قوة العدو في ضعفنا: من أجل أدوات نضال كفاحية وديمقراطية لبناء بديل عمالي وشعبي

نداء فاتح مايو 2025

النداء للتحميل: بيان مايو 25

بيان مايو 25 للطبع

تتعرض الطبقة العاملة عالميا لتصاعد هجوم الرأسمال على مكاسبها التي كلفت عقودا من النضال، سواء على صعيد الحقوق الشُغْلية أو الخدمات الاجتماعية أو الحريات، وفي نفس الآن يواصل الرأسمال تدمير البيئة بنحو خطير يهدد استمرار الحياة على الكوكب. تقود أشرسَ الهجمات ببلدان عديدة قوى فاشيةٌ جديدة، و أنظمةٌ مستبدة وأخرى “ديمقراطية” تُفرَغ من محتواها باطراد. وتتجلى همجية رأسمال الامبريالي اليوم في الإبادة الصهيونية الأمريكية لشعب فلسطين، وتهدد حمى التنافس بين القوى الامبريالية، الكلاسيكية والصاعدة مثل الصين، إلى امتداد الحروب عبر المعمور مع خطر اللجوء إلى السلاح النووي. وتمثل منطقتنا إحدى البؤر الأكثر اشتعالا عالميا بما شهدت وتشهد من حروب وحروب أهلية وهيمنة امبريالية واختراق صهيوني متعدد الأبعاد.

يتجلى هذا العدوان الشامل محليا في تصعيد السياسة النيوليبرالية المدمرة اجتماعيا، ضحيتها الطبقة العاملة وعامة المقهورين/ت، بمواصلة تفكيك المكاسب الطفيفة لعالم الشغل، وتدمير الخدمات العمومية لصالح الاستثمار الرأسمالي فيها بالخوصصة متعددة الأوجه، وتنامي البطالة وهشاشة التشغيل، واستغلالهما لإفراط استغلال العاملين/ت في ظل انعدام شروط الصحة والسلامة في العمل. ويجري تثبيت هذا الوضع بتشديد قمع الحريات، آخره بقانون مانع عمليا للإضراب، وباجتثاث التنظيم العمالي والبطش بكادحي الأحياء الفقيرة والمناطق القروية المهملة.  وها نحن مهددون بغارات برجوازية جديدة على ما بقي من مكاسب في مدونة الشغل، وعلى أنظمة التقاعد، وعلى الحق النقابي بما يسمى قانون النقابات.

وتشتد قبضة الاستبداد، ويتبخر ما أتاحه سابقا ميزان القوى من نزر يسير من الحريات العامة، وذلك بقوانين الأحزاب والصحافة، والجمعيات، والتظاهر، وأخيرا بقانون الإضراب الذي توج ترسانة من القوانين المعرقلة للحرية النقابية، وكذا بعقود من تزوير الانتخابات وتطويع الأحزاب وحتى صنعها.

ليس هذا المغرب هو ما تطلعت إليه الحركة العمالية المغربية وهي تشارك في مكافحة الاستعمار، ونحن في العام السبعين بعد حصول شغيلة المغرب رسميا على الحق النقابي، ما هي حالتنا، ومقدراتنا النضالية، و قوة تنظيماتنا، وبرنامجنا، واستراتيجيتنا من أجل مغرب الحياة اللائقة في ظل المساواة والديمقراطية؟هذا الهم هو السابق على كل انشغال بجزئيات آنية، وعلى هذا المطلب الصُغَيّر أو ذاك من المطالب الفئوية الذي باتت مكونات حركتنا النقابية المشتتة منشغلة بها.

هدف التحرر من الاستغلال مكتوب في الأدبيات النقابية والسياسية لكل القوى المنتسبة إلى الطبقة العاملة، لكنه هدف حجبه الغبار، ضحية التخلي الفعلي عنه لحساب أيديولوجية “الحوار الاجتماعي” البرجوازية، بما هو آلية لتجسيد ما يسمونه “شراكة اجتماعية”. هذه أكبر تضليل يجري حقن عقول الشغيلة به من طرف قياداتهم. إنها أيديولوجية تنسف نسفا أساس كل حركة نقابية حقيقية، أساس تناقض مصالح الشغيلة مع مصالح من يستغلهم أي البرجوازية ودولتها.

