التعليم ليس سلعة، تفكيك التعليم العمومي، تحليل وبدائل ومقاومة طلابية

التعليم ليس سلعة، تفكيك التعليم العمومي، تحليل وبدائل ومقاومة طلابيةالتعليم ليس سلعة، تفكيك التعليم العمومي، تحليل وبدائل ومقاومة طلابية (تحميل الكتيب)

تقديم:

هذا الكتاب ثمرة مجهود قام به مناضلو تيار المناضل المدرسون والطلاب طيلة سنوات. نضعه بين أيدي القراء سعيا للإفادة ولإطلاق نقاش لا غنى عنه، بخاصة وسط اليسار المناضل، من أجل التقدم في فهم الهجوم على التعليم العمومي، وفي الجواب على معضلة الحركة الطلابية وسبل بناء منظمة طلابية (أوطم) ديمقراطية ومكافحة، واستجلاء برنامج النضال على هذه الجبهة ومعالم البديل.
الكتاب أربعة محاور، يتناول أولها هجوم الدولة على التعليم العمومي، وبخاصة الجامعة، ويستعرض النتائج الكارثية لتطبيق ما يسمى «ميثاقا وطنيا للتربية والتكوين». إذ نشهد اهتراء البنية التحتية، والهزالة البالغة لمستوى التأطير، وفوضى بيداغوجية، ومنحا طلابية أهزل من أن تواكب الحاجات، وحرمان نسبة كبيرة متنامية من الطلاب منها وحتى من متابعة الدراسة. أضف لذلك ندرة المطاعم والأحياء الجامعية التي باتت امتيازا، فيما النقل الجامعي فيُرثى له. وفاقم التدبير المفوض لشركات خاصة المشكل بالزيادات المرتفعة في الأثمان، وتجاهل حاجات الطلاب. ونشهد أيضا مصادرة قمعية للحريات النقابية والسياسية…الخ. معظم هذه المشاكل قائمة أصلا، وعززها تطبيق الميثاق النيوليبرالي –المسمى وطنيا- لتأخذ أبعادا خطيرة. هكذا تتلقى الجامعة العمومية الضربات على غرار الهجوم الشامل على مكتسبات الطبقة العاملة وكافة الجماهير الشعبية الكادحة.
ثاني المحاور، يعرض تعريفا بفصيل الطلاب الثوريين، ورؤيته للحركة الطلابية. فصيل ماركسي ثوري نصير لتيار المناضل-ة، وللأممية الرابعة. يناضل من أجل الاشتراكية، وضد اضطهاد النساء. وهو فصيل سياسي عمالي، وبيئي، وأممي. يناضل من أجل مطالب الطلاب المباشرة، ويسعى لربط نضالهم بالنضال العام من أجل الانعتاق الشامل. كما يشمل آراء فصيل الطلاب الثوريين بصدد قضايا أساسية تشغل بال اليسار المناضل، وتعد قضايا إشكالية في الوسط الطلابي. التسيير الديمقراطي لأشكال نضال الطلاب، العنف بين الفاعلين سياسيا في الساحة الجامعية، والقضية الأمازيغية، ونضال الطالبات، ونضال الطلاب الاقليمي، والقمع. وثالثها عن تجربة ندوة 23 مارس الطلابية، التي ألقت جسرا على الهوة العميقة بين مختلف مكونات الحركة الطلابية اليسارية. ورابعها، عبارة عن ملحق حول الطلاب والنضال الاجتماعي، وتجربة تسيير طلابي ديمقراطي.
بلغت الجامعة المغربية وضعا بالغ التردي بعد 58 سنة من تأسيس الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، و44 على فرض الحظر القانوي عليه و33 سنة عن آخر مؤتمر للاتحاد، و28 سنة عن اجتثاث الدولة عبر القمع لآخر هياكله التنظيمية التحتية. شهد هذا التاريخ مسيرة نضال طلابي متواصل، شكل الوجود اليساري بالجامعة محركه الأساسي. وفي العقود الثلاث الأخيرة، باستثناء بعض التجارب، أهمها تجربة اللجان الانتقالية، وتجربة النضال الإقليمي، ظل العائق التنظيمي حاضرا بقوة ليحكم على نضالات الطلاب بالأفق المسدود، زد على ذلك بروز عنصر إضافي متمثل بقوى الرجعية الدينية وعنفها ضد اليسار، والعنف بين اليساريين.
خلال كل فترات النهوض الطلابي في العقود الأخيرة، فتح النقاش حول ضرورة إعادة بناء الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، نقاش أحيته حيوية النضال الطلابي في السنوات الأخيرة، من هنا يعد النقاش ضروريا، خاصة وأن العديد من (إن لم نقل كل) النضالات الطلابية التي شهدتها السنوات الأخيرة تبخرت طاقتها نتيجة اصطدامها مجددا بغياب منظمة نقابية طلابية ديموقراطية ومكافحة، وظلت حبيسة جزئيتها وعزلتها. غير أن النقاش وحده لا يكفي، بل يلزم أن تتوافر له جملة شروط، وأن يكون موجها بالأسئلة/التحديات التي تواجهها الجامعة العمومية من جهة والحركة الطلابية من جهة أخرى.

