تركيا: اضراب عمال صناعة التعدين يجبر أرباب العمل على التراجع

بلا حدود7 يونيو، 2015

بدءا من مساء يوم 14 أيار/مايو، شل الإضراب مصنع  أوياك رونو Oyak Renault بمدينة بورصة في تركيا. مندلعا شهرا بعد انتصار إضراب في مصنع بوش، بنفس المنطقة الصناعية، الذي حقق بفضله العمال زيادات تتراوح بين 10% و60% من الأجر، ها قد أجبر الآن هذا الاضراب رب المعمل على التراجع.

في الواقع ثار سخط كبير في المصانع القائمة بغرب تركيا، وكان التضخم الذي بلغ حوالي 25% سبب انهيار قدرة العمال الشرائية. كانت أجرة عامل في مصنع السيارات المشتغل بنظام التسلسل، على سبيل المثال، البالغة 1500 ليرة تركية  تعادل من قبل 750 يورو. لكنها الآن تعادل 500 يورو، وعليه أن يؤدي بها الفواتير وأقساط الديون، وهذا أمر متعذر على معظم العمال. والحال أن النقابة القائمة في معظم مصانع التعدين –لا يسمح القانون سوى بنقابة واجدة ذات تمثيلية بكل مقاولة- هي نقابة صناعة التعدين بتركيا Türk-Metal-is، الوفية لمصالح كبار أرباب العمل، والتي يخضع قادتها لتأثير اليمين المتطرف. وفي أواخر عام 2014، وقعت نقابة صناعة التعدين بتركيا Türk-Metal-is مع أرباب العمل في قطاع صناعة التعدين على اتفاق مدته ثلاث سنوات ينص على زيادة الأجور نسبة .. 3%. ولما سعت النقابة الاصلاحية ديسك  Disk للدعوة إلى خوض اضراب حول هذه المسألة، منعتها الحكومة بكل بساطة.

بداية الاضراب

لكن، سرعان ما انتصر عمال مصنع بوش بعد اضراب قصير، وأصبح مطلب زيادة حوالي 130 يورو شهريا  في الأجور بنفس المستوى، مطلب عمال مصنع أوياك رونو Oyak Renault.

في هذا البلد حيث يسود القمع، وديكتاتورية كبار أرباب العمل، وغياب الحريات النقابية، كانت الحركة قد بدأ بأمارات تمرد جماعي. كان بعض العمال قد تركوا لحاهم تنمو، ونظموا ضوضاء في مطاعم المصانع، وتظاهر البعض الآخر بالمصنع بعد العمل، ثم في وسط المدينة.  كانت الروابط قد توطدت بين العمال.

وضع عمال عديدون حدا لانخراطهم في نقابة صناعة التعدين بتركيا Türk-Metal-is، وفورا ضدا على ذلك سرحت إدارة مصنع رونو 14 عاملا منهم، كما كانت قد فعلت عام 2012. لكن في هذه المرة، ردت فرقة الليل بشن اضراب، يوم 14 أيار/مايو. وفي عز الليل، انتقل المدير إلى أمام المصنع الموقوف وصرح لـ 3000 عامل حاضر بإعادة العمال المفصولين. وبناء عليه كان يعتقد أنه قد وضع حدا للحركة، لكن عكس ذلك أحس العمال بالتشجيع. ولما أخبرتهم الادارة باستمرار رفضها الزيادة في الأجور، أثار ذلك فورا شن إضراب واحتلال المصنع.

وسرعان ما اصبحت مطالب العمال المضربين بمصنع أوياك رونو Oyak Renault مطالبَ عمال في مصانع أخرى، قائمة على رفض كل تسريح، ورفض النقابة المافيوية نقابة الصناعة التعدين بتركيا Türk-Metal-is، وزيادة في الأجور مثل ما حصل في مصنع بوش، تبلغ ما يناهز 130 يورو. ورفقة عمال مصنع توفاس فيات Tofas Fiat، سرعان ما بات حوالي  16000 عامل في حالة إضراب، مع احتلالهم لمصنعهم ليلا ونهارا.

في مصنع رونو، انتخب المضربون مندوبيهم الخاصين، الذين بلغوا حوالي 200 مندوب، 24 منهم ينسقون عمل الفرق و8 منهم يمثلون المصنع كله، ويعملون على تقديم تقارير للجمع العام عن لقاءات مع الادارة أو المحافظة أو عناصر البوليس. وتتخذ القرارات برفع الأيدي أو بالهتاف.

