كازا بروليتاريا ..الوصف الحقيقي لمكان كبر ويكبر على أكتاف وعرق عمالنا وعاملاتنا ، كازا ميموار، نعم للكادحين ذاكرة.

طه محمد فاضل

مدينة كبرت مع الدولة الجديدة، هي المكان الذي تسحق فيه الرأسمالية العمال المغاربة وغيرهم سحقا وتطردهم إلى الشوارع، ثم تعاقبهم عدالتها بتهمة التسول والتشرد، هكذا يعيش بعض إخواننا المغاربة بلا كرامة تحت حماية نظام أسسته الحركة الوطنية البرجوازية. الدار البيضاء هي روح وقلب المغرب المكافح.

انتفض فلاحو الشاوية ضد الاستعمار الفرنسي منذ أن حط أقدامه بأرضهم الطيبة، قاوموا بوسائلهم البسيطة، لكن مقاومتهم لم تنتشر وتتوسع. عندما دخلت الامبريالية إلى الدار البيضاء (انفا) في سنة 1907 من اجل إنشاء ميناء لنقل المسروقات المنهوبة من خيرات المغرب وثرواته ( الثروات الفلاحية والفوسفاطية وتجنيد الناس في حروبها وأعمالها الشاقة ..الخ)ابتدأ العمل في البداية بإنشاء خط سكة حديدية لنقل الحجارة من مقالع سيدي عبد الرحمان إلى مكان تشييد الميناء ، وكان هذا هو أول خط السكك الحديدية بالمغرب ، مرتبط بأكبر ميناء في إفريقيا ، تبلغ مساحته حاليا 17 كيلومتر، ويستغل 15 مليون حاوية سنويا.

الاحتلال ينسف مقاومة فلاحي الشاوية ، ويبدأ في إنشاء المشاريع الكبرى لفائدة الامبريالية العالمية.

هذه الخطوة الاحتلالية لها جذور ، منذ مؤتمر الجزيرة الخضراء للامبريالية من يناير إلى ابريل 1906 هذا التاريخ الذي حدد فيه مصير المغرب من طرف القوة الغاشمة والظالمة . هذا المؤتمر الذي وضع الجمارك تحت سيطرة فرنسا واسبانيا لاستخلاص 60 في المائة من الإيرادات وتحصيل الديون المستحقة لها على نظام المخزن المنهوك بعد قرض 1904 . هذا الفخ فتح الباب للشركات الامبريالية في تنفيذ مشاريعها الكبرى في المغرب وعلى رأسها ميناء الدار البيضاء ، من بينها شركة فرنسية تحمل اسم ” الشركة المغربية” وهي فرع لشركة ” كروزو” بدأت في بعض الأعمال فأنشأت في مارس 1907 خط سكة حديد صغير طوله 1500 متر يربط بمقالع الحجارة ، وفي شهر مايو من نفس السنة بدأ في العمل. بعد ثلاثة أشهر، ومع بداية شهر يوليو 1907 انتفض البيضاويون ، يوم 30 من نفس الشهر إلى 5 و7 غشت 1907 تطورت انتفاضة فلاحي الشاوية ضد الرأسماليين الاستعماريين ، وتوجهوا إلى موقع الشركة التي شرعت في بناء رصيف لحماية الميناء وهجموا على أشغالها ، سقط في المواجهات 10 أشخاص أجانب أوروبيين ومغربي واحد(من الواجب ان ينقش اسمه في التاريخ) . الرأسمال الامبريالي دائما برفقته السلطات والجيش ، ولقمع فلاحي الشاوية تدخلت الجحافل العسكرية وقصفت الدار البيضاء بالنيران، واحتلتها ونظمت حملات عسكرية للزحف على منطقة الشاوية بكاملها ، ورغم المقاومة الباسلة لأهل الشاوية العظام ، لم تتوسع وتنتشر المقاومة ، ولكن بماذا سيحارب هؤلاء الفلاحون الفقراء عصابات اللصوص وليس بأيدهم أي سلاح ناري ؟ كان المخزن بلا قوة ومهزوزا ومتعاونا مع الاستعمار ومستفيدا منه ، وهو الذي ادخل العدو لحمايته وحماية أعوانه في ما بعد.

شيدت فرنسا خط سكة حديدية ينطلق من الدار البيضاء نحو معسكرات الجيوش الاستعمارية في منطقة بوسكورة وبرشيد ، ظل هذا الخط حتى 1912 هو الوسيلة الوحيدة لإمداد الاحتلال بالدعم في منطقة الشاوية ، وفي نفس السنة بدأ خط الدار البيضاء ومركز الإدارة الاستعمارية التي أسسها الماريشال هوبير ليوطي بالمغرب ، آي مدينة الرباط ،وفي السنة نفسها شرع خط الدار البيضاء برشيد في العمل.- [مجلة زمان العدد الأول – أكتوبر 2013.]

تغلغل الاستيطان بالمغرب وعلى رأسه المصارف ورؤوس المال المهاجرة إلى أراضي وجنات جديدة ، سيطر الفرنسيون على سهول وهضاب الشاوية وشيدوا مستوطنات زراعية ، مثل منطقة (الكيبك )في كندا وولاية كاليفورنيا بالولايات المتحدة الأمريكية . المخزن كان مذهولا أمام هذه الساحقة وجدد سلطته معها لقمع الفلاحين والرعاة المغاربة وسلبوا منهم أراضيهم،و منطقة الدار البيضاء كانت مركزا رئيسيا حط فيها الامبرياليين أموالهم وسلاحهم، إلى يومنا هذا.

استغلال المساحات الشاسعة ما بين 200 إلى 400 هكتار ، جلب رأسماليين كبار مع خبراء خريجي تجربة – الكيبك – في كندا . وانتشر الاستيطان الكبير على منطقة الشاوية ومع محفزات تشجيعية من طرف فرنسا، التي جرت كثيرا من المهندسين والتقنيين الأجانب إلى السكن بالدار البيضاء ، مستوطنين ارتبطت حياتهم ومعاشهم بالزراعة ، في سنوات الثلاثينات شرع المستوطنون الزراعيون في إصدار دورية شهرية بعنوان (الأرض) تنشر تقارير عن ولاية كا ليفورنيا، إن المقيم العام الذي شيد له تمثال بالمغرب ، كان يعمل كل ما في جهده لتحقيق حلم ربط منطقة الدارالبيضاء بمنطقة الشرق مدينة وجدة انكاد على الحدود مع الشقيقة الجزائر، لخلق خط مع فردوس الشاوية. ثم أنشاء أحياء خاصة بالمعمرين الأجانب وعلى رأسهم مواطني البلد الاستعماري الفرنسي ، هذه الأحياء العنصرية ضد فلاحين فقراء في وطنهم!! بناها وحماها المقيم العام ليوطي بمساعدة المخزن .عهدت السلطة الاستعمارية الفرنسية للكومندان “مانجان” بعد قدومه إلى الدار البيضاء في غشت 1907 بالإشراف على شؤون المدينة ، منها : تركيز نظام المخزن وسلطة ملاكي الأراضي الكبار ، ترسيخ الاحتلال العسكري والإداري ، والحكم المخزني بدعم ومساعدة من الجيش الفرنسي، ثم الإشراف على المصالح البلدية من 1907 إلى 1912 ، منها : الشرطة ، ترقيم أبواب بيوت السكنى، إطلاق أسماء بالفرنسية والعربية على الممرات والأزقة ، تدبير مكان ذبح وسلخ المواشي( لاباطوار)، فرض الكشف الصحي منذ ابريل 1909 خوفا على المستوطنين من عدوى الأمراض، ليس إلا. إنشاء قنوات الصرف الصحي وترصيف الشوارع والأزقة مد مسالك في اتجاه البنيات خارج سور المدينة القديمة ، إنشاء مشروع جلب مياه ( تيط مليل ) وخلق مشتل للاغراس البلدية ، كل هذا لخدمة المعمرين لكي يبقوا يعملون لمصالح الرأسمال الاستيطاني للمترو بول – الدار البيضاء – باريس- المرتبط بالسوق الامبريالية الدولية وليس لمصلحة فلاحي الشاوية الفقراء أبدا، يجب أن نشغل بالنا بحلم نحققه وليس بالحنين إلى ماضي شيده الاستعمار على جماجم أسلافنا. ولكل طبقة ذاكرة.

