29 يونيو 2021 الذكرى الخامسة عشر لاغتيال المناضل العمالي مصطفى لعرج: نظام “العهد الجديد” يواصل نفس أساليب سنوات الرصاص لقمع النضال العمالي والإجهاز على الحريات

لم يكد نظام “العهد الجديد” بالمغرب ينهي عقده الأول، ولم تكتمل ثلاث سنوات على إصدار لجنة الإنصاف والمصالحة لتقريرها المشؤوم لطي صفحة الماضي الأليم لنظام الحسن الثاني، حتى أقدم النظام على إضافة جريمة جديدة بشعة لسجله الأسود.

ففي يوم الخميس 29 يونيو 2006، تعرض المناضل العمالي مصطفى لعرج (يبلغ من العم 34 سنة) كاتب عام لفرع بلدية تيفلت للجامعة الوطنية لعمال وموظفي الجماعات المحلية التابعة للاتحاد المغربي للشغل للاغتيال بمدينة الرباط، متأثرا بكدمات بليغة نتيجة التدخل العنيف لقوات القمع لفض احتجاج موظفي الجماعات المحلية، مما يبرز بالملموس استمرار للأساليب ذاتها التي نهجها نظام الحسن الثاني إبان سنوات عهده الدامي، في عهد خلفه محمد السادس وارث نظام الاستبداد.

بعد اجتماعات ماراطونية استمرت منذ 2004 مع مكتبي نقابتي عمال وموظفي الجماعات المحلية التابعتين للاتحاد المغربي للشغل والكنفدرالية الديمقراطية للشغل، فشلت المديرية العامة للجماعات المحلية في إيجاد حلول ملموسة للملف المطلبي الوطني لعمال وموظفي الجماعات المحلية، بل ظهر جليا نية الطاقم الجديد المكلف بمحاورة النقابتين لفرض الأمر الواقع والتراجع عن التقدم الحاصل في الملف المطلبي للنقابتين، فتراجعت الإدارة عن أرقام قدمتها سابقا عن عدد حاملي الشهادات من 5400 إلى 3200، وأقرت أن لا مشكل لها في طي ملف 50 ٪ منهم (المهندسون والتقنيون والمحررون) مع بعض التحفظات، أما 50 ٪ المتبقية والمتعلقة بالمجازين حاملي الشهادات الجامعية فربطت الإدارة العامة حلها بالوضعية المالية للجماعة المحلية المعنية ومدى احتياجها لتلك التخصصات، وكانت تلك الشروط بمثابة تحميل الموظفين وزر تسيير مختل لمالية الجماعات المحلية التي أشرف عليها فاسدون هدارون للمال العام في حفلات باذخة ومشاريع فاشلة، كما مس بمبدأ تكافؤ الفرص.

بالإضافة إلى ذلك عجزت الإدارة العامة للجماعات المحلية عن ضمان الحريات النقابية، حيث طال شطط بعض رؤساء الجماعات موظفون وعمال بشكل جماعي في ابن كرير وتيفلت وطنجة والشاون وكلميم وبركان وخريبكة، لا لشيء سوى أنهم أسسوا مكاتب نقابية بأماكن اشتغالهم، فتعرضوا للطرد من العمل، ومن بينهم حالة الشهيد مصطفى لعرج نفسه، الذي فصل عن عمله من قبل رئيس بلدية تيفلت منذ 29 ماي ; 2006 مع نقابيين آخرين، لمجرد تأسيسه لمكتب نقابي بتيفلت تابع للجامعة الوطنية لعمال وموظفي الجماعات المحلية التابعة للاتحاد المغربي وأصبح كاتبا عاما له.

أمام تنصل وزارة الداخلية على فتح حوار جاد يفضي للاستجابة الفورية للملف المطلبي الوطني لموظفي الجماعات المحلية، دعت نقابتي الجامعة الوطنية لعمال وموظفي الجماعات المحلية التابعة للاتحاد المغربي للشغل والنقابة الوطنية لعمال وموظفي واطر الجماعات المحلية التابعة للكنفدرالية الديمقراطية للشغل لمسيرة وطنية بالرباط، يوم الخميس 29 يونيو 2006، من باب الأحد على الساعة العاشرة صباحا في اتجاه وزارة الداخلية.

