الكاتبة الروسية لاريسا رايزنر: حياة من أجل الثورة

النساء8 مارس، 2019

ولدت لاريسا رايزنر في  أول ماي 1895  بلوبلن في بولندا. تلقت تعليمها في فرنسا و ألمانيا ، البلدان اللتان كان يقوم فيهما الوالد بدراسات ثم بعدها عاش كلاجئ سياسي.  التقت خلال طفولتها في ألمانيا بيبل و كارل ليبكنخت خلال اللقاءات التي رافقت محاكمات   Koenigsberg.

استقرت الأسرة ما بين 1903 و 1907 في برلين ألمانيا بسبب نشاط الأب السياسي حيث تفتحت عيون الطفلة لاريسا على الحياة العمالية حين كانت ترافق زميلاتها إلى المدرسة.  بعد انطلاق ثورة 1905 بروسيا ، عادت الأسرة مرة أخرى إلى البلد، إلى سان بترسبورغ، حيث بعدها أتمت بعدها الدراسة لتلج جامعة المدينة.

أثناء انطلاق الحرب العالمية الأولى قامت الأسرة برهن ممتلكاتها من أجل نشر مجلة لاريسا  المناهضة للحرب Rudin .

بدأت الثورة في روسيا. فواكبتها لاريسا الشابة بكل جوارحها.  لقد كانت المقالات والتحقيقات التي أجرتها تعبر عن الفهم العميق لحوافز العمال الإبداعية. لقد رأت لاريسا في كل أعمال الطبقة العاملة ذات السلطة الجديدة ، تقدما ملموسا نحو الهدف المنشود، الاشتراكية، الشيء الذي أدانه أغلب مثقفي تلك الفترة. لقد حدست لاريسا مقدرات الطبقة العاملة ـ الثورة ـ فتبعت ندائها.

لقد أخذت على عاتقها النضال النظري  ضد كرينسكي،  في سعي لوقف التحالف مع البورجوازية. إن واقع أندية العمال والمسارح الذي نقلته في كراساتها ومقالاتها، أيام قبل أكتوبر، كانت صورة حية.  لقد أحبها كل البحارة كواحدة منهم. لأن شجاعتها تضمنت عفوية وإنسانية. لم يكن هناك نفاق في مشاعر الجماهير نحوها.

التحقت رسميا بالحزب البلشفي في عام 1918.عملت بفضل خبرتها  إلى جانب  لوناتشارسكي في الدفاع وحفظ تراث العهد القيصري ضد المحاولات التي استهدفت القضاء على كل ما يتعلّق بماضي القياصرة الروس. كان مقر المحفوظات والمتاحف ” قصر الشتاء” نفسه.

لم تستطع لاريسا الوقوف متفرجة ، حين كانت حياة الثورة على المحك ، فتوجهت إلى الجبهة لتقاوم بجانب رفاقها. فانضمت  لرفاقها في ، حين اندلعت الحرب الأهلية ( بين الجيش الأحمر الذي يضم العمال و الفلاحين من جهة ومن جهة أخرى الجيش الأبيض المدعوم من الملاك والرأسماليين الكبار الروس إلى جانب الامبريالية العالمية ) دفاعا عن الثورة. لقد كانت بمرتبة مفوضة سياسية في الجيش الأحمر. شاركت المناضلة بكل أحاسيسها وجوارحها في الدفاع عن مكتسبات الثورة، فألهمتها معارك العمال لتضع تأريخا لقتال الطبقة العاملة من أجل الحرية في كتاب ” الجبهة” و” سفيياجسك ” .

يقول تروتسكي  عن لاريسا التي شاركته المعارك في ” سفيياجسك “في سيرته الذاتية “حياتي” : “أما لاريسا رايزنر .. فقد سطع نجمها هي الأخرى في الجيش الخامس ، كما في الثورة برمتها. هذه الشابة الرائعة كانت تبرق في سماء الثورة كشهاب مضيء يعمي الكثيرين. وبمظهرها كإلهة  أوليمبية ، جمعت رايزنر بين دهاء العقل و إقدام المحارب.”.

غادرت لاريسا في سنة 1920 رفقة زوجها راسكولينيكوف الاتحاد السوفيتي باتجاه  أفغانستان كمبعوث سياسي، خلال السنتين التي قضتهما في المهام دبلوماسية، قامت لاريسا بدراسة الإمبراطورية البريطانية وتاريخ الشرق و تاريخ صراع الهند من أجل التحرر. إن كتابها ” أفغانستان ” يدل على تحولها من ثورية روسية إلى محاربة في جيش البروليتاريا العالمية.