كانت سياسة هوبير ليوطي في إرساء نظام الحماية بالمغرب تتماشى مع ارستقراطيته وإيديولوجيته الاستعمارية في مراحلها الامبريالية ، وكانت خططه وبرامجه العسكرية صادرة من تعاليم مدرسة “كالييني” الذي كان ليوطي احد ضباطه المقربين في مستعمرة مدغشقر لسنوات قبل تسلمه رأس السلطة الكولونيالية بالمغرب. أراد ليوطي جعل منطقة الحماية المغربية “جوهرة الاستعمار الفرنسي” وترسيخ سياسته الاستعمارية ، بل كان يريد ضم كل المناطق المغربية التي تم توزيعها بين السلطات الكولونيالية الأوروبية (اسبانيا وبريطانيا)إلى النفوذ الفرنسي لتصبح بذلك منطقة شمال إفريقيا بكاملها تحت راية الاستعمار الفرنسي.-[ الطيب بوتبقالت- الاتحاد الاشتراكي 4 دجنبر 2001 العدد 6690 ص 6.]

اكتمل تشييد ميناء الدار البيضاء سنة 1913 في قلب المناطق الفلاحية ( الشاوية ودكالة ) وملتقى الشبكات الطرقية وُشيدت السكك الحديدية لنقل الحوامض والحبوب على الأخص ، من هذه المناطق ، ونقل الفوسفاط من خريبكة ونواحيها بمنطقة ورديغة وكشكاط هضبة الكنتور بأراضي حمر، ومن جرادة وبوعرفة ونواحي وجدة بمنطقة الشرق . وميناء الدار البيضاء كان مشروعا كبيرا للاستعمار الفرنسي بشمال إفريقيا ، بالإضافة لهذه الصادرات المسروقة تم توزيع فائض الإنتاج الصناعي لفرنسا المتروبول في المغرب عبر هذا الميناء. عندما تركز الاستعمار المباشر بقوة السلاح والحديد والنار ، أطمئنت شركات السمسرة والمبادلات ، وشركات بناء طرق السكك الحديدية ، والنقل والخدمات ، رحلت إلى الدار البيضاء لجمع المال ، بعضها وظف أمواله في صناعات غذائية تحويلية وبعض الصناعات الكيماوية الخفيفة جدا ، لخدمة المعمرين الأجانب والفرنسيين بالخصوص. هكذا بدأت الدار البيضاء تكبر وتدخل حلقات السلسلة التي قيدت بها الامبريالية كل شعوب العالم بما فيها كادحي أوروبا الغربية والولايات المتحدة الأمريكية . وبعد نهاية الحرب العالمية الثانية، -أي الدمار والخراب الذي تسببت فيه همجية الامبرياليين للبشرية- هرب بعض الرأسماليين الفرنسيين أموالهم إلى المغرب والاستقرار فيه بتشجيع من الدولة الفرنسية وأقاموا بعض الصناعات الكيماوية والميكانيكية في الدار البيضاء على الخصوص.

اكبر المؤسسات بالدار البيضاء كانت مصرفية ومالية ( بنك الاتحاد الفرنسي – بنك باريس والأراضي المنخفضة/هولندا ) هذه الشركات اللصوصية وظفت الأموال في قطاع المناجم والنقل بجميع أنواعه على الأرض وعبر البحر وفي السماء ، والصناعات الاستهلاكية بكل أصنافها . وخلقت هجرة من أوروبا إلى المغرب، وشجعتها على ذلك بالأجور المرتفعة وخدمات .. إنشاء مسابح وملاعب رياضية وحانات ، أي خلق ظروف أحياء وبلديات شبيهة بالأحياء الأوربية بقصد جلب الأطر والمديرين والقساوسة والمدرسين…الخ. لهذا نقول إن الحنين إلى هذه الأحياء والبنايات ، يطمس الحلم الجميل لبناء أفضل منها بألف درجة في بلدنا ننتزع فيه حريتنا وكرامتنا بأيدينا من الذين تسلطوا علينا، وتعاونوا مع الاستعمار العدو الحقيقي، نعم تركوا تصاميم ونقوش على الجدران، وبنايات ..الخ، وشيدوا معها مؤسسات فاسدة تخدمهم وتستغل عمالنا وعاملاتنا. ولماذا أصبح جل الشباب، إناثا وذكورا يريدون مغادرة المغرب ويحلمون بالعيش في أوروبا ؟ كأنهم جاءوا مع المعمرين !!

على هامش حياة المعمرين وكلابهم، عاش آلاف المهاجرين المغاربة من داخل البلد ، الوطن والأم ، أولهم فلاحي الشاوية ودكالة ، ثم هجرات جماعية وفردية من كل جهات المغرب ، هكذا تكبر الدار البيضاء – مدينة الكادحين (كازا بروليتاريا) معلومات عن عزيز المجدوبي – الصباح 26 اكتوبر2013.

الأحياء الراقية شيدت للمعمرين ..والحنين إليها حنين بائس وتعيس.

احد الأحياء التي تجمع فيها المعمرين ، حي ” روش نوار” هذا الاسم الذي أطلقه المعمرين على صخور سوداء بالمنطقة البحرية المحاذية للحي الذي استقر فيه كثير من الأجانب العاملين في المؤسسات الاستعمارية، فرنسيين واسبانيين وايطاليين وبرتغاليين..الخ، في تلك الفترة اعتبر حقا من الأحياء الاستعمارية الراقية في المغرب كله. واكبر محطة للمسافرين بالقطار شيدت في هذا الحي سنة 1923 وهي المحطة المهمة بالمغرب، وكان بجانبها محطة خاصة بالسلع والبضائع، محطة ربط من خلالها الاستعمار الفرنسي مراكز أساسية في المغرب بمحور الدار البيضاء ، يوجد كذلك حي ” بلفدير ” وحي ” السككيين” بمنطقة روش نوار.

الامبريالية تحتاج إلى الجيش للحماية من انتفاضات وعصيان أصحاب الأرض ، وكذلك للموظفين والتقنيين والمهندسين للإشراف وتدبير نهبها للثروات ، ولهذا شيدت لهم أحياء تتوفر على خدمات اجتماعية وترفيهية ورياضية ودينية ..الخ كان بهذا الحي : قاعة سينما ، مسبح اولمبي ، كازينو، وكنيسة و مساحات خضراء،.. وملاعب رياضية وتشكلت فرق للدرجات الهوائية، الفريق الأولى للممارسة كرة القدم بالمغرب ظهر في هذا الحي، مشتل اللعب بالكرة التي انتشرت في كل مكان. الشارع الرئيسي للميناء ، هو شارع (كاتريام زواف) وكانت الشركات الملاحية والصيد البحري ووكالات الأسفار البحرية والحانات والمقاهي والفنادق تصطف بجنابته ، يبدأ من الميناء إلى وسط ساحة (فرنسا) كان مقر البنك المخزني المغربي بهذا الشارع. سنة 1915 استقبل هذا الشارع عددا كبيرا من المغاربة الذين حاربت بهم فرنسا في الحرب العالمية الأولى. ولما تغلغل الاستيطان ، وتحضيرا لزيارة رئيس فرنسا إلى شمال إفريقيا ، أي فرنسا ما وراء البحار سنة 1922، وسعت السلطات الاستعمارية الشارع للدخول الرسمي . التجار والسماسرة عرضوا على واجهات محلات بالشارع منتوجات الحرف المغربية العتيقة التي تعود إلى قديم الزمن .منذ ذاك العهد إلى اليوم وسماسرة البرجوازية يدفعون الناس إلى غبار الخشب وأوساخ دبغ الجلد تغرقهم في الروائح الكريهة ، ونسج صوف الغنم باليد، ونيران صهر المعادن بأدوات بدائية . ونقش الجبص والحجر .الخ. وتكوين الأجيال في (الصناعة التقليدية ) تراث بلدنا، إنها المسخرة نفسها لنظام الحماية. للدار البيضاء ذاكرة. يوجد بهذا الشارع تمثال نصفي لـ(جون دال بياز) مدير شركة (ترانس اتلانتيك) البحرية وكان من كبار الرأسماليين الاستعماريين بالمغرب . للكادحين ذاكرة ، سنة 1951 سيطلق المقاوم احمد الحنصالي الرصاص على المعمرين، وبعد الشهور الأولى من الاستقلال (..) سيطلق على شارع (كاتريام زواف) اسم المقاوم الحنصالي تخليدا لبطولات كادحي المغرب، لكن في السنوات الأخيرة عاد الاستعمار مع رموزه إلى الدار البيضاء، وأطلق على الشارع اسم ( فويت بواني) بدل المقاوم والشهيد الحنصالي !!(إ، ق، الأحداث المغربية 18 غشت 2000، ص4) احمد الحنصالي راعي مغربي لا يملك شيئا، ولد بازيلال سنة 1926 ثم غادرها إلى قرية با محمد نواحي تاونات وهو صغير واشتغل راعيا هناك ثم انتقل إلى منطقة القصيبة في 1937 لمواصلة رعي الغنم، وفي بداية الخمسينات تعرضت تادلة للقمع من الفرنسيين وحلفاءهم المحليين، عاش الحنصالي هذا كله، فكر ودبر لوحده ، ثم قام بالاستيلاء على بندقية وذخيرة وبدا في مقاومة العدو ثم اتصل بصديقة سيدي موح اسميحة للاختباء عنده.

