كفاح عمال كراون للتلفيف المعدني: صمود رغم قصور الجهاز النقابي وضعف التضامن

كروان – هولدينغ” شركة أمريكية، تأسست عام 1892، مختصة في صنع علب التلفيف المعدنية. لها فرع بالدار البيضاء، قامت بشراء شركة اسبانية عاملة في نفس المجال ذات فرع في المغرب (في ايت ملول)، تدعى ميفيزا. تمت عملية الشراء بمبلغ 1,2 مليار يورو ( زهاء 12,96 مليار درهم)
بعد عملية الابتلاع هذه، التي وضعت 80% من سوق التلفيف المعدني بالمغرب بين يدي هذه الشركة، تم الشروع في إعادة هيكلة المقاولة: نقل قسم من المستخدمين، وفتح مجال مغادرة قسم آخر منهم مقابل تعويض. وقد نتج عن ابتلاع كراون لميفيزا فرق في دخل العمال، إذ يتمتع العاملون بالدار البيضاء بعدد من مكملات الأجر (منح وتعويضات) بفعل كونهم منظمين نقابيا في الاتحاد المغربي للشغل، وبفضل كفاح مديد سبق ان خاضوه.
يفترض، دفعا لأي ميز، ان يجري تعميم مكاسب عمال الدار البيضاء على رفاقهم الخمسين بايت ملول. وبهذا الصدد كان مدير الشركة محليا قد وعد بذلك التعميم فور اندماج الشركيتين. وكان الوعد خدعة. من جانبهم يطالب عمال الشركة في الدار البيضاء بمبلغ تعويض جزافي افضل من هزيل مدونة الشغل، وهو ما ترفضه الادارة.
وقد شرعت الإدارة بالدار البيضاء في تفكيك الآلات ومحاولة تهريبها الى وجهة غير معلومة يوم 1 مارس 2016 دون اي استشارة ممثلي العمال، ما جعل هؤلاء يرفضون العملية.
فقرر العمال، المنظمون في الاتحاد المغربي للشغل النضال، بدءا باضراب انذاري مدته ساعة لكل فرقة من الفرق المتناوبة، يوم 03 مارس 2016.، و يتحول إلى إضراب 24 ساعة ، ثم امتد حتى الآن.
يمكن تلخيص مجريات الصراع كما يلي:
الإدارة : سعي حثيث لكسر الإضراب
– تشغيل عمال جدد، واستعمال ضحايا شركات الوساطة في التشغيل
الشركة قامت باستقدام عمال جدد، مغاربة واجانب ( 8 من اسبانيا، و1 برتغالي و 12 مغربيا) وشغلتهم مكان العمال المضربين بمعمل ايت ملول. هذا تحت أنظار مندوبية التشغيل مع أن المادة 16 من مدونة الشغل تمنع إحلال جدد مكان المضربين. وقد وجدت الشركة ملاذا أيضا في عمال يتعذر عليهم الإضراب لأنهم مشغلون بواسطة شركة سمسرة في اليد العاملة (Man Power)، هم زهاء 50 بمصنع ايت ملول [لهم اقدمية 8 و9 سنوات ويستمر استغلالهم بعقود محددة المدة (أينك يا قانون الشغل؟).
– محاولة ترهيب العمال المضربين:
التضييق على اعضاء المكتب النقابي الجهوي لمصنع ايت ملول وتهديدهم بالطرد؛
– استقدام مفوضين قضائيين، ورفض دخول المصنع من قبل المفوض القضائي الذي استقدمه العمال
– استصدار من المحكمة الابتدائية بانزكان يوم الاثنين 14 مارس حكما استعجاليا في مدة قياسية (3 ساعات) يقضي باخلاء المصنع من العمال، مع إحضار قوات امن خاص بكلابها.
– متابعة 23 عاملا أمام القضاء : 10 من أكادير و 13 بالبيضاء ، متهمين بإلحاق اضرار بالشركة بسبب إضرابهم ومطالَبين بتعويضات مادية للشركة
– وقف التأمين الصحي للعمال و أسرهم، مع أن ثمة حالات حرجة.
