مرسوم نقل الموظفين: حلقة ضمن مسلسل تخريبي شامل للحقوق والمكاسب

ليس مرسوم نقل الموظفين الجديد مجرد إجراء تقني منعزل، غايته «تطوير وتوسيع مجال حركية الموظفين بين الإدارات العمومية والجماعات الترابية بما يضمن توسيع آفاقهم المهنية» حسب تصريح الناطق باسم الحكومة، بل عنصر من خطة شاملة لتفكيك أنظمة الوظيفة العمومية بتكريس تراجع دور الدولة كمشغل عمومي، وفتح المجال للرساميل الخاصة للاستثمار في قطاعات الوظيفة العمومية (تقديم خدمات عبر التدبير المفوض، التشغيل عبر شركات المناولة (المقاولة من باطن) ، اتفاقات شراكة القطاع العام والخاص…). وهذا ما يتضح بجلاء بوضعه في سياق عناصر أخرى من خطة الدمار الشامل.
1- المغادرة الطوعية
سبق للحكومة ان اعتمدت نظام «مغادرة طوعــية» مقابل تعويض شمل فئات موظفي الدولة المــرتبين في سلالم الأجور من 1 إلى 9 المستوفين شروط الإحالة على التقاعد النسبي. فشلت هذه العملية في بلوغ اهدافها، إذ لم يقبل عليها سوى أقل من 1000 مستفيد، فشرعت الدولة، استجابة منها لأحد أهم توصيات البنك العالمي المتعلقة بخفض كتلة الأجور، والتي ظل يعتبرها مرتفعة جدا قياسا بالناتج الداخلي الخام، في الفترة ما بين فاتح يناير إلى 30 يونيو 2005، في تطبيق برنامج واسع للمغادرة الطوعية للموظفين مقابل تعويضات وحوافز. وقد شملت هذه العملية زهاء 39 ألف موظف، منهم حوالي 27 ألف ذوي 25 إلى 35 سنة من الخبرة.وقد بلغ مجمل التعويضات التي صرفت في العملية 11 مليار و 160 مليون درهم.
وكان لهذه العملية هدفان أساسيان، حسب الحكومة، وهما: تثبيت مستوى كتلة الاجور، وتشجيع الموظفين على خلق مقاولات صغرى ومتوسطة وخدماتية. وبهذا الصدد، وقعت وزارة تحديث القطاعات العامة، المشرفة على العملية، اتفاقيتي إطار وشراكة، الأولى مع وزارة التجارة والصناعة وتأهيل الاقتصاد، والثانية مع المجموعة المهنية للبنوك المغربية لتشجيع «المغادرين طوعا» ومواكبة مشاريعهم الاستثمارية.
وقد كان من نتائج هذه العملية الكارثية إفراغ مرافق الدولة، سيما الاجتماعية ( قطاع التربية الوطنية والتعليم العالي والصحة…)، من خبرات مهمة ونادرة أستعيض عنها عن طريق التعاقد، وأحيانا مع نفس الشخص «المغادر طوعا» للوظيفة العمومية.
بيد أن العملية حققت، بنظر الدولة، نتائجها المرجوة، لأنها أدت إلى تحقيق ربح إجمالي بلغ 15 مليار درهم، وتقليص أعداد الموظفين بنسبة 7,59 من مجموع الموظفين المدنيين، وكذا تقليص كتلة الأجور وتخفيف انعكاسها على ميزانية الدولة بنسبة 8,5 % ، بحيث أصبحت، في سنة 2006 لا تمثل سوى 12 % من الناتج الداخلي الخام بعد أن كانت برسم سنة 2005 تصل إلى حوالي 13,6 %.
وهكذا، تكون العملية قد حققت نجاحا باهرا بمقاييس التقشف التي يفرضها البنك العالمي، بصرف النظر عن نتائجها الوخيمة على جودة الخدمات التي تقدمها مرافق الدولة.
2- حذف السلالم الدنيا: تكريس لهشاشة التشغيل، ومنح وظائف لشركات مناولة