الحنصالي هجم على جنود الاحتلال وقتل 7 فرنسيين خصصت الحكومة الاستعمارية مكافأة مالية لمن يدل أو يسلم لها احنصال ، باعه إخوانه المغاربة للفرنسيين وسلموه للعدو يوم 24 مايو 1951 وظل تحت الاستنطاق والتعذيب لمدة سنتين والمشرف على هذا هو بونيفاس احد كبار الرأسماليين وله نفوذ كبير في ميناء الدار البيضاء، و في الصناعة والفلاحة ، عين من طرف الاستعمار واليا على جهة الدار البيضاء سنة 1946 ، وهو من مجرمي قمع انتفاضة كاريان سنطرال سنة 1953(علي المنوزي- صحيفة الاتحاد الاشتراكي العدد6226 السبت 26 غشت2000.

في 26 نونبر 1953 نفذ الاحتلال حكم الإعدام على بطل الكفاح المسلح الشعبي احمد الحنصالي وهو في سن 27 ونفذ الإعدام كذلك في حق صديقه اسميحة ، ودفن جثمان الشهيدين بتراب مقبرة ابن امسيك بالدار البيضاء – (الكبيرة ثعبان –الأحداث المغربية ، 22 يوليوز 2001 ص 4) هذه المعلومات كانت ضرورية جدا ، حول مسالة تخليد الرموز وإطلاق أسماءها على الفضاءات العامة ، ونرجو من القارئ التفهم.

تنتمي المدينة للشاوية السفلى يحدها من الشمال هضبة بلاد زعير ومن الجنوب الامتداد الطبيعي للشاوية ، ومن الشمال الغربي للمحيط الأطلسي ومن الشرق هضبة بن سليمان . وتقع فوق الهضاب الساحلية الشمالية ، وواد بوسكورة واحد من مصادر المياه لها. هذه المنطقة التي ركز عليها الاستيطان الزراعي. ان الأراضي التي سيطر عليها الاستعمار الأجنبي تجاوزت100 ألف هكتار في المناطق الخصبة ، باشتراك الأجانب مع الملاكين الكبار المغاربة.

تغلغل الاستيطان بمنطقة الشاوية بالقوانين الاستعمارية ، جاء ظهير 13 غشت 1913 لسلب الفلاحين الصغار أراضيهم ، نص هذا الظهير على ( تحفيظ الأرض – السند العقاري – الاسم والرقم – وتصميم الملكية ) الذي خدم الشركات والمعمرين وأذنابهم المحليين، ودمر أهل الشاوية الأميين ، لا يعرفون حتى اللغة العربية قراءة وكتابة، وكيف يفكون بنود النصوص الاستعمارية؟ قصف أخر سقط على المغاربة ، وهو ظهير 4 يوليو 1914 لوضع الأراضي الجماعية تحت حماية الدولة، أي دولة ؟ بعد نهاية الحرب العالمية الأولى صدر ظهير 9 ابريل 1919 جعل الأراضي الجماعية تحت رقابة ” مجلس وصاية ” له صلاحيات تفويت أراضي الجماعات لطرف ثالث، وتم الاستيلاء على أراضي باسم المصلحة العامة!! استغل الاستعمار الرسمي بمنطقة الدار البيضاء 86838 هكتار) عدد الاستغلاليات بلغ 269. واستغل الاستعمار الخاص 255000 هكتار، عدد الاستغلاليات 2044- [البير عياش – حصيلة السيطرة الاستعمارية الفرنسية – ص 179. مقرر الثالثة ثانوي نسخة 2003.]

في سنة 1916 شيد الاستعمار السجن المعروف بالعدير فوق ارض فلاحي دكالة من اجل إخضاع المغاربة واستغلال السجناء في الأراضي الفلاحية المجاورة له، سواء التابعة لإدارته أو في أراضي المعمرين، تم اختيار منطقة ” عدير السلطان ” لبناء السجن لأنها تقع في منطقة السهول الخصبة و مسيطر عليها بالكامل ، هذا السجن زرع الخوف لدى جميع المغاربة.-( المساء عدد 2221 تاريخ16/11/2013.)

الدار البيضاء والذاكرة ، في سنة 1915 أنشأ المقيم العام – الذي ينفذ سياسة الدولة الفرنسية بالمغرب – مكتب الصناعات التقليدية (مصلحة الفنون الأهلية ) لاحقا . وابتدأ من سنة 1920 دخل الرأسماليون الأجانب إلى المغرب ، ووظفوا أموالهم في النسيج والزرابي/الافرشة ، وفتحت مجموعة من معامل إنتاج الزرابي والجلد في كل من : مراكش وفاس وسلا ومكناس والرباط .

وتعتبر شركة ” سافت” للغزل والنسيج اكبر هذه المعامل . هذا الكنز الذي اكتشفه الرأسماليون ، جلب السماسرة والتجار، من اجل استغلال كل شيء وعلى رأسهم الطبقة العاملة – المشكلة من المهاجرين نحو المدن – الاستغلال البشع ، ساعات عمل غير محدودة وأجور هزيلة وقوانين منعدمة ، بالإضافة إلى المواد الأولية القريبة من يد الرأسماليين ، هذا هو الكنز. وأثناء الحرب العالمية الثانية بدأ التجار الكبار يصدرون المواد الأولية ( الصوف والجلد..الخ) إلى فرنسا لصناعة الأحذية والاقمصة للجنود، بيع مضمون وأرباح مضاعفة. هذه العملية شردت الحرفيين وحرمتهم من المواد الأساسية . ودخلت الحرف إلى المتحف ، ولم تعد تصلح ، وبدأت صورهم تنشر على بطاقات البريد وتباع من طرف السماسرة في الفنادق للسياح الأجانب البرجوازيين.

