احتجاج النساء العاملات في الفنيدق، لا ثقة في أرباب العمل أو في دولتهم

أخبار عمالية7 فبراير، 2024

احتجت عاملات في شركة متخصصة في استيراد وتصدير الملابس والأحذية المستعملة في مسيرة، نهاية شهر يناير من العام 2024، في مدينة الفنيدق، ضد ما يُنشر حول تعرضهن للتحرش الجنسي في الشركة ويرفعن شعارات داعمة لرب عملهن بوجه البرلماني عبد النور الحسناوي، (الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية) الذي كان قد وجه سؤال كتابي في البرلمان رقم 14562 بتاريخ 22 يناير 2024 حول “وجود خروقات لبنود دفتر التحملات الملتزم بشأنه” من طرف رب العمل. وأضاف “.. بحيث لا تلتزم بهذه النسب (تبيع في السوق الوطنية 100% من المنتوج) ولا تتوفر على معمل خاص بهذه السلع باستثناء الفرز فضلا عن تصدير الأطنان من المواد في غياب تام لأية رقابة..”.

يبدو الحدث عاديا وطبيعيا: خروج شغيلة تضامنا مع رب عمل أسيء إليه في البرلمان. سأحاول أن أشرح بعض الأمور كي لا يمر هذا الحدث بشكل عادي وطبيعي.

عودة لأحداث الفنيدق في العام 2021

تمثل العاملات المحتجات جزء من مئات النساء اللواتي كن من ممتهنات تجارة نقل البضائع من معبر سبتة ومليلية سابقا. أرغمن على العمل في معامل استيراد وتصدير الملابس المستعملة.  يتذكر القارئ بأن الدولة قامت في العام 2019 بوقف نشاط نقل البضائع في هذه المنطقة وأرغمت على سن إجراءات استعجالية لإطفاء حرارة احتجاجات سكان الفنيدق بداية العام 2021. واتخذت إجراءات تمثلت في إحداث مشروع لوكالة إنعاش وتنمية أقاليم الشمال يهدف إلى خلق منطقة أنشطة اقتصادية على مساحة 90 هكتار، بداية بمساحة 10 هكتارات كمنصة بديلة لنقل السلع القادمة من سبتة عبر ميناء طنجة المتوسط وجعل ميناء “بني نصار” منصة لدخول سلع مليلية والترخيص بفتح متجر كبير للشركة السويدية (اكيا) وتوقيع عقد تشغيل للمتضررات من إغلاق المعبر للعمل في شركات النسيج بطنجة وتطوان (1). كما قامت الدولة بتوفير الدعم المالي والامتيازات التجارية وتسهيل الإجراءات لبعض أرباب العمل من أجل انخراطهم في توفير مناصب شغل لهاته الفئة من النساء (2) وتمكين باقي السكان من مواصلة أنشطتهم التجارية عبر إبرام تعاون بين الشركات المستوردة للثياب المستعملة وأصحاب المحلات التجارية في المدينة يقضي ببيع جزء من الانتاج للتجار. وهنا يأتي السؤال الذي طرحه البرلماني، بعدم وفاء صاحب الشركة بالتزام يلزمه بخلق تعاونية تضم منخرطين من ممتهني تجارة الملابس المستعملة، وتوفير السلع لهم وبأن لهذا الإخلال تأثير على أوضاع هذه الفئة من التجار.

الناظور والفنيدق، اليوم

توجد المنطقة، منذ نهاية العام 2023، على صفيح ساخن. تشهد مدينة الناظور احتجاجات بوجه غلاء المعيشة وتدهور القدرة الشرائية للسكان. وخرجت مئات من العاملات بمصنع “كرامة روسيكلاج” لإعادة تدوير الملابس المستعملة، بجماعة بني أنصار في الناظور، من أجل الاحتجاج على توقف الأجور وشحها وضد ظروف العمل الصعبة. كما يحتج إلى اليوم، منذ أسابيع، عمال وعاملات النظافة والطبخ بالمدينة منذ يوم 18 دجنبر 2023، لمطالبة شركة Noble Rest بتأدية الأجور وتوفير كل الحقوق المنصوص عليها قانونيا، يؤازرهم في أشكالهم النضالية كل أعوان الحراسة في الإقليم. وتحتج، في الفنيدق أيضا، عاملات شركة CIRCUTEX، ضد توقف العمل منذ ثلاثة أشهر وخفض الأجرة إلى النصف بحيث أصبحت 1500 درهم من إجمالي 3050 المضمنة بالعقد. يذكر أن هذه الشركة كانت تشغل 500 عاملة وهي واحدة الشركات التي حصلت على رخصة استيراد وتصدير الملابس المستعملة، بهدف تشغيل ممتهنات نقل البضائع بمعبر باب سبتة سابقا.