ليست غاية النضال العمالي إتاحة استمرار نظام الاستغلال بتلطيفه، ولا بتحذير المستفيدين منه من خطر  المس ب”الاستقرار الاجتماعي” –هذا الاستقرار القائم على دك عظامنا – بل غايته إنهاء استغلال الإنسان للإنسان، وكذا إنهاء تهديد رأس المال، بسياسته المدمرة للبيئة، لاستمرار الحياة على كوكبنا.

إن تاريخ “الحوار الاجتماعي” هو تاريخ تراجع تلو الآخر، مقابل مكاسب مادية آنية سرعان ما تتبخر فوق نار الغلاء الفاحش ومجمل سياسة الدولة المدمرة اجتماعيا. بينما تحصل البرجوازية على مكاسب نوعية، بدءا بمرونة مدونة الشغل، واستشراء هشاشة التشغيل التي تتيح فرط الاستغلال وإعدام القدرة على التنظيم، وتضييق الحرية النقابية. وقد باتت أضرار النهج النقابي السائد واضحة للجميع.

الوضع يتطلب أسلوب تنظيم ونضال عمالي، ببرامج للتوعية وحفز التنظيم، وإشاعة التضامن، وتنشيط الحياة الداخلية في النقابات بنحو ديمقراطي، وتطوير أشكال التعاون المتجاوز للألوان النقابية، بروح طبقية وحدوية. قوى النضال العمالي مشتتة بين  مختلف النقابات والتنسيقيات و الجمعيات، يجب توحيدها على مطالب جوهرية في جبهة عمالية موحدة، من قبيل سياسة تشغيل عمومية، وخفض مدة العمل، كليهما لأجل محاربة البطالة، وإلغاء أشكال العمل الهش، والزيادة العامة في الأجور مع تطبيق السلم المتحرك للأجور والأسعار، وسياسة تحسين ظروف العمل وتفتيش شغل صارمة، وحماية اجتماعية شاملة،  وحريات نقابية وسياسية…

 يتطلب حجم الهجوم الذي تتعرض له الطبقة العاملة تغيير سياسة الحركة العمالية، من سياسة ترقيع واقع الاستغلال بمكاسب صغيرة  هشة وعابرة، إلى سياسة تروم التغيير الشامل والعميق، التغيير الذي يحقق الحياة اللائقة والديمقراطية للشغيلة وعامة المقهورين/ت.  نضال الشغيلة من أجل الخبز والديمقراطية  نضال سياسي بالضرورة، يتطلب حزبا عماليا يضم أفضل القوى وأشدها كفاحية، حزبا مناضلا من أجل اشتراكية عصرنا، الاشتراكية النسوية الايكولوجية.

نواجه والبشرية جمعاء أخطار تصاعد الفاشية  والقوى الرجعية والنزعة العسكرية وتنافس القوى الامبريالية وحروبها وهمجيتها التي تبلغ ذروة في حرب إبادة الشعب الفلسطيني.  وهي أخطار لا تُهزم على صعيد بلد واحد، بل بكفاح وتضامن الطبقة العاملة وعامة المقهورين/ ت عبر العالم. هذا النضال الأممي هو روح فاتح مايو، ويجب أن ننخرط فيه أولا ببناء حركة تضامن مع الشعب الفلسطيني، وبمناهضة الأحقاد الشوفينية التي تبذرها أنظمة منطقتنا، وبالتعاون مع قوى النضال العمالي والشعبي إقليميا وعالميا.

 هذا المنظور العمالي التحرري هو ما ترفع جريدة المناضل-ة رايته منذ 20 سنة، وستواصل رفعها عالية، وهي تمد اليد لكافة قوى النضال العمالي من أجل بناء حركة عمالية اشتراكية.

شارك المقالة

اقرأ أيضا