نعود إلى أحياء المعمرين بالدار البيضاء ، الاستعمار يقدم الخدمة للمستوطنين ، ازدهرت التجارة الداخلية وانتشرت محلات تجارية صغيرة لفائدة الأجانب وظهرت شركات فرنسية تجارية كبرى بالمغرب ، مثل ” لا فاييط ” و ” مونو بري ” هذه الشركات التي دخلت في المضاربات العقارية والتجارة الخارجية عبر الموانئ ، وعلى رأسهم ميناء الدار البيضاء . تكلمنا عن الكومندان ” مانجان” الذي اشرف على مدينة الدار البيضاء ، لنتابع مهامه الاستعمارية للمدينة ، يوم 10 مارس 1915 نزلت على المغاربة ضريبة الترتيب وبقرار من مدير المالية بتاريخ 15 فبراير 1921 تم تقسيم المصالح الضريبية في المغرب ، الفلاحون الفقراء يدفعون ضرائب للاستعمار عن المواشي والمزروعات والأشجار المثمرة . وسكان المدن وفي مقدمتهم البيضاويون يدفعون الضرائب التالية : الضريبة الحضرية في سنة 1918 – الضريبة المهنية سنة 1920 – ضريبة السكنى 1927- وضرائب غير مباشرة ، حقوق الأبواب والأسواق ، بالإضافة إلى رسوم ( الذبائح ، النظافة ، المقاهي، الباعة المتجولين، مجاورة الطريق..الخ صيانة قنوات مياه الصرف الصحي . كل هذا من اجل إخراج فرنسا الاستعمارية من أزمتها ، على حساب كادحي المغرب . وهي لم تقف هنا ولم يكفيها هذا.فقد أضافت اكتتابات وتبرعات باسم “الإخاء الحربي” و”الدفاع الوطني” و “الإسعاف الشتوي” في سنة 1940 بلغت قيمت التبرعات (7874000 فرنك فرنسي ) وفي 1941 بلغت (25298729 فرنك فرنسي) وفي سنة 1942 بلغت 37800.000 فرنك فرنسي ) جمعت عبر منابر المساجد، وجمع أعوان المخزن بحماية الفرنسيين عدد هام من الحلي والخواتم… الفضية والذهبية من النساء المغربيات –[ مقرر مادة التاريخ، الثالثة الثانوي طبعة 2003]. ومنابر المساجد تتكلم بلسان السلطان لتربية الرعايا على الطاعة باسم الدين .

بعد نزع الأرض من الفلاحين الصغار الفقراء، وتشريد الحرفيين التقليدين في المدن العتيقة، لم يبق سوى جمع الرحال إلى مركز الرأسمال المالي. الفلاحون الفقراء هجروا القرى والدواوير والبوادي واتجهوا إلى المدن ، فارتفعت نسبة ساكنتها من 16 في المائة سنة 1936 إلى 25 في المائة سنة 1952 وكانت مدينة الدار البيضاء هي التي استقبلت جلهم ، احتضنت الهاربين من الجوع والبطش. وارتفع عدد سكان الدار البيضاء من 257.000 نسمة سنة 1936 إلى 682.000 نسمة سنة 1952 .

ذاكرة الدار البيضاء ، هي بروز البرجوازية المغربية من خلال عائلات قليلة جدا مسيطرة على الأعمال والتجارة والمال، القادمون من المدن العتيقة، هؤلاء المغاربة الذين سيزيدون في سحق البروليتاريا المكدسة في أحياء القصدير، المضطرين إلى اللجوء إلى هذا النوع الواقي من الشمس والمطر. بعد العناء من ساعات العمل الطويلة والأجور البخسة وانخفاض مستوى المعيشة. في سنة 1936 صدر ظهير يفرض الحد الأدنى للأجور في ” اربع فرنكات ” أما ساعات العمل من شروق الشمس إلى غروبها . عاشت البروليتاريا البيضاوية الويلات والمصائب تحت سيطرة الرأسماليين الأجانب والمحليين إلى يومنا هذا وفي سنة 1948 تململت الأجور ، ووجدت أمامها النار شاعلة في الأسعار ، وبقى الكادحين في أحياء القصدير ولا يزالون.

كاريانات..وكاريانات..الأولى مقالع للرأسماليين والثانية سكنى للكادحين .

الدار البيضاء ، كاريان سنطرال ( 18.000 نسمة) وبن امسيك (25.000 نسمة ) التي ذاقت مرارة الاستقلال المزعوم تحت القصدير، في الصيف حرارة الشمس وفي الشتاء المياه الجارفة ونكبة الفياضانات، وفي كل الفصول النيران التي تلتهم البشر والقش معا.” في الصيف حريقه وفي الشتاء غريقه ” كما تردد الأمهات البيضاويات.

الدار البيضاء ، كاريان سنطرال ، خرج هذا التجمع البشري من قلب الاستعمارين القديم والجديد الأجنبي والمحلي ، شاهد على البرجوازية المغربية وعلى جرائمها عبر تاريخ المغرب ، ولن تستطيع محوه من الذاكرة ابدأ. حتى كلامها عن مدن بلا صفيح ، ونقل بعض قاطنيها إلى منطقة الهراويين في بداية القرن21 ، لن يخفي أكاذيبها عن الاستقلال…. الذي أطلق عليها المعارضون عدة أوصاف، الشكلي والمغشوش والمزيف والخيانة..الخ.

الحماية الشخصية للملاكين الكبار المغاربة من طرف القنصليات الأجنبية ، والاستغلاليات الكبرى للأجانب المستوطنين ، والوحدات الصناعية التي ابتدأت مع قدوم المقيم العام هوبير ليوطي ، هي التي أفرزت إلى الوجود كاريان سنطرال. ظهر هذا التجمع البشري ما بين سنتي 1922 و1937 سيطرة الرأسمالية والتحولات الصناعية للمدينة ، تقسمت الدار البيضاء إلى منطقة الأوربيين في الجهة الغربية وساحل المحيط ، ومنطقة صناعية في الجهة الشرقية من طرف المهندس ” هنري بروست ” من 1917 -1920) المعين من الجنرال هوبير ليوطي. والمهندس ” مشيل اكوشار” هو الآخر خطط لتوسيع المدينة القديمة في منتصف الأربعينات. كانت في الدار البيضاء شركات كبيرة تعمل في مقالع الحجارة وطحنها من اجل استعمالها في الأشغال ، طرقات ، موانئ ، بناء ..الخ، وأهمها ميناء الدار البيضاء . في مكان هذه المقالع أقام المهاجرون المغاربة القادمون من كل الجهات خيام ونوايل وزرائب ثم تطور الأمر إلى ألواح خشبية وصفيحية وكل ما تقذفه المعامل مع نفايات ، هذا هو أصل كلمة “كاريان” أطلقه البيضاويون الكادحون على التجمعات التي قطنها المغاربة مكان المقالع(الكاريان) ، مثل : كاريان كولوطي وكريان ابن مسيك ..الخ-( يوسف الساكت موقع صحيفة الصباح). كثير من البيضاويين يقطنون “دور الصفيح ” حاليا وحسب ولاية الجهة يوجد الآلاف من الأسر تقطن الكاريانات بالدار البيضاء ، هذا النوع السكني الذي اضطر الكادحون للحياة فيه ،في مركز الرأسمالية المغربية، ويشتهر بلدنا في العالم بهذا النوع من سكن الفقراء، منذ زمن الاحتلال إلى اليوم والرأسماليون يسيطرون على المقالع لطحن الحجر والبشر معا. كاريان كارلوطي ظهر في بداية 1930 وخضع تصميمه إلى الاستعمار الفرنسي العنصري، تصميم أحياء مخصصة للأهالي ، تكدس الحي بالفقراء القادمين من كل جهة من المغرب، وكان من اكبر أحياء الدار البيضاء ، سكانه محرومون من التجهيزات والبنيات التحتية الأساسية التي توفر الخدمات الاجتماعية الضرورية لحياة البشر، هذا التكدس تسبب للفقراء بالسكن الاضطراري والقسري فوق السطوح واستغلال البيوت وبناء فوقها براريك ، أي أحياء قصديرية أخرى. بعد أن سيطر الرأسماليون على المساحات الأرضية ماذا بقى للكادحين ؟ سوى السطوح، الفقراء المغاربة دائما يجدون حلولا لمشاكلهم بعد أن تركتهم دولة البرجوازيين يواجهون مصيرهم ، ظل حي كارلوطي مدينة صغيرة 40.000 نسمة يتواجد داخل منطقة تعرف رواجا كبيرا، امتدادا طبيعيا مرتبطا بدرب عمر والقريعة والمعاريف ، في تقاطع بين عمالات وولاية الدار البيضاء. الرأسماليون يتربصون حتى بقبور الفقراء من اجل السمسرة في العقار، حتى لو كانت خربا، عاش البيضاويون في حي كارلوطي مهملين في زمن الاستعمار واستمرت حياة الويل بعد الاستقلال(..) وكذلك الأحياء المجاورة له ، حي بوشنتوف ودرب اليهودي ودرب البلدية بعمالة درب السلطان الفداء.

