تقرير خروتشوف rapport Khrouchtchev: نهاية عبادة ستالين، لكن ليس نهاية ديكتاتورية البيروقراطية

المكتبة26 نوفمبر، 2016

 

 

 مرفق، تقرير خروتشوف بالفرنسية: rap-khrouchtchev

يوم 25 فبراير 1956، في المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفييتي، ندد أمينه العام خروتشوف بـ”عبادةشخصية” ستالين، المتوفى في مارس 1953.  وقد احتاج ثلاث سنوات لبلوغ قمة البيروقراطية السوفييتية.  و اختار، بقصد إرساء سلطته ، التنديد ببعض مظاهر حكم سلفه، دون أن يضع موضع سؤال ديكتاتورية  البيروقراطية  على المجتمع السوفييتي، التي كانت اتاحت لستالين  تنصيب نفسه طاغوتا. كان لهذا التقرير، بفعل مضمونه، مفعول قنبلة، لدرجة ان ثمة من اعتبره قطيعة جذرية مع الستالينية.

عند وفاة ستالين، لم يفرض أي من ضباطه نفسه للوهلة الاولى، فقامت قيادة جماعية على رأس الحزب والدولة. كان خروتشوف، وهو ينزل سلفه من مرقاه، يأمل كسب دعم كتلة البيروقراطيين  بإشعارهم أن عهدا جديدا قد بدأ، حيث يتحررون من الخشية الدائمة على مناصبهم  وحتى على حياتهم.  هذا لأن قبضة ستالين ، الخانقة للمواطنين السوفييت لتأمين سيطرة البيروقراطية، كانت تمسك أيضا بيد من حديد برقاب البيروقراطيين أنفسهم، كي تجبرهم على التكتل حول الديكتاتور. كانت البيروقراطية تريد التمتع بامتيازاتها بسلام.  هذا ما وعد به خروتشوف.

في آخر أيام المؤتمر، قرأ خروتشوف تقريرا على مسامع 1450 مندوبا جرى منعهم من تسجيل نقاط مكتوبة. كما تم مدهم بـ”وصية ” لينين وهي نص يعود الى العام 1923 جرى طمسه وكان يسبب لمن يحوزه الاعتقال، وقد كان يوصي  بتنحية ستالين من مهمة الأمين العام.

 تحدث خروتشوف عن “شطط في استعمال السلطة” وعن “سمات سلبية” لحكم ستالين، مستشهدا بمحاكمات موسكو  والتطهيرات التي اختفى في اثنائها عدد من فاعلي ثورة اكتوبر 1917 و قادتها، وحتى عدد من الستالينيين الاوفياء.  وقد أذهل التقرير الحاضرين: فقبل ذلك بقليل كان من شأنه أن يسبب موت كاتبه.

لكنه أكد مطولا على “السمات الايجابية”  لستالين، مخصصا مكانة مرموقة  لدوره في الثورة و في الحرب الأهلية و في ” تشييد  الاشتراكية”  وانتصار العام 1945 على هتلر.  و حرص حرصا بالغا على اعتبار نفسه مواصلا  لـ”عمله” كمدافع عن البيروقراطية. وقد صرح أن : ” الحزب خاض معركة كبيرة  ضد التروتسكيين واليمينيين، والقوميين البرجوازيين ، كللت بنجاح، وبخوضه تلك المعركة تعزز الحزب و اشتد عوده. لقد قام ستالين بدور ايجابي. “