2- استهتار بما يسمى “الحوار الاجتماعي” : تغيبت إدارة الشركة مرارا عن جلسات التفاوض في الدائرة الثالثة للشغل التابعة للمديرية الاقليمية للتشغيل سيدي البرنوصي بالدار البيضاء، وكذا عن جلسات مواصلة التفاوض مع المكتب النقابي.
كما تنكرت لالتزامات عديدة، وتراجعت عن بروتكول اتفاق وقعه ممثلها يوم 22 مارس 2016 ضمن اللجنة الإقليمية للبحت والمصالحة بعمالة مقاطعات البرنوصي. واكثر من ذلك اقترحت من جانبها مشروع اتفاق يوم 25 مارس ، سرعان ما تراجعت عنه.
– مناورات الالتزام ثم التراجع عنه مرات عديدة : سواء في ما تتضمنه بلاغتها، مثل بلاغ 14 مارس الذي فيه التزام بتعميم امتيازات عمال كراون بالدار البيضاء على زملائهم بأكادير
– أرسلت ممثليها الى اجتماع لجنة البحث و المصالحة دون صلاحية توقيع يوم 6 ابريل بالدار البيضاء
السلطة:
بدل التدخل لتطبيق قانون الشغل (رغم انه ليس كله في صالح العمال)، عادة ما تتفرج السلطات منتظرة عياء العمال المضربين، انتصارا لرب العمل. بل تتدخل سواء بالقضاء، او المسؤولين المحليين لنصرة رب العمل، وتستعمل القوات القمعية لترهيب العمال، وحتى لكسر عظامهم.
يمثل سلوك مفتش الشغل بايت ملول، المسمى أطويف الشهير بمعاداته للشغيلة، نموذجا في هذا الباب. فعند اول مقابلة له لوفد من عمال مصنع كراون بايت ملول، انهال عليهم بشتى صنوف التهديد (الطرد واستحالة ايجاد عمل بديل، قوات القمع، السجن…) لثنيهم عن الإضراب، دافعا لفصلهم عن رفاقهم بالدار البيضاء.
واعتبر الاعتصام ممنوعا، وأضاف أن إضرابهم مع البقاء أمام المعمل سيجر عليهم تدخل السلطات (القايد) و تعنيفهم بتدخل قوات القمع ضدهم. وسعيا للتضليل ادعى أن من حق ادارة الشركة استقدام عمالة اجنبية اثناء الاضراب، وهو ما يناقض مدونة الشغل [المادة 16].
و لترهيب العمال قام مفتش الشغل بتحميلهم مسؤولية الخسائر المادية المترتبة عن تعنت الادارة ورفضها تلبية المطالب، معتبرا أن اضرابهم يضر بالاقتصاد الوطني نظرا لمكانة شركة كراون في سوق التلفيف المعدني بالمغرب. و فوق هذا وذاك تدخل المفتش الحاذق بكل تعسف في الشأن النقابي داعيا الاجراء الى فك العلاقة برفاقهم في النقابة بالدار البيضاء.
وعلى مستوى أرقى، لا يلقى العمال غير احتقار تطلعاتهم إلى تحسين اوضاعهم، وهو احتقار مغلف بلغة ديبلوماسية، سرعان ما تنفضح عند اشتداد النزاع الاجتماعي. فبعد 50 يوما من إضراب العمال وما يعنيه من تضحيات ، لم يجد عامل عمالة مقاطعات البرنوصي في جلسة لجنة البحث والمصالحة الإقليمية يوم 21 ابريل على ممثلي العمال المضربين غير : ميثاق اجتماعي + وقف الاضراب و خروج الشاحنات و الآليات بدءا من 25 ابريل + وضع جدول زمني لنقاش العالق من مشاكل + تجميد طرد 10 عمال.
لا شيء عن المطالب العمالية، سواء التعويض اللائق لمن قد يشملهم الفصل عن العمل، او تعميم مكاسب عمال الدار البيضاء على عمال ايت ملول، و لا زيادة الاجر و المنح، لا شيء سوى مطالبة العمال بالاستسلام لرب العمل.
التدبير النقابي للمعركة