توجد الجامعة العمومية في مرحلة انتقال – بلغت أشواطا متقدمة، من جامعة قائمة على مكاسب جزئية، لاسيما فرص أكبر لأبناء الطبقات الشعبية بشروط مجانية، إلى جامعة مفرطة الطابع الانتقائي، ومُخضعة كليا للرأسمال. جامعة مكاسب عقود «الاستقلال» الأولى فرضتها حاجة الدولة إلى الأطر من جهة، ونضال شعبي من جهة أخرى (انتفاضة 65 ونضال الطلاب سنوات 70 وبداية 80 ونضال شغيلة التعليم نهاية 70 وبداية 80). أما الثانية فأملتها تحولات الرأسمال وحاجته لتحويل كل الأنشطة الإنسانية إلى سلعة، وملائمتها مع حاجات رأسمالية تابعة ومتخلفة(ضرورات الاندماج في السوق الرأسمالية العالمية). الهدف جعل التعليم مجال استثمار وأرباح، وتحويل المدرسة والجامعة الى مصانع تخريج يد عاملة مسترخصة ومستجيبة لتبدل متطلباته. تصدى للهجوم الحالي رد نضالي طلابي مجزأ ومعزول ومنزوع السلاح، أي فاقد لمنظمة نقابية طلابية تمركزه، وترفعه إلى مستوى رد موحد على سياسة مدمرة للجامعة العمومية. لقد ساعدت تحولات سياسية نوعية على بلوغ هذه النتائج: استسلام قوى المعارضة السياسية التقليدية، وتبنيها توجها نيوليبراليا صريحا، وإشرافها، بحكومة الواجهة، على تمرير الهجمات والاجتهاد لبلوغ أقصى النتائج لصالح الرأسمال، وضعف قوى النضال على يسارها وتشتتها، وضمور الحركة الجماهيرية الشعبية…
إن الدفاع عن مكاسب الجامعة العمومية، وعن جامعة ديموقراطية ومستقلة وعلمانية ومجانية، ليس متوقفا على الطلاب وحدهم، بل مهمة ملقاة على النقابات العمالية وعلى الجمعيات المناضلة وعلى القوى السياسية للطبقة العاملة وعموم الكادحين من أجل بديل يلغي الطبقية، أي بديل استراتيجي شامل للتحرر من الاستغلال والاضطهاد. إن البديل الاستراتيجي لا يسقط الدفاع عن المكاسب، فبالعكس من لا يحسن الدفاع عن القائم منها، لن يسعه تطويرها، ولا تحقيق الهدف النهائي، أي التغيير الشامل والعميق. ويمثل نضال الطلاب من أجل صيانة مكاسب الجامعة العمومية، وتحسين ظروف الدراسة والحياة، ومن أجل الحرية النقابية والسياسية، إحدى مداخل إسهامهم، الى جانب الطبقات الشعبية، في صنع بديل التحرر النهائي.
المطلوب اعتماد هذه الرؤية في تناول سبل النضال، أي أن يكون رجوعنا لتاريخ الجامعة المغربية والحركة الطلابية موجها بهم استخلاص دروس تفيد مسعى التقدم نحو إعادة بناء الاتحاد الوطني لطلبة المغرب منظمة ديمقراطية ومكافحة لكافة الطلاب وفي مستوى التحديات الراهنة، فترديد أجوبة واقع انقضى قبل أربعين عاما بوجه حاضر مغاير نوعيا منهج عقيم لا يمت بصلة الى التحليل الملموس للواقع الملموس..

