الشباب قيود الأخلاق التقليدية وما تتيحه التكنلوجيا الحديثة من انفتاح على الآخر

الشباب و الطلبة5 نوفمبر، 2025

بقلم: ماسين

يعيش الشباب المغربي مفارقة بنيوية تُعبّر عن طبيعة التشكيلة الاجتماعية–الاقتصادية نفسها: فمن جهة، يستمر حضور بنى ما قبل–رأسمالية، بعد أن كيَّفتها الرأسمالية لصالحها (الأسرة الممتدة، الأعراف الأبوية، والدين المسيس) كأجهزة لإعادة إنتاج الهيمنة على الشباب، حيث تُضبط الأجساد وتُقمع الحريات الفردية، خصوصاً لدى الإناث، بما يضمن استمرارية الطاعة والخضوع للسلطة البطريركية والاجتماعية عموما. هذه البنى التقليدية لم تعد مجرد ترسبات الماضي، بل وسيلة أُعيد دمجها في المشروع الرأسمالي المندمج من موقع التابع في عولمة نيوليبرالية تكرس نمطية قائمة على ثقافة استهلاكية ومبدأ البقاء للأقوى والويل للضعفاء. انعكست الازمة العميقة للأنظمة القائمة في أزمة ايديولوجية/أخلاقية. أثرت بشكل مباشر على الفئات السفلى من الهرم الاجتماعي، نساء وشبابا، ويعد الشباب أول القطاعات التي تبدي أشكال مقاومة حثيثة ضد هذه الأزمات.

  • الشباب في المغرب ،استغلال اقتصادي و ثقل المورث التقليدي

تقدر الإحصاءات الرسمية لسنة 2024 الشباب في المغرب بحوالي 6 ملايين، يعانون ويلات السياسة الرأسمالية التي تطبقها الدولة. هده السياسة قوضت التعليم العمومي، مقابل تشجيع القطاع الخاص،وما ترتب عنه من ضرب جودة التعليم، بسبب نقص التجهيزات و الاكتظاظ وقلة المطاعم المدرسية وارتفاع كلفة الكتب والادوات المدرسية..الخ، و  نقص التوظيف الذي فاقم أزمة الخصاص الحاصل والمتراكم لسنوات. لكن أقسى معاناة الشباب المغربي تتجسد في بطالة جماهيرية[1] أضحت قدرا مفروضا على معظمهم. انتقل معدل البطالة في العقد الأخير من 16.2% الى %21.3، ذلك راجع أساسا لسياسية التقشف الممارس من طرف الدولة في التشغيل العمومي وعجز الاستثمار  الخاص أن يشغل اليد العاملة المتدفقة بحثا عن عمل، خاصة وأن الدولة كرست  العمل الهش والمرونة من خلال الشركات من باطن وشركات المناولة، ما يعرض الشباب لأبشع أنواع الاستغلال في العمل وبأجور زهيدة، وانتهاك سافر للقانون الشغل بعلاته ، ما يُديم وضعية الفقر لدى هذه الفئات، ويُحبط طموحاتهم التي وُعدوا بتحقيقها بالاندماج في المنظومة الرأسمالية ككل.

يجد الشباب أنفسهم في خضم أزمة ايديولوجية وأخلاقية يعكسها التناقض بين ما تلقنه الأسرة والمدرسة من قيم محافظة يكذبها الواقع الملموس في المجتمع، فصار الانفتاح على الثقافات الأخرى اكثر اتساعا، فاصطدمت الشبيبة بواقع يحجب قيم الحرية التي تتبجح بها القوى الرأسمالية، ما وجدوه أمام أنظارهم سيادة القمع السياسي والفكري الممارس من طرف الدولة والاعلام والتقاليد، هم موضع ريبة وتشكيك، يفتقدون للاستقلالية المادية وتحت وصاية دائمة، هذا الواقع يكبح اندفاعهم الذاتي لأجل التحرر والتعبير عن كينونتهم، واجبارهم عن التواري،أو تعرضهم للمراقبة وبث الخوف من قمع الدولة كما تجسد من أمثلة قريبة (حركة 20 فبراير حراك الريف جرادة وفكيك…). وضغط مجتمع محافظ يخنق الميول الخاصة في العيش والتصرف في الذات.

