قبل 50 عاما: سحق البيروقراطية الروسية لربيع براغ
ليلة 20 أغسطس/ آب العام 1968، اجتاح الجيش السوفييتي تشيكوسلوفاكيا. كان، حسب الإدعاء الرسمي، “يمد الحزب الشيوعي وشعب تشيكوسلوفاكيا بمساعدة أخوية “. لكن، ضد أي خطر؟ الخطر الذي كان الكريملين يراه في عملية دمقرطة، حتى خجولة، لنظام شقيق.
لفهم كيف وصلت الأمور ذلك الحد، يجب التذكير بالوضع في أوربا بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية. كان قادة القوى الظافرة، الامبريالية الامريكية والاتحاد السوفييتي، يخشون صعود موجة ثورات عمالية، كالتي كانت هزت العالم عقب الحرب العالمية الأولى.
بقصد اتقاء هذا الخطر، قام روزفلت وتشرشل وستالين بتقاسم أوربا ومهمة الحفاظ على النظام فيها، كل في منطقة نفوذه. وقام نظام الكريملين بالنهوض بالمهمة ضد شعوب البلدان التي كان جيشه قد أبعد منها جيش هتلر.
حقق هذا الحلف المقدس أهدافه في أوربا، فنهضت الولايات المتحدة الأمريكية لمواجهة نفوذ الاتحاد السوفييتي في البلدان التي يحتلها. وفي مستهل الحرب الباردة هذا رد ستالين بعمليات، من قبيل ضربة براغ في فبراير 1948، وضعت كل مقاليد الأمور بيد الأحزاب الشيوعية المحلية.
هكذا ولدت الديمقراطيات الشعبية، لكن النظام لم يكن ديمقراطيا ولا شعبيا. كانت هذه الدول، التي لم تقم الطبقة العاملة بأي دور في إرسائها، تؤمن استمرارا مع الأنظمة السابقة، البرجوازية والديكتاتورية في الغالب رغم أنها كان تدعي، في ظل حماية شرطة ستالين السياسية ورقابتها، أنها أصبحت اشتراكية.
بعد وفاة ستالين في مارس 1953، تفجر الغضب الشعبي والعمالي في برلين الشرقية، وفي متم العام 1956 في بولونيا ثم في هنغاريا، حيث أغرق جيش الكرملين الثورة العمالية في الدماء.
استغل قادة بولونيا وهنغاريا ذلك لإبعاد من كانوا يبدون أكثر من سواهم رجالا لموسكو، وكي يحصلوا من الشقيق الروسي الأكبر على حرية تصرف أكبر، بما يمكنهم أكثر من تأمين السلم الاجتماعي. لكن في تشيكوسلوفاكيا، حيث لم يضطر النظام لمواجهة السكان، ما عدا في الانتفاضة العمالية في مايو/ أيار 1953 في بلزن، كانت الامور تبدو مجمدة. وعندما تبع چوتڤالد، ستالين التشيكي، قدوته إلى القبر، جرى تعويضه بأحد أتباعه الأوفياء، نوڤوتني.
بدأت الأمور تتحرك في الدوائر الحاكمة في براغ بعد بداية تململ في وسط الشباب الطلاب، في العام 1967. وجرى إبعاد نوڤوتني مطلع العام 1968 بعد تحميله مسؤولية الركود الاقتصادي، لفائدة قادة يعتبرون أنفسهم مصلحين.
وكان الوجه البارز، ألكسندر دوبتشيك، يعتبر نفسه نصير ” اشتراكية بوجه إنساني”. والواقع أن هذا البيروقراطي، الذي شاخ في خدمة الديكتاتورية، كان يريد مثل نظائره بأوربا الشرقية، تليين قبضة التحكم التي تمارسها موسكو على البلد وعلى جهازه الحاكم. لذلك استند على التطلع العريض إلى مزيد حرية، مبرهنا للكرملين أن فريقه متحكم بالوضع، وانه يضمن دور الحزب، وانه لن يقطع مع حلف وارسو، الكتلة العسكرية الملتفة حول الاتحاد السوفييتي.
وجرى حقن الاقتصاد بجرعات سوق، ثم إلغاء الرقابة، ونددت صحف بدور الحزب المسمى شيوعيا في المحاكمات الستالينية سنوات 1950، وسرعان ما شرعت مجموعات تندد بدوره في قيادة المجتمع. وفيما كان الفوران يهز البلد برمته نظمت موسكو مناورات عسكرية في الصيف بقصد تخويف السكان.
طولب دوبتشيك وفريقه بإعادة تأكيد تمسكهم بـ «الاشتراكية القائمة فعلا” البريجنيڤية، فخضعوا للضغط. لكن ذلك لم يقنع موسكو ولا قادة الديمقراطيات الشعبية الأخرى، المتخوفين من اقتداء شبابهم بشباب براغ.
يوم 21 أغسطس/ آب قام 000 6 دبابة و000 200 جندي من قوات حلف وارسو باحتلال البلد. نددت القيادة الدوبتشيكية بالتدخل ودعت إلى عدم المقاومة. سقط قتلى، ونظمت إضرابات هنا وهناك، لكن لم يكن بوسع السكان غير الاستياء ورفض كل مساعدة للغزاة.
اقتيد دوبتشيك إلى الاتحاد السوفييتي. وأطلق سراحه بعد مدة وجيزة، وظل يرأس الحزب الشيوعي ما يكفي من وقت لاستعمال هيبته للتحكم بالبلد والموافقة على احتلاله “المؤقت”. بعدها أُقيل في أبريل/ نيسان 1969 وحل چوستاڤ هوساك مكانه، وهو عضو بفريقه: الفريق الذي أطلق بعض الإصلاحات وألغاها أثناء “التطبيع”. وناخ ثقل عظيم على السكان طيلة عشرين سنة.
احتجت القوى الغربية شكليا. وفضلت الولايات المتحدة الأمريكية، الغارقة في حربها في فيتنام، ترك الكرملين يعيد النظام في منطقة نفوذه. خاصة وأن مساوئ البيروقراطيين الروس كانت تقوي أوهام السكان بالشرق حول الغرب الرأسمالي وحريته المزعومة.
بيار لافيت
ترجمة المناضل -ة
المصدر : · · Lutte Ouvrière n°2612
اقرأ أيضا