خلف ديكتاتورية ستالين، ديكتاتورية البيروقراطية

أسوأ جرائم ستالين، التي لا يقول عنها تقرير خروتشوف شيئا، كانت تلك المرتكبة منذ مطلع سنوات 1920 ضد الثورة، و الشيوعية و الطبقة العاملة، أي التصفية الجسدية لأجيال الثوريين التي اتاحت الانتصار  في أكتوبر وفي الحرب الأهلية، وخيانة وخنق ثورات الطبقة العاملة في الصين و في المانيا واسبانيا… فعدم نجاح الثورة في أوربا، جعل الاتحاد السوفياتي معزولا وسط  عالم رأسمالي معاد، مع تخلفه الموروث عن القيصرية، واقتصاد مدمر بالحرب الأهلية و التدخل العسكري الأجنبي، وطبقة عاملة منهكة.  هذا هو السياق الذي مكن البيروقراطية، هذه الشريحة الطفيلية من رجال إدارة الدولة والاقتصاد، من مصادرة السلطة ورفع نفسها حكما بين الطبقات المتناحرة.  برفع راية “الاشتراكية في بلد واحد” ، هذه الفكرة التي كانت زيغا، جعل ستالين من نفسه ناطقا باسم ذوي الامتيازات الجدد هؤلاء  المعادين بعمق لسياسة لينين وتروتسكي القائمة على النضال من اجل الثورة العالمية.

في حقبة سنوات 1920 المضطربة، حيث لم تقل الرجعية البرجوازية، ولا البرويتاريا، كلمتها الاخيرة، ففرضت ديكتاتورية ستالين نفسها كوسيلة وحيدة للجم  كل ما قد يهدد البيروقراطيين.  واتاحت لهم القضاء على الاتجاهات البرجوازية الساعية إلى إطاحة السلطة السوفياتية، وتقتيل التيار الثوري الذي جسده تروتسكي وعشرات الاف المناضلين الشيوعيين، و الذي كان يدافع عن الدولة العمالية الناتجة عن الثورة وعن منظور الثورة العالمية.

لكن بعد ثلاثة عقود من ذلك، في 1956، بعد توطيد موقعها، لم تعد البيروقراطية تريد ان يطغى عليه زعيمها.

عملية “نزع الستالينة” وحدودها  

إرضاء ملايين القادة الصغار والكبار، هذا قوام جوهر عملية الواجهة المسماة “نزع الستالينية”.  وجب تغيير اسم العديد من المدن، والساحات، و الشوارع، والبنايات، والمقاولات، والمؤسسات التي تحمل اسم ستالين، وتفكيك  الآلاف من تماثيله، وإخراج مومياه من ضريح الساحة الحمراء، ومحو الشخص من الدعاوة ومن الكتب الرسمية.

قررت السلطات السوفياتية أن يقرأ تقرير خروتشوف، المفترض أنه سري، 25 مليون عضو بالحزب والشبيبة الشيوعية  وغير الحزبيين المتقلدين مسؤوليات. اثار ذلك في الحال اسئلة و طعنا في قادة آخرين غير ستالين. ولاح  خطر ان تتجاوز النقاشات الاطار الذي حدده الحزب. و لاحقا كتب غورباتشوف، الذي كان أحد خلفاء خروتشوف:” كانت أطر الحزب، وأطره مستقبلا، تخشى ان يضعف تحكمه بالمجتمع”.  ويم 5 ابريل 1956 هددت  جريدة الحزب البرافدا قائلة :”بعض العناصر العفنة تجهد، تحت ستار  التنديد بعبادة الشخصية، كي تشكك في صواب سياسة الحزب”.

وفي الديمقراطيات الشعبية، اثار هذا التقرير آمالا. في بولونيا و هنغاريا، في متم 1956، تعبأ السكان، مطالبين بتغييرات بالقمة وبمزيد من الحرية.  وفي هنغاريا، حيث انفجرت الثورة، اصبح العمال المنظمون في مجالس رأس حربتها. فاطلقت موسكو دباباتها ضدهم، مبرهنة على أن البيروقراطية تظل، مع ستالين او بدونه،عدو الطبقة العاملة و الثورة المميت.

وفي 1962، تحقق عمال نوفو تشيركاسك المطالبين  بإلغاء زيادة في الاسعار من ذلك بدورهم: حيث ارسل خروتشوف الجيش لقمعهم.