النساء العاملات والنضال لتحقيق مصالحهن الحقيقية

جابت عاملات شركة SABRY Commerciale مدينة الفنيدق في مسيرة بشعارات مناوئة للبرلماني. اعتبرن سؤال الأخير تهجما وحملة تستهدف رب عملهن، وتؤثر على أرزاقهن. إن العلاقات بين العاملات ورب العمل الكامنة داخل المعمل هي المحدد والمفسر لخروج العاملات دعما لولي “نعمتهن”. علاقة متسمة بالتبعية وخارج إطار قانون الشغل (تعتبر النساء العاملات رب العمل منقذنا لهن من البطالة إبان غلق معبر سبتة).

هكذا، فضلن الخضوع التام لرب العمل، كي يضمن مواصلة العمل وقوتهن اليومي. يعتبرن رب العمل أمنا وأمانا في ظل البطالة والغلاء المتفشين، وليتجنبن ويلات الجحيم يتشبثن بالتبعية له. يدفعهن الخوف للدفاع عنه، ويتيح غياب نقابة تفصل المصالح الحقيقية للعاملات عن تلك الخاصة برب العمل استمرار استسلامهن.

والحال أن مصالح العاملات تتمثل في تطبيق كل ما يتيح اشتغالهن في ظروف تضمن الكرامة والسلامة من قبيل الأجور العادلة وتطبيق مقتضيات مدونة الشغل على علاتها، والتصريح بهن لدى مصالح الضمان الاجتماعي. فرب العمل، حين يستهدفن مصلحته، سيستغل أول فرصة لطلب الشرطة من أجل قمع إضرابهن من أجل الزيادة في الأجور، ما يعني خفض أرباحه.

لا تملك العاملات سوى وحدتهن والنضال، فهذا ما يتيح فرصة احساسهن بوحدة المصير كأجيرات وكنساء، وسيجرهن لنقاش مشاكلهن المهنية وتلك القائمة على النوع الاجتماعي، والتداول بشأنها وحول الحلول الحقيقية لها. وهذا ما شهدنا له شبيها في احتجاج العمال البحارة الأخير في مدينة أسفي في أكتوبر في العام 2023، الذي تحول من مساندة أرباب العمل إلى احتجاج كبير ضدهم لم يتوقعه أحد.

مصلحة البرلماني في أن تضمن الدولة سلم واستقرار اجتماعيين

تطبيق القانون والالتزام بدفتر التحملات، هذا ما يريده البرلماني، وليس ما يضمن الأجور العادلة والضمان الاجتماعي والتقاعد المريح. إنه يروم الدفاع عن مقدسات الملكية الخاصة: تطبيق القانون و”المنافسة الشريفة”. إنه ينبه الدولة لأخطار انتهاك القانون، ولضرورة الإبقاء على الاستقرار الاجتماعي الذي تزعزعه سلوكات أرباب عمل (مثل رب العمل هذا وهو رئيس المكتب التنفيذي للفيدرالية المغربية للمخابز والحلويات) مستفيدين من مشاريع تشغيل ممتهنات نقل البضائع عبر معبر سبتة ومليلية.

إن البرلماني رب العمل الشاهد على احتجاجات تتوالى للعاملات في المدينة يخاف على مصالحه ومن خلالها يحرص على ضمان استقرار الارباح وديمومتها. إنه يخاف على استقرار الدولة لهذا يتدخل من أجل ضمان سير عادي وسلم اجتماعي في المدينة: فالغلاء يتفاقم والاحتجاجات متواصلة والبطالة منتشرة والتجار الصغار يعانون نتيجة الإفلاس. الأزمة حادة وتداعياتها وخيمة على الشغيلة والفقراء. لهذا فأول المهاجمين على خروج بعض أرباب العمل عن الطريق المرسوم والمهدد للسلم الاجتماعي سيكون رب عمل متفطن.