سنة1996 أصيب فقراء حي كرلوطي بنكبة الفيضانات وتشردت العائلات وصل عدد سكان البيوت التي على وشك الانهيار 8760 نسمة بنسبة 2%بمعدل 40 فردا داخل مسكن شعبي تتزاحم فيه 4 إلى 5 اسر، ومنازل شعبية أخرى تتكدس فيها 10 عائلات ،كل أسرة في غرفة ، الكوارث استمرت ، تم تكديس 840 أسرة أي ما يمثل 4000 و5000 نسمة ، بنسبة 50% في مرأب (كراج) جماعة بوشنتوف اغلبهم أطفال ونساء وشيوخ، وبعد مرور شهر ونصف تم نقلهم إلى مدارس العمالة وتوزيعهم ست مؤسسات، الفقراء تشردوا والرأسماليين يلهثون على العقار ، بعد أن توسعت طريق مديونة ازدادت اللهفة(غفور دهشور – أسبوعية الصحيفة العدد37 تاريخ 26 اكتوبر2001 ص22)

الدار البيضاء تبلغ مساحتها 1615 كيلومتر مربع ، وتضم 480 حي ، منها الصفيحي والمشيد بالاسمنت قسرا واضطرارا( موقع أخبار اليوم) بيضاوي من بين خمسة يقطن سكنا غير صحي .

لقد سيطر الرأسمال الأجنبي على القطاعات المنتجة ، وخنق السوق الداخلية، والتجأت البرجوازية المغربية إلى البحث عن الربح السريع في التجارة والعقار والاستفادة من تفويت ضيعات المعمرين، بعد أن كدست الأموال في فترة الحرب العالمية من خلال التجارة في عدد من المواد الاستهلاكية وتطبيق (نظام الحصص) والسوق غير الشرعية و غير القانونية للمضاربات وتحقيق أرباح لا تعد ولا تحصى مستفيدة من نظام الحماية ، هذه هي البرجوازية المغربية التي تقول أن سكن الكادحين غير شرعي، بعد أن مصت دماءهم ،عائلات قليلة هيمنت على تجارة النسيج والألبسة والشاي والسكر والزيت والتوابل ، والعقار ..الخ . جاءوا إلى الدار البيضاء من مدن مختلفة مثل : الصويرة ومكناس ومراكش وفاس واسفي ..الخ واعتمدت الدولة الجديدة السياسة الاقتصادية الليبرالية ، محورها الرأسمال الخاص المحلي والأجنبي، واستفادت البرجوازية التجارية من الدعم المقدم لتشجيع التصنيع، والاستغلال الفاحش للعمال. بعد أزمة 1929 وفترة الحرب العالمية الثانية أكل المغاربة الأعشاب ونبتة ” يرني ” وعاشوا سنين في مجاعة ، أطلقوا عليها عام ” بوهيوف” في الفترة نفسها كان الرأسماليون يجمعون الفلوس ليسيطروا على الكادحين في ما بعد ودامت سيطرتهم إلى يومنا هذا . تشرد الفلاحين الفقراء المغاربة واحترفوا التسول من يومها ، وظهرت كلمة ” البون” وأصبح يطلق عليه عام البون التي تعني الحصة القليلة من القمح الطري التي توزعه الدول الامبريالية عبر الإدارة الاستعمارية الفرنسية على المغاربة المهددين بالموت جوعا . كان مصدر هذا الطحين هو الامبريالية الأمريكية التي ساندت فرنسا في الحرب وفي سيطرتها على مستعمراتها ، ومنذ هذا التاريخ دخل مسحوق ” الفرينا ” بطون المغاربة . أطلق المغاربة في مناطق أخرى على هذا الزمن ، عام “بونتاف ” وعام44 ، (وكارونت كات)المقصود سنة1944 (الأيام العدد509 – 3-9-فبراير 2012 ص.14)

سنة 1929 تأسست بورصة الدار البيضاء بعد سيطرة الامبريالية ودخول الرأسمال العالمي إلى المغرب وفي 1948 منحت للبورصة المغربية الشخصية المعنوية. في مرحلة مات فيها المغاربة من شدة الجوع والقحط وامتهنوا التسول، وتخلوا عن أهلهم وأبناءهم، وتشردوا في كل مكان. هذه الفترة تركت أثارها على كافة المغاربة، ولا عجب في خوفهم من عودتها.

ليوطي وفرنسا الاستعمارية جاءوا بالقوادة كذلك ، المقيم العام الذي يحن البعض إلى زمانه في الدار البيضاء ، الأيام الجميلة كما تدعي سلالة البرجوازية . ليوطي أنشاء (بورديل) في الدار البيضاء المعروف باسم ” بوسبير ” من اجل خدمة الجنود والموظفين والمتعاونين وذباب الاستعمار تحت حماية السلطة الامبريالية هذا هو ارث فرنسا. زرعت في قلب الدار البيضاء محمية جنسية تمتد على أكثر من 20 ألف متر مربع ، ويحتضن من 500 إلى 1000 امرأة فقيرة ضحية هذه السياسة الاستعمارية ، وحسب عدد من الكتابات كان عدد مفرغي الكبت الجنسي وزوار المحمية “بورديل بوسبير” في اليوم حوالي 1500 شخص ، وكان القوادون يربحون أموال كثيرة من هذه التجارة التي أسسها المقيم العام هوبير ليوطي، ومن اجل مزيد من الربح وضعت السلطات المحلية الاستعمارية بمساعدة المخزن حافلات تربط “بوسبير ” وباقي أحياء الدار البيضاء ، في هذه الفترة تم انجاز أول إحصاء خاص بهاته الفقيرات اللواتي لم يجدن أمامهن في زمن الاحتلال وبسبب الأمية سوى بيع المتعة الجنسية – وتم تخصيص سجل معلومات خاصة بكل واحدة منهن، وتم جمعهن من الأحياء الشعبية في الدار البيضاء ووضعهن في حي “بوسبير ” وكل هذه الإجراءات للإدارة الاستعمارية الفرنسية ومساعدوها من المغاربة حرصا على صحة وسلامة جنودها وموظفيها المستوطنين الغزاة. وسرعان ما انتشرت المهنة الذي جاء بها الاستعمار إلى كثير من أحياء الدار البيضاء ( الإمبراطور ، نيس ، ليزونبسادور ، الميناء ، السوق المركزي ، فندق سيرنسا ، فندق شومبوان ، المعمورة ، مرس السلطان ، ميركور ، سان ديي..الخ (أسبوعية الأيام العدد 509 -3 فبراير 2012 ،ص.16) الاستعمار يخرب البلدان ويتاجر في الجسد ويهين الشعوب والأمم ويحطم الكرامة . يجب قطع جذوره من الأساس وطرد كل من يرحب به ويتعاون معه. ليوطي شيد مؤسسة البغاء في الدار البيضاء (البغاء المراقب) في ماخور”بوسبير” وكانت بنات شعبنا يعشن في هذه المحمية،هروبا من الفقر والمجاعة فمنهن المرهونات كليا لدى معلمة (47.6%) تؤويهن وتطعمهن وتعهدهن بالرعاية لكنها لتشركهن في الأرباح ، ونسائنا الأخريات(23.8%) فإنهن يعشن كذلك تحت وصاية معلمة لكنها لا تشاركهن من نصيب المدخول ، ثمة صنف أخر (28.6%) يعشن في استقلال، وهذا يجعل معيشتهن رهينة بما يحصلن عليه من مدخول ( الحلقة 28 من كتاب لطبيبان الفرنسيان – ماتيو و موري اخرجه عبد المجيد عارف، ترجمة عبد الرحيم حزل ، منشور في حلقات في الاتحاد الاشتراكي ، العدد 7659-1غشت 2004) لتوضيح هذا أكثر، قررت السلطات الاستعمارية سنة 1914 جمع عدد الفتيات الصغيرات ضحايا سياسة الاستعمار والقهر في أحياء تسهل مراقبتها وخصصت أراضي الواقعة تحت يد المسمى ” بوروسبير فيريو” سيطر عليها سنة1908 ، وأصبح البيضاويون يطلقون على الحي بوسبير. ولد بورسبير بمدينة الدار البيضاء سنة 1866، وكان مكلفا بالقنصلية الفرنسية في الدار البيضاء ثم عمل كنائب للقنصل اليوناني ومستشارا سياسيا للجنرال “داماد” ثم مستشار في التجارة الخارجية الفرنسية. هكذا جل الأحياء بالدار البيضاء تحمل أسماء المستوطنين الأجانب او الملاكين الكبار والسلاطين. سنة 1923 طلب رئيس السلطات الاستعمارية بجمع النساء المغربيات بحي قرب درب بوسبير الواقع بباب مراكش قرب المدينة القديمة. الرأسمالية تستثمر في كل شيء، أسست شركة عقارية تدعى ” لاكريسونيير” نصت الاتفاقية الموقعة بين بلدية الدار البيضاء والشركة على أن هذه الأخيرة هي مالكة جزء من هذا الحي الجديد لمدة 75 سنة والجزء الأخر طيلة 90 سنة وسيتحول الحي إلى ملكية البلدية، خصص جزء من الحي لإسكان المغربيات اللواتي قهرهن الاستعمار والفقر والتسلط الذكوري والعنصري والمخزني وكل أسباب القهر والويل، اللواتي كن بباب مراكش. هذا الحصن صممه مهندس تابع لبلدية الدار البيضاء وتم فرضه على الشركة ، شيدت الحجرات ” البيوت” ومركز للشرطة ومستوصف بلدي ، والبوابة الكبرى عند المدخل. الرأسمال الاستعماري يشيد محمية جنسية في قلب المغرب، كان عدد سكانه 20000نسمة مع بداية القرن العشرين ووصل 700.000 سنة1951 وظهرت الطبقة الكادحة بشكل واسع بالدار البيضاء ، 5000 مغربية فقيرة ومعدمة سقطت في سوق الدعارة التي أسستها السلطات الاستعمارية في بداية الخمسينات ،بوسبير محمية جنسية وقلعة حقيقية بأسوارها العالية وبوابتها ومراكز الحراسة تعيش داخل هذا الحصن الحصين نساء مغربيات ، الم يطلق على هذا النظام اسم الحماية ؟ إذن كل شيء محمي، سلطة القهر واللصوصية والقوادة. محمية على شكل مستطيل تبلغ مساحتها 24000متر مربع محاطة بالأسوار العالية وله بوابة واحدة ، حسب وثائق مستوصف حي بوسبير كانت 1500 فتاة جاءوا من عدة مناطق ، الدار البيضاء وضواحيها ومن الرباط ومراكش وفاس واكادير ومكناس ووجدة ومن الشقيقة الجزائر ومن طنجة ومناطق الشمال التي سيطر عليها الاستعمار الاسباني . (خديجة ادرايسي ، يومية الصباح 17 ابريل 2000 ص 10).