البيروقراطية الرابح الكبير

ضربة هراوة للبعض، وزلزال لآخرين… هكذا بدا تقرير خروتشوف.  حتئذ كان النظام الستاليني يبدو غير قابل لزعزعته بنظر من كانوا  يمدحونه  ومن كانوا يشنعونه.  و الحال انه ها قد وضع محط سؤال  ومن قبل زعيمه فضلا عن ذلك.

 وفي فرنسا، انكر توريز زعيم الحزب الشيوعي الفرنسي والمندوبين الى المؤتمر وجود التقرير، ثم أجهدوا أنفسهم لتقليل أهميته حتى العام 1976.

أعلن بعض المعلقين نهاية النظام أو عصر “ديمقراطية” بالاتحاد السوفييتي. و اراد قسم من اقصى اليسار أن يرى في هذا التقرير انعكاسا لتعبئة شعبية متنامية بالاتحاد السوفييتي ارغمت البيروقراطية على منح تنازلات.

و الواقع ان خروتشوف كان يصدق على نهاية حقبة، وتمكنت البيروقراطية من التنفس بحرية اكبر .  وبسرعة كنست امال التغيير في الاتحاد السوفييتي ومعها خروتشوف ذاته بعد ثماني سنوات في العام 1964.

بيار مرليه

Lutte Ouvrière n° 248225 Février 2016

ترجمة : المناضل-ة

===========================

مقال سبق نشره بالموقع القديم لجريدة المناضل-ة www.al-mounadhil-a.info حول تقرير خروتشوف

قبل 50 سنة فبراير 1956: تقرير خروتشوف السري
المناضل-ة

يوم 24 فبراير 1956، وبينما المؤتمر العشرون للحزب الشيوعي بالاتحاد السوفييتي ينهي أشغاله، تلا أمينه العام نيكيتا خروتشوف، بجلسة مغلقة، وعلى مندوبين ُمنعوا من تسجيل نقاط، “تقريرا حول عبادة الشخصية ونتائجها”. ورغم وصف ذلك التقرير بـ”السري”، لن يتأخر تسربه. وكان له، لما نزل إلى الساحة العمومية بالغرب- اما في الاتحاد السوفييتي فلم ينشر أبدا، مفعول قنبلة، لانه كان يعترف بصحة وقائع كانت الأحزاب الستالينية تعتبرها، طيلة عقود، مجرد افترأآت معادية للشيوعية. وبث التقرير الاضطراب لدى العديد من المناضلين، لاسيما لدى المثقفين، كما أثار أوهاما كثيرة في اليسار لدى من أرادوا ان يروا فيه بداية اضفاء ديمقراطية عميقة على النظام.

——————————————————————————–

في الواقع كان المناخ السياسي قد بدأ يتحول في الاتحاد السوفيتي منذ وفاة ستالين يوم 5 مارس 1953.

كان ستالين قد كسب سلطته في سنوات تراجع الثورة بالاستناد على شريحة جديدة من ذوي الامتيازات تشكلت بالاتحاد السوفيتي من الملاك الإداري للدولة والاقتصاد والحزب والكوادر العسكرية، واغتصبت سلطة الطبقة العاملة.

لكن وضع تلك الفئة الحاكمة كان هشا. إذ كانت مهددة بنهوض محتمل للطبقة العاملة، كمنظور كانت تجسده افضل عناصر الحزب البلشفي، المدافعة عن المثل الشيوعية لثورة أكتوبر. لكنها كانت مهددة أيضا بعودة ممكنة للطبقات المالكة القديمة إلى السلطة بدعم من جيوش القوى الإمبريالية.

في وضع صعب، حيث بإمكان أي نقاش ان يتيح للطبقة العاملة إسماع صوتها، كانت البيروقراطية بحاجة إلى حَكم أعلى، يحسم كافة المشاكل، ويمسك بالتالي كافة السلط. كانت بيروقراطية ستالين المكمل اللازم لديكتاتورية البيروقراطية على البلد. وكانت التطهيرات التي ضربت الفئة الحاكمة الثمن الذي أدته للمدافع عن امتيازاتها.

