية ووزير الأشغال العمومية و وزير النقل.

كما احتجت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان والمنظمة المغربية لحقوق الإنسان على هذا الإجراء، ووجهت هذه الأخيرة رسالة مفتوحة إلى وزير الدولة في الداخلية جاء فيها: “أُخبرت منظمتنا بأن عددا من الشغالين توصلوا بأوامر تسخير صادرة عن المصالح التابعة لوزارتكم بتاريخ 8 ماي 1995 وبالتالي لا يسع منظمتنا إلا أن تحتج بكل قواها ضد إجراءات التسخير المتخذة من لدن وزارتكم على هامش دولة القانون طالبة إلغاءها”. [13]

واعتبرت المنظمة أن أوامر التسخير لا تستند إلى أساس قانوني سليم، علاوة على كونها تخرق القانون الأساسي للدولة والتزاماتها. بحيث أصدرت السلطات المحلية في عدد من العمالات والأقاليم أوامر تسخير عمال ومستخدمي المكتب الوطني للسكك الحديدية، مستندة إلى ظهير 13 شتنبر 1938 الذي كانت تستخدمه السلطات الاستعمارية لتسخير الشغيلة المغاربة إيان الحرب. [14]

وتقدمت مديرية الحريات العامة والتقنين بوزارة الداخلية بتوضيحات حول مسطرة التسخير، أوردتها جريدة الصحراء في مقال تحت عنوان “توضيحات حول مشروعية مسطرة التسخير”، ويمكن أن نقرأ ضمن هذا المقال: “… إن حق تسخير الأشخاص والممتلكات مخول بموجب عدة نصوص من بينها على الخصوص ظهير 13 شتنبر 1938… إن النصوص الجاري بها العمل المتعلقة بتعيين تسخيرهم بطلب من الإدارة المختصة وهي في هذه الحالة المكتب الوطني للسكك الحديدية، بالامتثال…”.

وردَّت بعض الصحف الوطنية على ما تقدمت به وزارة الداخلية، معتبرة أن القول بتفعيل مسطرة التسخير تنفيذا لطلب إدارة أو مؤسسة عمومية يتجاوز أحكام الدستور والالتزامات الدولية، كما ذكرت بعض الصحف الوطنية أن ديباجة الدستور المغربي تشير إلى التزام المغرب بحقوق الإنسان كما هو متعارف عليها دوليا. إضافة إلى مصادقة المغرب على العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. وينص هذا العهد في مادته 38 على أنه لا يجوز إكراه أحد على السخرة أو العمل الالزامي. كما تنص الاتفاقية 105 لمنظمة العمل الدولية في مادتها الأولى، أن كل عضو يصادق على الاتفاقية، يتعهدبحظر أي شكل من أشكال عمل السخرة أو العمل القسري، وبعدم اللجوء إليه كعقاب على المشاركة في إضرابات. [15]

وترتب عن رفض الإدارة العامة للمكتب الوطني للسكك الحديدية وتماطلها في الاستجابة لمطالب السككيين، وتملص الجهات الحكومية من التدخل لحمل الإدارة على تسوية النزاع لجوء المركزيات النقابية إلى حركة تصعيدية، والدخول في إضراب مفتوحعن طريق التمديد المتوالي للإضراب بلغ شهرا كاملا.

وتميز هذا الإضراب بضعف التواصل وتحديد الأهداف بين النقابات، بحيث برز اختلاف بخصوص فترات التمديد، ففي الوقت الذي تعلن أحد المركزيات النقابية التمديد لمدة 24 ساعة، تعلن المنظمة الأخرى التمديد لمدة 48 ساعة أو 96 ساعة. كما حصلت بعض الاتفاقات المنفردة التي أثارت إعتراض باقي المركزيات والمناضلين السككيين. وهذا رغم انضمام المركزيات النقابية الثلاث إلى حركة التمديد المتوالية للإضراب وتكوينها لجنة للتنسيق بين النقابات. تعمل على صيانة توصيات ترمي إلى التوافق حول خطوات الإضراب. [16]

وخلَّف هذا النزاع الذي دام شهرا كاملا، آثارا سلبية على الاقتصاد الوطني وخسارة كبرى في مداخيل المكتب الوطني للسكك الحديدية تقدر بحوالي 30 مليار سنتيم. إضافة لارتباك شديد في سير العديد من المؤسسات والمقاولات، وتعثر شبه كلي لنقل السلع والبضائع والمسافرين، وعلى العموم أدى إلى توتر واستياء لدى مختلف شرائحالمجتمع. [17]

وموازاة مع هذا الوضع، ظل موقف المدير العام للمكتب الوطني للسكك الحديدية مصرا على رفض مناقشة المطالب النقابية. وهذا رغم إبداء الحكومة بعد ازدياد توتر الحركة الإضرابية، لرغبتها في إيجاد تسوية للنزاع. لذا أصدرت النقابة الوطنية للسككيين التابعة لـ(ك.د.ش)، بلاغا للتنديد بمواقف الإدارة الشيء الذي يعكس تناقض تصريحاتالمسؤولين، وصعوبة فهم ومعرفة المسير الحقيقي للقطاع بحيث استقبل الوزير الأول (عبد اللطيف الفيلالي) بتاريخ 18 ماي 1995 مسؤولا عن الكنفدرالية الديمقراطية للشغل، والتزم بتسوية المشكل.