أثناء العودة في سنة 1923 ، اكتشفت لاريسا بلدا  جديدا  بدأت يقوم على أرجله عبر خطوات حثيثة نحو الاشتراكية، لكنها  قاسية.  لقد تفهمت ضرورة السياسة الاقتصادية الجديدة، لكن صعُب عليها (إلى جانب رفاقها في الحزب) أن ترى التضحيات التي يتطلبها بناء اقتصاد صناعي قوي.

كان الإيمان الأممي بقضية العمال راسخا لدى لاريسا . في أكتوبر من نفس السنة ، كانت الوجهة هذه المرة ألمانيا ، التي انطلقت بها الثورة.

التحقت بالعمال في ألمانيا التي كانت تهتز على وقع تحركات الطبقة العاملة من أجل فك قيودها من النير الرأسمالي. كان هدفها تقديم كل مساعدة لرفاقها و رفيقاتها في ألمانيا و أيضا من أجل ربط جسور التواصل و التنسيق بين جيشي الطبقة العاملة (الروسية والألمانية). انتقلت من  Dresden إلى برلين ثم هامبورغ شاهدة على الجماهير التي تعاني الجوع و البطالة، مارة على المستشفيات لتلقي نظرة على العمال المنهكين ناقلة ألامهم و أفكارهم . ففي الوقت الذي كان القادة الثوريون الروس في ألمانيا ينظمون اللقاءات مع نظرائهم الألمان الذين عُدموا التواصل مع الجماهير ، كانت لاريسا تعيش حياة هاته الجماهير.لقد كانت تجد المفاتيح لتدخل قلوب الجماهير.كانت حياتها بينهم شبيهة بتلك في بطرسبورغ.  عاشت الثورة بين زوجات محاربي هامبورغ، فشهدت حماسهن .التصقت بالعمال خلال المعارك ضد البورجوازية الألمانية . كما شاركتهم شجاعتهم أمام المتاريس، رأت الهاربين خلال انسحابهم. لقد نقلت أبلغ صورة عن المعارك في هامبورغ  في كتابه القصير  Hamburg at the Barricades . كتاب أدانته محكمة ألمانية، فأمرت بإحراقه.

لم تتشائم لاريسا ، حين تعرضت الثورة في ألمانيا لهزيمة قاسية، تكبدت خلالها الطبقة العاملة هزيمة نكراء بفعل نتائج خيانة الاشتراكية الديمقراطية و من جهة أخرى ضعف القيادة العمالية. لقد كانت النتيجة وخيمة، صعود نازي أجهز على كل مكتسبات الطبقة العاملة.  لم تثبط هزيمة الثورة من عزيمة لاريسا فعادت مجددا لروسيا، راسخة الإيمان بأن الهزائم قد تُوَلد مناضلين أقوياء لمعارك أخرى قادمة. فانخرطت بين الجماهير، في المصانع و المناجم، متنقلة  طوال الوقت عبر المركبات تارة و تارة أخرى ممتطية الخيول. حضرت اللقاءات العمالية و الفلاحية ملتقطة نبض الحياة الروسية. لقد كان كتابها Coal, Iron and Living People  ثمرة هذا العمل المضني. لقد كان الكتاب شهادة حية لأعمال الطبقة العاملة  الإبداعية قُدماً نحو الهدف الاشتراكي.

كتبت لاريسا رايزنر العديد من الكتب خدمة للثورة فقط ، لكن الموت أخذها في  ريعان شبابها . توفيت بعد إصابتها بالتيفوس.

لقد ولدت في اليوم الأممي للطبقة العاملة،  فكرست كل جهدها و حياتها خدمةً لثورة الطبقة العاملة أمميا.

في الختام لا نجد خير  ما كتبه عنها تروتسكي  في ” حياتي” : “.. كانت مخططاتها للحرب الأهلية أدباً. وبنفس القدر من الحيوية، كتبت عن الصناعة في الأورال و نهوض العمال في الرور. كانت مهتمة بمعرفة كل شيء و باستطلاع كل شيء، و كذلك بالمشاركة في كل شيء. و في خلال سنوات قليلة، صارت كاتبةً من الطراز الأول. وبينما خرجت بالاس ( ألهة الحكمة و الفنون عند الإغريق) الثورة هذه سالمة من الحرب و القتال ، أهلكها التيفوس في بقعة هادئة بالقرب من موسكو، قبل أن تتم عامها الثلاثين.  ”

العاصي

المراجع :

ـ ويكيبديا

ـ موقعmarxy . org

ـ كتاب  تروتسكي ” حياتي ” ترجمة أشرف عمر.

شارك المقالة

اقرأ أيضا