مع توالي «الإصلاحات»، تصدى الطلاب للهجمة على التعليم العمومي بكفاحات متواترة في مواقع جامعية مختلفة وبنفس قتالي، لكن في حدود مواضيع لا تمس الجوهر التخريبي لما يسمى «الإصلاح»، وبالغة الطابع الآني: التسجيل أو إعادته، تأخر صرف المنحة، إجبارية الحضور، تاريخ الامتحان، التنقيط الكارثي،… هده النضالات جزئية، لم تطرح على جدول أعمالها مسألة النضال ضد تسخير الجامعة لمتطلبات الرأسمال (تحكم مصلحة المقاولات في مسار التعليم)، ولا المطالب ذات الصبغة الوطنية [زيادة المنح وتعميمها، تطوير البنيات التحتية (سكن ومطاعم ونقل جامعي، خزانات)…] ناهيكم عن ما يفصلها عن نضال ضد مجمل السياسة الرأسمالية المفروضة امبرياليا والمسببة لأهوال بباقي مناحي حياة الكادحين لا تقل عما يشهد التعليم. كما اتسمت صبوات النضال الجامعي بانكفائها في مؤسسات بعينها، مفتقدة للطابع الوطني، وحتى للتنسيق بين موقعين جامعيين. تنطلق المعركة في كلية وتهزم، لتبدأ بأخرى نحو نفس المصير وهكذا دواليك. لا تزامن ولا وحدة مطالب. انه هذر قوى النضال بسبب غياب التنظيم. لا ريب أن أولى خطوات تجاوز هذه الحالة المؤسية هي فهمها، وسبيل هذا هو النقاش.

شرط استقامة هذا النقاش الحرية والديمقراطية، أي أولا انتفاء كل أشكال الإكراه والإخراس وادعاء امتلاك كامل الحقيقة والحلول. وثانيا مطارحة البرامج بعيدا عن القدح والشتائم، وبناء على تساوي حقوق التعبير عن الرأي وايصاله الى القاعدة الطلابية العريضة، وانبعاث القرار من هذه القاعدة بالذات. بدلا عن هذا النقاش الذي سينبجس منه نور الحقيقة، تعاني الديمقراطية في تجارب الحركة الطلابية اليوم نقصا فادحا، إذ تعودت فصائل يسارية متحجرة على مصادرة حق الطلاب في التسيير الذاتي للنضالات، وحتى في التعبير الحر عن الرأي. فبزعم امتلاك « تصور علمي»، لم يبق منه مع تغير الظروف الكونية سوى شعارات بلا مضمون، تصدر فتاوي إلقاء جرم «التحريف» على الرأي المغاير، وبذلك يتم وأد أي إمكانية للتقدم في فهم الوضع وما يستتبع من مهام.

يقتل هذا مبادرة الطلاب، لا بل ينفرهم من أي نشاط بالجامعة ما عدا الدراسة، ملقيا بهم في انطواء سلبي، ويوفر للدولة مبررا لعسكرة الجامعة، ما يلغي إمكان تراكم الخبرة النضال، واتخاذ النضال طابعا جماهيريا حقيقيا، ومن ثمة بقاء الاتحاد الوطني لطلبة المغرب راية بلا جيش. هذا الوضع المحبوس هو ما حدا بالمناضلين الأوفياء للمبادئ و التقاليد الديمقراطية للاتحاد الوطني لطلبة المغرب إلى التجاوب مع مبادرة ندوة وطنية طلابية ضد العنف بين مكونات الساحة الجامعية، وجرت فعلا تلك الندوة بمراكش يوم 23 مارس 2010 ، وتواصل الفصائل المشاركة فيها دفاعها عن تراث أ.و.ط.م الديمقراطي والجماهيري.

في الجوهر، ليست مظاهر العنف لدى بعض التيارات الطلابية اليسارية ملازمة لتاريخ أ.و.ط.م بل استجدت مع استفحال أزمة هذه المنظمة، بفعل ما آلت إليه من مآزق مع تأزم اليسار الثوري، منذ نهايات سبعينيات القرن الماضي بوجه خاص. لذا يمثل النظر الناقد الى تجربة اليسار الثوري بالمغرب، إحدى بوابات خلاص قسم من اليسار الطلابي من مآزقه القاتلة.