الاستعمار بدأ وحلفاؤه يتممون مهامه ضد كادحي الدار البيضاء

10 شركات في التجارة الكبيرة ( البيع بالجملة ) حققت لوحدها سنة 1984 حوالي 47.65 في المائة من مجمل معاملات القطاع التجاري .

الصناعة التحويلية ، 55 في المائة من مجموع الراساميل المغربية الخاصة المستثمرة في هذا القطاع ، وقطاعات أخرى مثل: الابناك والتأمينات ، وكل ما هو مالي ومصرفي. من يسيطر على الدار البيضاء وغيرها؟ هذا هو السؤال الذي يجب أن يطرحه كل واحد منا، بدل النقاش التافه في كل مكان حول جمع النفايات وطرد أصحاب العربات المجرورة بالدواب والباعة المتجولين والمتشردين والمتسولين، أهل الشاوية وأصحاب الأرض. البرجوازية تقول ان المدينة اتسخت حينما امتلأت بالفقراء المغاربة وتحن إلى الماضي ووسخ الاستعمار الأجنبي ، وتكسر الرؤوس بالديمقراطية والحداثة ، كلام عجيب!!

والحنين إلى أيام زمان بلا معنى ولا فائدة. من يجب محاسبته من طرف البيضاويين هم : المجموعات المالية الكبرى 1 – اومنيوم الشمال الإفريقي ، التي تملكها العائلة الملكية .2) مجموعة فيتانس – كوم ، لعائلة عثمان بن جلون .3) مجموعة ايناهولدينغ، لعائلة ميلود الشعبي .4) مجموعة اكوا ، عائلة اخنوش و واكريم.5) مجموعة الضحى لعائلة الصفريوي .6) مجموعة صوفيبار – كوفيمار ، عائلة كريم العمراني .7) مجموعة سوبار ، عائلة الكتاني . هذه هي العائلات البارزة الكبرى المسيطرة على( كازا بروليتاريا ). بالإضافة إلى عائلات أخرى هنا وهناك من الشمال والجنوب ومن شرق البلد وغربه ، والتي تطمح إلى وجود مكان في الصف ودخول الدائرة المقربة من رأس السلطة.

الأحزاب السياسية تتنافس من اجل خدمة هؤلاء ومن اجل جمع نفايات الدار البيضاء وطرد المتشردين من الشوارع لكي تمر منها سيارات الرأسماليين الفارهة ذات الأشكال والألوان و الاكسسوارت الذهبية . والكادحون لابد من يوما ما سيحررون أنفسهم بأنفسهم ، وفي طليعتهم كادحو الدار البيضاء.

عملية التراكم الرأسمالي من طرف البرجوازية المغربية اتجهت نحو القطاعات غير المنتجة، القطاع المالي والتجاري، أي ما يعرف( بالخدمات) والأملاك العقارية بما فيها الأراضي الزراعية بنسبة 52 في المائة، والأصول التجارية بلغت 25 في المائة، والممتلكات غير تجارية 25 في المائة. في دراسات أخرى تقول ، العقار 52 في المائة من مجموع الثروة مقابل 31 في المائة للصناعة و17 في المائة للا نشطة التجارية والخدمات . (محمد سعيد السعدي، مجلة وجهة نظر العدد 52 ربيع 2012). في قلب المنطقة الصناعية لعين السبع والبرنوصي يوجد كل من دوار”معيزو” ودوار” لفراحة” مهمشين ومقصيين ، والحياة فيهما لا تليق بالبشر .

مارس1965 انتفض أبناء وبنات كادحي الدار البيضاء ضد الظلم والاستغلال ، ومن اجل التحرر والديمقراطية والعدالة الاجتماعية ، في مسيرة كفاح مدينة ، منذ 1907 ضد الاحتلال في الميناء و1944 و1947 و1952 من خلال الانتفاضة الشعبية الأممية التضامنية مع الأشقاء التونسيين بعد أن اغتالت قوات الاحتلال الفرنسي الزعيم الوطني والنقابي التونسي فرحات حشاد. هذا الترابط والتكامل الحقيقي بين شعوب المنطقة من خربه ودمره ؟ للدار البيضاء ذاكرة ، استمرت انتفاضة البيضاويين رغم الهيمنة الرأسمالية التي لا تطاق، وفي كل هبة شعبية يسقط الآلاف والمئات والعشرات دائما حسب التوسع والانتشار، وفي كل معركة للبيضاويين يكون الحاسم هو الجيش بالسلاح والنار، في الأول نار الاستعمار وبعد الاستقلال(..) نار النظام.

بعد انتفاضة البيضاويين سنة 1981 ضد الزيادات في خبز وطعام الكادحين ، مباشرة بعد اغراقها في الدماء ، جاء التقسيم الإداري والجماعي للدار البيضاء ، وثم خلق 8 عمالات : عين السبع الحي المحمدي – الدار البيضاء انفا – ابن مسيك سيدي عثمان – عين الشق الحي الحسني – فضالة زناتة – الفداء درب السلطان – البرنوصي – المشور- و35 جماعة حضرية و29 جماعة قروية على مساحة 1615 كيلومتر مربع. خصصت بعض المناطق للمصانع ، بكل من حي مولا ي رشيد 29 هكتار ، النواصر 15 هكتار، دار بوعزة 10 هكتارات ، ثم منطقة مطار محمد الخامس 120 هكتارا ، والمنطقة الصناعية بالمحمدية 120 هكتارا ، تستغل 900 ألف عامل بابخس الأجور وتحت حماية الدولة.

