رسالة إلى رفيقي المناضل في الحراك الجماهيري

سياسة10 يونيو، 2017

         أيها الرفيق، لا أدعي امتلاك الحقيقة، وليس مبتغاي إعطاء درس في السياسة لأي كان، أو ممارسة الأستاذية، الأبوية أو الوصاية على أي كان. كل ما ابتغيه، النقاش معك في إطار تبادل الخبرات والتجارب لا غير، والتعبير لك عن رأيي المتواضع في بعض أفكارك، لكن بالتحديد في بعض أساليب عملك في قيادة المعارك، من مظاهرات ووقفات احتجاجية. وذلك بما يساهم في تطوير الأداء والتقدم في انجاز مهامنا النضالية المشتركة المتعلقة بالتنظيم والتوجيه والتأطير ورسم الخطط لانتزاع النصر، في خضم الحراك الاجتماعي الذي يشهده بلدنا المغرب، والذي أطلق شرارته الأولى أهلنا الأحرار بمنطقة الريف إثر الطحن الهمجي لشهيد الحرية والكرامة محسن فكري بالحسيمة بتاريخ 28 أكتوبر 2016.

1)- إلى صديقي الذي يرفض التعامل مع أحزاب اليسار والنقابات  

          أيها الصديق، أنت عضو فاعل في الحراك، لكنك ترفض حضور اجتماع بالغ الأهمية، بمبرر انعقاده بمقر لإحدى النقابات أو الأحزاب. لقد نظرت في حججك فوجدتها واهية، ما يجعلني أميل إلى الاعتقاد أن الدافع الحقيقي لموقفك يعود لتضخم في “الأنا” الهوياتية. “أنا” تدعي التميز والطهرانية وامتلاك الحقيقة دون الآخرين، وتختار لنفسها كل الصفات الجميلة مثل الصدق والاستقامة، قاذفة الجميع بتهم الانتهازية والجري وراء المصالح الخاصة. وبدل أن تشكر معي صاحب المقر، الذي لا يتدخل في قرارات الحراك المتخذة في تلك الاجتماعات والذي يحترم مبدأ استقلالية هذا الأخير عن كل الإطارات، أخذت تكيل له التهم المجانية دون وجه حق.

        ألست مواظبا على تتبع الأحداث يوميا وراء حاسوبك أيها الصديق؟ فكيف فاتك إذن أن أغلب اجتماعات الحراك في أكبر المدن وأصغرها عقد في مقرات أحزاب فدرالية اليسار والكونفدرالية الديمقراطية للشغل والاتحاد المغربي للشغل، على سبيل المثال لا الحصر، دون أن يثير ذلك أية مشكلة؟

      صديقي، أنت تعلم جيدا أننا نبادر بخوض الحراك الشعبي الحالي كأشخاص، في الغالب، لا كإطارات، ما يعني أننا – نحن المناضلين- متعددو المشارب السياسية والنقابية والحقوقية والثقافية والجمعوية، وهو ما يستوجب أن نكون متشبعين بالديموقراطية إلى أقصى الحدود، هذا إذا ما أردنا أن ننجح في تدبير اختلافاتنا، التي يجب النظر إليها على أنها مصدر قوة لا مصدر ضعف.

       أيها الصديق. إن ما ذكرته لك عن المقرات ينطبق كذلك على ما يجري في الميدان خلال المعارك. فأنت غالبا ما تتناول الكلمة وتعبر عن رأيك بحرية، لكن عندما يعبر اليساري أو النقابي عن رأيه، تبدأ أنت، وربما معك آخرون، في الضرب تحت الحزام وإطلاق نعت “الدكاكين” وما شابه، على أحزاب اليسار، على مسمع من المتظاهرين. فهل بهذا الأسلوب سنبني أدوات التنظيم الذاتي للجماهير الشعبية وننتزع المطالب وعلى رأسها مطلب اقتسام الثروة على طريق التحرر النهائي من الاستغلال والاضطهاد، لا أيها الصديق، ما هكذا تورد الإبل. لقد كنت أفترض تمتعك بأكبر قدر ممكن من النضج والترفع عن الخلافات الصغيرة وتغليب أهدافنا النضالية المشتركة. فلا تخيب أملي أيها الصديق، وأنا بانتظار تفاعلك الايجابي مع رسالتي هاته. مودتي.

2)- إلى رفيقي النقابي اليساري الذي يغضب فيقلب الطاولة

        أيها الرفيق. لم أكن أتوقع أن يشتد انفعالك عندما يستفزك أحدهم بكلمة طائشة تصدر من هنا أو هناك أو عن مراهق لا يزال قليل التجربة، كيفما كان لونه السياسي. ذلك لأنك عندما تغضب، تصبح مثل من يزرع ثم يعود فيدك ما زرعه، أو مثل من يقترب من جني ثمار مفاوضات معينة، ثم يستفزه أحد المفاوضين عن مكر ودهاء، فيقلب الطاولة ويخسر كل شيء ويرجع بخفي حنين. أيها الرفيق، أنا لا أدعي امتلاك الأسلوب الأفضل، لكنني انطلق مما سبق وطبقته بنفسي في تجارب سابقة وأعطى نتائج ايجابية، لهذا أؤكد لك أنني لو وضعت في موقف مشابه لموقفك، لتصرفت بشكل مختلف تماما، (ماذا ستفعل؟) لن أهتم للأمر، سأتجاهل ما سمعت، بل لن أهتم كثيرا بما يقال وما يصدر من ردود أفعال عن شتى الخصوم. نعم نعم أؤكد لك. سأهتم بشيء واحد، هو أن أثبت لذلك الشخص عكس ما اتهمني به (كيف؟) عن طريق بذل كل ما بوسعي لأجل تصليب عود النضال وبناء أدواته من الأسفل، مع العمال والعاملات وكافة الكادحين والمحرومين الذين يعيشون حياة الذل والحرمان والبطالة والاستغلال، التواقين إلى غد أفضل والى التحرر النهائي من الاضطهاد والظلم. أيها الرفيق، بدل أن تقلب الطاولة وتزرع اليأس وسط من تناضل من أجل مصلحتهم، كن بصيرا، يقظا، وازرع بذور الأمل، وقدم المثال عن المناضل المؤمن بالاختلاف، المتشبع بالديموقراطية إلى أقصى الحدود. كن في حل من “الأنا” الحزبية أو النقابية المتضخمة. إنني بانتظار تفاعلك الايجابي مع رسالتي هاته. مودتي.

كلمة أخيرة: أصدقائي إن التطاحنات الفارغة المضمون والطموح الأعمى للزعامة وتدمير ما بنيناه معا، كل ذلك يحدث شرخا وفجوة يتسرب منها خدام النظام لتشتيت صفوفنا. فلنكن أنا وأنت وكل الأصدقاء والرفاق، في حل من صدام “الأنانيات” المتضخمة إلى الأبد. لنزرع معا بذور الأمل. من أجل غد أفضل.

إمضاء: مناضل اشتراكي ثوري

 

شارك المقالة

اقرأ أيضا