على صعيد آخر مثلت المسألة التعليمية محورا أساسيا من نضال الحركة النقابية المغربية، شغيلة التعليم بوجه خاص، و لدى اليسار بوجه عام. بيد أن الموقف العام من هجوم الدولة على مكاسب الكادحين في التعليم، وإصرارها على التقشف في نفقاته، تطور لدى الحركة النقابية، ومعظم اليسار، نحو مصاحبة السياسة الرسمية، لا بل السير في ذيلها. ومن دون حاجة الى عودة مفصلة الى تاريخ القضية، تكفي الاشارة الى مشاركتهما (النقابات و معظم اليسار) في وضع ما يسمى «الميثاق الوطني للتربية و التكوين» وليس غير ترجمة محلية لسياسة البنك العالمي، أي النيوليبرالية المحطمة للمكاسب الاجتماعية بكافة القطاعات. وبرغم ما يغلف الموقف العملي من تظاهر بالرفض، لا يعارض اليوم سياسة الدولة في التعليم غير اقلية يسارية، داخل النقابات وخارجها. فأحزاب اليسار التقليدي استسلمت بالكامل، وغدت ادوات تنفيذ لسياسات لاديمقراطية ولا شعبية، فيما القيادات النقابية المشدودة الى ذلك اليسار مندمجة على نحو متنام في المؤسسات الرسمية، ويحكمها، إزاء الدولة، منطق التعاون و ليس الصراع.

لذا يمثل النضال ضد سياسة التعليم الجارية إحدى اهم جبهات المقاومة لدى المناضلين المتمسكين بجوهر النقابة العمالية، الرافضين تسخيرها لخدمة أعدائها، أي اليسار النقابي. وإن كان الكادحون بالمناطق القروية المهملة، من جانبهم، يحتجون ويناضلون من اجل الحق في المدرسة، فإن كفاحاتهم قد تنتزع مكاسب ضئيلة بقدر انعدام نضال موحد. بيد أن مدرسة قائمة على الديمقراطية والمساواة لا تنفصل عن مشروع تغيير اجتماعي شامل وعميق، إذ أن التفاوت في المدرسة ما هو إلا نتيجة تفاوت أعمق يقسم مجتمعنا الطبقي، والمدرسة إحدى مؤسسات إعادة إنتاج علاقات الإنتاج. وكل مشروع مدرسة يتجاهل هذه الحقيقة البسيطة لن يتجاوز وصفات بيداغوجية وتقنية لا تسمن ولا تغني من جهل.

وجلي أن تحقيق مكاسب آنية، في مضمار التعليم وما سواه، و السير نحو البديل الجذري الشامل متوقف على بناء أدوات النضال العمالي والشعبي، وفي القلب منها الحزب الاشتراكي الثوري. وعسى أن يكون الكتاب الذي بيد القارئ إسهاما في إضاءة إحدى قضايا هذا البناء الأساسية، قضية التعليم والنضال من أجل مدرسة ديمقراطية.

المناضل-ة، يناير 2014.

==========================

محتويات الكتاب:

تقديم

المحور الأول: تفكيك الجامعة العمومية

– حول «الميثاق الوطني للتربية و التكوين» التعليم ليس بضاعة…دفاعا عن التعليم كخدمة عمومية

– ضد تحويل التعليم إلى سلعة، من أجل نظام تعليمي عمومي مجاني و موحد

– التضحية بالمدرسة العمومية…على مذبح القطاع الخاص

– أوهام الإصلاح الجامعي للرد على البطالة

– حركات المعطلين: الكفاحية والوحدة

– يا طلاب المغرب اتحدوا من أجل وقف تدمير الجامعة العمومية:

المحور الثاني: الطلبة الثوريون

– من هم الطلبة الثوريون؟ و ما هي أهداف نضالهم؟

– رؤيتنا للحركة الطلابية

– من أجل مشاركة جماعية وديمقراطية في أنشطة الطلاب الثقافية والنضالية

– مقابلة مع طالب ثوري سابق

– الطالبات في ظل قيود المجتمع الذكوري والحاجة لمقاومتها

– نضالات طلابية خارج اسوار الجامعة : كفاح مستمر..وتجارب غنية

– من أجل بديل ديمقراطي كفاحي لإفلاس العدل و الإحسان في مواقعها الطلابية

– ملاحظات انتقادية حول الحركة الثقافية الأمازيغية

– مرة أخرى ودوما: العنف السياسي بالجامعة مدان

– بوجه القمع، مزيد من العمل الطلابي الوحدوي: لسنا شيئا مشتتين، فلنكن كل شيء موحدين

المحور الثالث: ندوة 23 مارس الطلابية

– ارضية الطلبة الثوريون

– استجواب محمد بوطيب

المحور الرابع: ملحق

– الطلاب والنضال الاجتماعي

– نراقب ونقرر كل شيء من اسفل الى أعلى

شارك المقالة

اقرأ أيضا