أبدى المسؤولون النقابيون مرونة كبيرة بدعوة الإدارة إلى حصر التفاوض في 3 نقاط من أصل 15 بقائمة المطالب:
1* تعويضات جزافية ( الباريم ) لائقة لفائدة العمال الذين ستشملهم اعادة هيكلة المقاولة ( 60 عامل حسب تصريحات الإدارة)؛
2* تعميم الامتيازات الاجتماعية على جميع عمال مصنع ايت ملول؛
3* الزيادة في الاجور وفق الاتفاق في برتوكول 5 نونبر 2014.

رغم تلك المرونة واصلت إدارة الشركة تعنتها. وقد استفادت من توقيت الإضراب غير المناسب (شنت الإدارة هجومها في وقت الراحة البيولوجية بالصيد البحري، حيث يقل طلب معامل التصبير على العلب )، ومستعينة باستيراد العلب من الخارج (اسبانيا و البرتغال) لتخفيض ضغط الإضراب عليها.

صمد العمال وتصدوا لمناورات رب العمل بما أوتوا من قوة، وتحملت معهم اسرهم مشاق العيش بلا دخل. سيظل نضال عمال كراون نموذجا للتضحية والتمسك بالمطالب. واجبنا دعمهم واستخلاص العبرة من تجربتهم.
دروس
تطمينات أرباب العمل الكاذبة:
عند ابتلاع كراون لميفيزا، كان المدير بايت ملول يعد عماله أنه سيضمن لهم تعميم مكاسب عمال الدار البيضاء عليهم. وكان العمال امتنعوا مدة عن أي فعل نضالي او انضمام الى النقابة تجنبا لأي شيء قد يضايق الإدارة او تعتبره هجوما من العمال. ومع ذلك ظهرت الادارة الغدارة على حقيقتها معادية حقوق العمال، وصارت تجرهم إلى القضاء وتهدد حتى بقاءهم في العمل. يجب على العمال أن ينظموا صفوفهم نقابيا زمن السلم ليقدروا على حرب رب العمل الآتية ، لا ريب فيها. فغاية الرأسمالي زيادة ارباحه ، و إلا هزمه منافسوه الرأسماليون الآخرون. زيادة الارباح تتم بزيادة استغلال العمال، وخفض كلفة اليد العاملة بالتسريح وهضم الحقوق.
التضامن:
ما عدا تضامن الكونفدرالية الديمقراطية للشغل باكادير التي نظمت زيارة الى معتصم عمال كراون بايت ملول يوم القافلة التضامنية مع عمال مصبرات ضحى (يوم 27 مارس 2016)، وجهود لجنة التضامن –أكادير الكبير، ومبادرات معزولة، لم يبادر الاتحاد الجهوي للاتحاد المغربي للشغل إلى أي خطوة لنصرة عمال كراون المضربين و المعرضين لحرب الإدارة وتواطؤ السلطات. وطبعا لا يتحمل الجهاز وحده مسؤولية غياب التضامن، فالمكاتب النقابية نفسها غائبة نتيجة انعدام التربية على التضامن، بل تكريس العزلة القطاعية و الانطواء على الذات، ما يفقد النقابة أي مبرر للوجود.
الإعلام العمالي: ينتظر العمال من الصحافة اليومية ان تواكب نضالاتهم وتعرف بها. هذه الصحافة موالية لارباب العمل ودولتهم، وخاضعة لضغوطهم، و لا تذكر نضالات العمال سوى للتحامل عليها تحت قناع الحياد او التوازن. الحل هو عودة صدور الصحف النقابية (الطليعة لدى الاتحاد المغربي للشغل و الديمقراطية العمالية لدى الكونفدرالية الديمقراطية للشغل)، و العمل على تحويلها إلى صحف يومية تنير العمال وتقوي تعبئتهم ووحدتهم بوجه أعدائهم الطبقيين.

بقلم: م.ب، ضمن مواد العدد 64 مايو 2016 

شارك المقالة

اقرأ أيضا