يوجد بالدار البيضاء 16 ألف بائع متجول و23 ألف بائع بالتقسيط. هذه الأرقام نشرها خالد العطاوي بيومية الأحداث المغربية 1 شتنبر 1999 ص2. ونحن نطرح سؤال ، الم تتضاعف منذ هذا التاريخ؟

هذا هو بلدنا وهذه هي مدينتنا عائلات قليلة تسيطر علينا وعلى مدننا وتشرد شعبنا . 20 يونيو 1981 بعد25 سنة من الاستقلال (..) انفجار اجتماعي في ظل حكم الاستبداد التابع للامبريالية ، المؤسسات الدولية المالية وغيرها ، جعلت الحياة لا تطاق ، بل الخبز والطعام أصبح الكادحين غير قادرين على شرائه ، الزيادات : السكر112% الزيت 107% الحليب 200% الزبدة 246% الطحين/الدقيق185% ضد هذا المد من التجويع ، هاج الفقراء ، انطلق الشباب المحروم في موجة من السخط والغضب نحو كل ما هو فاخر وإحراقه ، متجر سيارات مكاتب ومؤسسات مالية الابناك ..ثم التصدي للقوات المدافعة عن الرأسماليين الكبار ..عنف وقهر يولد رد فعل من المقهورين ضد قاهرهم( جريدة المناضل-ة العدد 54 يوليوز –غشت 2013 ص3)

.

نعود إلى كاريانات الكادحين بمدينة الدار البيضاء ، والى كاريان شنيدر الموجود قرب الميناء بجماعة مولاي يوسف ، هذا الحي القصديري الذي كان يضم 28 مسكنا قرب الشاطئ ومسجد “الحسن الثاني” في البداية – هذا المسجد الذي بناه النظام بنزع الأموال من الكادحين وكم كانوا يسخرون منه ويرددون النكات حول قضيته – وتم نقلهم إلى ساحة خالية قرب الميناء ،هذه المنطقة التي هجم عليها الرأسماليون بمشاريعهم الباذخة ( لامارينا ) السياحية ، ميناء ترفيهي ، فنادق مقاهي فخمة محلات تجارية للبورجوازية.(الأحداث المغربية 19 غشت 2002 ص3)

البرجوازية تقذف الأكاذيب إلى رؤوس الناس بطي صفحة الماضي وجبر الضرر..!. يوجد بالدار البيضاء حي “كوبا” المجاور لمسجد الحسن الثاني والذي يقطنه الكادحون البيضاويون الذين جاء اليهم ورثة معمر فرنسي لطردهم من مساكن قطنوها لزمن طويل، وبلغ سعر العقار قرب مسجد الحسن الثاني 20 ألف درهم للمتر المربع. هذا المعمر الذي جاءت سلالته لنزع الأرض من المغاربة بعد وفاته ، هو ” دومينكوبيريرا ديمارو” افرنسي الجنسية و كوبي الأصول ، كان مدرب خيول الملك الراحل محمد الخامس، هذا الأجنبي الذي هرب إلى فرنسا عندما تحركت انوية مقاومة الاستعمار والمتعاونين معه من طرف حركة وطنية تزعمتها الفئات الشعبية . هؤلاء الفقراء المغاربة سيطردهم أبناء المعمرين من بيوتهم، والدولة تحمي سلالة المستوطنين، ومع ذلك يدق أعوان السلطات أبواب المنازل ويقولون للناس علقوا الراية على بيوتكم احتفالا بعيد «الاستقلال” بدون حياء ولا خجل ! الطبقة البرجوازية لا تحب النظر في الكادحين وحياتهم وسكناهم. وفي كل مكان يوجد الفقراء .وفي قلب حي النسيم يوجد كاريان”مسعودة” الذي أحاطت به السلطات سورا ضخما من اجل فصله عن العالم المحيط به وإخفاء سكانه وشقائهم. جدران العار هذه التي شيدتها البرجوازية المغربية في اكبر مدينة اقتصادية بالمنطقة المغاربية وإفريقيا وحوض البحر المتوسط،، مدينة 6 ملايين قاطن و2 مليون بين الزائر والعابر، ومن يعرف العدد الحقيقي ؟ ثم تذهب لتوزيع المعونات في جبال المغرب بالأطلس وباقي العالم ، وترويج عبر وسائل إعلامها إحسانها رأفة ورحمة في الفقراء ، تسويق النفاق والكذب والأضاليل . وبالقرب من كاريان مسعودة يظهر الشريط الساحلي عين الذئاب المنطقة المشهورة ، بالبنيات العصرية والفنادق والمقاهي الفخمة والمطاعم،الأماكن المفضلة للبرجوازية( رشيد عفيف الأحداث المغربية 5 غشت 2002).

الأحزاب التي تتسابق على لعب دور ممثل السكان في إحدى المسرحيات التي يخرجها النظام بحبكة واتقان، تسكت على أموال القصور وتشارك في هدم براريك الكادحين. خصص القانون المالي لسنة 2009 نحو 1.8 مليار درهم لتغطية النفقات الجارية الخاصة بالقصور والاقامات النظام التي يفوق عددها 20 قصرا وإقامة ، وهي مخصصات تهم مرتبات الموظفين والمستخدمين والتنقلات وأشغال الصيانة وكذلك المصاريف المرتبطة باللوجيستيك المرافق لتنقلات رئس الدولة والحفلات الرسمية ، ووزارة القصور والتشريفات والأوسمة تشتغل تحت الإشراف المباشر للنظام وليس تحت رئاسة الحكومة المسؤولة عن تمويل القصور والاقامات من الميزانية العامة للدولة (ملف تحت المجهر – صحيفة أخبار اليوم العدد 120 تاريخ 18/-19/07/2009)

كان هوبير ليوطي حدد قاعدة في الحكم تقوم على تعيين ممثلي السلطان الجدد حكاما على الأهالي وكان هذا النظام خدم بشكل كبير الإدارة الفرنسية ونظام الحماية ، وضمن الاستمرار لسيطرة خدام المخزن محليا وتوارثت هذه السلطة عبر السنين، في السنوات الأولى للاستقلال (..) حدث تحول على مستوى الإدارة وانتقلت قطاعات السيادة الجيش والشرطة والإدارة المحلية في ظرف سنة إلى ايدي القصر، وقطاعات أخرى انتقلت إلى يدي المغاربة الذين وظفتهم بورجوازية الحركة الوطنية في الأشغال العمومية والفلاحة والمالية والتربية الوطنية بشكل تدريجي ومديد ، وكانت المسؤوليات التقنية تحت سيطرة الفرنسيين دامت عدة سنوات والمهام العليا للتنفيذ كانت دائما للفرنسيين في طريق التعويض التدريجي “المغربة ” من استفاد ؟ المغاربة الذين تكونوا في مدارس الاستعمار نفسه ،(التكوين العصري) بمعنى اغتنام المناصب التي خلفتها الحماية ، وهي واحدة من فوائد (اكس ليبان ) المسؤولية الإدارية بيد القصر انطلاقا من سنة1960 كانت المغادرات كثيرة بحيث تم تعويض هذه المناصب بشكل عام من خلال بدائل تعويضية ( رخص النقل ووكالات في عدة قطاعات التامين والسياحة ..الخ) لكسر شوكة المعارضة ذات التكوين التقليدي . وثانوية مولاي يوسف بالرباط هي التي أنتجت العدد الأكبر من قدماء الموظفين بالإدارة المركزية وأغلبية من تقلد مناصب وزارية في هذه الفترة ينحدرون من مدرسة مولاي إدريس بمدينة فاس ، و70 في المائة من المدرسين منحدرين من المدارس الإسلامية التقليدية(ريمي لوفو، الفلاح المغربي المدافع عن العرش ،ترجمة مجلة وجهة نظر)

المقيم العام ليوطي ظل في حكم المغرب إلى سنة 1925 وخلق إدارة مركزية وجهوية ومحلية بالمغرب سيطرة على كل السلطات واستعانة بالقياد والباشاوات وتركت للسلطان الهيمنة الدينية وتوقيع الظهائر.