شهد العقد الثاني من هذا القرن تصاعد الهجوم على الوظيفة العمومية بجملة إجراءات كان من أهمها حذف السلالم الدنيا من 1 إلى 5 ( مع الأسف، رحب به جدا بعض اليساريين في النقابات العمالية واعتبروه مكسبا تاريخيا ؟؟)، متغافلين عما ترتب عن هذا الإجراء من ضياع ما يزيد على 115.000 منصب شغل قار ودائم في إدارات الدولة والجماعات الترابية تم تعويضه باللجوء إلى تشغيل الشباب عن طريق شركات المناولة ( المقاولة من باطن) بعقود شغل مزرية وبدون أدنى ضمانات. وكذا تجميد التوظيف في سلالم الأجور من 5 إلى 10،( ثم إلغاء السلم 5 في يونيو 2014).
إلغاء الوظائف تحت غطاء إعادة هيكلة الانظمة الأساسية وتجميعها
نتج عن تجميع الانظمة الأساسية لقطاعات الوظيفة العمومية التي تمت مباشرتها في سنة 2010، تحت ذريعة تجميع الدرجات النظامية متشابهة المستوى العلمي المطلوب لولوجها، وطبيعة المهام الموكولة للموظفين المنتمين إليها، وآفاق المسار المهني الخاص بها، وشروط الترقي داخل هذا المسار، إلغاء ما يزيد عن 145.000 ألف منصب شغل قار ودائم مفترض، وذلك بتقليص عدد الدرجات والأطر، إذ تم حذف 156 درجة و20 نظاما أساسيا من بين حوالي 51، وتوجت بإصدار الأنظمة الأساسية المشتركة الخاصة بالمتصرفين والمحررين والمساعدين الإداريين والمساعدين التقنيين في 29 اكتوبر 2010. وهذا توجه سبق لفرنسا ان سلكته منذ تسعينيات القرن الماضي بتقليص عدد درجات التوظيف من 1500 درجة إلى زهاء 300 درجة في عهد حكومة ساركوزي.
طبعا، لم يخل هذا الهجوم من بعض التنازلات الطفيفة من قبل الدولة للحد من الانفجارات الاجتماعية التي قد تترتب عنه، ذلك ان حذف السلالم الدنيا من 1 إلى 5 كان مقابله هو ترسيم 42000 عون مؤقت أو عرضي ما بين سنتي 2001 و2010 بتكلفة مالية قدرتها وزارة المالية في ذلك الوقت بـــ 415 مليون درهم، وهي لا تعني شيئا مقابل إلغاء أزيد من 115.000 وظيفة وتحويلها لصالح الرأسمال الخاص الذي أضحى يستثمر فيها من خلال شركات المقاولة من الباطن ( في وظائف الحراسة، النظافة، والبستنة…).
3- ترقية الموظفين: بين هزالة المردود المادي واستفحال التمييز المهني بين الموظفين
تحت ذريعة تكريس الاستحقاق والكفاءة والشفافية، تم ضرب حق الموظفين في الترقية بناء على الشهادة التي كانت تتيح للموظفين تحسين وضعهم المادي والاجتماعي. فقد جرى حصر الترقية في الاختيار(الذي تتحكم فيه الإدارة) وامتحان الكفاءة المهنية ، اي اختبارات كتابية وشفوية لا تراعي في غالب الأحيان طبيعة المهام والوظائف التي يزاولها الموظفون، فضلا عن كونها تتم في ظروف انعدام شفافية، وتخضع لأهواء الإدارة. هذا بالإضافة إلى عدم انسجام الشروط، إذ تستفيد بعض فئات الموظفين من اجتياز هذه الامتحانات في أربع سنوات، فيما يجتازها باقي الموظفين في 6 سنوات. هذا دون الحديث طبعا عن ضعف القيمة المالية المترتبة عن الترقية لا سيما بالنسبة لموظفي سلالم الأجور الصغرى.( مثلا مساعد إداري يبدأ مشواره المهني ب 3.000 درهم شهريا، وينهيه بعد أزيد من 40 سنة من العمل في 4.300 درهم في الشهر؟

مهدي رفيق

شارك المقالة

اقرأ أيضا