وفي نفس اليوم تم اجتماع مع المدير العام فرفض النقاش حول المطالب النقابية وتلتقي المطالب النقابية [18] حول النقاط التالية: [19]

  • احترام حق الإضراب؛
  • الحفاظ على المكتسبات؛
  • أداء الساعات الإضافية ومصاريف التنقل؛
  • منحة السكن؛
  • توقيف التنقيلات التعسفية وتدابير تأديبية أخرى توصف بالقمعية وتمس بالحقوق؛
  • إجراء حوار حقيقي بين السلطات والإدارة العامة من جهة والسككيين من جهة.

وتجدر الإشارة أن التلفزة المغربية خصصت حصة لوزير النقل، قدم خلالها توضيحات حول إضراب السكك الحديدية، في حين حُرم ممثلو الشغيلة من إعطائهم فرصة إبداء مواقفهم. [20]

وبدأت تظهر ملامح لفتح الحوار، بعد مرور خمسة وعشرين يوما على النزاع. نتيجة عقد الإدارة العامة للمكتب الوطني للسكك الحديدية ووزارة النقل الاجتماعات مع النقابات، فصرح وزير النقل في لقاء مع ممثلي النقابة الوطنية للسككيين (ك.د.ش)، بأن الوضعية المالية للدولة والأزمة التي يعرفها القطاع لا يسمحان باتخاذ أية مبادرة.

واكتفى بإعطاء وعود لتحسين وضعية السككيين مستقبلا، كما أن المدير العام صرح بخصوص منحة العيد أنه سيتم صرفها في حالة تحسن الوضعية المالية المكتب إلا أنه يصر على عدم الاعتراف بأن منحة العيدين حق مكتسب للسككيين.

كما رفض المدير العام صرف أجور أيام الإضراب بحجة أنه تلقى تعليمات صريحة في هذا الشأن، ورغم هذه الجولات من المفاوضة استمر الإضراب داخل القطاع سبيا خسائر القطاعات حيوية في الاقتصاد المغربي، بحيث توقف معمل (كوسمار) للسكر عن إنتاج أحد أنواع السكر بسبب انعدام وسائل النقل من واد زم، فوجهت هذه الشركة إعلانا العمال بالتوقف لمدة ثلاث أيام عن العمل. [21]

وبعد فشل كل الاجتماعات واللقاءات بين الحكومة والإدارة العامة والنقابات لتسوية هذا النزاع واستمرار الحركة الإضرابية تدخل المجلس الاستشاري لمتابعة الحوار الاجتماعي بأمر من الملك الراحل الحسن الثاني للتناول بالدراسة وضعية العاملين في السكك الحديدية في دورة استثنائية ليوم الخميس فاتح يونيو 1995.[22]

وتضمن الرأي الاستشاري للمجلس التأكيد على الجوانب التالية:

  • ترسيخ احترام المكتسبات الاجتماعية؛
  • وضع منحة المردودية وتمنح لكل مستخدم، عوض منحة الأعياد ومبلغها يعادل أو يفوق 1300 درهم سنويا؛
  • تحمل جزء من أيام الإضراب؛

أما باقي المطالب فتم التفاوض في شأنها على أساس التوافق بين الإدارة العامة المكتب الوطني السكك الحديدية والنقابات.

وترتب عن بلورة توصيات المجلس الاستشاري لمتابعة الحوار الاجتماعي إعلان المركزيات النقابية قرار استئناف العمل يوم 2-6-95 على الساعة الواحد زوالا..