الشباب المغربي والتكنولوجيا: بين الاندماج الرقمي والقيود الطبقية

تكشف الأرقام الرسمية أن76.9%  من الشباب (15–34 سنة) مندمجون في الفضاء الرقمي مقابل 59.6%  فقط من مجموع البالغين[2].

الشباب هم الأكثر ارتباطاً بالعالم الرقمي، لأنهم الأكثر بحثاً عن متنفس في واقع اجتماعي–اقتصادي مسدود. التكنولوجيا هنا ليست ترفاً، بل أداة يومية لكسر عزلة يفرضها نمط إنتاج متخلف وهيمنة ثقافية محافظة. لكن هذا “الاندماج الرقمي” يتخذ أشكالاً غير متكافئة.

تتيح التكنولوجيا عوالما مفتوحة للاطلاع على العالم والانبهار بأوضاع الشعوب الأخرى من حيث ارتفاع شروط الحياة واتساع الحريات العامة والخاصة. بسبب تفاعل الثقافة النيوليبرالية وتسويق صور نمطية حول الاستهلاك الباذخ ،ومقايس خاصة للجمالية والرفاه ما خلق عقدة لدى أبناء وبنات الجنوب العالمي عموما وإحساسهم بعقدة الدونية إزاء البلدان الإمبريالية. علاوة على ذلك يواجه الشباب عموما ومن ضمنهم المغربي عالماً رأسمالياً معولماً يفرض عبر التكنولوجيا ومنصات الإعلام الجديد أشكالاً جديدة من الوعي والثقافة. فالهواتف الذكية، ليست تقنية محايدة او مجرد أدوات للتسلية أو التعبير والولوج للمعلومة، بل هي منتجات لسوق عالمي يفتح إمكانيات التحرر الفردي، لكنه في الوقت ذاته يُحوِّل الحرية إلى سلعة. إن ما يبدو مساحة انفلات أو تمرد هو في جوهره جزء من دورة تراكم رأسمالية: الشركات العابرة للقوميات تستثمر في بيانات الشباب، في أذواقهم، وفي حاجتهم للتواصل، لتُحوّل كل تجربة فردية إلى قيمة قابلة للاستغلال. فأصبح الشباب ضحية تسليع الفضاء الرقمي عبر آليات السوق المعولم من الخارج.  ما يجعل الشباب إذن ليس فقط ضحايا قيود تقليدية، بل هم بين سندان سيطرة تقليدية تُعيد إنتاج الخضوع السياسي والاجتماعي، ومطرقة رأسمالية–رقمية تُعيد إنتاج التبعية الاقتصادية والثقافيةالمرتكزة على تسليع جميع مناحى الحياة.

تلعب التكنولوجيا الحديثة دورا مهما في بناء نوع من الاعتراض لا سيما ما يتيحه استعمال الانترنيت لخلق فضاءات بعيدة عن الرقابة، صار كل شيء مباحا في المواقع الشبكية. ما يطرح التحدي اليوم ليس فقط توسيع الولوج إلى الإنترنت أو رفع نسب الاستعمال، بل تحويل التكنولوجيا من أداة استهلاك إلى أداة إنتاج وتحرر جماعي: ووسيلة لكسر الهيمنة.