وبوجه تهديدات السلطات، صوت العمال المضربون بعدم الاستجابة لدعوات المحافظة، معلقين على ذلك بما يلي: «إذا كان للمحافظ ما يقوله، فليأت أمام المصنع.» كانت إدارة رونو قادرة على تقديم تنازلات، بسبب احتمال تأثير الاضراب على مصانع أخرى للمجموعة وعلى المبيعات، لكن فيدرالية مقاولات صناعة التعدين MESS، وهي منظمة أرباب العمل في قطاع صناعة التعدين، رفضت ذلك. وفي مصنع رونو، كما في مصانع أخرى، لم يقترح أرباب العمل سوى منحة تبلغ حوالي 1000 ليرة تركية (350 يورو) شرط استئناف العمل فورا. وفي 26 أيار/مايو أيضا، رفض المضربون في مصنع رونو ذلك بتصويتهم.

وتمتد الحركة

امتدت الحركة إلى مصانع أخرى في المناطق الصناعية بمدينة بورصة، وفي ضواحي إسطنبول وإزميد: مصنع توفاس، الذي يصنع سيارات فيات في تركيا، وفاليو Valeo ودلفي Delphi وترك تراكتور Türk Traktör في أنقرة، وهو مصنع تابع لمجموعة كوتش. تقود لجنة مندوبين الاضراب في جميع جوانبه، بما في ذلك وجبات الطعام. إن ضغوطات الادارة عديدة، من مكالمات هاتفية في  عز الليل إلى تهديدات مثل: «تضمون ارهابيين بينكم.» لكن ظروف العمل القاسية والقدرة الشرائية التي تنهار، والساعات الاضافية المتراكمة أو العمل الثاني الضروري غير النظامي  تغذي السخط.

وبدورهم، شن 8000 عامل في مصنع أوتسان Ford Otosan، في إزميد، إضرابا يوم 18 أيار/مايو حول نفس مطالب عامل مصنع رونو، وانتخبوا مندوبين خاصين بهم والغوا عضويتهم في نقابة الصناعة التعدين بتركيا Türk-Metal-is. وإن استأنفت أقلية منهم العمل منذ ذلك الحين، ما أثار افتخار الادارة، فلا يتم تصنيع سوى 60 مركبة وحدها بدل 230 مركبة مرتقبة.  وحتى الآن، فإن المركبتين الوحيدتين التي يمكن بيعهما جرى انتاجهما قبل الاضراب!

يحاول أرباب العمل في قطاع صناعة التعدين استعمال المكر لا يقاف حركة الاضراب؛ وفي يوم 22 أيار/مايو، حملت صفحات الصحف اليومية الكبرى زورا عناوين تبرز استئناف العمل في مصنعي أوياك وتوفاس. لكن يبدو أن أرباب العمل مترددون من استدعاء عناصر البوليس، المتمركزين غير بعيد عن المصانع، وخاصة في هذه الفترة من حملة الانتخابات التشريعية المرتقبة يوم 7 حزيران/يونيو.

لا تفقد الحركة زخمها، خلاف مزاعم دعاية أرباب العمل، بل بالعكس تمتد إلى مدن أخرى مثل إزمير حيث حصل عمال مصنع إطارات العجلات CMS  على منحة تبلغ 1000 ليرة تركية لمجرد توزيعهم منشورا يهدد بالإضراب. وتأثرت مدن متوسطة بدورها: في مدينة أسكي شهر Eskisehir، خاض عمال مصنع الأجهزة المنزلية أرسيليك  Arçelik اضرابا يوم 26 أيار/مايو، قبل أن تعمل عناصر البوليس على اجلائهم.

15520141946406_441(1)

تنازلات أرباب العمل

استأنف العمال المضربون في مصنع أيوك عملهم صباح يوم 27 أيار/مايو، بعد التوصل إلى اتفاق يضمن عدم وجود عقوبات، واعتماد المندوبين المنتخبين من قبل العمال بمثابة مفاوضين قانونيين وحيدين -مع استفادة العمال غير المنخرطين نقابيا  من نصوص الاتفاقية، ما يقوض جزئيا أسس سلطة نقابة صناعة التعدين بتركيا Türk-Metal-is- وتقديم 600 ليرة تركية (200 يورو) كمنحة سنوية مضمونة، و1480 ليرة تركية لاستئناف العمل والتأمين الذي ستعيد اتفاقية الأجور النظر فيه خلال الشهر المقبل.

لن يعمل هذا الانتصار سوى على تشجيع آلاف العمال الذين يواصلون نضالهم من أجل البقاء على قيد الحياة بوجه أرباب عمل جشعين. وعلى حد تعبير شعار رفعه العمال المضربون، «إن كنت  لا تريد أن تجد نفسك في الشارع، ناضل!»

ج.د

Lutte Ouvrière n°2443/

تعريب: المناضل-ة

شارك المقالة

اقرأ أيضا