إلا أن الاتحاد العام للشغالين بالمغرب والكنفدرالية الديمقراطية للشغل احتجا لاحقا على المماطلة في تنفيذ توصيات المجلس الاستشاري، والمتعلقة بأداء أيام الإضراب والتنديد بممارسات انتقامية من المستخدَمين، تمثلت أساسا في التنقيلات التعسفية وعدم أداء الساعات الإضافية. [24]

يستنتج من خلال هذا النزاع أن عجز مختلف الفاعلين عن إيجاد تسوية، وتصلب مواقف إدارة السكك الحديدية أدى إلى تدخل إيجابي للمجلس الإستشاري لمتابعة الحوار الإجتماعي بحيث أعطى هذا التدخل دليلا على أهمية منطق الحوار والتفاوض الذي حاولت السلطات العمومية إطلاق ديناميته منذ مطلع التسعينات. وفي هذا الإطار قدم نزاع مستخدمي السكك الحديدية نموذجا لتجربة ناجحة لتسوية النزاعات والتخلي عن الأسلوب الزجري لقمع الحركة النقابية، إضافة إلى التمهيد لتغيير العقليات والممارسات الرافضة للعمل النقابي وثقافة الحوار. [25]

(*) المصدر: راجي علاء الدين، “الحركة النقابية والنزاعات العمالية في المغرب ما بين 1956 و 1996” (اطروحة دوكتوراه في القانون العام 2009-2010).جامعة محمد الخامس- كلية العلوم القانونية  والاجتماعية، الرباط- اكدال، صفحات 147 إلى 156.

إحالات :

[1] أنظر: جريدة أنوال الصادرة بتاريخ 95/4/25.

جريدة الاتحاد الاشتراكي الصادرة بتاريخ 95/4/26

Libération du 28/31995

[2] تم تعيين “محمد لعلج مديرا عاما للمكتب الوطني للسكك الحديدية بتاريخ 20 يوليوز 1994 خلفا لـ”موسى المساوي” الذي تربععلى رأس هذه المؤسسة لمدة تتراوح ربع قرن.

أنظر: جريدة أنوال الصادرة بتاريخ 1995/5/11.

[3] تمثل اللجنة المركزية أعلى هيئة تقريرية منتخبة في المكتب الوطني للسكك الحديدية، يحضرها كافة المديرين العامين والمساعدين والكتاب العامين لجميع النقابات المعترف بها. وتنعقد حسب القانون المنظم لها مرة كل شهرين لتدارس القضايا والمشاكل المطروحة.

انظر: جريدة الاتحاد الاشتراكي الصادرة بتاريخ 95/4/26.

[4] انظر: جريدة العلم عدد 16811 الصادرة بتاريخ 95/5/7.

[5] أنظر: جريدة أنوال الصادرة بتاريخ 18-95/9/19.

والصادرة بتاريخ 95/5/9

والصادرة بتاريخ 95/5/31

L’opinion du 07/05/1995

[6] انظر: جريدة الاتحاد الاشتراكي الصادرة بتاريخ 95/3/31.

[7] أنظر: جريدة أنوال الصادرة بتاريخ 95/4/29.

Libération du 28/4/95.

[8] تم التحاق منظمة (ا.م.ش) تحت تأثير مناضليها بالحركة الإضرابية.

انظر: .l’opinion du 8/5/95 .

[9] انظر: جريدة الاتحاد الاشتراكي الصادرة بتاريخ 95/5/9.

[10] انظر: جريدة الاتحاد الاشتراكي الصادرة بتاريخ 95/5/9.

[11] أنظر : جريدة الأنباء الصادرة بتاريخ 95/5/10.

[12] أنظر: جريدة العلم الصادرة بتاريخ 95/5/10.

[13] انظر: جريدة الاتحاد الاشتراكي الصادرة بتاريخ 1995/5/11.

جريدة أنوال الصادرة بتاريخ 1995/05/15.

[14] أنظر : جريدة أنوال الصادرة بتاريخ 95/5/15.

[15] أنظر: جريدة الإتحاد الاشتراكي الصادرة بتاريخ 1995/5/15.

جريدة العلم الصادرة بتاريخ 1995/5/14

[16] أنظر : جريدة الاتحاد الاشتراكي الصادرة بتاريخ 1995/5/24

جريدة بيان اليوم الصادرة بتاريخ 1995/5/14

L’opinion du 16/05/1995

 [17] أنظر : جريدة بيان اليوم الصادرة بتاريخ 1995/06/02

[18] انظر: جريدة الاتحاد الاشتراكي الصادرة بتاريخ 95/05/22

Libération du 05/06/1995

Libération du 20-21/06/1995

[19] انظر: le Matin du Sahara du 28/05/1995

[20] انظر: جريدة العلم الصادرة بتاريخ 95/7/27

[21] أنظر:Libération du 30/05/1995

[22]: أنظر جريدة الأنباء الصادرة بتاريخ 31 /05/1995

جريدة الاتحاد الاشتراكي الصادرة بتاريخ 95/5/31

[23] أنظر: Le Matin du Sahara du 13/06/1995

[24] أنظر : l’opinion du 15/06/1995.

l’opinion du 28/6/1995.

[25]

mohamed Amine BENABDALLAH: l’expérience du conseil consultatif pour le suivi du dialogue social In: bulletin économique et social du Maroc: Rapport du social 2002.éditions Okad.2002.p: (39-42)

شارك المقالة

اقرأ أيضا