الشباب قوة تمرد ورفض لكن بشكل سلبي

يفجر الشباب غالبا احتجاجاتهم ومعارضاتهم بطرق متنوعة وحسب السياقات (شبيبة المدارس والجامعات)، وتبرز  تلك التمردات في مظاهر اعتراض ثقافي لدى الشبيبة،  بوجه خاص ظهور أنماط من الموسيقى الشعبية، و موسيقى الشارع كالراب،و الروك،  والميلان،و أغاني شبابية ذات نفحات معارضة وأحيانا بألفاظا بذيئة كنوع من الرفض والتمرد، كما الحال مع مشجعي الفرق الرياضية الذين يعبرون عن احتجاجاتهم من خلال رفع “التيفوهات”، والرسائل المشفرة في المجسمات، و الشعارات السياسية أحيانا. و تعبر المظاهر الشخصية ضد القيود المجتمعية من نوعية اللباس وقصات الشعر ونقش وشوم على الأجساد كتعبير عن حرية الجسد، كل ذلك للتعبير عن الاحتجاج على كل الرقابة الاجتماعية والأبوية والقانونية. لكن الشباب اتخذ أشكالا أخرى من التمرد وشق دروب جديدة تمثلت في الهجرة إلى الخارج عبر زوارق  “الحريك”، و مجابة  المخاطر الطبيعة وقساوة المناخ والأوضاع الأمنية.

 يتمرد للشباب سلبيا بتعاطى المخدرات بأنواعها القديمة والكيماويات الحديثة المدمرة للصحة النفسية والمهددة لحياتهم، سوق المخدرات مربحة تتحكم فيها بارونات تشترى الحماية، تروج سلعتها عبر شبكات تتشكل بسرعة لا يتأثر تموين السوق أبدا لكونها أحد وسائل اخضاع.

 بسبب الفقر المتزايد وقلة فرص العمل يسقط الشباب ضحايا شبكات الدعارة المنظمة التي تعتبر ربيبا لنمط السياحة المروج لها.

الشباب والتكنولوجيا من أجل التحرر الشامل

لطالما كانت الشبيبة حاضرة في قلب الثورات الاجتماعية والسياسية عبر العالم. فهي أقلّ الفئات خضوعاً لثقل الالتزامات العائلية، وأكثرها رفضاً للامتثال والخضوع، والأقدر على كسر ركود المجتمع في فترات السكون. إذ يشكل الشباب الطاقة الثورية الكامنة في قلب الصراع الطبقي، فهم ليسوا مجرد قوة مساعدة في الانتفاضات الشعبية عالميا، وماي 68 ففرنسا مثال واضح على دور الشبيبة في كمفجر الحركات الاحتجاجية، بالمغرب لم يكن انفجار 23 مارس 1965 سوى إحدى أشكال المواجهة مع الحكم المطلق، شكل عفوي لم يكن فيه لأحزاب المعارضة ولا للنقابات العمالية دور فاعل[3]. بل فجرته شبيبة المدارس ضد الاستبداد وبقايا الاستعمار. ونفس الشيء حصل في بداية الألفية الثالثة بسلسلة انتفاضات عمت المنطقة  توجت بعزل قمم الأنظمة في بلدان عدة، وفرضت إصلاحات في أخرى، كل ذلك بفضل الجيل الجديد الذي وجد نفسه في معمعان التقدم التقني وواقع تسلط الأنظمةالحاكمة فاستغل التكنولوجيا من أجل التعبير عن الرفض والثورة لاحداث تغيير جذري.  نستخلص من تلك التجارب دروسا عن قوة الشباب وديناميته بالرغم من الدعاية البرجوازية التي توصمهم بأنهم أجيال لا فائدة منها، وأنها مستلبة تقنيا، إلا أن واقع الحال يظهر العكس من ذلك. فالتعبئات التي أطلقها الشباب عبر العالم ضد القوانين التي تتبناها الحكومات ذات التوجه اليميني سواء ضد حقوق النساء، وإصلاحات مضادة لأنظمة التقاعد وغيرها تبين تجند أقسام من  الشبيبة للدفاع عن مصالح المضطهدين، علاوة على التعبئات ضد المجازر التي ترتكب ضد الشعب الفلسطيني وكذا ضد  الحرب الروسية على  أوكرانيا، كما أظهرت الشبيبة اندفاعها في طليعة النضالات الكبرى، من حركة “حياة السود مهمة” بالولايات المتحدة، إلى المدّ النسوي العالمي ضد العنف والتحرش الجنسي عبر شعار “أنا أيضاً”، مروراً بالحركات البيئية العالمية لوقف التدمير الإيكولوجي، وصولاً إلى المعارك ضد البطالة ومن أجل الشغل، وضد تدمير التعليم العمومي، والنضالات المتصاعدة ضد اليمين الفاشي، الشيء الذي يبين وعي الشبيبة المتصاعد بشكل عام.