لبى حوالي 6000 مناضل ومناضلة من مختلف مناطق المغرب نداء المشاركة في الاحتجاج، فحاصرتها أجهزة القمع بتلاوينها المختلفة، محاولة الحيلولة دون انطلاقها، وجابهت صمود المحتجين وتشبثهم بالمسيرة بقمع رهيب، أسفر عن إصابات متفاوتة الخطورة واعتقالات عشوائية في صفوف المحتجين والتنكيل بالصحافيين وحجز اللافتات وآلات التصوير، فأسفر التدخل العنيف عن نقل 18 مصاب إلى المستشفى الجامعي ابن سينا، واعتقال 30 مناضلا أطلق سراحهم فيما بعد، وسقط على إثرها مصطفى لعرج شهيدا، نتيجة تلقيه ضربات قاتلة من طرف شتى تلاوين أجهزة القمع السرية والعلنية من قوات مساعدة وقوات التدخل السريع وأجهزة البوليس.

لحدود اليوم مرت 15 سنة على تلك الجريمة النكراء، ولازالت قضية مصطفى العرج في طي الكتمان ولم يبذل قضاة الاستبداد أي جهد لتحديد هوية المسؤولين عن تلك الجريمة البشعة المفضية للاغتيال ومعاقبة الجناة، وهي جريمة تمت أمام أنظار مختلف أجهزة القمع وبمشاركتها المدعية لحماية أمن المواطنين، بل ضمت دولة الاستبداد للائحة ضحاياها شهداء جدد، خاصة في ظرفية 20 من فبراير وما تلاها من احتجاج.

فأمام ردود الأفعال إزاء سياساتها الليبرالية المفقرة للفئات الشعبية تواصل الدولة المستبدة تطويق الاحتجاجات العمالية والشعبية، وتجفيف بؤر الحقد الطبقي باعتقال كل من أبان عن حقده الطبقي، وتعد العدة لإقبار ممارسة حق الإضراب وتقويض ما تبقى من حريات تؤتت المشهد وتزوق حكم الفرد.

تعد الدولة العدة لتعزيز ترسانتها القانونية بإصدار مزيد من قوانين لتكميم الأفواه، وتعديل ماهو موجود منها لإلغاء ما تسمح به من بصيص حريات، إلى جانب ذلك تمعن الدولة في مراقبة وسائل التواصل الاجتماعي وقمع معتقلي الرأي والتعبير من صحفيين ومدونين، كما تعمل على محاصرة الاحتجاجات العمالية والشعبية وقمعها جنينية حتى لا تأخذ أبعاد جماهيرية وامتدادا وطنيا، مستغلة في كل ذلك ظروف جائحة كوفيد 19 بالبلد، فيما تتساهل وتحفز تحركات مناصرة لها كما وقع أثناء أحداث الكركرات.

الشهيد مصطفي لعرج سقط  في ساحة النضال دفاعا عن حق شغيلة الجماعات المحلية في حياة لائقة، وبالتالي فهو شهيد النضال له دين في أعناق الطبقة العمالية وخاصة المنظمات النقابية وشغيلة الجماعات المحلية، ويعد إحياء ذكرى اغتياله فرصة للتذكير بالجرائم البشعة لهذا النظام المستبد في حق أبناء طبقتنا الشعبية، ويفند اعتبار “العهد الجديد” عهد الحريات المزعوم، ويؤكد أن دولة الرأسمال لا تملك من أجوبة تجاه نضال ضحايا سياساتها الليبرالية المملات من قبل المؤسسات المالية الدولية غير استمرارها في نهج أساليب سنوات الرصاص.

وفاء لتضحيات شهداء طبقتنا ومن ضمنهم مصطفى لعرج، وسيرا على دربهم في طريق النضال على المناضلين الكفاحيين بذل جهود مضنية لحفز التنظيمات الذاتية للعمال، والاستمرار في الذود عن الحريات الديمقراطية ومن بينها الحرية النقابية وحق ممارسة الإضراب والتصدي لمحاولة الدولة لتقنينه أي ما يعني إلغاء السلاح الأمضى لطبقتنا في سبيل التحرر من الاستبداد وشتى أشكال الاستغلال، فالنضال من أجل الحريات شرط لبناء فعل نقابي كفاحي.

 

شارك المقالة

اقرأ أيضا