يتنافس ويتصارع الرأسماليون دون رحمة في السوق فالتسابق على الربح محموم لكنهم يتناقشون ويرتبون أمورهم في البرلمان. لهذا نجد في البرلمان جماعات بورجوازية تمثل قطاعات أو مناطق تتجادل وتتعارض وتتصارع فيما بينها من أجل مصالح محض خاصة بالرفع من الربح أو ضمانه. يشكل البرلمان إذا جلسة نقاش لما هو في صالح الطبقة المالكة لوسائل الانتاج وكيفية ضمان بقاء الملكية الخاصة.

من زاوية نظر البورجوازية فقد أخل أحد أفرادها بـ”القانون” وهو في هذه الحال يهدد “النظام العام” الذي يفترض بالدولة أن تدافع عنه. إن هذا «القانون” ليس حياديا، بل هو قانون برجوازي يحمي الملكية الرأسمالية الجماعية، قانون يضمن ديمومة ملكية وسائل إنتاج لقلة من الرأسماليين بوجه كثرة من الناس يشتغلون لقاء أجرة. إن تلك الدولة التي يسألها الحسناوي هي في خدمة بقاء الملكية في يد البورجوازية، لذا فهي لن تعاقب الرأسماليين الذين يقترفون انتهاكات شكلية بحق “القانون” ما لم يشكل تهديدا مباشرا على السير العادي للاقتصاد.

هل الدولة حيادية؟

يعطي سؤال البرلماني الانطباع للجمهور الواسع بأنه يندرج في نقاش وتقييم السياسات العمومية للبلد وسبل تدبيرها الموكول لأجهزة الدولة الموضوعة رهن إشارة محاسبة البرلمانيين ممثلي الشعب. هذا هو الانطباع الأولي. لكن حقيقة الأمر تبدأ فعلا من طرح السؤال، من يسمح لأرباب العمل بخرق القانون؟ من سيقوم بمراقبة تطبيق دفتر التحملات؟ هل يخفى على الدولة الخروقات التي يقوم بها أرباب العمل؟ وهلم جرا من الاسئلة التي قد يطرحها الملاحظ لما يقع في البلد.

ثمة روابط إيديولوجية واجتماعية واقتصادية تشد أفراد الطبقة البورجوازية إلى أجهزة الدولة، فكل الموظفين الكبار يقبضون الأموال والامتيازات التي تتيح لهم التمتع برغد العيش لقاء خدمات حراسة والحرص على الملكية الخاصة وضمان السير الحسن للاقتصاد بما يخدم مصالح ارباب العمل. فالدولة التي يطلب الحسناوي تدخلها ليست حيادية على الإطلاق، بل على العكس من ذلك هي ضامنة وخادمة الرأسماليين.

إن طبيعة الدولة الطبقية تبرز بجلاء حين نركز على دورها القمعي. فأثناء الاضرابات العمالية تتدخل أجهزة الشرطة والدرك، بل حتى الجيش بهدف وقف وإنهاء الإضراب، وتفريق المسيرات العمالية وطرد العمال إن احتلوا معملا وإطلاق الرصاص عليه. بينما لم نشهد حالة واحدة انحازت فيها هذه الاجهزة للعمال أو قامت باعتقال رب عمل طرد عمالا أو أعادت فتح معمل أُغلق في وجه الشغيلة… هنا أيضا يجب أن يجيب البرلماني الحسناوي على سؤال: إلى من يا ترى ستنحاز؟ إذا شهدت رب عمل يطرد شغيلته؟ الأمر لا يحتاج لجواب فهو نفسه رب عمل.

هوامش:

  • أنظر مقال: الفنيدق والنّواحي: إغلاق المعابر التجارية يدفعُ الكادحين- ات للإنتفاض                                       https://www.almounadila.info/archives/9865
  • أنظر مقال” كرامة روسيكلاج تقطع اجور عمالها للدفع بهم للاحتجاج قصد الضغط على إدارة الجمارك” على موقع اريفيو نت https://www.ariffino.net/

بقلم، العاصي

شارك المقالة

اقرأ أيضا