كشفت الأزمات والتعديات المتوالية بأن الرأسمالية عجزة على تحقيق ما تدّعيه من “مجتمع الرفاه”، إذ لا تنتج سوى التهميش للشباب، وتضع أمامهم جدراناً منيعة لا تُخترق إلا عبر انتقاء قاسٍ، فتزرع فيهم بذور السخط والغضب. فالحروب المدمّرة، ومعاناة الشعوب من الفقر المدقع، ووفيات النساء الحوامل والأطفال بسبب أمراض يمكن علاجها، وانتشار البؤس حتى داخل المراكز الإمبريالية نفسها، كلّها حقائق تصدم وعي الشباب بعنف وتكشف لهم الوجه البشع للرأسمالية، فتدفعهم موضوعياً إلى البحث عن بدائل جماعية أو فردية.

بناء حزب العمال الاشتراكي رهين بمقدرته على جذب الشباب العامل إلى الانضواء تحت رايته[4].

يمكن للشباب أن يساهم بمعارفه في إدماج التكنولوجيا الحديثة في الصراع ضد النقيض الـمستغِل من ، فإدماج الذكاء الاصطناعي، وأدوات التواصل الحديثة، ليس مسألة تقنية محايدة، بل ضرورة تفرضها التطورات عالم اليوم وستكون  أداة في يد الطبقة العاملة وشبابها الثوري لتجاوز عزلة التنظيمات اليسارية وقوقعتها حول نفسها، ونشر الوعي النقدي، والتجارب ودروس النضالات، والأدب الماركسي الثوري، وربط النضالات المحلية بالأفق الأممي. فالمعركة ضد الأمية الرقمية ليست منفصلة عن المعركة ضد الأمية السياسية والتنظيمية التي كرّستها البيروقراطية الحزبية والانغلاق الإيديولوجي لدى بعض التنظيمات والممارس من طرف الأنظمة الاستبدادية.

الشباب أكثر جرأة في في تحدي نظام السيطرة الرأسمالية و الهيمنةالرقمية والسلطة الطبقية،وهم-ن خزان لقوى ثورية هائلةو مهمة المنظمات الاشتراكية  كسبها لمشروع التغيير الجذري للنظام الرأسمالي وبناء مجتمع ديمقراطي حقا، بلا طبقات، يضمن الحاجات المادية والروحية للإنسانية ويحفظ الثروات المنتَجة والطبيعية من النزيف الجنوني للرأسمال.

يستحق الشباب نيل ثقة  العمال-ات الاشتراكيين-ات ومساعدتهم ليخوضوا تجاربهم ،وان يمتحنوا خياراتهم،ويقودوا بأنفسهم تجارب النضال ويصوغوا أدواتهم الرقمية والتنظيمية. وبدل كامل جهودهم ليوجهوا غضبهم ضد مستغليهم ومطضهديهم وسيجدون العمال-ات أفضل حليف وقوة جبارة حين تقف على قدميها في نزال حقيقي لتصفي حسابها مع الرأسمالية.

[1] . المندوبية السامية للتخطيط نتائج إحصاء 2024، ص 17

[2] . المندوبية السامية للتخطيط نتائج إحصاء 2024، ص 15

[3] . 23 مارس 1965 : درس قديم متجدد – المناضل-ة

[4]. ليون تروتسكي تربية الشباب الثوري [1] – المناضل-ة

شارك المقالة

اقرأ أيضا