الدولة شرعت في توزيع الأراضي المصادرة ( أراضي أنصار بن عرفة ) وبعض الأراضي المسترجعة ( أراضي المعمرين ) مع بداية 1963 كان الهدف هو إخفاء عمليات الاستيلاء على الفائدة من الأراضي الزراعية المتحصل عليها من الاستثمارات العمومية، وبناءا على العمليات التعسفية المرتبطة بنقل الملكية الأرضية. وهكذا خصص الثلثان من أجود أراضي الحماية، لإدراجها ضمن البرنامج الاستثنائي لنقل الملكية تحت مراقبة القصر. ولم يكن النظام والأمراء هم أخر من استفاد من هذا التدبير، فالعائلة كانت تتمتع مسبقا في عهد محمد الخامس بإرث عقاري مهم، وأصبحت بمثابة المالك العقاري الأول بالمغرب ، وأي كلام عن الإصلاح الزراعي يشكل إزعاجا للعائلة الملكية(ريمي لوفو ، ملحق بكتاب الفلاح المغرب – ص.283)السيطرة على الأرض الفلاحية هي سبب الهجرة نحو المدن والتكدس السكاني بالدار البيضاء وغيرها من مدن المغرب.

حسب البنك الدولي في شهر أكتوبر من سنة 1981 أن الاقتصاد المغربي استفاد من هذه الأوضاع والحالات ، ارتفاع وتيرة التشغيل، أي الاستغلال المفرط للعمال في القطاع الحضري مقارنة مع الفترة ما بين 1960 و1970 استفادت الرأسمالية المغربية من الهجرة ، البروليتاريا المنحدرة من القرى والبوادي والمعروفة بكونها “طيعة” بقدر كبير وبأنها ترضى بأدنى الأجور كما أنها تكتفي بالعيش في ظروف حياتية متدنية إلى أقصى الدرجات (ريمي لوفو، المرجع السابق) كل هذا يتم بتواطؤ مع بيروقراطيات المركزيات النقابية .

ظل القطاع الصناعي والتجاري الخاص في أغلبيته تحت الهيمنة الأجنبية إلى حدود سنة 1973، وباسترجاع الأراضي التي كانت بيد الحماية أصبح المجال الذي يمكن للنظام أن يمنح رخص الولوج إليه بقرار شخصي مجالا واسعا. وهذا الموضوع خرج من النقاش السياسي المغربي في عهد الحسن الثاني . توجه نحو القطاع الخاص مجموعة من المسؤولين العموميين (البيروقراطية الإدارية ) واستفادوا من الظروف التي عاشها المغرب في 1973-1974 وكان الرأسماليون الأجانب توقفوا عن توظيف أموالهم في المغرب وظلوا يرسلون أرباحهم إلى الخارج ، وكان في سنة 1974 استفاد من إحدى الفرص الاقتصادية ، وهي مضاعفة ثمن الفوسفاط بمقدار أربعة أضعاف . وستعرف الرأسمالية الكبرى بالبلد تطورا، مع التوجه إلى البحث عن شركاء من ضمن المقاولات الخاصة المغربية ، ولا سيما في قطاع البناء والأشغال العمومية ، واستفاد الرأسماليون من القروض الضخمة ابتدأ من قطاع النسيج إلى قطاع السياحة و بناء وتجهيز الفنادق والسيطرة عليها.. وتهافتت الطلبات على إنشاء المقاولات الخاصة من اجل السوق الداخلي أو في تنمية الصناعات الخاصة بالتصدير المرتكز على تكلفة البروليتاريا أي الأجور الرخيصة وعرف نمو الرأسمالية المغربية تطورا كبيرا،وتوسعا غير مسبوق.

هكذا كبرت مدينة الدار البيضاء ، التي لم تتسخ بنفايات السكان، علب وقارورات فارغة ، الدار البيضاء اتسخت بالرأسمالية التي دمرت البشر والشجر.

لا احد من الرأسماليين المغاربة استطاع أن يجد له مكانا مهما في القطاع الخاص منذ بداية الاستقلال (..) بدون موافقة الحسن الثاني، وكان تدخله شكل دعوة يتولى المسؤولية في هذه الشركة أو المقاولة في إطار شراكة مع شريك أجنبي ، وذلك مع توفير دعم شخصي أو مالي من قبل الحسن الثاني هذا الأسلوب استعمل مع السياسيين والإداريين . وأصبح يمثل المقاول المغربي الأول في القطاع الخاص منذ اقتناءه أصول بنك باريس والأراضي المنخفضة في سنة 1980 وهي الأصول التي كانت قد بقت بالمغرب بعد عملية مغربة السكك الحديدية والطاقة الكهربائية في شهر غشت 1963. ثم الدخول في تجمع مؤسساتي مشترك كبير (هولدينغ) تحت اسم اومنيوم شمال افريقيا ، وأصبحت مجموعة من الشركات تتولى أنشطة استيراد السيارات وتصبير السمك والمنتوجات الفلاحية ، وإدارة معامل تجهيز المنتوجات الحليب ومشتقاته ..كراء الشاحنات والآليات الضخمة للأشغال العمومية المطابع والمعادن ..وشغلت (اونا)15.000 عامل . تناوب على رئاستها كل من الوزير السابق محمد بن هيمة ، ودافيد عمار كان رئسا للطائفة اليهودية بالدار البيضاء وكان عضو منتخب سنة 1963 باسم جبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية ، جماعة المستشار الملكي احمد رضا اكديرة ، مهندس هذه المرحلة من تاريخ المغرب .(ريمي لوفو – الفلاح المغربي…)

الدار البيضاء قاطرة الاقتصاد المغربي ، ومن سيطر على اقتصاد المغرب هو المسؤول الأول على ما وصلت إليه القاطرة ، أما الأحزاب التقدمية والحداثية والمرتكزة على الإيديولوجية الدينية وبكل التسميات التي تختارها لنفسها ، لا تحكم في شيء ومسؤوليتها هي تخدير الجماهير والفئات الشعبية بالأكاذيب والأضاليل من اجل إيجاد مكان لخدمة الرأسماليين الكبار مقابل الامتيازات السكن الراقي والسيارات والسائق والخدم والسفريات والأجرة الخيالية ..الخ) في بلد يفر منه الشباب ويعيش فيه الشيوخ بالتسول ومد الأيادي في الشوارع . أما النقاش السياسي حول مصير البلد وسيادة الشعب على ثرواته ، غير قادرة عليه ولم تخلق من اجله.

معا على الدرب لتحرير كازا بروليتاريا وكل المغرب من سيطرة الرأسماليين.

15 دجنبر2013

طه محمد فاضل

المراجع

* مجلة زمان العدد الأول أكتوبر 1013

*الطيب بوتبقالت –الاتحاد الاشتراكي 4 دجنبر 2001 العدد 6690 ص6

*عزيز المجدوبي – الصباح 26 أكتوبر 2013-12-15 * ا،ق- الاحداث المغربية 18 غشت 2000 ص 4

*اعلي المنوزي – الاتحاد الاشتراكي 26غشت 2000 العدد6226

*الكبيرة ثعبان – الأحداث المغربية 22 يوليوز2001 ص4

*ألبير عياش حصيلة السيطرة الاستعماري الفرنسية – ص179

مقرر الثالثة ثانوي نسخة 2003

*المساء عدد2221-16/11/2013

*يوسف الساكت – موقع الصباح

*غفور دهشور- الصحيفة العدد37- تاريخ 26اكتوبر2001 ص22

*موقع أخبار اليوم

* الأيام 3فبراير2012 العدد509 ص14

*الاتحاد الاشتراكي 1 غشت 2004 العدد7659

*سعيد السعدي – مجلة وجهة نظر العدد52 ربيع 2012

*جريدة المناضل-ة العدد54 يوليوز –غشت 2013

*الأحداث المغربية 19غشت 2002 ص3

*رشيد عفيف – الأحداث المغربية 5غشت2002

*أخبار اليوم العدد120 تاريخ 19/7/2009

*ريمي لوفو –الفلاح المغربي حامي العرش

شارك المقالة

اقرأ أيضا