جرادة: مدينة أنكبتها سياسة واعية، هي ما يتوجب النضال لإسقاطه

سياسة16 مارس، 2018

بقلم زبير فحام، العدد 69 جريدة المناضل-ة، مارس-أبريل 2018
في مدينة جرادة المغربية المنكوبة تجري معركة نضالية ضد عقود من التهميش بفعل سياسات نيوليبرالية صارمة. المنجم الوحيد الذي أعال المدينة منذ الاستعمار المباشر تم غلقه بمبرر أن الفحم المستخرج منه بعرق عمال يكدحون في شروط بالغة الصعوبة لم يعد تنافسيا. في منتصف الثمانينات منح البنك الدولي قرضا للمغرب من أجل مكننة الاستخراج، وكان التوقع مضاعفة الإنتاج وتجويده. وبعدها بسنوات سيعود نفس البنك ليقرر أن العملية فاشلة لصعوبة تضاريس المنطقة، ولأن استيراد الفحم أرخص كثيرا من مواصلة إنتاجه، وبهذا تقرر إغلاق المنجم.
شكل منجم جرادة الموقع الوحيد في المغرب لاستخراج الفحم الحجري، انطلق نشاطه سنة 1927 وشغل قرابة 6000 شخص في أوجه، منهم 75 مهندسا، ويعد مهد التقليد النقابي بالمغرب. ناهز رقم معاملاته بداية التسعينات مليار درهم، ويجري استغلاله بعمق يقارب 1000 متر. إنه غير مؤمن وليس آمنا. غير أن فحمه قاس ومن نوع جيد، عكس ما يتم الترويج له من ذرائع لغلقه.
ظروف العمل بالمنجم جد صعبة، ومكننته ضعيفة. لا يتم مثلا إزالة الغبار بتقنية التبليل، ونادرا ما كان العمال يرتدون الأقنعة الواقية. وحالات السيليكوز شائعة، وحوادث الشغل مألوفة وتصل عشرات الحالات سنويا أحيانا.
يقول عمار الدريسي، وهو مدير منتدب في مفاحم جرادة أن إنتاجية المنجم عند تعيينه كانت ضعيفة بوجه منافسة الفحم الحجري الروسي والجنوب افريقي، وأن من المتوقع تبني إجراءات بهدف تسريح 2000 عامل. ولأن الأمر، حسبه، قد يثير نزاعا اجتماعيا كبيرا في هذه القلعة العمالية، فإنه اجتهد ليصل الهدف بطرق أخرى لاقت النجاح مثل تعليق الخطة القاسية والعمل على خفض عدد العاملين عن طريق المغادرات الطبيعية (التقاعد، والوفاة…)، وأشكال العجز المهني (قلص عدد العمال ب 643 خلال سنتين).
لكن المثير أكثر أن نتائج هذا الأخير على رأس مفاحم جرادة، أكدت أن المنجم قابل للحياة، فالإنتاج زاد من 552000 طن عام 1991 إلى 604000 طن عام 1993، أي بزيادة تبلغ 10%، وزادت الانتاجية بقدر يبلغ 647 كلو/شخص عام 1991 إلى 822 عام 1993، أي بزيادة قدرها نسبة 27%. وانخفضت حوادث الشغل، إذ لم يقع أي حدث قاتل عام 1993 على سبيل المثال؛ وتم خفض سعر التكلفة إلى 1028 درهم/طن، أي بنسبة تبلغ 9%؛ وتوازنت حسابات الشركة وتوقف دعمها الحكومي لأول مرة منذ عام 1993؛ وتوقف استيراد الفحم الحجري منذ عام 1992… هذا كله بعد توقيع الاتفاقية الاجتماعية المشؤومة بين النقابات والدولة القاضية بإغلاق الشركة ووقف الإنتاج.
لقد كان إغلاق المفاحم، والحكم على المدينة ومحيطها بالنكبة، قرارا منسجما والسياسات النيوليبرالية المنتهجة من طرف الدولة برعاية مؤسسات الرأسمال العالمي المالية منها والتجارية (صندوق النقد الدولي والبنك العالمي…). تم إغلاق مصدر عيش العمال وسكان مدينة وضواحيها لأن الفحم المستخرج أغلى من الفحم مستوردا. ليس حياة الناس وشغلهم، وسائر حقوقهم، هي الأهم، بل مصالح المستثمرين الباحثين عن الربح ومراكمته. دولة في خدمة رأسمال على حساب طبقة العمال وباقي الشعب المضطهد.
حتى لا تتكرر المآسي فواجب نصرة نضال أهل جرادة ونواحيها واجب على كل متطلع لتحرر الشعب المغربي وتمتعه الحر بكامل حقوقه في حياة جيدة وبكرامة إنسانية وعدالة اجتماعية حقيقية على أنقاض مجتمع الاستبداد والاستغلال الرازح على أعناق كادحي المغرب لعقود طويلة.

شارك المقالة

اقرأ أيضا