سوريا: الثورة مستمرة !

كان يوم الرابع من آذار/مارس يوما مذهلا، شهدت خلاله عشرات المدن والبلدات مظاهرات جماهيرية سلمية اجتاحت الشوارع. في شمال سوريا ووسطها وفي ريف دمشق وجنوب البلاد، شملت المناطق ” المحررة”.
وكان العلم الوحيد، الذي رفعته هذه المظاهرات، هو علم الثورة الشعبية ، بغياب كامل لكل الاعلام السوداء للاسلاميين . واستعادت اللافتات والشعارات التي رفعتها الجماهير الثائرة في هذه المظاهرات تلك التي كانت ترفعها في السنتين الاولى للثورة.
في حين غابت المظاهرات ، هذه المرة، عن المناطق التي يسيطر عليها نظام الطغمة الدموي لآل الأسد ، وعن تلك المناطق التي تسيطر عليها المنظمة الفاشية داعش . كما ان شهود عيان أشاروا الى مدى الارتباك والصدمة التي اصابت مقاتلي جبهة النصرة الرجعية والمعادية للثورة امام الحشود الجماهيرية ، حيث قام بعض مقاتليها بتمزيق علم الثورة والهتاف منددين بالديمقراطية والعلمانية باعتبارهما كفر وشرك .
في الرابع من آذار/مارس ، ومع صمت الأسلحة وتراجعها ، النسبي، احتلت الجماهير ،بمظاهراتها ، الشوارع والساحات.
يوم رائع !
يتعرض الشعب السوري منذ خمس سنوات الى حرب بلا رحمة يشنها ضده النظام الحاكم. من قصف للمدن وتدمير واسع للمنازل ونحو نصف مليون قتيل وثلاثة أضعاف هذا العدد من الجرحى ونحو نصف السكان نازحين ولاجئين.
على ارضية هذه الحرب المجرمة ضد الشعب والتي ترافقت مع تحطيم النسيج الاجتماعي برزت المقاومة الشعبية المسلحة ، لكنها كانت معزولة وبدون دعم حقيقي وبغياب لتضامن فعلي معها. فقد اختارت القوى الاقليمية دعم الفصائل الاسلامية منها على حساب الجيش السوري الحر . وهكذا أصبحت هذه المنظمات الرجعية المسلحة مهيمنة . وبذلك وجد الحراك الشعبي (السلمي والمسلح) نفسه يواجه وحيدا ، منذ ثلاث سنوات، لكتلتين من قوى الثورة المضادة: النظام وحلفائه، من جهة. والمنظمات المسلحة الرجعية كداعش والنصرة وأمثالها، من جهة اخرى.، فشهد الحراك الشعبي تراجعا واضحا خلال السنوات الثلاث الاخيرة، وتعرض مجال عمله العام الى تقلص كبير ، كما تعرض هو نفسه الى كل اشكال القمع من قبل كافة أطراف الثورة المضادة المذكورة.
وجاء التدخل العسكري الروسي في نهاية شهر أيلول/سبتمبر من العام الماضي ليفاقم من الوضع الإنساني لسكان المناطق ” المحررة” ، وفي الوقت نفسه عدل في موازين القوى لصالح النظام، وهو الهدف الذي سعت اليه روسيا بوتين كمدخل تحتاجه قبل ابرامها لتوافقات مع الادارة الامريكية فيما يتعلق برؤيتهما المشتركة للحل “السياسي” في سوريا . وتم ترجمة هذه التوافقات في الوثائق التي صدرت عن مؤتمرات ميونخ وفيينا ، وايضا في قرارات مجلس الأمن الاخيرة الخاصة بسوريا ( القرارين 2254 و 2258).
هذه التوافقات للقوتين الإمبرياليتين الاكبر في العالم سمحت لهما بفرض “وقف مؤقت للأعمال العدواني” بدءا من يوم 27/2/2016 ، وهو وقف للأعمال العسكرية يستثني منه كلا من داعش وجبهة النصرة.
والحال، فان وقف القصف والحرب هو ايضا مطلب وضرورة للجماهير السورية بعد خمس سنوات من المذابح والإنهاك . لكنه لوحظ انه ومنذ اليوم الاول للهدنة ظهرت بوادر نهوض جديد للحراك الشعبي ، وهو ما تم تأكيده يوم الرابع من آذار/ مارس مع موجة المظاهرات الكبيرة التي شهدتها البلاد. لقد كان الشعار المشترك والاساسي لهذه المظاهرات هو ” الثورة مستمرة” ، ونجد شعارات اخرى أساسية مثل “الشعب يريد إسقاط النظام”، وايضا شعار ” انها ثورة وليس حرب أهلية ” وكأن الجماهير الثائرة ترد بهذا الشعار على ادعاء لدى بعض اليساريين بان الثورة السورية انحطت الى حرب أهلية (بل وطائفية) بين أقسام متقاتلة من السكان.
تستعيد الثورة الشعبية السورية انفاسها وعافيتها الثورية بعد ثلاث سنوات من التراجع . ان واجب كل ثوري هو الانخراط فيها فعليا من اجل انتصارها والعمل على تحقيق تضامن ملموس معها.
لأن نهوض الثورة السورية الجديد يقطع ايضا مع مرحلة الثورة المضادة على صعيد الإقليم .
فالثورة السورية تفتح مرحلة ثورية متجددة ، علينا ان نعمل كل ما في طاقاتنا من اجل انتصارها.

عاشت الثورة !

غياث نعيسة

5 آذار / مارس 2016

 

شارك المقالة

اقرأ أيضا