بعد وفاة ستالين لم يكن أي من معاونيه قادرا على ادعاء ممارسة كافة سلطاته من الوهلة الأولى. لذا اتفقوا على التخلص من اخطر طامع بتسلم السلطة العليا، رئيس الشرطة السياسية بيريا، الذي ُصفي على ما يبدو داخل اجتماع للمكتب السياسي في يونيو 1953.

واتفقوا على “قيادة جماعية” وهو ما كان إدانة ضمنية للطريقة التي قاد بها الدكتاتور الراحل البلد.

كان أعضاء هذه “القيادة الجماعية” اكثر عملاء الديكتاتورية دناءة. ولم يكونوا طبعا يجهلون جرائم ستالين . كانوا متواطئين معه ومنتفعين منها لأن فضل صعودهم إلى قمة هرم السلطة يعود إليه.

على هذا النحو دخل خروتشوف المكتب السياسي عام 1938 بعد سنتين من عمليات التصفية الهائلة التي كانت محاكمات موسكو وجهها الابرز، والتي حررت عددا لا يحصى من مناصب الكوادر على كل المستويات.

لكن، لا شك انهم كانوا، شأن باقي البيروقراطيين، يتطلعون إلى نظام يتيح تمتعهم في طمأنينة بامتيازاتهم، دون خشية انتزاعها منهم ومعها حياتهم. هذا لأن ستالين لم يتردد في تصفية حتى اقرب معاونيه.

وفي الأسابيع التي تلت وفاته جرى إطلاق سراح أقارب أعضاء المكتب السياسي ( زوجة مولوتوف، واثنين من أبناء ميكويان الخمسة) الذين أرسلهم ستالين إلى معسكر اعتقال، وذلك بغية تأمين وفائهم.

لكن ” القيادة الجماعية” التي كثيرا ما امتدحت عام 1953 لم تكن قابلة للحياة . كانت البيروقراطية بحاجة إلى حكَم.

لم يكن خروتشوف سوى بالمتربة الثامنة في القيادة في مارس 1953. لكن وظائفه الجديدة بما هو أمين عام أتاحت له، كما لسلفه، إبعاد منافسيه. وكان عند إلقائه خطابه الشهير عام 1956 الرجل الأول في النظام. كان ذلك بالعكس طريقة لتأكيد قوته وفي الآن ذاته ضمانة لزملائه بعدم استعمال أساليب ستالين.

وفعلا جرى إبعاد مولوتوف ومالنكوف وآخرين من قيادة الحزب بتهمة تشكيل جماعة” معادية للحزب” دون ان يخاطر أي منهم برأسه بهذه المناسبة. عُين مولوتوف سفيرا في جمهورية منغوليا الشعبية , وأرسل مالنكوف لادارة محطة كهربائية في كازاخستان.

وسيستفيد خروتشوف أيضا من تبدل الأساليب هذا داخل الشريحة الحاكمة لما أبعدته جماعة بريجنيف-كوسجين عن الحكم بإحالته على التقاعد متهما بمصاعب سياسية واقتصادية.

لكن كون تقرير خروتشوف لم يعن نهاية ديكتاتورية البيروقراطية أمر برهنت عليه على نحو دموي، بعد اشهرا قليلة من إلقائه، الدبابات السوفيتية التي سحقت في أكتوبر- نوفمبر 1956 تمرد الشعب الهنغاري لتضع حدا لوجود المجالس العمالية التي ولدت مع ذلك التمرد .

بيار لافيت

أسبوعية النضال العمالي عدد 1961 ل 3 مارس 2006 http://www.lutte-ouvriere.org

تعريب المناضل-ة

شارك المقالة

اقرأ أيضا